مجلة الرسالة/العدد 271/فلسفة الأسماء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 271/فلسفة الأسماء

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 09 - 1938



للأستاذ السيد شحاتة

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

القديم والحديث من الأسماء

الأسماء عنصر تاريخي مهم إذ نعتمد عليها كثيراً في الاستدلال على مختلف التقلبات السياسية والاجتماعية، وترشدنا إلى مقدار النفوذ والسلطة لطائفة أو فرد في أيام معينة، كما أن منها ما يتناساه الناس حيناً من الدهر خوفاً من بطش الجبابرة. وقد قالوا إن الناس كانوا يتحاشون تسمية أبنائهم بأسماء علوية خوفاً من بطش الأمويين

هذا إلى أن الأسماء أوضح بيان ولع المغلوب بالتشبه بالغالب ومحاكاته، فمصر في أيامها الحديثة غلبت عليها أسماء تركية أيام أن كانت تابعة للعثمانيين، وسار بعض الناس في تيار الأسماء الأجنبية بعد الاحتلال. كما أننا نجد الأسماء الفارسية واليونانية تشيع أيام العباسيين مما يدل على نشاط هذه العناصر وقوتها في تدعيم أركان الدولة

وقد ينتاب الناس نوع من الاندفاع فيأخذون باسم مخصوص فتكثر التسمية به ويزيد الإقبال عليه. وقد لاحظت ذلك في مواطن معينة من القطر المصري فوجدت اسما مخصوصاً يشيع في الفيوم وآخر يفشو في طنطا وثالثاً يذيع في المنصورة وهكذا. . وليس لذلك من سبب إلا وجود كبير أو ولي يشتهر في كل إقليم

وإننا لندرك عند البحث أن هناك أسماء بادت وانقرضت فلا يسمى بها الناس الآن إلا نادراً (أم الخير. ست أبوها. زنوبة. زهرة. حنونة. مصطفية. مريم - عمر. سالم. جرجس. حنا عثمان) وكثير من الناس اعتادوا في العصر الحديث أن يسموا أبناءهم بأسماء مستحدثة ينظر فيها إلى التجديد والابتكار والرشاقة اللفظية (نبيل. سمير. كميليا. سوسن. آمال. سهير)

كما أن هناك أسماء أخرى يميل أصحابها إلى الشذوذ والغرابة لاعتقادهم أن التسمية تحفظ صاحبها من العين والحسد، أو أنها تطيل العمر فتجد من يسمس (دحيكة. حلوتهم. حلموس. الفص. قطش. بعزق. بندق. مليم. أبو قرشين) وهناك أسماء تدل دلالة صريحة على الموطن، فعندنا في الصعيد مثلا أسماء مخصوصة قل أن تجدها في الوجه البحري (أبو عميرة، وأبو ستيت) ومن الأسماء ما يدل على الجنس كالأسماء الأرمنية فكلها تقريباً تنتهي؛ (يان) (ملكونيان ماتوسيان ببازيان صاروخان يعقوبيان)

الألقاب

لم تعرف اللغة العربية تفخيما في الأسماء قبل عهد العباسيين، وإنما نشأ عن اختلاط الفرس بالعرب إبان الدولة العباسية أن تأثر العرب بالمغالاة في التعظيم والتفخيم، فكانت أسماء الملوك لا ينطق بها أصلا وإنما يطلقون ألقاباً للتعظيم اشتهرت حتى أصبحت أعلاماً (الرشيد - الهادي - الأمين - المأمون)

وفي أزمنة الغلو الديني والتشيع المذهبي يقترن لفظ الجلالة بأسماء الخلفاء والأمراء (الحاكم بأمر الله والعزيز بالله والواثق بالله) وقد يتجرد الاسم عن لفظ الجلالة (المعتمد - المعتصم - المعتضد) مما دعا ابن شرف القيرواني إلى أن يقول:

مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد

وفي تركيا درج الأتراك منذ الزمن القديم على طريق ذكر الاسم مجرداً عن اللقب، إلا أنه في العهد الأخير قرروا أن يتخذوا ألقاباً تدل على أسماء تركية يظهر فيها معنى تاريخي أو قومي. فقد تسمي رئيس الجمهورية (أتاترك) ومعناها (أبو الترك)، كما لقب رئيس وزرائهم عصمت باشا بلقب (أون أوين) وهو أسم لبلدة ريفية كانت فيها الموقعة التي انتصر فيها الترك على اليونان في حرب الأناضول

وما تزال الأسر العريقة تشفع أسمها بألقاب مأخوذة من أسماء المقاطعات التي ينتمون إليها (دوق بربانت) - (برنس أوف ويلس) - (دوق يورك). وإن إطلاق اسم أمير الصعيد على صاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب لمن هذا القبيل. ولدينا في مصر بعض من الطرق الظريفة يلجأ إليها الناس في التسمية والتلقيب، فمن ذلك بعض الأسماء التي تطلقها بعض الجرائد والمجلات على كثير من الناس والهيئات فإذا بتلك الأسماء أشهر من الاسم الحقيقي. وفي كثير من الحوادث والمناسبات يشتهر إنسان باسم خاص فيصبح لقباً لأسرته من بعده لا يحيد الناس عنه كما أن ببلادنا نوعاً غريباً من التلقيب وهو دلالة الكنى على أسماء معينة: مصطفى (أبو درش) يوسف (أبو حجاج) حسن (أبو علي) إسماعيل (أبو السباع) علي (أبو علوة) إبراهيم (أبو خليل) محمد وأحمد ومحمود (أبو حميد) كل اسم مصدر بعبد (أبو عبدة) سليمان (أبو داود)

وقد جرت مصر على عادة الألقاب ففيها، كلمتا (أفندي) و (شيخ) وهما تمنحان بلا حساب ولا رقيب، ولقب حاج ويقابله عند المسيحيين المقدس، ولا يلقب بهما إلا من تمتع بالوصول إلى الأماكن المقدسة. وأما بك وباشا فهما من حق صاحب الجلالة مولانا الملك ينعم بهما على من يشاء. ومن الألقاب التي تملكها كل سيدة لقب (هانم) إلا أن العرف والعادة خصت الفتاة قبل الزواج بالآنسة وأطلقت عليها بعد الزواج لقب (السيدة) وقد سار الغربيون على عادة ذكر الزوج بعد اسم زوجته بدل أبيها. ولقد حاكاهم أخيراً كثير من المصريين وشاعت هذه الطريقة الآن , ومن أشهر من سمي بها (صفية زغلول. هدى شعراوي) وكثيرات غيرهما

وقد درج الناس على أن ينعموا بأحد اللقبين (أفندي وشيخ) على من يشاءون، يسمون من كان مطربشاً بالأول ومن كان معمما بالثاني، وفي ذلك من الحيد عن وجه الصواب وما فيه. أما الشيخ فهي كلمة عربية ومعناها (من تجاوز سن الشباب) أو (من توفرت له حكمة الشيوخ وفضلهم ولو كان شاباً). أما الأفندي فهي كلمة تركية كانت تطلق على ولي العهد في تركيا زمن الخلافة، ثم نقلت إلى مصر وشاعت فيها. وإنجلترا تسير على نظام الألقاب (مستر وسير ولورد) أما فرنسا فقد ألغيت فيها الألقاب ولم يبق للعظيم والحقير إلا كلمة (مسيو)، وكذلك فعلت تركيا في عهدها الأخير. وفي سوريا قررت الكتلة الوطنية هناك إلغاء جميع الألقاب من باشا وبك وأفندي وصاحب الدولة والفخامة والعزة والاستعاضة عن كل ذلك بلقب (السيد)؛ وقد قابلت الطبقات السورية كلها هذه الخطة بالمدح والاستحسان. أما في مصر فقد صدر قانون منذ خمس سنوات يحرم ألا يلقب بلقب إلا من أحرزه، فقلل بذلك الألقاب الزائفة إلا أن الأمر مع الأسف اقتصر على المكاتبات الرسمية والصحف. أما في غير ذلك فلا زال الناس يكيلون بغير حساب. وحسناً تفعل الحكومة المصرية لو أنها ألغت جميع الألقاب فيصبح متساوين ولا فضل لأحد على أحد إلا بعمله ونبوغه وقدرته

غرائب التسمية

للأسماء غرائب مدهشات نذكر بعضاً منها:

جرت العادة أن يعرف الإنسان باسمه واسم أبيه وأسرته، إلا أننا في كثير من الأحيان نجد الاسم يطغى على اسم الأب والأسرة فكثير من الناس قد يعرفون الملك أو العظيم باسمه فقط على أنهم يجهلون اسم أبيه

ومن عجائب الأسماء ما شاع اليوم من إطلاق اسمين على مسمى واحد، يظهر ذلك في الذكور والإناث (محمد طلعت - محمود شكري - زينب كميلة - فاطمة ثريا - ثروت هانم).

وفي مصر من أعجب الأسماء أننا نسمع عن اسمين أحدهما أخ للآخر، ولكنا لا نلمح أي اتفاق في اللقب حتى يكادان أن يكونا متباعدين (إسماعيل صدقي أخوه محمد نجيب شكري. عبد الخالق ثروت أخوه مصطفى رياض. أمين أنيس باشا أخوه محمد بك رياض) وتلك طريقة غريبة تضيع معها ألقاب الأسرات بمرور الزمن. ومن أغرب ما سمعت أن المدارس المصرية في عهد المغفور لهما محمد علي وإسماعيل كانت تطلق أسماء جديدة على تلاميذها يعرفون بها في المدرسة ويشتهرون بها في الحياة العامة

وفي الصين نجد معظم السكان لا تتعدى أسماؤهم أربعة (شانج - وانج)

وكل مسمى في الغالب له حظ من اسمه فالذي اسمه (ماهر، ذكي، سعيد) ينال في الغالب شيئاً من دلالة اسمه. و (فؤاد، فاروق، فايزة، فوزية، فوقية، فايقة، فتحية) أسماء بدأت بالفاء: فكل من يسمى بواحد منها يتفاءل أولا لأنها أسماء ملوك وأمراء، وثانياً لأن فيها معنى الفوز والفتح والفضل

والذين ينجمون ويتعرفون حظ الإنسان ويكشفون له عن مستقبله كل عمادهم على الأسماء: فهم يرون في حروف كل اسم ما يدل على حظ صاحبه وما قدر له في عالم الغيب، ولهم في ذلك طرق كثيرة: منها أنهم يقسمون الحروف طوائف وكل طائفة منها تدل على معان يتصف بها صاحب الاسم الذي تغلب فيه هذه الحروف. ومنها أيضاً أنهم يجمعون الأعداد الدالة على الحروف وهو ما يعرف عندهم (حساب الجمل) فيجمعون اسم الشخص واسم أمه ثم يسقطونها سبعة سبعة، والباقي يدل على حظ صاحبه

الأسماء واللغة

اصطلح علماء العربية على تقسيم الأسماء الأعلام إلى ثلاثة: كنية وهي المصدرة بأب أو أم (أبو طالب، أبو الفضل - أم كلثوم أم الخير) ولقب وهو ما أفهم مدحاً أو ذماً (الرشيد، الفاضل، الجاحظ، السفاح) والثالث اسم وهو ما سمي به الإنسان (أحمد، علي، فرج، سليم)

ولو تتبعنا معظم الأسماء لوجدناها تقريباً (من المشتقات) فمنها أسماء فاعلين (حامد، قاسم، راغب، ماهر، عادل) ومنها أسماء مفعولين (محمود، منصور، معروف، مبروك، مسعود) ومنها صفات مشبهة: (سعيد، بخيت، سمير، كريم، ذكي، نبيل) إلا أنه على الرغم من كونها مشتقة فإننا نعتبرها من القسم الآخر وهي أنها جامدة

كما أن هناك كثيراً من الأسماء يختلط فيها المذكر بالمؤنث (عطية، إحسان، ثروت، آمال، رجاء، صوفي) واللغة العربية تنزل المذكر المسمى باسم من هذا النوع منزلة المؤنث فتمنعه من الصرف

اقتراح

وأخيراً لقد تقدم عالم أمريكي وقال إن الأسماء قد كثرت كثرة عظيمة، وصارت من أسباب الفوارق بين أبناء الأمة الواحدة لدوافع دينية، فهو لذلك يقترح الاستغناء عن الأسماء بتاتاً وتسمية الناس بأرقام فيقال مثلا (43 ابن 35) وهكذا. ولذلك سوابق، فالمسجونون والعساكر وعمال الترام يعرفون في معظم الأحوال بأرقامهم

والإنجليز يشيع بينهم اسما (جون) و (إسميث) حتى ليبلغ عدد من يسمون بهذين الاسمين في إنجلترا مليوناً من السكان

وفي مصر نجد الأغلبية يشيع بينها (محمد، محمود، أحمد، علي)

وللألقاب كذلك غرابة: فبعضها يدل على معان غريبة، ربما كانت ثقيلة، ولكنها اشتهرت فأصبحت سهلة ذائعة مقبولة (البلط، الجحش، أبو شوشة، البرش. أبو شناف، عجور، شبايك)

الأسماء والقانون جرت العادة أن يطلق الاسم على الطفل فتسجله القابلة في سجل أعد لذلك بمكاتب الصحة، ومتى عرف الابن أو البنت بهذا الاسم فلا يجوز تغييره إلا بشروط خاصة، أن يتقدم الطالب إلى بعض الجهات القضائية ويدفع رسماً خاصاً، ويأتي بشهود ويسجل اسمه الجديد، والغرض من هذا التشديد في التغيير تضييق السبل أمام من يريد الفرار من حكم القضاء أو من دين عليه. وكثير من الناس يتقدمون لتغيير أسمائهم إما لأنها مكروهة في نطقها أو لاشتهارهم بغيرها بين الناس

وهناك كثير من الناس لهم أسماء رسمية وأخرى عرفية: فالأسماء التي سجلت في سجل الميلاد وهي الرسمية، وقد يعرفون بغيرها عرفاً واصطلاحاً بين مواطنيهم ولكن الأحكام القضائية والشهادات الدراسية تصدر بالاسم الرسمي

الأسماء والخط

التفاؤل بالأسماء والتشاؤم بها قديم جداً، فقد كان قدماء المصريين يتفاءلون بأسماء آلهتهم فيسمون بها أو ينسبون إليها (خفرع، آمون، حتب، توت عنخ آمون) وكان العرب يسمون أولادهم بأسماء يتشاءم منها (تأبط شرا، أبو الغول، أبو لهب، أبو جبل) وفي نفس الوقت يسمون عبيدهم بأسماء يتفاءل بها (الفضل، جوهر، فرج، سالم، سرور) وقد سئل بعضهم في ذلك فأجاب: (إنما سمينا عبيدنا لنا، أما أبناؤنا فسميناهم لأعدائنا) ومما يؤثر: أن عبد المطلب جد النبي حينما بشروه بولادة النبي قال سموه (محمداً) فإني لأرجو أن يحمد في الأرض وفي السماء، والمسلمون يتفاءلون دائما بهذا الاسم المبارك الكريم

ولكن الاسم فيه معنى من معاني التكريم للإنسان والسمو إلى منزلة يتفرد بها ويمتاز عن غيره من المخلوقات، فلو أخذنا بنظام الأرقام كان ابن آدم سلعة من المتاع ولكن من يدري:

فالليالي من الزمان حبالى ... مثقلات يلدن كل عجيب

السيد شحاتة

المدرس بالجامعة الأمريكية