مجلة البيان للبرقوقي/العدد 21/عالم العلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 21/عالم العلم

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1914



الكلب الكاتب المفكر - السمك المتوحش - إنقاذ اللقطاء في فرنسا - الأكاذيب المقررة في التاريخ - فندق الباستيل - كلاب البحر الفيلية - عقيدة العلامة هيكل.

الكلب الكاتب المفكر

في مدينة مانهايم من أعمال ألمانيا كلب حير الألباب وأذهل الناس واسترعى دهشتهم، وكتبت عنه عدة من المجلات الغربية، وهو لسيدة تدعى مدام ميكل. وقد جاء الدكتور ماكنزي إلى مانهايم خصيصاً لامتحان هذا الكلب.

بدأ الدكتور يسأله عدة أسئلة في الحساب من جمع وطرح وضرب وقسمة فكان يجيب عليها ويؤدي مقدار العدد المطلوب بتحريكات من ظلفه الأيسر، ثم بعد ذلك كتب بعض حروف الهجاء وكان يرمز لكل منها عدداً مخصوصاً، وكان يتهجى الكلمات تهجية صوتية ويستعمل في ردوده عامية لغة المدينة، وكانت تتجلى في أجوبته قوة مفكرة مدهشة يمازجها ضرب من الذكاء المزاجي.

ونحن مقتطفون الكلمة الآتية من مقال الدكتور الممتحن عن الكلب: قال بعثت خادماً ليشتري نسخة من إحدى الصحف وأمرت أن لا يرى النسخة أحد غيري وغير الكلب، فلما جيء بالصحيفة اخترت نهراً من أنهارها قد كتب في رأسه الكلمات الآتية () ثم دفعتها إلى الكلب وسألته أن يرددها فقرأها الكلب على هذه الصورة () فكان هذا ولا ريب مدهشاً مذهلاً معجباً، ذلك لأن الكلب لم يكرر الألفاظ حرفاً حرفاً كما يكون من الفوتوغراف بل إنه كما ترى أرجعها إلى تهجيته الصوتية الشخصية، مما يدل على أنه قد حدث في ترديد هذه الألفاظ شيء من التفكير والتروي والتعقل.

ثم أمرت الكلب بعد ذلك أن يغادر الحجرة ليشرب شيئاً من اللبن فلما اختليت بالسيدة ميكل سألتها عما إذا كانت تظن أن الكلب يستطيع أن يجيب على أسئلة معنوية كأن يطالب مثلاً بتفسير معني () أي الخريف فكان رأي مدام ميكل أنها تعتقد أنه يستطيع ذلك وربما أجاب عن ذلك بما هو في معناه أي ربما يقول مثلاً هو فصل فلما عاد الكلب وألقيت عليه السؤال لم يكن جوابه إلا أن قال () ومعنى هذا الوقت الذي يكون في التفاح!!.

فلما رحل ماكنزي استوحش الكلب غيبته فكتب إليه في صبيحة اليوم التالي لرحيله خطاباً تاماً صحيحاً وإن كان موجزاً - وخير الكلام ما قل ودل - وإليك نص رسالة الكلب عزيزي الدكتور - ارجع سريعاً، لا تذهب بعيداً - أعطني صوراً وكذلك صورتك - تحيات كثيرة - خادمك!.

وهذه القوى التفكيرية في هذا الحيوان تكاد تكون من غرابتها بعيدة التصديق ولاسيما أن الكلب يفعل ذلك دون أية مساعدة من أحد.

السمك المتوحش

كتب الدكتور روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بعد رحلة طويلة في غابات البرازيل ومجاهلها كتاباً مستطيلاً في وصف ما شاهد. ونحن نقتطف منه النبذة الآتية في وصف نوع غريب من السمك. قال روزفلت:

. . . ثم وجدنا بركة عميقة واسعة قد غشيها عدة من صغري التماسيح والخنازير البرازيلية المائية، وكان لا يقل حجم الخنزير عن النعجة أو الشاة. فلما ضربنا خنزيراً منها غطس في الماء وإذا بأسماك متوحشة مفترسة قد انقضت عليه ولم تكد تمضي دقائق حتى كانت قد التهمت نصفه، بل أعجب من ذلك وأغرب إننا أصبنا تمساحاً يبلغ طوله خمسة أقدام فما كان من هذه الأسماك المتوحشة إلا أن انقضت على التمساح فمزقته وجعلت تجره إلى البر تريد قتالنا ومواجهتنا - وذلك أنه لما هوت على التمساح الجريح ورأت الدماء تسيل منه اهتاجت اهتياجاً عظيماً حتى جعلت تهوى بأسنانها الهائلة فوق جثة التمساح وجعلت من شدة الغضب تمزقه إرباً إربا.

ومن ذلك اتضح لنا أنها لا تمس الخنازير أو التماسيح بسوء إذا كانت هذه غير مجروحة بجراح، لأن منظر الدماء هو الذي يهتاجها ويحدث لها نوعاً مخيفاً من الجنون، والعجيب من غريزة هذه الأسماك المفترسة أنها لا تتعرض أبداً للسائحين من الناس في البركة بأي سوء، ولكن الجريح منهم أو من الحيوانات يكون من شرها غرضاً للافتراس والموت.

إنقاذ اللقطاء في فرنسا

كتب أحد كبار الكتاب في فرنسا يقول إن من الضروري اتخاذ الحيطات الكثيرة لمنع الهبوط المطرد في نسبة سكان فرنسان، وقد اقترح في مقاله أن توضع في جميع مستشفيات اللقطاء صناديق تلصق بجدران الحجر ويوضع كل لقيط في صندوق منها ويترك للنساء الحرية في دخول الدار متى أردن، حتى لا يمنع الخجل من الفضيحة أو الخوف من العار أو أية أسباب أخرى، تلك الأمهات اللاتي نبذن أولادهن يوم الولادة في مظلم الأزقة وساكن الطرق، من الذهاب في كل يوم لتفقد أطفالهن في المستشفيات وإرضاعهم وتغذيتهن آمنات من شر الفضيحة مطمئنات، بل إن هذه الصناديق المحجوبة ستعمل كثيراًَ على تخفيف وفيات الأطفال في فرنسا وتقليل عدد الجرائم التي ترتكبها النساء في سبيل الخوف من الافتضاح.

الأكاذيب المقررة في التاريخ

وضع أحد كبار العلماء المؤرخين منذ أشهر رسالة في إحدى المجلات الكبرى تدور حول الأكاذيب المقررة في التاريخ كأنها حقائق تاريخية صادقة لا أثر فيها للخرافة وقد جاء بقائمة طويلة من هذه نقتطف منها ما يأتي:

حرق جريجوري الأكبر مكتبة القياصرة - حرق عمر بن الخطاب مكتبة الإسكندرية - قولهم إن أوروبا في القرون الوسطى كانت تعتقد أن العالم سينتهي في عام 1000 ميلادية - قصة أسر قلب الأسد - قولهم إن خطب بطرس الناسك هي التي أثارت أوروبا إلى الحرب الصليبية الأولى - رواية ويليم تل.

خرافة الباستيل

لا نظن إن في القراء من لا تتأفف نفسه وتتأثر مشاعره وترتعد فرائصه إذا ذكرت أمامه مظالم الباستيل وفظائعه! أو قرأ شيئاً عنها في رواية، أو وقع على وصف لهوله في كتاب، ذلك لأن المؤرخين والكتاب والروائيين قد أكثروا من وصف هذا السجن العتيق بكل نكراء حتى أصبح راسخاً في أذهان العالم كله أن الباستيل كان أفظع السجون التي شهدها التاريخ.

ولكن يظهر أن هذه خرافة أخرى من الخرافات التي يحملها التاريخ في بطونه ودفاتره، كما يتبين لك من الكلمة الآتية التي كتبها عنه العالم المتقدم الذكر في رسالته.

لقد كانت العناية بالمساجين في سجن الباستيل نهاية في الكرم وغاية في الجود، وكان كل سجين يكرم على قدر مكانة في الهيئة الاجتماعية، فمثلاً كانت الحكومة تصرف يومياً لحاكم الباستيل خمسة فرنكات لطعام المسجون المتوسط الحال، وخمسة عشر فرنكاً لطعام العضو في البرلمان وأربعة وعشرين فرنكاً للقائد وستة وثلاثين للمارشال ولما ألقي الكاردينال روهان في الباستيل من جراء عقد الملكة، كان يصرف عليه الحاكم في اليوم مائة وعشرين فرنكاً، وكذلك كان يتفق على المساجين من الفقراء والإغمار بقدر ما يناسب حالهم، فكان الباستيل أهنأ سجن في العالم بأسره بل إن ريتفيل في طعنه على حالة فرنسا قبل الثورة الفرنسية قد اعترف بأن كان يشرب وهو في الباستيل سجين خمرة الشمبانيا وخمرة البورغوينا ويأكل الفراخ والأرانب والسمك بل كان رئيس الطهاة في الباستيل يعرض على المساجين كل صباح قائمة الأصناف للتصديق عليها، بل كان الملك يأمر بكساء من يفتقر منهم إلى الملابس، وكان المساجين في السجن بأثوابهم الجميلة وأرديتهم ومعاطفهم وأوشحتهم وأقبيتهم، ولم يكن يلبس منهم أحد ملابس السجن وكانت الحكومة تقدم السجائر والدخان إلى من يحتاج إليها منهم وكانوا في بعض الأحايين يقيمون بينهم حفلات موسيقية أو فصولاً تمثيلية، وإذا مرض أحدهم عالجوه دون مابل وإن شاء أن يفصحه طبيبه الخصوصي جاؤوه به!!!. .

ولعل القراء يتساءلون بعد ذلك لقد كان هذا الباستيل أشبه بالفندق منهن بالسجن!. .

كلاب البحر الفيلية

قدم الدوق بدفورد رئيس جمعية الحيوانات في لندن إلى حديقة الحيوانات بها زوجين من كلاب البحر الفيلية، وهما اللذان ترى في الصورة الماضية، ويبلغ طول الواحد منهما نحواً من ستة أقدام ويقولون إن هذه الكلاب تنمو وتطول حتى تصير عشرين قدماً، والسبب في تسميتها بهذا الاسم هو أن منخار الذكور منها ينتهي بما هو أشبه بخرطوم الفيلة، بينا تجد إناثها أصغر خراطم من أزواجها، ولا يظهر هذا الخرطوم في الصغار، لأن رأس هذا الحيوان أشبه برأس الكلب وله عينان واسعتان مستديرتان، وهو من الحيوانات البرية البحرية.

عقيدة العلامة هيكل

أرنست هيكل من أكبر العلماء الطبيعيين في هذا العصر، وهو رسول الحرب المستطيلة القائمة اليوم بين مذاهب النشوء ولاسيما المذهب الذي جاء به هذا الشيخ وهو المونيزم أي وحدانية الكائنات، وبين أساطين رجال المذاهب الكاثوليكية الرومانية، وهو اليوم قد جاوز العقد السابع من عمره وقد وفدت عليه يوم عيد ميلاده الثمانين التهاني، والرسائل والأماديح من كل قواد الفكر الإنساني في نواحي العالم كله.

وهذه العقيدة الجديدة تتلخص في كلمة واحدة، هي إن الذهن والمادة شيء واحد، وإنهما مظهران لكائن واحد مطلق، وإن كل شيء في العوالم جزء من القوة الإلهية أو مظهر من مظاهرها.