مجلة الرسالة/العدد 272/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن
مجلة الرسالة/العدد 272/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن
أمسلم مصري أم مبشر بروتستنتي؟
لأستاذ جليل
- 2 -
أراد الكاتب المسلم في تلك المجلة أن يغم إحدى الجريمتين - أعني جريمة اللصوصية - فأوراد في تضاعيف أقوال المبشرين هذا المُمْلي:
(ألسنا نقرأ قوله تعالى: (جنتان ذواتا أفنان) ونراه يثني (ذات) بذواتا مع أن نحونا يقول: إن مثنى ذات ذاتا)
(وقوله تعالى: (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليما) فلا ندرك سر نصب الظالمين إلا عندما يقول لنا المفسرون إنها منصوبة على التخصيص)
(وقوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين). فنسأل كتب النحو لماذا لم يقل طائعتين بدلاً من طائعين، وهو يخاطب مثنى والمجيب مثنى أيضاً فلا تسعفنا كتب النحو بجواب وإنما يسعفنا المفسر بقوله: إن المجيب هنا هم سكان السماء والأرض فنفهم المعنى وإن اختلفت القاعدة)
إن تلاعب الكاتب بخلطه أقوالاً بأقوال لم يستر لصوصيته بل ثبتها تثبيتاً، وعلن بأنه خريج في الضلال والتضليل غير حاذق، ودل على أنه يجهل (النحو) الجهل كله و (قتلت أرضٌ جاهلَها) وسأبين اليوم تخليطه ثم أجيء إلى كتاب المبشرين مغلط القرآن في العربية. . .
قال الكاتب المسلم: (. . . مع أن (نحونا) يقول إن مثنى ذات ذاتا)
أقول: إن علم العربية (أي النحو) في كتبه المختصرة وفي مؤلفاته الكبيرة يقول: إن مثنى ذات (ذواتان) وتقول مثل قوله المعجمات القديمة والمعجمات العصرية المبثوثة في كل مكان. و (ذاتان) قليلة جائزة في الشعر، وهي ليست بالقاعدة
قال (الكاتب): (فإنك تقول: ذووي ردّ إلى أصله، لأن أصله فعَّل؛ يدلك على ذلك قولهم ذواتان، وكذلك الإضافة إلى ذاه ذوَويّ) وقال الرضي في (شرح الكافية): (وردَّ لام ذات في التثنية فقالوا: ذواتا مال، وقد جاء أيضاً ذاتا مال وهو قليل)
وقال ابن منظور في (لسان العرب): (وتقول هي ذات مال وهما ذواتا مال، ويجوز في الشعر ذاتا مال والتمام أحسن) ونقل قوله الزبيدي في (تاج العروس)
قال الكاتب المسلم: (. . . فلا بد سر نصب (الظالمين) إلا عند ما يقول لنا المفسرون إنها منصوبة على التخصيص)
أقول: قد ذكرني كلام هذا الكاتب بقول للعامة: (فلان من معرفته بالصحابة يترضى عن عنتر) وصاحبنا من تضلعه من النحو يخلط الخلط الذي ترى. وقد أوضحت الكتب المصنفة للصبيان (مثل الألفية وشرحها لابن عقيل) هذه (القاعدة) وعنوانها فيها: (اشتغال العامل عن المعمول). قال سيبويه في (هذا باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدأ مبنياً عليه الفعل): (رأيت عمراً وعبدَ الله مررت به، ولقيت قيساً وبكراً أخذت أباه، ولقيت خالداً وزيداً واشتريت له ثوباً. وإنما اختير النصب ههنا لأن الاسم الأول مبني على الفعل فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم. ومثل ذلك: قوله عز وجل يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً)
وقال (المفصل) في (ما أضمر عامله على شريطة التفصيل): (فالمختار في موضعين أحدهما أن تعطف هذه الجملة على جملة فعلية)
قال شارحه ابن يعبش: (إذا كان النصب من غير تقدم فعل جائزا كان مع تقدمه مختارا إذ فيه تشاكل الجملتين؛ قال الله تعالى: (يدخل من يشاء الآية)
يقول الكاتب المسلم: (. . . فنسأل كتب النحو لماذا لم يقل طائعتين. . .)
قلت: لو سأل الكاتب (النحو) لأجابه، ولو استهدى لهُدي، لكنه كأنه في مسطوره - فاهالفيه - من (المصحبين. . .) فهو (يلفت القول لفتاً ماضياً على المخَيّل)!
إن المثنى قد تبدي (جمعاً) إذ (أن المثنى جمع) كما قال الرضي شارح (الكفاية) و (من حيث أن التثنية جمع في الحقيقة) كما قال ابن يعيش شارح (المفصل) و (نظيره قولك: فعلنا وأنتما اثنان فتكلمُ به كما تكلم به وأنتم ثلاثة لأن التثنية جمع) كما قال كتاب سيبويه: و (من سنن العرب إذا ذكرت اثنين أن تجريهما مجرى الجمع) كما قال الثعالبي في (سر العربية ومجاري كلام العرب وسننها) وهذا من النحو - والنحو أنحاء - والذي حوَّشته مصنفاته هو جزء من أجزاء، وقد أبان ذلك العالم الشيخ (إبراهيم مصطفى) في كتابه (إحياء النحو)
وقد قال (الكتاب): قالتا أتينا طائعين - ولم يقل طائعتين والسماء والأرض مؤنثتان لأن النون والألف اللتين هما كناية أسمائهما في قوله: (ائتيا) نظيرة كناية أسماء المخبرين من الرجال عن أنفسهم فأجرى قوله طائعين على ما جرى به الخبر عن الرجال كذلك)
وإن قال جاهل ضال عمه أو خادم جوعان من خدام المحترفين بالتبشير (التضليل). هي السماء وهي الأرض فتأتيان طائعات لا طائعين فما لهما والياء والنون - أجاب (النحو) في الكتاب): (وأما كل في فلك يسبحون، ورأيتهم لي ساجدين، ويا أيها النمل ادخلوا مساكنكم فبمنزلة من يعقل من المخلوقين ويبصر الأمور، فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء تؤمر وتطيع وتفهم الكلام وتعبد بمنزلة الآدميين) وقال ابن يعيش مثل هذا، وقال (النحو) في (شرح الكافية): (يشبه غير ذوي العلم بهم في الصفات إذا كان مصدر تلك الصفات من أفعال العلماء كقوله تعالى: (أتينا طائعين) وقوله (فظلت أعناقهم لها خاضعين) (ورأيتهم لي ساجدين) ومثل ذلك في الفعل: (وكل في فلك يسبحون) وقال كتاب (أسرار العربية) لأبي البركان الانباري: (فإن قيل: من أين جاء هذا الجمع في قوله تعالى: (فقال لها وللأرض الآية)؟ قيل: لأنه لما وصفها بالقول والقول من صفة من يعقل أجراهما مجرى من يعقل، وعلى هذا قوله تعالى: (إني رأيت الآية) لأنه لما وصفها بالسجود وهو من صفات من يعقل أجراها مجرى من يعقل، فلهذا جمعت جمع من يعقل) وفي (أسرار العربية) للثعالبي مثل ذلك
وذكر الكاتب المسلم في هاتيك المجلة: (إن هذان لساحران) مشددا النون، وسلك في القول الكريم المسلك الزائغ المنحرف. وفي قول (الكاتب) قراءات: (إن هذين لساحران) (وإن هذان لساحران) وإن مخففة واللام هي الفارقة و (إن ذان إلا ساحران) و (أن هذان ساحران) بفتح أن وبغير لام بدل من النجوى، و (إن هذان لساحران) والهاء مراده والتقدير إنه هذان لساحران، وحسنت اللام إذ كانت الجملة مفسرة للمضمر كما قال ابن يعيش. وقال الرضي: (وقد جاء ذان وتان واللذان واللتان في الأحوال الثلاثة) ومما قاله في (ذان): (ذان صيغة مرتجلة غير مبنية على واحده ولو بنيت عليه لقيل ذيان)
ذلك بيان نحو العربية (علم العربية) - لا تفسير المفسرين - في أقوال في (كتاب العربية) وقد أطلت بما أوردت لكيما تعلن خربشة المخربشين وتخاليط المخلطين علانية، وليعلم الجاهلون إما كانوا ينشدون هدى وعلما أن ليس ثم (نحوان): نحو العربية ونحو (القرآن)، إنما هو نحو (الكتاب)، وإنما هو نهج (الكتاب)، وإنما هو بلاغة (الكتاب)، وإنما هي سنة (الكتاب)، وإنما هي شرعة (الكتاب). وهل أقام (قواعد) العربية، وهل شاد مجد العربية، وهل أبدع حضارة العربية، وهل هدى الناس كلهم أجمعين إلا القرآن؟
إنه (والله) لمن دواهي الدهر أن يصير أناس في الغباوة والجهل إلى حيث صاروا، فنجبر أن نقعد نشرح الجلي كل الجلي، وأن نقول مصوّتين في الشرق، في مصر، في نهار غير مغيم، في راد الضحى، أو في الظاهرة: هذه الشمسُ وهذا ضوءها، فانظروا يا ناظرين. . .!
الإسكندرية
(* * *)