مجلة الرسالة/العدد 1014/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1014/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 12 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

صدرت (الرواية). . بعد أن احتجبت عن قرائها طويلا، صدرت قوية كالعهد بها من قبل، فتحتل مكانها في ميدان القصة الرفيعة والأدب الممتاز.

عادت الرواية بعد أن اكتسح ميدان الأدب، ذلك اللون الفاتر الضعيف الركيك، الذي يهدهد الغرائز، ويحرك الألوان القاتمة في النفوس، عادت لترد للأديب الرفيع مكانته، وللفن الخالص كرامته.

أسبوع النبي

كان ميلاد النبي. . هذا العام قويا حيا. . غاية القوة والحياة.

فقد جاء في الوقت الذي تستقبل فيه مصر حياة كريمة نقية تتمثل فيها صورة البطولة والقوة والحرية.

وقد أقيمت في كل مكان أحفال الذكرى، وكان للأديب فيها مكانه المرموق. . كان الشعر والنثر هذا الأسبوع ملونا منوعا، يصور حياة الرسول الكريم، وجهاده وكفاحه، تمثل ذلك في القصائد المختلفة التي نشرتها الصحف وأذاعتها الإذاعة، وألقيت في الهيئات والجمعيات التي احتفلت بالذكرى. . وفي المقالات، وفي القصص، وفي المسرحيات.

كانت الأقلام التي تعمل في ميدان الأدب والفن كلها تعمل لذكرى الرسول. . . وتصور تلك الشخصية الضخمة التي أضاءت الكون وأفاضت عليه نور الإسلام وهدته إلى التوحيد الخالص.

وإن كان لنا أن نقول شيئا في هذا المجال فهو أننا لا زلنا نطمع أن يتخلص شعراؤنا من القيود التقليدية التي خيمت على الشعر زمنا طويلا خلال العهد الماضي. وأن هذه النفسيات الشاعرة تستطيع أن تتجدد على أفق واسع.

ندوة الشباب المسلمين

وكانت ندوة الشبان المسلمين من أضخم هذه المهرجانات فقد اشترك فيها عدد كبير من شعراء الشباب: الغزالي، ومخيمر، وشعلان، والعوضي، والمنشاوي، والتهامي، والماحي، وحمام، والعماديين، وجبر، وقاسم.

وألقيت قصائد كان أغلبها في مولد الرسول.

ولا شك أن اشتراك هذا العدد الضخم من الشعراء الناضجين الذين عرفوا بالماضي الحافل في ميدانهم كان من أقوى الأعمال الأدبية التي كللت بالنجاح وكانت تأييدا لدعوة الرسالة التي طالبت بذلك من قبل.

وقد علق على الندوة وعقب على قصائد الشعراء الدكتور إبراهيم سلامة أستاذ النقد بكلية دار العلوم. استمر الدكتور سلامة يتحدث حوالي الساعتين ونصف الساعة، وكانت له طرائف حلوة في التعليق على الشعراء منها قوله:

شعراء المناسبات كحمالي القطارات لا يعملون إلا عندما يصل القطار.

مصطفى حمام هذا الشاعر الذي لم أفهمه، الشاعر الذي يتألم ويرسل زفراته وأناته من شفاه تبتسم. أنه كالرجل الأجرب الذي يجد اللذة في أن يحك جلده.

ولم يدع شاعرا من هؤلاء الشعراء دون أن يبدي رأيه في شعره بصراحة تامة. ومن القصائد الرائعة التي لقيت الاستحسان قصائد مخيمر والمنشاوي والتهامي.

فلسفة التكريم

في حفل التكريم الذي أقيم للأستاذ الفضيل الورتلاني المجاهد الجزائري هذا الأسبوع، في فندق سمير أميس، تحدث المحتفى به بعد انتهاء كلمات التكريم التي وجهت إليه فقال:

(إن حفلات التكريم في ذاتها ليست إلا مظهرا من مظاهر التعبير عن البطولة في ذاتها وتصوير معالمها. وإن الأمر في هذا أشبه بالمعركة التي يقوم بها الجيش حين يقوم بأعمال التمرين والتجارب. ففي هذه الحالة يتخير المهاجمون هدفا محددا، ولو كان ورقة، تصبح في نظرهم ولها صفة الهدف الحقيقي ثم يأخذون في مهاجمتها. وكذلك فعلتم أنتم حين جعلتموني هذا الهدف الوهمي لتصوروا ملامح البطولة كما تحبون أن تتمثل في الأفراد).

الأدب لا يطلب النجدة

كنا قد نشرنا بعض ما فاضت به الصحف في العراق ولبنان من حق الأديب.

وقد قرأنا في جريدة النبأ رأيا جزئيا في هذا المعنى في كلمة عنوانها (الأدب لا يطلب النجدة) جاء فيها (أن الأدب أجل من أن يطلب النجدة؛ فهو يفرض نفسه فرضا ويخلق له متتبعين إذا قدم لهم وجبات ممتعة فلا يطعمون العدس في كل وجبة.

. . ليس للأديب أن يجأر بالشكوى وهو قابع في صومعته فارضا نفسه غير مسؤول إلا إذا أنجد، فأين البضاعة المعروضة ليصح الطلب؟

إن الأدباء عندنا هم من الشعور بضعف واقعهم بحيث يستترون ثم يروحون ينعون على الجمهور ذوقه وتقصيره.

لم ينكب الأدب إلا الأدب نفسه، فمع قلة البضاعة أضحى البعض قراصنة يستولون عنوة على مال الناس بوسائل شتى ضاربين خير الأمثلة للناشلين.

حوشوا من هذا الحقل هذه الطفيليات فإن الأدب يحتضر. لقد أفزعنا أن نطالع بعض آثار أدبائنا فإذا هم ومحطة الإذاعة سواء بسواء).

والقضية التي يعرضها الكاتب هي قضية الأدب في كل مكان. على الأديب أن ينطلق في الحياة فلا يقبع في برجه العاجي ليكتب للناس من خياله. إن الأدب الواقعي هو الذي ينبع من آلام الناس وآمالهم ورغباتهم وأهدافهم. إن بعض الأدباء الذين أحسوا بأن أسماءهم قد لمعت، نسوا ماضيهم، وتبلد نشاطهم، وفترت حيويتهم ومن ثم جاءت آثارهم الجديدة غاية في الضعف.

ذكرى شكيب أرسلان ومحمود سامي البارودي

تقع في هذا الأسبوع ذكرى رجلين من كبار الرجال في الشرق. . . هما شكيب أرسلان وسامي البارودي. لقد ترك كل منهما من ورائه ذكرا مرفوعا وأثرا قويا في عالمي الأدب والسياسة.

أما شكيب أرسلان فقد عاش حياته مهاجرا. كان مظهرا من مظاهر الشرق الحية في الغرب، وكان منارا لكل شرقي في قلب أوربا. وما من مجاهد أو زعيم أو زائر قصد إلى هناك إلا وأحس بمدى الأثر الضخم الذي يفيضه على الشرقيين هناك.

وكانت الصحف لا تنشر له الفصول الضافية في الأدب والاجتماع والسياسة، وهو الذي علق على كتاب حاضر العالم الإسلامي فأضاف إلى ذلك السفر الصغير فصولا عن حياة المسلمين في مصر والمغرب والعراق وسوريا والهند وإندونيسيا. . غاية في القوة والوضوح، تعد بحق مرجعا من أوفى المراجع لمن يريد أن يكتب عن قضايا البلاد العربية والإسلامية.

ولم يقف جهد شكيب أرسلان عند التاريخ والسياسة؛ بل كتب عن العرب في الأندلس كتابا مستفيض الصفحات في تصوير الحضارة الإسلامية في ذلك الفردوس المفقود.

وكتب شكيب أرسلان كتابين في الأدب والتراجم غاية في القوة هما كتاباه عن شوقي وعن رشيد رضا.

ويتميز إنتاج شكيب أرسلان بالإسهاب والوضوح والجزالة والتدفق وبيانه غاية في القوة، لأنه يصدر عن قلب يخفق بحب الشرق والإسلام والعروبة، قلب المجاهد الذي عاش مهاجرا، تتمثل له في كل لحظة تلك المعالم الحية، التي يعيش فيها أهله وإخوانه وبني وطنه، وتلك الآلام التي يقاسونها في ذلك الكفاح المرير مع المستعمر والغاصب والمستبد.

أما محمود سامي البارودي، فهو ذلك الشاعر الذي نقل الشعر العربي من مدرسة إلى مدرسة. ونقل الوطنية المصرية من وضع إلى وضع. فهو على رأس الفريق الذي حرر الشعر العربي من قيوده التقليدية وفتح له باب التحديد الذي جرى فيه من بعد.

وكان من بين الفريق الذي وقف في وجه الظلم والطغيان، ظلم الحاكم المستبد وطغيان الاستعمار الغاشم، فكان أحد أولئك المجاهدين الذين حملوا لواء الثورة العرابية.

وقضى محمود سبعة عشر عاما من عمره في جزيرة سيلان منفيا ومبعدا عن وطنه الذي أحبه، قضاها أيضاً في جهاد، فهو لم يلبث أن دعا أهل سيلان إلى الإسلام وعمل حثيثا على نشر دعوته فيهم.

ثم عاد إلى مصر فلم يلبث أن فقد بصره وأمضى الأيام الباقية من عمره منقبض النفس مطويا حزينا.

وهو أول من أنشأ فن (رثاء الزوجة) في الأدب العربي الحديث، فلم يكن هذا اللون معروفا أو مقبولا من قبل حتى جاء محمود سامي البارودي فكتب قصيدته في رثاء زوجته، ثم جاء بعد ذلك عزيز أباظة وعبد الرحمن صدقي فمضيا في هذا الطريق.

ويلتقي شكيب أرسلان وسامي البارودي في ذلك المعنى الذي تحمله النفس المهاجرة لأمد طويل، فقد قضى كل منهما صدر حياته في المنفى، فلما عادا لم يلبثا طويلا.

وإذا كان تاريخ أبطال الثورة العرابية لم يكتب حتى الآن لأن الظلم والغبن كان يحيط بتاريخ الأحرار من الرجال، فقد حق اليوم أن يكتب عن هؤلاء الرجال الذين كتبوا في مصر الحديثة صفحة الحرية، فما بالك وقد كتب محمود سامي البارودي صفحتين في الأدب والسياسة جديرتين بالخلود.

أنور الجندي