مجلة الرسالة/العدد 173/دمشق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 173/دمشق

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 10 - 1936



لشاعر الشباب السوري أنور العطار

زنبقَةَ الصحراءِ ... يا فِتْنَةَ الوجودِ

نَشرتِ في الفضاء ... روائح الخلودِ

وشوشْتَ في الأسماع ... قصائِدَ البقاءِ

من أطيبِ الأسجاع ... وأسلسِ الغِناءِ

سرِبْتَ في الأفكار ... روحاً يفيضُ عطفا

وغِبت في الأنظار ... طيفاً يذوب لُطفا

يا مُتْحَفَ الدُّهور ... ومعرِض الألباب

خبأتِ لِلعصورِ ... سُلافةَ الأحقاب

لم تأْسَنِ الدِّنانُ ... ولا ذَوى العُنقودُ

كأنها الزَّمانُ ... قديمُهُ جديد

غوطتكِ المِفتَانُ ... ما إن لها مثيل

سماؤُها الألحانُ ... وأرضها الحقول

وبرَداكِ الطُّهر ... ينسابُ في الوِهادِ

نايٌ براهُ السكْر ... يفتنُّ في الإنشاد

خطٌّ من البقاءِ ... في مصحفِ الوجود

وسِلسِلُ الشِّفاءِ ... فرَّ من الخلودِ

وقاسيونُ لاحا ... وأنت بين سوحِهِ

مُترَعَةٌ مِراحا ... تلعبُ في سُفوحِهِ

كملك ينامُ ... وسفحُه وسادَه

عاش له السلامُ ... وما اشتهاهُ عاده

رباعُك الجميلة ... تطفحُ بالمنائِر

ألحانُها الجليلة ... أصداؤُها سوائر

تموج في الفضاء ... كما يموجُ النورُ تسري إلى السماءِ ... يحفزُها السرورُ

والرَّبوةُ الفتانة ... عرسٌ على الأيامِ

أنهارُها طنانة ... تحفِلُ بالأنغام

والنيربانِ فتْنهْ ... وعبقٌ وعطرُ

ومسرب للجنه ... وبهجةٌ وسِحر

دِمَشقُ أنتِ مأوى ... للحسنِ والفنونِ

عِشتِ الدُّهُورَ نجوَى ... للشاعِرِ المفتون

زَنَّرَتِ الرِّياضُ ... أنحاءها البعيدة

ولَفَّتِ الغياض ... أفياءها السعيدة

فيالها مطافاً ... للحُبّ والرساله

تزيَّنَت أعطافاً ... وائتَلَقَتْ غلاله

أنَّى التَفَتَّ عُرْسٌ ... وحُلُمٌ مديدُ

وفرَحٌ وأُنْسُ ... وعالم جديد

وهاتف يُغنِّي ... يذيبه الغرامُ

يعيشُ بالتَّمني ... وقوتُهُ الأنغام

وبلبلٌ صداح ... يهيمُ بالوِرادِ

تهدُّه الجراح ... وهو على الوِداد

وهاهنا الآباد ... لم يطوها الفناءُ

تكلَّم الجماد ... واختلج العفاءُ

وهاهنا الليالي ... كأنها الأعياد

تناجتِ الدوالي ... وانتشتِ الأعواد

ظلّتْ على الأحقاب ... ندية الأفياءِ

زاهيةَ الشباب ... ضاحكة الرُّواءِ

وهاهنا حسانُ ... ينشدُ آل جفنه

فيزدهي الزمانُ ... وترقص الأسِنه أين هو أُميَّة ... وأين عبد الملِك

والراية البهيّة ... على جبين الفلك

وأين ملك زاهر ... تجري الفتوح باسمه

طاحت به الدائِرُ ... لم يبق غيرُ رسمه

ودالتِ الأيام ... من جِلِّقَ البهيه

فانطوتِ الأعلام ... وحاقتِ الأذِيه

وغاضت البشائر ... وضاعت الأفراح

وناحت المنائرُ ... وعمت الأتراح

أخيلة تمُرُّ ... أرواحُنا فداها

وصورٌ تكرُّ ... ما تنتهي رُؤاها

(بغداد)

أنور العطار