مجلة الرسالة/العدد 191/شقية
مجلة الرسالة/العدد 191/شقية
للسيد عمر أبو ريشة
حثثت خطاي الحمر عن هيكل القدس ... وفي حمأة الأرجاس كفرت عن رجسي
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنما ... وجدت عزاء النفس أقتل للنفس
دعوني أعب السم من أكؤس الملا ... وأقضي على تلك البقية من حسي
كفاني نفضت الكفَّ من يانع المنى ... وبعت صباي الغض بالثمن البخس!!
وما من ضحايا النار، حسناء كاعب ... عليها جلال الحسن في العري واللبس
تمشت ونفحات المحاجر حولها ... ومن خلفها الكهَّان خافتة الجرس
ولما ذكت في المذبح النار تمتمت ... مصليَّة والضرس يقرع بالضرس
وزجَّت بها عريانة فتفجرت ... جراح وقطرات الدما صبغة النفس
وفي كل جرح فوهة من جهنم ... تولول كالريح المؤججة البأس
بأهلك مني عند فضٍ مآزري ... على المذبح الشهوات للمصبح الممسي!!
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه ... وألسنة الآلام تقرأ في الطرس
وأهجس والأشباح تعتام ناظري ... فيرتد إشفاقاً فأقصر من هجسي
وأزجر دمعي أن يثور وزفرتي ... فلا دمعتي تسلي، ولا زفرتي تنسي
تغرُّ ابتساماتي عيون أخي الهوى ... وخلف ابتساماتي جراح من البؤس
طلعت على الأيام والطهر حارسي ... يحيك على عطفيَّ جلبابَه القدسي
تشيعني الأبصار أين توجهت ... خطاي فأمشي مشية الرجل النكس
وضج بأعطافي الغرور فلم ألِنْ ... لصرخة ولهان تَمخضُ باليأس
كنرجسة في الحقل تلثم ساقَها ... ثغور من الأزهار طيبة الغرس
ولكنها. . . والكبرياء تهزها ... أبت أن ترى في غيرها رفعة الجنس
حنت رأسها كيما تقبل ظلها ... غرورا فماتت وهي محنيَّة الرأس!!
ولما رأيت الفقر أزبد فكه ... وكشَّر عن أنياب منهرت طلَس
صحوت فلم ابصر حواليَّ راحما ... يخفف من بؤسي ويطرد من تعسي
وألقتني الأقدار في كف أرعن ... كما قبضت كف البخيل على الفلس يبثُّ لي النجوى فيطربني بها ... فأبني من الآمال أساً على أس
فكنت كشاة ألفت العيش زاهرا ... تروح على أنس وتغدو على أنس
يهش لها الراعي فترقص حوله ... فيلقمها الأعشاب بالأنمل الخمس
يسمنها. . . للذبح وهي تظنه ... رحيما يقيها صكة الناب والضرس
فولَّت أمانيَّ العذابُ تلاشياً ... كما يتلاشى الثلج من قُبلة الشمس
وضاقت بي الدنيا فهمتُ طريدة ... أفتش عن سعدي فيلطمني نحسي!
فما لاح لي إلا دم متلاطم ... ففي لجه أغدو وفي لجه أمسي
أرى عنده للانتقام من الورى ... مناهل تنسي ما أجرَّع من بؤس
فرب فتى ما دنَّس الخزي قلبه ... نصبت له سهم الإساءة في القوس
تمطيت لاستغوائه فتثاءبت ... بعينيَّ أفواه الدعارة والرجس!
وما خفَّ للَّذَّات حتى تركته ... يصارع داءً قد تحفَّز للغرس
إذا أنّ هزَّت رعشة الأنس أضلعي ... وأفرحني إن لاح في صفرة الوَرْس
فصرت إذا ما اشتدَّ دائي تركته ... ليعدي وإن أبصرت من خلفه رمسي!
كما النحلة الغضبى لدى وخز خصمها ... تموت. . . ولكن وهي مرتاحة النفس!!
(حلب)
عمر أبو ريشة