مجلة الرسالة/العدد 148/العالم المسرحي والسينمائي
مجلة الرسالة/العدد 148/العالم المسرحي والسينمائي
على مسرح الأوبرا
السيد
تأليف كورني وتعريب مطران
ملاحظات لفنانين ارلنديين على الإخراج والتمثيل
لناقد (الرسالة) الفني
هي مأساة رائعة خلدت على الدهر، ألفها زعيم المسرح الفرنسي وخالقة المأساة الحديثة الشاعر كورنيي، وقد كان لظهورها ضجة كبيرة، ذلك أنها وإن خالفت قاعدة الوحدات الثلاث فقد نجحت نجاحا باهراً وظفرت من النظارة بإعجاب عجيب
وقد كان لنجاح هذه المأساة أثر سيئ في نفس الوزير الفرنسي الخطير الكاردينال ريشليو. وكان هذا الوزير من هواة التأليف المسرحي، وقد مثلت له قصتان فلم تنجح منهما واحدة، في حين أن (السيد) كانت تلقى النجاح بعد النجاح والفوز تلو الفوز. ولقد كظم الوزير غيظه - رغم أن القصة كانت تشيد بالمبارزة التي حرمها هو - ولكنه حرك رجاله في الخفاء ينقدون القصة نقداً عنيفاً، وكان يريد بذلك أن يحط من قدر كورنيي، فقامت من أجل ذلك خصومة أدبية شديدة انتهى أمرها إلى تحكيم المجمع الفرنسي في القصة. ولم يصدر الحكم في جانب المؤلف لأن الوزير تدخل بنفوذه، ولكن القصة رغم ذلك خلدت، وهاهي ذي تنقل إلى العربية للمرة الثانية بقلم شاعر القطرين الأستاذ خليل مطران في ترجمة عربية بديعة ارتفع أسلوبها إلى الأصل الشعري الذي كتبت به، وهاهي ذي الفرقة القومية تختارها بين ما اختارت من روائع الأدب الغربي لتقدمها إلى الشعب المصري
ملخص القصة
ليست القصة جديدة على قراء الأدب العربي، فقد سبق أن ترجمها المرحوم الشيخ نجيب الحداد ومثلت باسم (السيد، غرام وانتقام)، وسبق للأستاذ الزيات أن لخصها في (الرسالة) ونشر هذا الملخص في كتابه (في أصول الأدب)، فمن أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه الإخراج
كنا نظن أن الفرق التمثيلية الأوربية التي تزور مصر وتمثل على المسرح الأوبرا تترك بعض الأثر في نفوس الفنانين المصريين، ولكن يبدو أن الأمر على العكس، فهذه الفرق تأتي وتعود دون أن نحاول أن نأخذ عنها شيئا
زارت مصر في الشهر الماضي فرقة (دبلن جيت) الأيرلندية وأخرجت عدة قصص لشكسبير وغيره. فكان الإخراج أهم ظاهرة لهذه الفرقة، وقد أبدى جميع المخرجين المصريين إعجابهم بعظمة هذا الإخراج، فالمستر هيلتن ادواردز مخرجها يعمد إلى الطريقة الإيحائية ويستخدم منظراً واحدا لجميع فصول القصة، ويستعين بالإضاءة وستار صغير في تبديل المناظر مع تباينها
وأخرج الأستاذ زكي طليمات قصة السيد وكنا نظنه سيقتبس طريقة تلك الفرقة، ولكنه لم يحاول بذل أي جهد، وعمد إلى الطريقة التي ألفناها منذ سنوات طويلة، واستخدم المناظر المتعددة والستائر الكثيرة. والحق أن هذا الإخراج إذا قيس إلى إخراج الفرقة الأيرلندية بدا هزيلاً ضئيلاً
يرى النقاد أن الوحدة إذا توفرت في العمل الفني ذلك من دواعي الكمال والنجاح، ولكن رجاله لا يرون هذا الرأي، وإلا لما كانت طريقة الإلقاء متباينة. فحسين رياض وزينب صدقي وعزيزة أمير وزكي رستم يلقون إلقاء شعرياً ومنسي فهمي وفردوس حسن وغيرهما يلقون إلقاء عادياً، وهذا التباين مما ينفر النظارة، والمخرج في رأيي مسؤول عن هذا الخلط
والإضاءة عادية، ولكننا في منظر قاعة العرش كنا نرى الضوء يسقط على جدار للقصر من يمين النظارة إلى اليسار في حين نرى الضوء يسقط على وجوه الممثلين من يسار النظارة إلى اليمين، وهذا مما لا يرضي الفن ولا الأستاذ المخرج
وفي المنظر الثاني من الفصل الثالث نرى والد ردريج حائراً يبحث عن ولده ويقول: (في هذا الظلام الدامس) بينما ضوء القمر يغمر وجه الممثل وينير الأرض حواليه. ولا يفوتني أن أبدي إعجابي بالإضاءة في الموقف بين شيمين وردريج في النصف الأول من الفصل الثاني، فقد كان الضوء ملائماً للحوار، وكان له أثر ووقع كبيرين في نفوس النظارة والملابس فاخرة تنطبق على روح العصر، ولكن الذي حيرني أن شيمين عندما يلغها خبر موت والدها سارت إلى قصر الملك في ثياب الحداد بينما وصيفاتها تتبعها في ملابس زاهية؟! كما أن ملابس الملكين الأسيرين لا تصلح لرجال أسروا في موقعة
التمثيل
قبل أن أتحدث عن التمثيل أبدي أسفي الشديد لإهمال الممثلين استظهار أدوارهم مما جعل صوت الملقن يرتفع فيفسد على النظارة خيالهم
مثلت السيدة زينب صدقي دور شيمين، وقد نجحت كثيراً في أداء هذه الشخصية، وأذكر لها مع الإعجاب موقفها مع ردريج في الفصل الثالث ثم مع وصيفاتها وهي تبدي الجزع خيفة أن يقتل حبيبها، ولكني آخذ عليها الإلقاء الخافت في بعض المواقف مما جعل الألفاظ غامضة على السامع
ومثل حسين رياض دور ردريج، فكان إلقاؤه شعرياً ونجح في دوره إلى حد غير قليل، وموقفه مع شيمين بديع. أما موقفه مع الملك وهو يصف المعركة فيحتاج إلى عناية أكثر؛ وأرجو أن يعنى (بالمكياج)، وان يختار لوجهه لوناً خمرياً يكون قريباً إلى البشرة الأندلسية
ومثل زكي رستم دور والد شيمين فأخرجه على خير ما يكون، كان الرجل المتكبر في إشاراته وإلقائه مما طابق الشخصية
ومثل منسي فهمي دور الملك فكان ناجحاً؛ ولكنه لم يحاول أن يسمو بهذا الدور كعهدي به في أدواره السابقة
أما السيدة عزيزة أمير فلم تنجح كثيراً في أداء شخصية ابنة الملك؛ وكان إلقاؤها على نسق واحد دون تلوين أو تعبير عما في نفسها من احساسات؛ ويبدو لي أن اللغة الرصينة مما يصعب عليها أداؤها
ومثلت نجمة إبراهيم دور وصيفة شيمين فوفقت، وفي رأيي أنها أصلح لدور ابنة الملك من غيرها من فتيات الفرقة
ومثل سراج منير دون سانش، فكان حديثه مع الملك هو نفسه حديثه مع شيمين التي يهواها
ملاحظات لفنانين ايرلنديين شهد هذه الرواية في الليلة الأولى لتمثيلها بعض أعضاء فرقة (دبلن جيت) الأيرلندية؛ وقد أبدى مخرج الفرقة المستر هيلتن ادواردز وممثلها الأول المستر ميكائيل ماك ليمور إعجابهم بتمثيل السيدة زينب صدقي وحسين رياض وزكي رستم، كما أبديا بعض الملاحظات على الإخراج. وسننشر حديثهما كاملاً في العدد القادم
يوسف
في السينما
العصر الحديث
فيلم شارلي شابلن الجديد
أما إن شارلي شابلن عبقري وفيلسوف فهذا ما لاشك فيه، وأما إن فلمه الجديد (العصر الحديث) عظيم فمسألة فيها نظر
فنحن إذا نظرنا إليه على أنه عمل رجل عبقري لا تنطبق عليه القواعد المألوفة والمقاييس المعروفة وجدنا عملاً عظيما حقا يحس الإنسان أثناء عرضه بسرور ولذة، ويستمتع بأفكار شارلي وطريقته الفكهة في عرض هذه الأفكار، ولكننا إذا حاولنا تطبيق المقاييس الفنية الدقيقة نجده لا يسمو على غيره من الأفلام التي تعرض بين حين وآخر، بل ربما تنقصه بعض العوامل الفنية التي تتوفر في تلك الأفلام
والفكرة الرئيسية التي يقوم عليها الفلم جليلة، فهو ينقد العصر الحديث، ويسخر من سيطرة الآلات على الإنسان ويبين أنها لا تسعد الإنسانية، بل تستعبد البشرية؛ وقد أفلح شارلي في مزج الفلسفة بالقصة. ولكن الفلم طويل في غير حاجة إلى الطول، وإن الناقد ليحس أن هناك فصولاً جيء بها لتسد فراغ الوقت حتى لا ينتهي العرض في زمن قصير
بدأ شارلي فلمه بمنظر قطيع من الغنم يسير إلى الحقول، وأعقبه بمنظر العمال يتدافعون إلى المصنع، وكأنه يرمي بهذا إلى أن العمال قطيع من الغنم يقودهم الرأسماليون
ويظهر لنا شارلي تلك الشخصية الإنسانية، أو قل الرمزية التي تعيش بأسلوبها الخاص في مشيتها وملابسها وقبعتها وعصاها، هذه الأشياء التي أصبحت جزءاً متماً للشخصية - تعمل في مصنع كبير - تؤدي عملا، وكأنها جزء من تلك الآلة، يرهقها العمل المضني المتشابه الذي يبعث السأم، ويؤدي بها إلى نوع من الهستيريا. وترسل إلى مستشفى الأمراض العقلية حيث يعاودها الهدوء والسكنية. وعندما يسمح الطبيب لها بمغادرة المستشفى نراه ينصح بالابتعاد عن كل ما يثير الأعصاب؛ ولكن لا تكاد تتصل بالحياة حتى ترى تيارها الزاخر الصاخب، وحركات المرور، وكل ما هو وليد المدنية والعصر الآلي
ثم يصور شارلي بؤس العامل العاطل، وكيف تقسو الحياة على أطفاله، فيغدون لصوصا وما هم بلصوص، وإنما هم طلاب قوت. ونرى المظاهرات ومقاومة رجال الشرطة للعمال واقتيادهم إلى السجن، وحيث يقدم إليهم الطعام والشراب. وهنا تبدو سخرية شارلي من النظم الاجتماعية، فإن العامل يأسف على مغادرة السجن ويود لو بقي فيه، فالطعام والشراب خير لديه من الحرية التي يتغنى بها الناس!!
وتتصل أسباب الصداقة بين شارلي وابنة أحد العمال الذين قتلوا في مصادمة مع رجال الشرطة، ونرى شارلي جالساً يحدثها ويعرض على الشاشة حلم اليقظة. فنراهما يعيشان معاً في كوخ جميل، وشارلي على مقعد يمد يده دون جهد فيتناول حبات العنب من عناقيدها المدلاة، ويمد يداً ثانية فيتناول فاكهة أخرى، ثم يسير إلى بقرة ويضع تحت ثديها آنية فتدر اللبن وحدها دون أن يبذل هو أي جهد في حلبها، وإنما يرمي شارلي بهذه الصور جميعاً إلى أن العامل لا يحلم إلا بالراحة؛ فهو في حلمه لا يريد حتى أن يبذل أي جهد، وينقضي الحلم ونراهما في اليقظة بعد أسابيع قليلة في كوخ متداع حقير، لا يصلح مأوى لأحقر الحيوانات، ومع ذلك فهما سعيدان معا. فالعاطفة التي بينهما كافية لأن تبعث السعادة في نفسيهما وتعوضهما عن كل شيء آخر
هذه الآراء التي صورها شارلي والتي جئنا على ذكرها خير ما في الفيلم، ولو أنه اقتصر عليها وأحكم الرابط بين أجزائها لجاء الفلم قوياً. فالبقية ليست إلا حشواً وتكراراً
فهو في عمله كحارس ليلي يلبس النعل ذا العجلات ويتزلج معصوب العينين يلهو ويمرح، لم يفلح في بعث السرور إلى النفس، وهؤلاء العمال الذين تسللوا في الظلام إلى حيث يجدون الطعام ترديد لفكرة سبق أن صورها، وكذلك هو مع رئيسه في المصنع الجيد يصلح الآلة، ثم هو في مصنع السفن إنما يعرض حالة لا ترتبط بسياق القصة الرئيسية كبير ارتباط
والفلسفة كانت أكثر مما يحتمل الفلم، ففي النهاية نجد شارلي يعمل خادماً في مطعم كبير ونراه يحمل الطعام مخترقاً الراقصين، وعندما يصل إلى المكان المقصود يجرفه تيار الراقصين ويسير به إلى حيث بدأ، وأخيراً وبعد الجهد يصل ولكن يجد الطعام قد سقط منه!! وكذلك بعد أن ألقى قطعته الغنائية وتقبل تهانئ مدير المطعم ووعدا بالعمل المستمر وأحس بأن السعادة مقبلة، نرى القدر يعاكسه إذ يرسل إليه رجال الشرطة يطلبون فتاته فيهرب معها تاركا السعادة بعد أن كانت بين يديه. فهذا الإمعان في الفلسفة فيه بعض الإرهاق لرواد السينما، وهؤلاء قد يضحكون من الحركات ولكنهم لا يفهمون ما يرمي إليه المؤلف والمخرج. وفي رأيي أن واجب رجل السينما تبسيط الآراء ما استطاع
والناحية الفكهة في الفلم لا بأس بها، ولكنها ليست قوية إلى الدرجة التي كنا نتوقعها ونرجوها؛ وخير ما أذكر له جلسته أمام الآلة التي تناول الطعام، لاسيما وهو يحاول أكل الذرة ثم وهو يقفز إلى الماء ليغوص، فإذا بالمكان الذي يسقط فيه ضحل فيتألم ويعود أدراجه دون أن يتم الاستحمام
يبدو لي أن جهود شارلي الموزعة هي السبب الأول في ضعف الفلم. وقد تحدثنا عن ضعف الرابطة بين كل جزء وآخر، وعن الحشو والتكرار، وهذا ما جعلني أنظر إلى هذا الفلم كأنه نوع من الاستعراض، فليس هو بفكرة واحدة متسقة تعالج علاجا فنيا
والتصوير بدائي وليس هذا الذي شاهدناه بالمستوى الذي يليق بفلم كبير كهذا، فلم تكن هناك مهارة في اختيار زوايا التصوير، كما أن شارلي قد عمد في جميع الصور المتتابعة إلى التقاط الصور المتوسطة وكأنه ليس في التصوير السينمائي غيرها
وحاول أن يرسم صورا متباينة لحالة العمال والرأسماليين فجعل فتاته الجائعة المحرومة تقف ذاهلة ثم تنقض على الفطائر ثم تنتقل إلى قسم الأزياء وتختار معطفاً ثمينا من الفرو الأبيض فترتديه وترقد على فراش وثير، ولكن الصورة ضعيفة وأثرها في النفس غير عميق
والتمثيل عادي، ولقد مثلت بوليت جودار دور الفتاة فلم تبد تلك المهارة والمقدرة التي تحدثت صحف السينما عنها وهي لا تزال ممثلة مبتدئة
والصورة الأخيرة التي يظهر فيها شارلي وفتاته يسيران في طريق مجهول يتهيئان لكفاح جديد من أحسن الصور وأوقعها أثراً، ولقد فكرت كثيراً ثم قلت لنفسي، ألم يكن من الخير أن يسمى هذا الفلم. . . (الأمل)؟!
والفيلم في مجموعه مقبول وفيه جمال، ولكنه يقل كثيراً عن فيلم شارلي السابق (أنوار المدينة) وإن اختلف موضوع كل منهما، إلا أن (أنوار المدينة) كعمل فني ترجح كفته على كفة الفلم الجيد.
يوسف تادرس