مجلة الرسالة/العدد 162/الواحة المجهولة
مجلة الرسالة/العدد 162/الواحة المجهولة
للأستاذ فخري أبو السعود
مأنوسةُ الأفياء والأكناف ... موصولة الحسنات بالألطاف
عبق الشذا فيها وأصبح دوحها ... نُصْباً لكل مباكر وكّاف
وتألقت أزهارها وتمايلت ... أغصانها منضورة الألفاف
وتتابعت فيها الثمار شهية ... فتانة الألوان والأوصاف
وجرى النمير بها ألَذّ مذاقة ... للوارديه من رحيق سلاف
أنى تصرّف مقلة لك تكتحل ... بجداول رقراقة وضُفاف
ما تنتهي من فتنة إلا إلى ... أخرى ومن صوَر إلى أطياف
وتشابهت فيها الفصول فحسنُها ... سيان في مشتى وفي مصطاف
يا حُسنها من واحة لو أنها ... أهلَتْ وفاز بها الفتى بمطاف
لكنها مجهولة ممنوعة ... من دونها حَزن وقفر فيافي
هيهات ما تُنبي صحائفُ عَالم ... عنها ولا تَهدي رُؤَى عرّاف
لم يدْرِ غير سرَّها فأنا الذي ... في أضلُعي حُمِّلْتها وشغافي
هي قلبيَ النائي الذي من دونه ... غُم الطريق على الحبيب الوافي
ولو أُهتدى يوماً لباَء إلى حمى ... خصبٍ وفاَء إلى ظليل ضاف
ولقد أبحْتُ صحابةً ليَ حقبةً ... أفياَء تلك الروضة المئناف
فتمردوا في ظلها من بعد ما ... نعموا بأثمار بها ونطاف
فقبضتُها عنهم وصنت جنانها ... عن كل جاس في القلوب وجاف
فهي الغداةَ تميس في فتناتها ... والكون أجمع عن حُلاها غاف
نضرت أزاهرها ولا مًنْ يجتلي ... وزَكَتْ دواليها لغير قطاف
وانساب سلسلها وما من راشف ... وذكت نسائمها للامُستاف
هي جنة الود الخلي من القذى ... جمعت أفانينَ الوداد الصافي
تنْدى وتألق في الأزاهر والسنى ... في مهمه وعر المسالك خاف
وغداً سيذوي حسنها ورواؤها ... ويجف منها يانع الأفواف لم يفتقد منها المحاسنَ فاقدٌ ... أو يبكها بالمدمع الذراف
وتَغُولها تلك القفار وينثني ... يذرُو معالمها الترابُ السافي
فخري أبو السعود