مجلة البيان للبرقوقي/العدد 8/كرومويل - نابليون بونابرت

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 8/كرومويل - نابليون بونابرت

مجلة البيان للبرقوقي - العدد 8
كرومويل - نابليون بونابرت
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 5 - 1912



يعلم الذين نظروا في كتاب الأبطال الذي وضعه الفيلسوف الانكليزي توماس كارليل وعربه الفاضل محمد السباعي وأخرجته للناس مكتبة البيان أننا انتهينا فيما أظهرناه من هذا الكتاب إلى الكلام على كرومويل ونابليون بونابرت. وإنّا الآن إتماماً للفائدة ولأن كارليل خير من كتب على نوابغ العالم وكرومويل ونابليون هما من أنبغ النوابغ آثرنا أن نتحف قراء البيان بتلك الكلمات الآلهية التي خرجت من قلب ذلك الرجل الآلهي (كارليل) عن كرومويل ونابليون قال كارليل تمهيداً للكلام على كرومويلز

لقد حدثت في انكلترة حروب داخلية كثيرة: حروب الوردة الحمراء والوردة البيضاء. وحروب سيمون دي مونتفورت - حروب ليست من الأهمية بمكان ولكن حرب الخوارج (البيوريتان) كان لها من الخطارة ما لم يمكن لغيرها. حتى ليجوز لي أن أسميها جزأً من تلك الحرب العظيمة العامة التي ليس إلا منها يتكون تاريخ الدنيا الحر التصميم - حرب الأيمان ضد الكفر! جهاد حزب الله المتمسكين بالحقيقة ضد الكذبة الفجرة العاكفين على المظاهر والقشور. وقد لا يرى الكثيرون في خوارج انكلترة إلا عصبة سفلة غلاظاً فظاظاً مولعين بهدم الرسوم الكاذبة. ولعلنا نجد لهم عذراً في احتقارهم البطريق لود زعيم الديانة إذ ذاك وحنقهم عليه وعلى أميره الملك تشارلس الأول. ولود هذا هو في رأيي ضعيف العقل منكود الحظ وما هو بالخائن اللئيم. إنما هو رجل أحمق وأكبر حمقه التمسك الأعمى بمذهبه والاستبداد الممقوت برأيه. وهو كناظر مدرسة لا يرى في العالم شيئاً إلا قواعد مدرسته ورسومها وأوضاعها. معتقداً أن هذه هي قوام الدنيا وعماد الوجود. وأن صلاح الكون مرهون بها. والمحنة العظمى والطامة الكبرى أن الملك تشارلس الأول عمد إلى هذا الرجل الذي رأيه في الكون والحياة والوجود هو ما ذكرت وجعله الرئيس لا على مدرسة بل على أمة يدبر من شؤونها أكثرها أشكالاً ومن حاجها ومصالحها أشدها اعتياصاً وإعضالاً. ويرى هذا الرئيس الشقي المسكين أن تدار تلك الشؤون والمصالح بالقواعد القديمة والنظامات العتيقة بل يرى أن نجاحها في إعلان شأن هذه القواعد وتأييد أسبابها. ثم تراه كالأحمق الضعيف يندفع بأقصى الشدة والعنف في سبيل غايته لا يجيل رأياً ولا يعمل روية ولا يسمع نهياً ولا يصغى إلى نصيحة

جامحاً في العنان لا يسمع الزجـ - ـر ولا يرعوى إلى الرواض هو كما قلت رجل أعمى التعصب أحمق الاستبداد يأبى إلا أن ينفذ قواعده المدرسية على نفوس الأمة - قائلاً للشعب تنفيذ قواعدي قبل كل شيء! له الله من مستبد أحمق. أبى إلا أن يجعل عالم الله الطويل العريض مدرسة ويأبى الله أن تكون دنياه مدرسة. وبعد فيغفر الله له أفلا ترون أنه لقي من العقاب مت هو أهله؟

(وبعد) فالحرص على الرسوم والأوضاع حميد مستحب. إذ أنه من شأن الديانات وغيرها أن تلبس الرسوم والأشكال. ولا مقام للإنسان قط إلا في الأمكنة ذات الرسوم والأوضاع. ولست أحمد في المذهب الخارجي (البيوريتاني) عريه من الأثواب والصور والقوالب وخلوه من الرسوم والأوضاع. بل أعيب ذلك عليه وأراه عورة أحق بالرحمة والأسف - فأما الذي أحمده منه فهو روحه ولبابه. وكل لباب وجوهر فلا بد أنه يلبس زياً ويسكن رسماً وقالباً غير أن من الرسوم ما هو ملائم صالح ومنها ما هو غير صالح ولا ملائم. والحد الفاصل بين هذا وهذاك هو أن القالب الذي ينمو وحده حول الجوهر بقوة الطبيعة يجيء ملائماً لطبع الجوهر موافقاً لغرضه وغايته فهو لذلك حسن صالح. وأما القالب الذي تجعله يد الإنسان حول الجوهر عمداً فهو قبيح فاسد. وأني لأنشدكم الله أن تتأملوا ذلك وتنعموا فيه النظر. فإنه الفارق ما بين كاذب الرسوم وصادقها - بين الإخلاص المحض وبين المظهر الباطل في جميع الأمور والأشياء.

نعم يجب أن يكون في الرسوم عنصر صدق وباعث شديد من الحق وسأضرب لكم مثلاً الخطابة. فماذا تقولون أعزكم الله في الخطيب الذي يهيئ الخطبة من قبل إلا أنه سوأة وآفة؟ ثم ماذا تقولون في الرجل المتصنع الابتسام المتكلف الانحناء للضيوف والزوار إل أنه آفة كذلك سوأة؟ وإذا كنتم تعدان مثل هذين عورة وبلية فما قولكم في رجل يأتيك في أمر من أجسم أمورك في أمر الدين والعبادة مثلاً - يأتيك وقد غمر جلال الدين روحك وحير لبك وألجم لسانك فأنت مطرق حائر ساكت من شدة الانفعال والوجد وفرط التأثر والطرب مفضل السكوت على الكلام وأجدا لسان الصمت أفصح وأعرب بما يكنه صدرك ويضمره حشاك من ذلك الوجدان العظيم والشعور الجسيم - يأتيك وأنت في هذه الحال الشديدة فيتعرض لأن يعرب عن مكنون وجدانك بكلام كاذب باطل - ماذا تقول لمثل هذا الرجل وماذا عندك له إلا الطرد والإبعاد - لا أبعد الله غيره! بلى ليذهب ذلك الرجل عنك إذا كان يحب نفسه! إنما مثله مثل من يأتيك وقد فجعتك المنون في واحدك فأنت من شدة الحزن ملجم اللسان جامد العين فيقيم لك احتفالاً بشعائر الحداد مؤلفاً من ألعاب قدماء اليونان على هيأة يونانية قديمة. فمثل هذا الفضول والزور والتصنع جدير بالمقت والإنكار. وهو عين ما كانت تسميه الأنبياء وثنية - أي عبادة القوالب الفارغة والصور الجوفاء - تلك الذي يرفضها وسوف يرفضها كل مخلص صادق. وكذلك يمكنكم أن تفهموا بعض الفهم أغراض أولئك الخوارج ومقاصدهم. فترون في الرئيس لود ودأبه في تأييد الكاثوليكية وحواشيها من تلك الرسميات والإشارات والانحناءات والشعائر - ناظر المدرسة المصر على تنفينه قواعده ونظاماته لا القسيس الحر المخلص المعنى بجوهر الدين صافحاً عن القوالب والقشور.

ولم يطق الخوارج هذه الرسوم فداسوها بالنعال وإنّا لنعذرهم إذ جعلوا يقولون لا رسم مطلقاً خير من هذه الرسوم. وقد جعل خطباؤهم يمتطون صهوات المنابر عارية مقفرة إلا من الإنجيل يحملونه في الأيدي. وهل ترون في الكلمة تخرج من صميم فؤاد الرجل فتصيب حبات القلوب إلا أكمل مظاهر الدين وأجل صور العبادة. وعندي أن أخشن الحقيقة وأعراها خير من أنعم الرسوم وأثراها. هذا ون الحقيقة متى وجدت فهي الكفيلة لنفسها باللباس والكسوة. ومتى وجد الإنسان الحي كان كفيلاً لنفسه بالملابس - إذا لم يصبها لدى الغير أخذها بيده من موارد الأرض وصنعها بكفه. فأما أتجيء بالثوب وحده فتدعي أنه ثوب ورجل -! - نحن أعزكم الله لا يمكننا أن نحارب فرنسا بجيش مؤلف من ثلاثمائة ألف ثوب أحمر. ولا نجرأ على تقديم هذه الثياب إلى ساحة الحرب إلا إذا كان فيها ثلاثمائة ألف رجل حي يتنفس! وأني لا أزال أقول أنه لا ينبغي للثوب أن ينفصل عن الجوهر. ولا للرسم أن يطلق الحقيقة ويبين منها. وإذا فعلت الرسوم ذلك قام لها أناس فثاروا ضدها على أنها أكذوبة وزور. وكذلك ترون أن حرب الخوارج والرئيس لود لم تك في الحقيقة إلا حرب الثوب والجوهر - حرب الرسم والحقيقة - حرب الباطل والحق - حرباً ضروساً ثارت في انكلترا حينذاك واستمرت حقبة من الدهر وعادت علينا عواقبها بالنفع الجم والخير الكثير. وكان الجيل الذي أعقب عصر الخوارج ليس بخليق أن يزن أعمالهم بقسطاس العدل. وكيف نرجو من مثل تشارلس الثاني ورجاله أن يعرفوا أقدار الخوارج أو يفقهوا معاني أعمالهم؟ وأنى يكون ذلك الحكم العادل والنظر الثاقب من فئة كان لا يخطر بأذهانهم إن في حياة الإنسان ذرة من الحق والصدق والمعاني المقدسة. لقد ظل هذا الملك وأولياؤه يمثلون أشنع التمثيل بالمذهب البيوريتاني (مذهب الخوارج) كما يمثلون برجاله - فلو شهرت الحال إذ ذاك لرأيت البيوريتانية مصلوبة على الأعواد كأجساد أربابها. ولكن الصلب والتمثيل لم يعق من مسير نتائجها. ولا بد للعمل الصالح من أن تسير آثاره مهما مثلث بأهله وأصحابه. نعم إنا لنطرح البصر فتسرنا محاسن آثار أولئك الخوارج ونري الدستور والحرية والسعادة التي نتمتع بها الآن أغراساً زرعتها قرائحهم وسقوها طوراً بأوعية الدموع وتارة بسجال الدماء. وهم الذين سنوا المذهب القائل بأن جميع الناس أحرار بالفعل أو سيكونون أحراراً يوماً ما - أحراراً تقوم حيلتهم على أمتن أساس من الحق والعدل لا التقاليد والباطل! هذا وكثير غيره من حسن آثار الخوارج وجليل نعمهم علينا.

والواقع أنه اتضحت مآثر الخوارج هذه وعلت في النفوس مكانتهم وضرجت أقذاء التهم عن حواشي أعراضهم. واستنزلت عن أعواد الصلب ذكرى عهودهم واحداً بعد واحد. بل لقد قدست أسماء بعضهم وعدوا ضمن أولياء الله المصطفين. وحسب من الأبطال أمثال اليوت وهامبدين وبيم حتى ليدو وهاتشسون وفان. أولئك القساوسة السياسيون الذين إليهم يعزى ما ننعم به اليوم من حرية البلاد. أفيجرأ اليوم إنسان أن يلوث بالذم أعراض هؤلاء؟ وهكذا أصبحت لا تكاد تجد من بين القوم إلا من له أنصار يقومون بعذره وشيعة تشيع في الناس فضله وتشيد له صروح الإجلال والإكبار. كلهم قد برأ الله ساحته وجمل في النفوس مكانته وأعذب في الأفواه ذكره وأدال له إلا واحداً هو سيد الجميع وفتى القوم - الملك الأكبر رافع لواء الحق - أوليفار كرومويل. فأني أرى عرضه لا يزال مجال الألسن السالقة والأظفار الممزقة وأرى ذكراه لا تزال مصلوبة في أعالي الجذع. وماله من عاذر ولا نصير. والناس مجموع عليه بالذم والنكير. وأنه شرير خبيث. هم لا ينكرون أنه كان رجلاً كفؤاً حازماً شجاعاً مدبراً ولكنه خان العهد في نظرهم ونقض العقد. وكان فيه أثرة وشجع وغدر ومكر وتصنع ونفاق. حوّل ذلك الجهاد العظيم المبذول في سبيل الحرية إلى طريق منفعته الشخصية بهذه الخلال وأسوأ منها ينعتون أوليفار كرومويل ثم يقارنونه بالزعماء واشنجتون وسواه ولا سيما بالأبطال بيم وهامبدين وأليوت الذين سلبهم ثمار أعمالهم العالية ثم أوسع تلك الثمار إفساداً وتشويهاً.

وليس بعجيب أن يكون ذلك الرأي القبيح هو رأي القرن الثامن عشر والشيء من معدنه لا يستغرب. وما قلنا في خادم غرفة خادم الملك منطبق تماماً على الرجل الملحد. كلاهما لا يفهم معنى البطولة ولا يعرف البطل إذا رآه! والخادم ينتظر أن يرى للملك ثياباً فاخرة مرصعة بالذهب والفضة مرصعة بالدر والجوهر. وحاشية كثيفة من الخول والأتباع وأبواقاً تصيح وطبولاً تقرع. والرجل الملحد - رجل القرن الثامن عشر - ينتظر أن يرى للأمام الرئيس قواعد محترمة أو ما يسمونه مبادئ وينتظر أيضاً أسلوباً خطابياً نعته الناس بالجودة والبراعة يحاج عن نفسه ويدافع في أفصح بيان وأنق لهجة فيفوز باستحسان قرن كاذب متصنع كالقرن الثامن عشر. وجملة القول أنه ينتظر ما ينتظره الخادم - أعني زخارف ظاهرية وأثواباً وقشوراً وقوالب ورسوماً ليست من الحق الصراخ في شيء. كلاهما يريد الزخرف والزينة السطحية ليقر بأن صاحبها ملك وبطل. فإذا برز لهم الملك في سيمياء القشف والخشونة وزي الفقراء والصعاليك أنكروه وقالوا ليس بملك.

وما كنت قط لأقول صراحة أو تلميحاً أدنى ما يحط من أقدار رجال كاليوت وهامبدين وبيم. أولئك أقر لهم بالنفع وأشهد لأعمالهم بالنفع. ولقد قرأت كل ما تيسر لي مما كتب ونيتي وإرادتي أن استلذ عهودهم وأعجب بأنبائهم وسيرهم وأعبدهم عبادة أبطال هذه نيتي وإرادتي ولكنها لسوء الحظ لم تحقق. نعم لقد كنت أحمد ظواهر أولئك الرجال. ولكن نفسي لا تجد تمام الارتياح لبواطنهم. ولا أنكر أنهم كانوا عصبة كراماً أمجاداً يمشون الهوينا عليهم برود العزة وسرابيل الجلال فإذا نطقوا فما شئت من حكمة ولب تجري الفصاحة بين قلوبهم وألسنتهم وتجول الفلسفة بين لهواتهم وشفاههم ويتحدرون بالخطب البرلمانية تحدر السيل ويتدفقون بها تدفق اليعبوب. ويأخذون في الأغراض التشريعية والاقتراحات الإدارية فيطيلوا عنان القول ويملئوا الدلو إلى عقد الكرب مرسلين الحكمة في عرض كلام كالجوهر المنثور تجول على صدره قلائد البيان ويطرد في أثنائه ماء البديع ويتحير في حواشيه رونق الحسن - فحبذا هم من رجال أساطين علم وأئمة تشريع وأولي عزة ومجد وجلال. ولكن قلبي بعد كل ذلك لا يخف لهم ولا تجيش أحشائي ولا تهتز جوانحي. اللهم إلا خيالي فإنه قد يحاول أن يجد لهم بعض الإجلال. وأي رجل في الوجود تعروه الأريحية ويهزه الطرب ويلتهب قلبه شوقاً لهؤلاء النفر. كلا لقد أصبحت تراجمهم وأنباؤهم غاية في الجمود والثقل! نعم أن بلاغة أولئك الفحول قد تكون أبهر الأشياء وأروعها ولكنها شيء ثقيل - ثقيل كالرصاص ومجدب كالصخرة الملساء. وجملة القول أنه لم يبق فيها لقراء العصر غبار لذة ولا ظل مطرب ومستمتع! فإن أبيت إلا امتداحها فقل أنها كانت كأساً رشف الدهر أطيبها وأعذبها فلم يبق إلا صبابة مرة كدرة! فسلام على أولئك الفحول ولندعهم ثاوين مضاجع مجدهم وشرفهم ولنقبل على الرجل الخشن المتوعر الطريد المنبوذ أوليفار كرومويل فإن فيه وحده ضالتنا من المادة الإنسانية وكنوز الكرم الصراح والبطولة العالية. إن فيه لذلك وإن لم يكن فيه فصاحة وكتابة. وبلاغة وخطابة. وبراعة وخلابة. وكم من بلغاء مصقولي جوانب اللسان رقاق حواشي الطبع ليس وراءهم كبير فائدة. وما سرنا من إنسان نظافة كفيه إذا كان لا يقرب الأعمال إلا لابساً قفازه!

وبعد فلست أرى في رضى القرن الثامن عشر عن خطباء الخوارج وزعمائهم إلا شعبة من رسميات ذلك القرن وكفرياته. وكيف وهم (رجال القرن الثامن عشر) يعيروننا أن يكون سبب دستورنا وحريتنا هو الخرافات الدينية يقصدون بذلك مذهب الخوارج من حرية العبادة ويقولون هلا كان لحريتكم مصدر أشرف وأسمى من الخرافات الدينية مثل حرية وضع الضرائب ويقولون أنه كان من الوهم والخرافة والتعصب الأعمى والجهل المطبق بالفلسفة لدستورية أن يجعل آباؤنا الأول غايتهم الوحيدة هي حرية العبادة وإنما الغاية الوحيدة في مذهب القرن الثامن عشر هي حرية وضع الضرائب أعني امتناع الإنسان عن دفع الدراهم من كيسه حتى يبين له السبب الذي يدفعها من أجله. فأناس يجعلون هذا أول حقوق الإنسان لا شك جهلة أغبياء. وأرى أنه لن يكون الدرهم وحدها قط باعثاً للعاقل على أن يثور ضد حكومته. وما زال الإنسان يرضى بدفع المال لحكومته بشرط أن يبقى له سداد من عوز. وأني أجد أن الانكليزي حتى في هذه الأوقات إذا لم يرض أن يدفع للحكومة ضرائب عديدة من غير أن يبين لها أسباب دفعها اضطر إلى أن يهاجر وطنه إلى غيره من بلاد الله. وكأني بالانكليزي يقول جابي الضرائب! المال! خ1وا مالي بما أنكم قادرون على أخذه ومحتاجون إليه. خذوه واذهبوا ودعوني وشأني - اتركوني وشغلي فأني لا أزل في داري ووطني قادراً على تجديد المال بالعمل. قادراً على لعيش السهل المرضي بعد كل ما سلبتمونيه. بهذا الكلام يجيب الانكليزي رجال السلطة إذا أتوه يطلبون ماله. فأما إذا جاءوه يقولون له اعتقد هذه الأكذوبة. واحسب أنك تعبد الله وأنت لا تعبده. ولا تؤمن بما تراه أنت أنه الحق. وإنما بما نراه نحن حقاً أو ندعي أنا نراه حقاً! كان جديراً أن يجيبهم بقوله كلا ويمين الله. أنتم في حل من مالي تأخذونه متى شئتم ولكني لا أبيع ديني. ولا أخسر عقيدتي. أما المال فذلك غنيمة باردة لأي قاطع طريق يتهددني بسلاحه. ولكن نفسي ملكي وملك الله وديني لن تغلبوني عليه ولا تخدعوني عنه ما دام في حلقي نفس يتردد. وسأدافع عنه بآخر قطرة من دمي. (للكلام بقية)