مجلة الرسالة/العدد 162/السيرة النبوية وكيف يجب أن تكتب
مجلة الرسالة/العدد 162/السيرة النبوية وكيف يجب أن تكتب
للأستاذ إبراهيم الواعظ
كنت كلما ظهر كتاب حديث عليه اسم (محمد) (ص) أسارع لاقتنائه؛ ذلك لأنني كنت ولا أزال في رغبة شديدة أن أسمع عن الرسول العربي العظيم، وعن سيرة النبي الكريم شيئاَ جديداً. والعامل الوحيد الذي أوجد فيّ هذا الشعور، وحرّك فيّ ذلك الاحساس، هو الاطراد الموجود في السير المكتوبة اطراداً يكاد أن يكون نسخةً مطابقة لأصل واحد، ومحررة على غرار واحد
إنني لم أرسل كلمتي هذه منتقداً بها ما دونه الأقدمون في السيرة، وصاحب السيرة، كلا، وإنما أردت أن أقول للذين تناولوا السيرة وصاحب السيرة، بأن الواجب كان يقضي عليكم أن تأتوا للناس بحديث جديد عن محمد (ص) بحديث يصور للناس محمداً كما هو لا كما أراده كتاب السير
طلعت علينا في الآونة الأخيرة عدة كتب كتبت مؤخراً لتحليل شخصية محمد (ص)، وما انطوت عليه نفسه من العظة والعبقرية، فمنهم من أصاب المرمى ومنهم من قارب؛ فذهب الأستاذ جاد المولى في كتابه (محمد المثل الكامل) إلى ناحية لم يتطرق إليها الأستاذ محمد رضا في كتابه (محمد)؛ وإن هذين الأثرين من حيث الترتيب والتنسيق جديدان، ولكنهما من حيث المادة لا يزيدان ولا ينقصان عن السير القديمة. على أن هناك أستاذا كبيرا يكاد أن يكون فرداً فذاً في تأليفه هو (مولانا شبلي النعماني) فإن هذا العالم الكبير أراد أن يستخرج من السير الموضوعة سيرة مستندة إلى أرجح الأقوال وأصح الروايات، ويبرز الرسول الأمين للناس صورة حقيقية كما هي، فألف كتابه الذي أسماه (تاريخ الإسلام) والذي أفرد منه أربعة مجلدات في السيرة المحمدية. هذا ولا أريد أن أرسل الكلام في وصف هذا الكتاب جزافاً، ولا أريد أن اخرج بالقارئ عن الموضوع والصدد، وإنما قصدي أن أحث كل من يريد أن يتعرف محمداً (ص) كما هو أن يطلع على هذا الكتاب الذي أوضح شخصية محمد (ص) إيضاحاً، وحلل نفسيته الزكية تحليلاً عجز عنه المتقدمون من كتاب السير والمتأخرون منهم
وقد جرى على غرار هذا المؤلف الأستاذ الكبير محمد حسين هيكل بك فإنه كان قد فصولاً في السياسة الأسبوعية جمعها في كتاب أخرجه للناس، كتابا رد به طعن الطاعنين ودحض به زعم الزاعمين؛ وكأني بالأستاذ وقد كتب مؤلفه هذا لمن لا يؤمن بنبوة محمد مباشرة متوخياً في عمله ذلك الدعاية والتبشير لا نقل ما هو مكتوب في كتب السير من حادثات ووقائع
وإنني لا أتفق ومنتقدي كتاب الأستاذ هيكل من أنه أغفل كثيراً من الأمور المهمة في السيرة بأنه أنكر المعجزات. والتطرق لهذا الموضوع يحتاج إلى إفراد بحث بكامله لهذا فليس من الأصول أن أقول كلمة في ذلك سوى أنني أكتفي بالإشارة إلى ما أورده الأستاذ هيكل في الطبعة الثانية من كتابه وأضيف إلى ذلك تعريف الكتاب لجمهور القراء من الشيخ محمد مصطفى المراغي العلامة الأكبر، فإن هذا التعريف لكتاب مثل هذا الكتاب له أهميته العلمية
هذا وقد سكتت الأقلام وجفت الصحف كأن (حياة محمد) التي دبجتها يراعة هيكل كانت خاتمة ما يكتب في هذا الموضوع، ولكن سرعان ما أتحفنا الأستاذ (الحكيم) بكتابه (محمد) (ص) فقد تفنن في أسلوبه الجديد، وجدد في طريقته الفنية، ولكنه لم يزد ولم ينقص عما ورد في كتب السير، فلم نكبر له الموضوع وإنما أكبرنا له الأسلوب
ثم كان بعد ذلك أن خرجت علينا الرسالة في عددها (148) بمقال تحت عنوان (رسالة الأزهر في القرن العشرين) بتوقيع الأستاذ لبيب الرياشي المسيحي وبها دعا الكاتب إلى أن تكون رسالة الأزهر في القرن العشرين المسيحي، والقرن الرابع عشر المحمدي، دورته الأولى لرسالة الأزهر في هذا القرن كالقرن الأول المحمدي فيقابل الدور الأول دور التحنث والتعبد، دور تحقيق ودراسة من ينتخبهم الأزهر من عشاق التضحية، وعشاق الحق من طلابه، فيثقفون ثقافة عالية، ويتعلمون تعليما سامياً، فيتخصص كل فريق ممن وقع عليهم الاختيار نتيجة الفحص والاختبار باللغات الحية وبكل فرع من فروع العلوم العالمية العالية، علاوة على ما أتقنوه من علوم القرآن والدين والشريعة والسنة والسيرة واللغة العربية؛ وبعد هذا فرسالة الأزهر أن تكتب سيرة محمد (ص) بصورة تتفق وما جاء في القرآن الحكيم وعقلية الرسول البريئة وأعماله الحق
وقد ضرب الأستاذ في مقاله أمثلة مهمة خطيرة حذر الأزهر من أن يقع في مثل ما وقع فيه غير واحد من متخرجيه
وإذا بهذا الأستاذ قبل أن كتب مقاله هذا في الرسالة أخرج لنا كتاباً من قلم مسيحي يحلل نفسية محمد بن عبد الله (ص)، تحليلا فلسفياً، ويطرح كتابه هذا أطروحة - كمثل أعلى - لمن يريد أن يكتب السيرة. سيرة الرسول الأعظم (ص)
لقد نحا الأستاذ الرياشي ناحية في كتابة السيرة لم ينحها قبله ولا بعده أحد من كتاب السيرة؛ ولقد أظهر للملأ جديداً في حياة محمد بن عبد الله ووجد ضالته حين كان ينقب عن (السبرمن)، فوجده مجسدا في شخصية الرسول الكريم قبل أربعة عشر قرناً
وقد أبدع الأستاذ الكبير الشيخ عبد القادر المغربي في تعريف الكتاب بمقدمته المحمدية، كما أحسن الأديب أمين نخلة في تقديم الكتاب بمقدمته المسيحية
وبعد، فإني قد وجدت ضالتي المنشودة في كتاب الرياشي، وفي مقدمتيه المحمدية والمسيحية، فأدعو الأزهر ورجال الأزهر كما دعاهم الأستاذ الرياشي أن يكوّنوا جماعة تكتب حياة محمد وسيرة محمد كما كتبها الرياشي
فعلى هذا النسق، وعلى ذلك الأسلوب، وعلى تلك الطريقة، يجب أن تكتب السيرة النبوية
(بغداد)
إبراهيم الواعظ
المحامي