مجلة الرسالة/العدد 271/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 271/كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن

مجلة الرسالة - العدد 271
كتاب المبشرين الطاعن في عربية القرآن
ملاحظات: بتاريخ: 12 - 09 - 1938



أمسلم مصري أم مبشر بروتستنتي؟

لأستاذ جليل

- 1 -

اقترحت وزارة المعارف المصرية ذاك المقترح في تيسير (القواعد)، وأعلن أولئك الفضلاء (الميسرون) منهجهم، فقال قائلون من العلماء لما رأوه: إن هذا التيسير تعسير، وإنما تسهيل القوم تصعيب. وتجادل الفريقان في الجرائد والمجلات والكراريس. و (كتاب العربية) يقول: (فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)

والعربية هي كسائر اللغات وليست بأصعبهن، وإن نحوها - وإن لطفت دقائقه وجلت حقائقه - إلا كنحوهن

وليست المشكلة في صعوبة اللغة أو سهولتها ولا في (قاعدتها) وإنما هي في (المعلم والكتاب) فهما اللذان يسهلان ويصعبان، وهما اللذان يهديان ويضلان، وهما اللذان يحببان إلى الفتى لغته أو يكرهان. فالمعضلة كل المعضلة هي في المعلم وعلمه وتعليمه وكتاب كل صف من الصفوف وتبويبه وتربيته وتبيينه، ولو غزت الوزارة هذين لقرطست

ومن ظن أو أيقن أن تقريب العربية أو تسهيلها هو في تهديم قواعد فيها - فهو مهوَّس يهذي، أو موسوس يلغو. وليست اللغة العربية ملك كاتب أو كويتب، أو أديب أو أُدِّيب، أو عالم أو عويلم، حتى يتصرف فيها تصرف المتملكين، كلا، ثم كلا. إنها تراث قرون وملك أمم، فأين يذهب بكم يا لاعبون؟

واللغات في المشارق والمغارب إنما يقدم فيها ويؤخر، ويلغي ويعلق، وينقص أو يزيد، ويحيا أو يبيد - فأنه لا يفعل ذلك إلا الاحتياج الطبيعي أو الانتخاب الطبيعي وإلا الدهر، لا اللاعب العابث ولا الجاهل الغر. ولقد كان التبديل الطبيعي في هذا اللسان في كل عصر. ولو استمرت تلك المدنية، ولولا التتر والصليبيون المخربون في الشرق، والفرنج الجاهلون المدمرون في الأندلس في الغرب، لرأت الدنيا من ارتقاء العربية كل عج كان مقترح الوزارة أو فتنة الوزارة، وجاء شر يقفوه شر، وأهزأ مهرئون، وانبرى الصبيان يقولون، ونطق الرُّوْبيِضة (واستنت الفصال حتى الفرعي) ثم جاءت الطامة الكبرى: (أعني الضلال الضال في مجلة في القاهرة؛ فقد نجم فيها ناجم وتهدًّم على هذا اللسان العربي وكتابه الكريم بالقول السخيف مُشيعاً بالرأي الركيك والصنع اللئيم. ولو أقتصر هذا الخارجي على بقبقته في تقويض (القواعد) أو نسفها ما باليناه بالةً ولقلنا:

إنما هو ضحكة جاء بأضاحيك، فليضحك الضاحكون؛ لكنه شاء أن ينقلب لعنةً يلعنه اللاعنون؛ فقد تمسك هذا الكاتب في هاتيك المجلة بالذيل أو (التذييل) لكتاب (مقالة في الإسلام) لجرجس سال الإنكليزي (وهو الكتاب الذي نشرته جماعة التيسير بل التضليل من البروتستانت في مصر) وانجرأ واستجر مسلم ابن مسلمين - يا للأسف - للطاعنين في الدين، والمُقْدمين وقحين على تنقص القرآن وتغليطه في العربية. . .!

وهذا هراء صريع (التضليل)! وهذا بذاء صاحب (التذييل)! فاسمع - يا أخا العرب - غرائب العصر، ومضحكات في مجلات في مصر؛ بل شاهد أشراط الساعة، بل انظر أهوال يوم القيامة!

قال الكاتب المسلم في المجلة:

(وإلا فكيف نعرب كلمة (الصابرين) في قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء) كيف نعرب كلمة الصابرين المنصوبة هنا مع كونها معطوفة على جميع المرفوعات التي سبقتها إلا إذا عاوننا المفسرون؟)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت:

(وإذ قد تقرر هذا فلنشرع في تعقب خطئه. قال في سورة البقرة: (ليس البر الآية) وكان الوجه أن يقول والصابرون لأنه عطف على قوله والموفون، لكن المفسرين قالوا إنه نصب الصابرين على المدح)

قال الكاتب المسلم في المجلة: (وقوله تعالى: (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) فنفهم المعنى وإن فات بعضنا سر جزم (أكن) مع مجيئها معطوفة على فعل (أصدق) المنصوب بفاء السببية!)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت:

(وقال في سورة المنافقين (وأَنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) بجزم أكن والوجه وأكون بالنصب)

قال الكاتب المسلم في المجلة:

(وقوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) فنفهم معنى الآية وإن كنا لا نفهم لماذا قال (كن فيكون) بدلا من كن فكان مادام سياق الرواية كله في صيغة الماضي)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت:

(وقال في سورة آل عمران: (إن مثل عيسى الآية) والوجه فكان، وفي هذا الموضع يقتضيه بصيغة الماضي)

قال الكاتب المسلم في المجلة:

(وقوله تعالى: (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا) فنفهم المراد وإن عجبنا لتأنيث العدد مع أن العدد مذكر، وإن قيل لنا إن السبط يذكر ويؤنث فسنظل نعجب من جمعه المعدود ونتساءل لماذا لم يقل اثنتى عشرة سبطا)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت: (وقال في سورة الأعراف (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا) فأنث العدد وجمع المعدود والوجه التذكير في الأول والإفراد في الثاني كما هو ظاهر)

قال الكاتب المسلم في المجلة: (وقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون من آمن بالله. . . الخ) فنفهم معنى الآية ويدهشنا في الوقت نفسه رفع (الصابئون) رغم كونها معطوفة على المنصوبات التي قبلها وكلها واقعة في اسم إن)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت: (وقال في سورة المائدة: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والوجه أن يقول والصابئين)

قال الكاتب المسلم في المجلة:

(وقوله تعالى: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر) فنفهم أيضاً معنى الآية ونحن لا ندري من سر نصب (المقيمين الصلاة) مع كونها معطوفة على المرفوعات التي سبقتها وأعقبتها إلا ما يقوله المفسرون من أنها وحدها منصوبة على التخصيص)

وقال كتاب المبشرين البروتستانت: (وقال في سورة النساء (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر) وكان الوجه أن يقول والمقيمون الصلاة كما قال بعده والمؤتون الزكاة. هذا ما تقتضيه القاعدة إلا أن المفسرين زعموا أنه نصب المقيمين الصلاة على المدح)

فمسطور (المضلَّل) - كما يرى القراء - هو مكتوب (المذيَّل) وقد نتش (المسلم) أقوال (المبشر) وأربى عليها ذاك الهزأة باستهزائه بآيات (الكتاب). وهل قوله (وإن كنا لا نفهم لماذا) (فسنظل نعجب) (ويدهشنا في الوقت نفسه) - إلا تهكم؟!

وقد تَتَرّس الكاتب في المجلة بقوله (وقوله تعالى) وما حكى (وقوله تعالى) ومسيء إلى إسلاميته وعربيته ومصريته وشرقيته بتصديق الحاقدين الجاهلين ومظاهرة المبشرين رسل الغربيين المغيرين - إنما هو أعزل، وإنما هو أكشف، وإن استجن بكل ترس أو مجن

وسأبين جهل الجاهل وضلال الضال تبييناً

الإسكندرية

(* * *)