مجلة الرسالة/العدد 19/العلوم
مجلة الرسالة/العدد 19/العلوم
اكتشاف الكواكب السيار التاسع بلوتو.
للأستاذ عبد الحميد محمود سماحة
تدل كلمة (كوكب سيار) في العربية كما تدل في الأصل اليوناني على صفة نوع خاص من الأجرام السماوية يتحرك في السماء وسط النجوم (الثابتة).
وقد عرف المتقدمون من الكواكب السيارة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل وتوهموا طويلاً أن الشمس والقمر كليهما من الكواكب السيارة لتشابه حركتها الظاهرية، فكان المجموع سبعة، وهو (العدد التام) الذي كان له شأن كبير في فلسفة فيثاغورس الرياضية.
ويلاحظ أن اشتقاق أسماء أيام الأسبوع من أسماء الكواكب السيارة، فمثلاً في الإنكليزية يوم الشمس ويوم القمر، ويوم زحل، وما يشابه ذلك في اللغة الفرنسية.
ولما توطدت دعائم نظرية (كبرنكس) عن مركزية الكون (وقد سبق أن تكلمنا عنها هنا في الرسالة) وتمكن السير اسحق نيوتن من تفسير حركة الكواكب السيارة على أساس نظرية الجاذبية المشهورة، تغير وجه المسألة، إذ ثبت أن الشمس ما هي إلا مركز المجموعة الشمسية، وأن الأرض أحد الكواكب السيارة التي تدور جميعها حول الشمس في مدارات دائرية تقريباً.
وإلى ما قبل سنة 1781 لم يكن معروفاً من الكواكب السيارة سوى هذه الستة السالفة الذكر بما فيها الأرض، وفي مساء 13 مارس من هذه السنة رأى السير وليم هرشل أثناء رصده لبعض النجوم جسماً يختلف في شكله عنها، وسرعان ما تحقق أنه ليس من النجوم ولكنه من الكواكب السيارة، فأتم الفلكيون أبحاثهم عنه وحسبوا مداره وحركته في السماء وأسموه (أورانوس) غير أنهم بعد قليل من الزمن لاحظوا أن مواقع أرانوس في السماء تختلف اختلافاً طفيفاً مع ما توقعوه بالحساب على أساس نظرية الجاذبية
ومع أن هذا الاختلاف لم يزد في أية حالة على دقيقتين قوسيتين إلا أنهم لم يستطيعوا أن يغمضوا أعينهم عليه، وكان لابد لتبرير وجوده من أحد أمرين لا ثالث لهما ثم يؤتى بالبرهان العملي عليه.
الأول: أن يكون قانون الجاذبية العام الذي اكتشفه نيوتن والذي حسبت بمقتضاه مواقع اورانوس المستقبلة في السماء قانوناً غير طبيعي أو بعبارة أخرى غير صحيح.
الثاني: أن يكون هناك جسم مادي غير معروف لنا يؤثر في حركة أورانوس بالجاذبية وهو مما لم يعمل حسابه عند حساب مواقع أرانوس المستقبلة.
ومن غرائب المصادفات أن يفترض اثنان من نوابغ الرياضيين وهما جون أدمز الانكليزي، ولافرييه الفرنسي، مستقلا أحدهما عن الآخر، الأمر الثاني وأن يحسبا بمقتضى هذا الفرض مواقع هذا الجرم غير المعروف، ثم يتقدما في وقت واحد تقريباً (أواخر 1845) الأول إلى الأستاذ (تشالز) مدير مرصد كمبردج والثاني إلى الأكاديمية الفرنسية بنتيجة بحثهما النظري.
وفي رأيي أن العلوم الرياضية أو بالأحرى قانون الجاذبية العام لم يسجل في تاريخ البشرية فوزاً مثل هذا الفوز عندما أيدت الأرصاد الفلكية وجود هذا الجرم السماوي بالفعل، وفي نفس الموقع الذي أشار إليه كل من آدمز ولافرييه فقد رآه جال الفلكي المساعد بمرصد برلين في مساء 23 سبتمبر ومن بعده بخمسة أيام الأستاذ تشالز بمرصد كمبردج وسمى الكوكب السيار الجديد (نبتون).
كان من الطبيعي بعد معرفة مدار نبتون وحركته أن تراقب مواقعه في السماء ليرى هل هي تحقق المستنتج نظرياً فيكون هو آخر الكواكب السيارة، أو هي لا تحققه فيقتضي البحث عن السبب.
وإذا وجد أن هناك اختلافا مثل الذي وجد في حالة أرانوس، أعتقد الأستاذ لويل بمرصد فلاجستاف أنه لابد أن يكون هناك كوكب سيار تاسع يؤثر في حركة نبتون.
وفي سنة 1914 أتم الأستاذ لويل بحثه النظري وحسب مواقع هذا الكوكب السيار الموهوم في أزمنة مستقبلة عديدة غير أنه مات قبل اكتشاف هذا العالم الجديد، فأتم فلكيو فلاجستاف هذا البحث، وأخذوا صوراً متعددة في ليال متعاقبة لتلك المنطقة في السماء التي توهموا وجود الكوكب الجديد فيها، ثم اشتركت مراصد العالم المهمة في هذا البحث حتى تحقق وجوده، وأعلن اكتشافه في 12 مارس سنة 1930 وسمي (بلوتو) لأن (بلوتو) في القصة اليونانية هو أخ كل من المشتري ونبتون وابن زحل وهذا الاكتشاف هو آخر الاكتشافات الفلكية الحديثة. وربما كان أهم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين ولا يقلل من قيمة اكتشافه أن الطريقة التي اتبعت فيه من الوجهة الرياضية هي عينها التي اتبعت في اكتشاف نبتون ولاسيما وأن معرفته من بين النجوم العديدة على الألواح الفوتوغرافية كانت من أشق الأمور حقيقة نظراً لصغر حجمه، ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكر أن أصغر النجوم التي ترى بالعين المجردة ألمع من بلوتو بمقدار الف وستمائة مرة.
ويبعد بلوتو من الشمس بما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون ميل، ويتم دورته حولها في 250 سنة تقريباً، وقد حسب بعض الفلكيين درجة الحرارة على سطحه فوجدت حوالي مائتين تحت الصفر المئوي، ولم يعرف إلى الآن حجمه بالضبط، ولكن من المحقق أنه من أصغر الكواكب السيارة، وأن حجمه يقرب من حجم عطارد.
ويرى بلوتو في الصورة إلى جانب النجمة الكبيرة رال التوأمين التي هي من القدر الرابع، وبمقارنة الصورتين نجد أن بلوتو وهو المشار إليه بالسهم قد تحرك بين النجوم (الثابتة) في ما بين 19 و 24 مارس 1930 وهكذا تمكنا من معرفته من بين النجوم العديدة الأخرى.
ولا نستطيع أن نقطع من الآن برأي فيما إذا كان (بلوتو) هو آخر الكواكب السيارة أو أن هناك ما هو أبعد منه، غير أن الزمن كفيل بأن يقطع في هذه المسألة مرة أخرى.