مجلة الرسالة/العدد 1000/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1000/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1952



عبد الحميد الزهراوي

جاء في عدد المصور 1451 (10 ذي القعدة 1371 - أول أغسطس سنة 1952) تحت عنوان شيخ الصحافة أحمد لطفي السيد يتكلم. . أن الشيخ الزهراوي عاد إلى وطنه سوريا ليكافح الفرنسيون هناك ويرد إلى بلاده حريتها واستقلالها. . فلم يرتح الفرنسيون إلى هؤلاء الوطنيين الأحرار فنصبوا لهم المشانق وأزهقوا أرواحهم، وكان الشيخ الزهراوي في مقدمة المشنوقين.

والحقيقة أن الشيخ رحمه الله كان ضمن الذين حكمت عليهم المحكمة العسكرية التي أقامها جمال باشا في عالية لبنان إبان الحرب العالمية الأولى.

ولقد أنشأ الأحرار العرب جمعيات:

الإخاء العربي، جمعية العهد، المنتدى الأدبي، الجمعية السورية العربية، والجمعية القحطانية، حزب اللا مركزية. وغيرها

وكان الزهراوي مؤسسا للمنتدى الأدبي باستنبول ومروجا لبرنامجه السري، وتوالى رئاسة حزب اللامركزية واشترك في مؤتمر باريس يوم عين في مجلس الأعيان ولم يقبل هذه العضوية إلا بموافقة حزبه، فهو في مقدمة الأحرار العرب الذين ذهبوا ضحية إهمال القنصلية الفرنسية في بيروت وهي التي وضعت السلطات التركية اليد على محفوظاتها السورية، واتضح لها منها وجود حركة منظمة لفصل البلاد العربية من الدولة العثمانية وتمكن فرنسا من الاستيلاء عليها.

وقد جاء في هذه المحفوظات ما يثبت سعي البعض في قلب سوريا إلى إمارة ممتازة تحت حماية فرنسا تدار من قبيل أمير مسلم ينتخبه الأهلون بكامل الحرية. . برقية مسيو دوفرانس في 22 مارس سنة 1913 إلى وزارة الخارجية الفرنسية.

كما تبين منها مساعي السير ألدون غورست المعتمد البريطاني في مصر من اجل قيام حركة لصالح بريطانيا وإرساله للأنصار والأتباع إلى سوريا تنفيذا للسياسة الموضحة بين الدول الاستعمارية على اقتسام أملاك الدولة العثمانية بتحطيم الخلافة الإسلامية.

وأن التقسيم سيجعل سوريا من نصيب فرنسا من حدود حيفا إلى إسكندرونة ولإنجلترا من حيفا إلى حدود مصر مع جزيرة العرب والعراق.

كما تبين بشكل واضح وجود فريق يسعى جهده في لبنان لتحقيق:

1) استيلاء فرنسا على سوريا

2) ضم متصرفية بيروت إلى لبنان بعد فصلها من ولاية بيروت

3) وضع لبنان بأكمله تحت سيطرة ونفوذ فرنسا

ولا شك في أن الأحرار العرب ومن بينهم الشيخ الزهراوي لم يكونوا على علم تام باتجاهات السياسة الاستعمارية وأهدافها وهي التي استغلت غفلتهم.

ولذلك ذهبوا ضحية هذه السياسة الملتوية الجبارة التي سلمت أحرار العرب ومروجي هذه السياسة لحبال المشانق فكأنها في سبيل التخلص من رجال المبادئ باعت الأنصار والأتباع - والخونة - معهم، وتلك عبرة الأمم الناهضة ورجالها المخلصين الأبرار لكي يحترسوا من هذه الدول.

ولقد تيقظ أحرار العرب لمصيرهم من أول اجتماع لمؤتمر باريس سنة 1913 وكان لموقف هؤلاء رنة وصدى في الدوائر الاستعمارية إذ أعلنوا أنهم في كفاحهم ينشدون حرية البلاد العربية لا بيعها وتسليمها بعد الخلاص للدول الغاصبة.

والسيد الزهراوي أحد الذين غمرتهم الحركة فكان في مقدمة الأحرار الذين ذهبوا ضحية الاستعمار الأوربي والخونة. رحمه الله وغفر له.

أحمد رمزي

القائم بأعمال مصر سابقا في سوريا ولبنان

ألف ستتبعه ألوف!

يحمل هذا العدد من (الرسالة) الزاهرة رقم الألف، في لغة الأرقام. . . أما في لغة البيان فإن جهود (الرسالة) يخطئها الحصر، ولا يحدها إحصاء. . أو ترقيم. . .

وإنا لنبعث - في هذه المناسبة - بالتحية الحارة الخالصة لأستاذنا (الزيات) وأعوانه من حملة الأقلام الحرة التي سمت بالرسالة إلى تلك المنزلة الرفيعة في دنيا الصحافة، ودنيا الأدب. . أملين أن تتبع الألف ألوف. . . وألوف حتى تتبوأ مكان الصدارة في الصفوف! لقد حملت (الرسالة) منذ عددها الأول مشاعل الأدب الرفيع، فجبت إلى القلوب هذا اللون من الأدب، في وقت تنافس فيه المتنافسون في تقديم ألوان رخيصة من الأدب للشباب، محاولين قتل الروح المعنوية في نفوسهم، بما يقدمونه له من أدب داعر، وصور ماجنة، وقصص يسري في فصولها السم!

حملت (الرسالة) مشعل الأدب، تقود على ضوئه كتائب الشباب نحو أهداف العزة والمجد، وتخرج في معدها الكثيرون من حملة الأقلام الحرة، التي تؤمن بما كتب، ولا تكتب إلا ما تؤمن. . . فأصبحت المنبر الذي تتلاقى فيه أقوى الأقلام. . . أقلام الإصلاح، والتقديم، والتوجيه السديد!

حملت لمحبي القصة أرفع القصص. . وحملت لمحبي خير ما يقرأ. . وحملت لمحبي العلوم كل ما يعوزهم. . كل ذلك في أسلوب رفيع. . ونهج بديع. . ما حادت عنه يوما. . وما رضيت عنه بديلا!

وبعد. . هذه تحية سريعة. . أسجلها على صفحات (الرسالة) إقراراً للحق. . واعترافا بالفضل. . لا أبغي من ورائها المديح ولا الإطراء. . لأن (الرسالة). . . وصاحب (الرسالة). . وأقلام (الرسالة) كل أولئك ليس في حاجة إلى المديح. . ولا الإطراء!

عيسى متولي

معاهد للأمهات

حبذا لو أنشئت في مصر والشرق معاهد للأمومة، تتلقى الأمهات بين جدرانها دروسا شتى في تربية أطفالهن، وينشئتهم النشأة الصالحة التي يقوم عليها تكوينهم الشخصي السليم.

يدفعني إلى هذا التفكير ما يلاحظ على كثير من الأمهات من أخطاء ملموسة في تنشئتهن أطفالهن وطبعهم بطابع يسوده التعقيد والاضطراب والجبن والفزع، والحيلولة بينهم وبين الحياة الصحيحة التي يجب أن يشبوا عليها، ويندر أن تجد الأم الحازمة التي تنشئ أطفالها على الشجاعة الأدبية والخلقية والاعتزاز بالشخصية، والثقة بالنفس والاعتماد عليها، والتي تفتح أمامهم منذ الصغر آفاقا فسيحة من الطموح والمثابرة والتنافس والإقدام.

لا تزال بعض الأمهات يقفن عقبة صامدة في سبيل النضوج الفكري والشخصي لأطفالهن ويعقن التفتق الذهني لهم: محاولات أن يجعلن منهم آلات صماء تأتمر بأمرهن، وتتحرك بإرادتهن، وتنشأ على الحياة التي توافق مزاجهن. أبصرت سيدة ذات يوم تؤنب طفلها لأنه اختلس لحظات من وقته ليتصفح مجلة للأطفال بحجة أنها تشغله عن استذكار دروسه، وبهذه الحجة نفسها تحرم بعض الأمهات على أطفالهن أن يدنوا من المذياع أو يتصفحوا أي نوع من الصحف والمجلات، وأبصرت بنفسي أما تنهر طفلها في طريق عام فارضة عليه التزام الصمت وعدم الثرثرة، وكان هذا عقابا له لأنه سألها شرح بعض المعلومات العامة البسيطة التي لم يتسع ذهنه الصغير لهضم سرها، وأكثر من هذا ما تعمد إليه بغض الأمهات من تكلف القسوة الدائمة على أطفالهن باسم الأدب والتربية، ومن بث الروع في نفوسهم، وتهديدهم بالمروعات والمفزعات ليشبوا على أكبر قسط من الجبن والهلع.

لقد سمعت بنفسي إحدى الأمهات الجاهلات في طريق عام تستعين بالشرطي ليحمل طفلها على الحد من بكائه، والخضوع لأمرها بمتابعتها في سيرها، وما أكثر ما تخترع الأم الجاهلة من الأسماء الفظيعة للأشباح المجهولة تروع بها أطفالها حتى يناموا إذا لم يحل لهم النوم، وحتى يسكنوا إذا طابت لهم الحركة، وحتى يصمتوا إذا عن لهم أن ينطقوا ويتكلموا.

إن الطفل كالمعدن السائل تسهل صياغته وتكوينه، والأم الجاهلة تستطيع أن تخلق منه سفيها عييا، وجبانا مضطربا، ومخلوقا لا شخصية له، كما تستطيع الأم المتعلمة أن تخلق منه إنسانا ذا شخصية فذة يفيد نفسه ووطنه وأمته.

إن معاهد الأمومة من الأهمية بمكان، وسيكون لها أثرها الفعال في خلق جيل من الشباب النافع الذي ينهض ببلاده ويصل بها إلى ذروة المجد، فمتى يفكر المسؤولون في إنشائها؟، نأمل أن يكون قريبا، والله الموفق.

رمل الإسكندرية نفسية الشيخ