مجلة الرسالة/العدد 148/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 148/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 05 - 1936



المعجم الوسيط

أصدر صاحب السعادة وزير المعارف العمومية قراراً بتعيين الأستاذ أحمد أمين عضواً في لجنة تأليف المعجم الوسيط وقد قرأت في العدد الماضي ممن تتألف؛ ولكن الأستاذ رفع إلى معالي الوزير استقالة منها، والسبب المباشر لهذه الاستقالة أنه جعل ساعات فراغه من عمله الرسمي على ما بقي من سلسلة كتابيه (فجر الإسلام) و (ضحى الإسلام) وهو يخشى إذا أرهق نفسه بالعمل أن يعيا عن إخراجه، ولكن معالي الوزير مازال بالأستاذ يحاوره ويداوره حتى أقنعه بسحب الاستقالة

بشرى لعشاق الأدب - ديوان بشار موجود

أحس بشار بحسن اختراعه، وجميل ابتداعه وغزارة بحره، ففتن ببنات فكره، وأعجب بثمرات لبه وذهب يخايل ويفاخر حتى قال: إن لي اثني عشر ألف قصيدة لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت فرد

ولو فرضنا أن الاثني عشر ألف قصيدة هي كل ما لبشار من شعر، وفرضنا أن كل قصيدة عدتها سبعة أبيات فقط - وهو حد القصيدة الأدنى عند العروضيين - وحسبنا ذلك لكان مجموع شعره أربعة وثمانين ألف بيت! وهذا مقدار لم يك لشاعر في القديم ولا في الحديث. ولكن أين هذه الثروة الضخمة؟ لقد ذهب بها الزمان فيما ذهب به من روائع الآثار وجميل الأشعار، ولم يبق منها إلا نتف مبعثرة في الكتب جهد الأدباء في جمعها وزفها إلى جمهور القراء المتعطشين لشعر بشار. وأول مجموعة ظهرت هي مجموعة الأستاذ (أحمد حسنين القرني) التي سماها (بشار ابن برد - شعره وأخباره، طبعت عام 1925م، وقفاه الأستاذ (حسين منصور) بكتابه: (بشار بين الجد والمجون) الذي طبعه عام 1930، وفي العام الماضي 1935 طبعت لجنة التأليف والترجمة والنشر مجموعة هامة من شعره باسم (المختار من شعر بشار اختارها من مختار الخالديين شارحها الأستاذ (إسماعيل القيرواني) أحد علماء القرن الخامس، وكان القائم بنشر هذا الكتاب الأستاذ (بدر الدين العلوي) المدرس في كلية عليكرة بالهند، وقد أثار طبع هذا الكتاب الصغير كوامن الأشواق إلى شعر بشار، وتساءل الناس بحسرة ولهفة عن ديوانه وكثرت حوله الأقاو وأجمع الناس أو كادوا على أنه انسلك في سلك الفناء

وقد أخبرني فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة الملكي أن جزءاً كبيراً من ديوان بشار موجود في تونس عند صديقه الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور شيخ الإسلام المالكي، وأطلعني على الخطاب الذي ورد إليه حديثاً من صديقه يخبره فيه بوجود الديوان عنده، وأنه ورثه عن جده المرحوم الشيخ محمد عبد العزيز أبو عتّور. وهو يشتمل على سبعة آلاف وثلثمائة بيت مرتبة على حروف المعجم مكتوبة بخط مصري جميل. وذكر الأستاذ ابن عاشور أنه عني بشرح غريب ألفاظه، وتبيان دقائق معانيه، وذيله بمجموعة من شعر بشار لم ترد فيه وعددها ثمانمائة بيت معزوة إلى مواضعها من كتب العلم والأدب وأنبأ أنه عازم على طبعه في مصر طبعة أنيقة تليق بما لبشار من المكانة السامية في الأدب العربي. وقد استخبر الأستاذ من صديقه عن شؤون تتعلق بالطبع فأخبره مستنجزا. . .

ويا حبذا لو عنيت لجنة التأليف وعلى رأسها الأستاذ أحمد أمين بأمر هذا الديوان، وتولت هي طبعه بمعونة الأستاذ أو وحدها. إنها لو فعلت لأسدت إلى الأدب العربي خدمة جليلة تكون قلادة فخار لها

ولا ريب في أن نشر هذا الجزء الكبير سيلقي كثيراً من الضوء على تاريخ بشار وشعره وشاعريته. ولا ريب في أنه سيغير من أحكام التاريخ عنه، ويقلب تلك الآراء الظنية الشائعة رأساً على عقب. وسيكون ظهوره - وأرجو أن يكون قريباً - فتحاً جديداً في تاريخ الأدب العربي

السيد أحمد صقر

(عودة الروح) في اللغة الروسية

من الأنباء التي تقع من مصر الأدبية موقع الرضا والغبطة أن الكاتب الروسي النابه (ميشيل سالير) نقل إلى الروسية قصة (عودة الروح) للقصصي المصري النابغ توفيق الحكيم، ثم نشرها في ليننجراد عاصمة روسيا، وجعل ثمن النسخة منها خمسة روبلات وخمسين كوبك، وذلك يساوي ستين قرشاً مصرياً ولاشك أن اختيار الكاتب لهذه القصة من غير تعرف لمؤلفها ولا استئذان منه، إنما يدل على تقديره المفن فيها لذاته، وقياسه إياها بمقياس عالمي يرفعها إلى مستوى الأعمال الأدبية العظيمة. وستكون عودة الروح وأمثالها الوحدات الأولى التي يساهم بها الأدب العربي في الجهاد العالمي المشترك لنشر الوئام والسلام والخير من طريق الثقافة القصصية

تطور نظم التربية الألمانية

تتطور نظم الحياة والحضارة كما تتطور أساليب التفكير والتعليم والتربية في ألمانيا في ظل النظام الهتلري بسرعة مدهشة؛ والمحور الأساسي الذي يقوم عليه هذا التطور في جميع مناحي الحياة الألمانية هو صبغ هذه الحياة بالصبغة الجرمانية المحضة وتحريرها من جميع المؤثرات الأجنبية؛ ويجري في ميدان التعليم والتربية تطور حاسم أيضاً يقوم على تكوين الجسم الألماني تكويناً صحيحاً وتنمية القوى الجسمية إلى جانب القوى العقلية. والإنجيل الذي تطبق تعاليمه اليوم على الشعب الألماني هو كتاب هتلر المعروف (كفاحي)؛ ففي هذا الكتاب يتحدث هتلر عن التربية ويحمل بشدة على تفضيل تنمية الذكاء في الفرد، ويقول إن النظام القديم يرمي إلى خلق عقول وأفراد فقط؛ ولكنا نريد أن نخلق قبل كل شيء أجساماً قوية وإرادات ثابتة. ويكفي أن نخصص في الأسبوع ساعتين فقط للرياضة البدنية. ومذ تولى هتلر الحكم وهو يعمل لإنشاء هذا النظام الرياضي؛ ففي سنة 1933 صدر قانون (تحسين النشء)، ومبناه اتخاذ جميع الإجراءات التي يحسن اتخاذها لتقويم صحة الشباب وعقله وتفكيره؛ ثم صدر بعد ذلك قانون (السنة الخلوية) وهو يحتم على التلاميذ تمضية عام في الريف والحقول عقب إنهاء الدراسة الابتدائية؛ وهنالك أيضاً نظام (الخدمة العامة) الذي يحتم على كل رجل أعزب وامرأة عزباء الإقامة ستة أشهر مع أبناء أو بنات الشعب في معسكر ريفي في العراء؛ ثم تنتقل مدارس المعلمين في القرى أو المدن الصغيرة؛ وكذلك انتقال أساتذة المدارس الابتدائية بين حين وآخر إلى الريف للاشتغال ببعض الأعمال القروية. والقصد من ذلك كله هو أن يمد الشباب والنشء بروح العزم، وضبط النفس، واحتمال المشاق. وللفتاة الألمانية أيضاً نصيبها الوافر من التعليم الرياضي الذي يهيئ لها الجسم الصحيح ويعدها أماً صالحة للشعب الألماني

وكذلك يتجه النظام الجديد إلى تجنب الثقافة الجنسية التي يعدها عاملاً في إفساد الفتى والفتاة؛ فليس بين برامج التعليم الحاضر شيء من مسائل الثقافة الجنسية التي كانت تلقى بكثرة في ظل النظام القديم؛ وعلى الآباء والأمهات أن يلقنوا أبناءهم وبناتهم ما يحسن تلقينه من المسائل الجنسية المحتشمة، كذلك يرغب النظام الجديد عن نظام اختلاط الفتى والفتاة في ميدان التعليم ويعتبره تقليداً ضارا بمستقبل النشء

ولم تبق الجامعة في نظر النظام الجديد مكانا تحشد فيه المعلومات في الرءوس، ولا موطناً يعد الشباب للكسب الفردي؛ فالفرد إنما يجب أن يعمل للمجموع، وأن يستخدم في ذلك السبيل أي موهبة أو كفاية؛ ولا يريد النظام الجديد بعد شباباً ذابلاً تملأ رأسه المعلومات المختلفة، فذلك الضرب من الشباب يجب أن يختفي

وقد أدخلت تعديلات كثيرة على نظم القبول في المدارس والجامعات، وأضحى العامل العقلي والتعليمي أقل شأناً مما كان من قبل، وأضحى العامل الجسمي والخلقي في مقدمة العوامل التي تؤهل الطالب للقبول

وقد اتخذ تعليم التاريخ وسيلة لتكوين العقلية الألمانية الجديدة؛ فلم يعد يلقن الشباب تلك التفاصيل التاريخية المسهبة، وإنما يلقن التاريخ موجزاً من الناحية العامة، وتخص الناحية الجرمانية بكل عناية؛ وتتخذ نظرية السلالة الألمانية أهمية خاصة: سلالة الجنس الشمالي وتطورها ونقاؤها والأخطار التي تتعرض لها. هذا أهم ما يلقن الشباب الألماني، وهذا ما يشير إليه هتلر في كتابه بقوله إن غاية التربية الأخيرة هو أنه يجب أن يغرس في عقل النشء أن الجنس الجرماني هو أرفع أجناس الخليقة

وهكذا تفيض جميع نظريات التربية الألمانية القديمة التي عمل العلماء الألمان لاستخدامها على ضوء التجارب والأصول العلمية المقررة، وتحل مكانها نظريات جديدة جل غايتها أن تقوي الفكرة العسكرية في الشباب الألماني تحت ستار التربية الرياضية وأن تخلق من الشعب الألماني قبل كل شيء شعباً عسكرياً يعتز بقواه وكفاياته المادية

ميشيل آنجلو

ميشيل آنجلو بطل من أعظم أبطال الفن، وعلم من أعظم أعلام عصر الأحياء؛ وقد كتب عنه مدى العصور عشرات من أكابر الكتاب في كل أمة وكل عصر؛ ولكن العبقرية الساطعة تبقى أبداً مثاراً للبحث والتقدير. وقد صدر أخيراً كتاب جديد بالإنكليزية عن ميشيل آنجلو عنوانه (ميشيل آنجلو الراحل) بقلم الدكتور دونالد فنليسون وهو علامة أمريكي يحاول أن يبحث هذا العبقري من نواح جديدة وعلى ضوء جديد؛ وهو يمهد لبحثه بتصوير إيطاليا في عصر الأحياء، ذلك العصر الذي كانت تموج فيه العبقريات من كل ضرب، ولاسيما في التفكير والفنون. ذلك أن ميشيل آنجلو قد عاش في نفس العصر الذي عاش فيه أعلام مثل ليوناردو دافنشي، وبوتشللي، وسافونارولا، وميكافيللي، ورافائيل سانزيو، ولي تسيان، وبنفونو توتشلليني، وجورجو فساري وغيرهم، وكان عصراً ذهبياً من أروع ما عرف التاريخ

ولقد كانت إيطاليا تضطرم يومئذ بثلاث قوى سياسية متجاذبة. قوة آل مديتشي في فلورنس، وهم يحاولون حكم المدينة الجمهورية بنظام طغيان مستنير، وقوة البابوات، وهم يحاولون تقوية نفوذهم المدني والديني، ودفع أطماع ملوك فرنسا؛ وقوة الدولة الرومانية المقدسة، وكانت قوة البابوات أبرز هذه القوى؛ وكان البابوات يومئذ مزيجاً مدهشاً، فمن اسكندر السادس الحبر الفاجر، ولكن الطاغية القوي، إلى جوليوس الثاني البطل المحارب، إلى بولس الثالث نصير الفنون والآداب. وفي هذا الأفق المضطرم بمختلف القوى والاتجاهات ولد ميشيل آنجلو في كابريزا سنة 1475 وتوفي في رومه في التاسعة والثمانين من عمره، ولكنه عاش طوال حياته نقياً منزهاً عن مثالب عصره، بعيداً عن ضروب الملق والزلفى التي ألفها البابوات وأمراء العصر، بعيداً عن صنوف الفساد والخلاعة التي كانت خاصة المجتمع في هذا العصر؛ ولم يكن للمرأة أثر في حياته إلا حينما بلغ الكهولة، وعندئذ عرف الحب الرفيع وتعلق بأجمل وأنجب سيدة في هذا العصر، وهي فتوريا كولونا مركيزة بسكارا، ونظم لها مقطوعات من الشعر البديع، وكتب لها رسائل ممتعة؛ وفيما عدا هذه العاطفة الرقيقة كان ميشيل آنجلو مثل الرجل الأعلى، بارا بأهله، مترفعاً عن الدنايا، معتدلاً في أهوائه ورغباته

وكانت عبقرية ميشيل آنجلو تتفتح في نواح عدة، فقد كان مثالاً من أروع ما عرف التاريخ، وكان مصوراً، وكان مهندساً، وكان شاعراً؛ وفي هذه الميادين كلها يترك لنا ميشيل آنجلو آثاراً خالدة؛ وقد قام بعد أن أربى على الثمانين بأعظم أعماله الهندسية، فوضع تصميم قبة كنيسة القديس بطرس أعظم آثار النصرانية وأشرف على صنعها بنفسه، وأنفق أعواماً في نقش جدران المصلى السكستوني، وهو أروع ما في الفاتيكان من آيات الفن، وتوفي بعد أن ترك للفن ما لم يتركه بشر، سواء في الروعة والمقدار

ولميشيل آنجلو ناحية لم يلق عليها كبير ضوء هي ناحيته الشعرية، ذلك أنه كان شاعراً رقيقاً، ينظم مقطوعات بديعة تحمل كلها طابع العظمة؛ ولكن ينقصها التنوع وبروز الغاية

وقد أنفق الدكتور فنليسون أعواما طويلة في البحث والدرس واستطاع أن يجد لمؤلفه مادة بديعة، وأن يضع أمام القارئ صورة واضحة من شخصية ميشيل آنجلو في جميع نواحيها؛ وقد زين الكتاب بطائفة من الصور البديعة

وفاة مؤلف موسيقي شهير

توفي أخيراً في باريس المؤلف الموسيقي الروسي الذائع الصيت اسكندر جلازونوف؛ وكان مولده في بطرسبرج سنة 1865؛ وفي سن الثامنة عشرة وضع أول قطعة موسيقية من تأليفه فأحرزت نجاحاً عظيماً وذاعت على أثرها شهرته. ثم رحل إلى ألمانيا حيث التقى هناك بالموسيقى النمسوي الأشهر لزت وتلقى عليه وتخصص بإرشاده في التأليف الموسيقي. وفي سنة 1889 ظهرت مقطوعته الشهيرة (ستنكا رازين)، ووضع من بعدها تباعاً طائفة كبيرة من المقطوعات والأناشيد والأغاني والقطع الراقصة، وأحرز بتآليفه العديدة مكانة عظيمة في دوائر الموسيقى الرفيعة. ومن بين قطعه الراقصة الشهيرة (ريموند) (الفصول) (حيلة غرامية). ولما نشبت الثورة البلشفية آثر الهجرة إلى فرنسا، وعاش في باريس أعواماً طويلة، وتوفي هنالك في دار الغربة بين جماعة المهاجرين البيض في سن الحادية والسبعين