مجلة البيان للبرقوقي/العدد 16/باب تدبير المنزل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 16/باب تدبير المنزل

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 4 - 1914



(إلى الزوج)

ويليم كويت من كتاب إنجلترا المعدودين، وساستها المشهورين، ونقادها الأشداء، كان معاصراً للشعراء بيرلون وكولوريدج وسكوت وشلى، وتوفي قبل تتويج الملكة فيكتوريا بعامين. وكان ذلك عام 1835، وقد ولد من أبوين فقيرين. فكان فقر الوالد مدعاة له على الكد والسعي، وسلك نفسه في الجندية عام 1780. ثم عاد فخرج من الجندية بعد ثمانية أعوام من دخوله، وأخذ من ذلك الحين يكتب في السياسة فكان من أشد المحافظين في أول الأمر، ثم انقلب من أشد الراديكاليين، وحمل حملة شعواء على مذهب الجمهورية في فرنسا ومذهب الديمقراطية في أميركا، وأنشأ عام 1800 صحيفة سياسية يومية، ولكنها لم تلفح فعطلها، على أن لم ينشب أن أصدر صحيفة أسبوعية سياسية استمرت حتى وفاته، وكانت في بادئ أمرها على مبدأ المحافظة، ثم صارت من أشد أعداء الحكومة وخصومها، وحوكم مرتين على شدة تهكمه ومطاعنه على بعض رجال الحكومة الإنجليزية، ثم حوكم مرة أخرى بدفع غرامة، مقدارها ألف جنيه وسجن عامين. وكذلك مضى يفر من انجلترا ثم يعاودها، ويصدر صحيفة ثم يعطلها، حتى رشح للنيابة في البرلمان ولكن سقط في الانتخاب بادئ بدء، ولكنه عاد فظفر به، على أنه لم يظهر في البرلمان مقدرته، ثم ضعفت صحته حتى لقى ربه في الثالثة والسبعين من عمره.

أما أسلوبه فما شئت من بيان ووضوح، وما طلبت من خفة وروح، وكان في النقد والتهكم شديداً جريئاً، وكان المعاصرون من الكتاب لا يجترئون على الحكم في أسلوبه أو التعرض لنقد مقاله، خشية من شدة قلمه وهيبة من حدة كلمه، وكان آخر الدهر ثابتاً على مبدئه، فما أيد رأياً إلا ووقف حياته على تأييده، ولا مدح أمراً إلا ومضى على مديحه، وما هجا خصماً إلا وانطلق آخر الحياة في هجائه، وكان صديقاً للشعب ونصيراً، يطلب للجائعين شبعاً، وللمرأة كساء، وللقواعد ملجأ، ولليتامي عائلاَ، وللمظلومين عدلاً.

ونحن نختار لهذا الكاتب الكبير فصلاً جليل الشأن في موضوعه. نقتطفه من كتابه نصائح للشبان وهو الفصل الخاص بنصيحته إلى الزوج، فعسى أن يتدبر شباننا وشوابنا قوله، وينتصحوا بنصيحته، ويعملوا بقواعده، لأن أغلب ما جاء فيه يكاد يكون موقوفاً على وصف الأدوية الناجعة لدرء المرض الاجتماعي الذي يعمل في جسم الأمة المصرية، وكرب أن يصبح عضالاً، ونعنى به أحجام الشبان عن الزواج. وسوء حال المتزوجين وفساد لأسرة. وإن في هذا المقال لعبرة للمعتبرين.

سلوكك في المعيشة الزوجية. هو العامل الأكبر في سعادتك وهناء عيشك. ولكن ذلك يتوقف على كيفية بدنك. فإذا كنت قد أحسنت الاختيار - ولا أظنك إلا قد فعلت - فاعلم أن المرأة الشابة الصالحة تصبح امرأة سوء وأما خبيثة. إذا كان زوجها رجلاً ضعيفاً خواراً. وفظاً غافلاً: ومتلافاً مبذراً. وشريراً فاجراً. لأن ما في الزوجة بعد تربيتها وأميالها الطبيعية يكاد يكون جميعه من عمل زوجها.

فأول واجب عليك: مهما كانت حالك من عسر أو رخاء. أن تعرف زوجتك ضرورة القصد في النفقة، وتريها وجوب ارتقاب ذرية ضعفاء. وأفراخ ينبغي لهم الحضانة والكفالة والتربية: وإن لذرارى المستقبل لحقاً عليها في الاشتراك معك على الإدخار لكل هذه التكاليف: ونحن لنا الحق في إنفاق أموالنا وأرزاقنا كما نشاء ونحب، وصرف أنعمنا ومتاعنا كما نريد ونطلب. على أن هذه لا تكون ملك يميننا إلا إذا فضلت على ديوننا، هذا من الوجهة القانونية، أما من الوجهة الأخلاقية فأنا مع زواجنا نعقد قرضاً مع ثمرة هذا الزواج ونتاجه، ومن ثم ينبغي أن يكون إنفاقنا من الاعتدال بحيث يلائم مركز الزوجين في الحياة.

والضرر الأكبر أن تبدأ باستخدام خادمة أو خدمات، فإذا كنت في ثراء نضير وعيشة راضية، أو كان عمل البيت شاقاً يحتاج إلى معونة الخادمة، فبحسبك خادمة أو خادمتان، أما إذا كانت خدمة الدار لا تطلب إلا يدين اثنتين، فليت شعري لم تكون أربعة، ولاسيما أنك لا تستطيع أن تستخدم اليد دون الفم، بل وما هو مثل الفم في التكاليف والأذى، وأعني به اللسان. فإذا أصبحت يوماً رب بنين وأطفال فأنت إذ ذاك ملزم أن تطلب ردحاً من الدهر عون الخادمة، أو خدمة الحاضنة، ولكن ما حاجة زوجة العامل أو المزارع أو التاجر (إلا إذا كانت الأسرة كبيرة) إلى عون الخادمة وإذا كانت الزوجة شابة فتية، فلم لا تعمل وتجد مثل زوجها، وأي عدل هناك في طلبها إليك أن يكون في بيتك امرأتان لا واحدة. إنك لم تتزوجهما معاً، ولكنهما إذا تلازما وتشابها فقد تزوجتهما فعلاً، ولو نجوت بنفسك من جريمة الجمع بين الزوجين، فإنك عرضة لأشد نتائجها خطراً وويلاً.

ولعمري لا تستخدم الخادمة إلا بأجور غير تافهة، وهي مع ذلك تجلس إلى الزوج والزوجة. وتسمع كل كلمة تدور بينهما، أو بينهما وبين أصدقائهما وأين أن تكم فاها، أو تسكت لسانها، وإذا كانت الخادمة أجمل من الزوجة وأسحر من السيدة وما أكثر ما يحدث ذلك فإنها ستعرف كيف تجيب على النظرات والرنوات التي لابد أن تلقاها من ذلك الذي تدعوه بسيدها دعابة وهزؤا.، وهذا لعمرك الجمع بين الزوجين في أتم أشكاله ومعانيه، ولكن رتواتك إليها لا تكفيها ولا تغنيها، فهي تطلب دفؤاً وموقداً، وهي تروم فوق جمره وفحمه نوعاًَ آخر من الدفء، وضرباً آخر من النار. . . وإن كانت لا تستغني عن الفحم، ولا تتخلى عن الوقود. وإنها لتنعم ملك بالمأكل والكن، ومع ذلك تمنى النفس بنار الحب، ونحن إلى أجيج العشق.

ووجود خادم واحد شر من وجود خادمين أو خدام، فإن من حسن حظ سيدهم ومولاهم أنهم لا يتفقون ولا يتواتون، وأكثر ما يثقل عبء الزواج على أعجز الناس حملاً له، أشباه الكتبة ومن يحاكيهم لأن زوجاتهم يحسبن أنهن خليقات بأن يعشن عيش الأميرات، لأن عمل رجالهن في نظرهن خفيف لا رهق فيه ولا نصب ولكن رحمة الله لهؤلاء المساكين، نعم أن عملهم ليس بالشاق الجاف ولكنه لم يخرج عن كونه عملاً بل وشغل ساعات طوال فيها من الكد والعناء ما فيها، ولا نجد معدل دخلهم يربى على ضعف دخل النجار أو البناء أو الحائك.

وفضلاً عن ذلك فإن الزوجين ينفقان على طعامهما وشرابهما أقل مما لو تخدما خادماً، ومهما تكن زوجتك من الاعتدال في النفقة والقصد. فإن اقتصادها لا يجديها كبير نفع لو اتخذت جارية لها، إذ ليس في مكنتكما أن تقتصدا مع بقاء الخادم، وملازمة هذا الحائل، حتى وإن اجتمعتما على ضرورة الاقتصاد. بل لا تستطيعان أن توفرا عليكما شيئاً يكون تعلة لأيام النفقة المقبلة فليت شعري لم أذن تجلب إلى دارك مثل هذه المتعبة. وتجعل زوجتك عليها حارساً ورقيباً. بل لم تقلقها، وتقطع عليها خير مراميها، وصالح مقاصدها وتفسد عليها خلقها، وتمر عليها حلاوة طبعها. أجل ليت شعري لم تأتي هذا الأمر المنكر الطائش؟.

ذلك لأنك تريد أن تجري في عيشك مجري المودة الفاسدة، وتتبع طراز الناس، أو لخجل فيك كاذب وزهو غير محمود،

لعلك تقول ليس في وسع الزوجة أن تنهض بخدمة الدار وشأنها، يا سبحان الله!، وكيف يكون ذلك، أتعجز المرأة اشابة العبلة أن تطهو الطعام، وتغسل الثياب، وتحيكها أو ترفوها، وتنظف البيت وتتعهده، وتهيئ مهاد زوجها ومهادها، أصلحك الله، وكيف إذن قدرت على الزواج، إن لم تكن جلبت إليك ثروة كبرى، أو كنت غير ذي ثروة. إذن فاسمع ما أدلى به إليك. . إن الدخل الصغير لا يضع الزوجة المخدمة والزوج المختدم في مستوى واحد.

أما إذا عمل البيت أشق في الحقيقة على الزوجة الفتية وأتعب لها وأكثر رهقاً. أو خفت عليها منه، وأشفقت أن يضعف صحتها، أو يذوي حسنها، فلك حينئذ أن تتردد، على أن العمل ليس من المشقة والصعوبة بحيث خفت، بل أنه ليحفظ صحتها، ويكسبها روحاً ونشاطاً، ويصون جمالها.

وإنك لتسمع الفتيات يغنين وهن يغسلن الثياب حتى يسأمن الغناء، ولكنك لا تسمع لهن غناء، ولا يبلغ مسمعيك منهن تغريد، وهن آخذات فيما يسمين بشغل الإبرة. وفي نساء الأمريكان أسوة حسنة، ومثال طيب إذ لا يأخذهن ذلك الزهو الكاذب الذي يمنع آلافاً من الزوجات في إنجلترا مما تتطلبه المنفعة الزوجة، وتدعو إليه الحكمة والسداد، وتحث عليه حتى أميالهم الخصوصية، فترى الأميركيات دائبات لا عن حاجة ولا عن إكراه وكيف يكون الإكراه، والأمريكان أعطف أهل الدنيا قلوباً. وأحدب أهل الأرض أفئدة. وأليهم خلقاً، وإنك لتراهن في الريف يقمن بخدمة لدار. فإذا أتممنه عجن على البستان أو الحقل، يزرعن الشجر ويشذبنه ويقطعن الكلأ وينقلنه، ويعملن في الأرض ويحرثن، ويجمعن الأثمار والأعشاب. وكل ذلك في جو لا يخف المرء فيه للعمل خفته له وهو في إنجلترا وهن يجنين من ذلك ويستفدن، إذ يتحفهن أزواجهن مما اقتصدوا لهن ووفروا، وما أندي يد الأمريكي في مثل هذه الحال، وما أخفه إلى تكريم زوجته وإتحافها.

ثم يجب أن تعنى بسمتك ومظهرك أمام الزوجة الشابة، فإن العجائز من الأزواج والثيبات قد فلت الأيام من غربهن، وأطفأت من جذوتهن، حتى لا يكسر قلوبهن تقطيب من زوج، ولا يثير شجنهن تجهيم من بعل، أما الشابة الحدثة الغفل فعلى النقيض من ذلك. وأعلم أن أول تجهيمة منك سيف إلى قلبها، وسهم إلى جوانحها، وكذلك أرادت الطبيعة أن يصبح الرجال أقل شغفاً وصبابة بعد ليلة العرس، وأن تكون النساء على العكس يزداد حبهن ويتعاظم وجدهن، وأعجب ما فيهن أنهن حديدات البصر، مستطلعات دخائل القلوب، نافذات إلى أعشار الأفئدة، فإذا وضعن أول طفل. انقسم هذا الوجد قسمين فقسم للأب وقسم للابن، وأنت قبل هذا موضوع هذا الحب بحذافيره، فإذا طمحت إلى السعادة فنشدتك الله إلا ما بادلتها هذا الحب، وتجنبت كل ما يغضبك من الناس، ويسلبك بشرك وطلاقتك. ودع كل ما يغضبك منها أو يحبسك عن السرور والتهلل واجعل عباراتك وألفاظك ونظراتك كما كانت قبل أن تسميها زوجتك.

وأظهر لها في كل حين حبك وإعجابك، لا بالتودد الفارغ ولا بالتحبب المتكلف، كأن ترفع عن الأرض منديلها أو قفارتها، أو كأن تحمل عنها مروحتها أو مظلتها، ولا بأن تنوط بعنقها القلائد، وتحبوها بالعقود والقلب والحلي، ولا بأن تكلف البلاهة والحمق فترنو وعليك سمة السرور إلى هنأتها وهفواتها ومناقصها، ولكن عليك أن تبدي دلائل الحب في أفعالك، وسمات الحنان في طيب معاملتك، وأظهر لها في أفعالك مبلغ اهتمامك لصحتها وحياتها وراحتها وهنائها، واجعل مديحك إياها يشمل جميع فضائلها، والتزم الصدق في المديح والتأثير حتى تعتقد أن لا إطراء فيه فإن الرجل الذي شأنه أطلق لزوجته إنما يعد أذنيها الاستماع ملق الناس وخداعهم ونفاقهم، واجعل أفعالك وأقوالك تحمل لها في كل ساعة وحين ضماناً على أنك تقدر صحتها وحياتها وسعادتها قبل كل شيء، وأظهر لها ذلك في أبين مظهر، ولاسيما في أزمنة الشدة، وساعات البلاء.

كانت داري أول عهدي بالزواج بمدينة فلادلفيا، وإن شئت فقل على مقربة منها ففي يوم من هاتيك الأيام، في صميم شهر يوليو القائظ، أصاب زوجتي بعد نفاسها أرق طويل، فما أخذت جفنيها إغفاءه، ولاران على عينيها الكرى مدة يومين كاملين. وأنت تعلم أن المدن الكبرى في البلدان الحارة والأقطار المصيفة أكثر ما تكون مملوءة بالكلاب، فإذا اشتد القيظ في الليل سمعت لكلاب المدينة عواء منكراً، ونباحاً طويلاً، وعراً كالجبا ففي تلك الليلة التي أنا بصددها، اشتد عواء الكلاب، حتى ليشق على امرئ صحيح الجسم غير موجع ولا عان، أن يظفر بالإغفاء لحظة وجيزة، وإني لجالس في فراشي، وكانت الساعة التاسعة، إذ قالت زوجتي إني لأستطيع الآن نوماً، لو لم يكن عواء هذه الكلاب، فما كان مني إلا أن نزلت مسرعاً درج السلم وانطلقت في الشارع، في قميص وسراويل، عاري القدمين، لا نعل ولا جوارب، وانحرفت إلى ناحية من الطريق عند ركام من الأحجار، وجعلت أقذف بها هذه الكلاب، وأعدو في أثرها، حتى أبعدتها عن الدار بمسافة طويلة وكذل قضيت تلك الليلة بجملتها عاري القدمين، خشية أن يبلغ أذنيها صوت وقع نعلى، وكان اجر الطريق من وديقة الحر لذاعاً موجعاً، ولكن مجهدتي هذه أحدثت الغرض المبتغى، والمقصد المطلوب، إذ هنأ النوم زوجتي ساعات طوالاً، فلما كان الصباح انبعثت إلى عملي، وما كنت أعود منه إلا إذا أذنت الساعة السادسة من المساء.

وما كنت يوماً بالذي يتبع ظل امرأته، ويمشي في أثر زوجته وقلما تنزهت معها، ولو فعلت لما كان لمجرد المماشاة والمتابعة، بل لمقصد غير المشي وطلبة غير المتابعة، بل لمقصد غير المشي وطلبة غير المتابعة، وأنا فوق ذلك رجل ضرب لا أحتمل الهوينا ولا أحب المشي الوئيد وهيهات لها أن تجاريني في مشيتي، ولم نمش معاً في الأربعين عاماً من زواجنا إلا مرات معدودات، ولعمري أنني رجل أبغض الزوج التابع لزوجته المماشي لها، إذ أغده خادماً أكثر منه زوجاً.

واعلم أن أكبر دليل على أنك تحبها هو أن تهب لها فراغ وقتك وخلوات ساعاتك فليت شعري ماذا عسى يقال في زوج اعتاد أن يترك داره ويغادر أهله وموقده، طالباً صحابة له في الحان أو القهوة.

وقد نبئت أنك فلما تلتقي في فرانة طولها وعرضها، شرقها والمغرب، بزوج لا يصرف المساء في القهوة أو الحن، وإني ليحزنني أن أقول أن كثيراً من الأزواج في هذا البلد ينضجون في هذه المنقصة على منوال الفرنسيين، فترى لهم أندية الشراب، وأندية التدخين وأندية المغنين، وأندية الميسر وأندية المزاح والهزل، والحال لا مبرر هناك لهذه ولا موجب. وهي سخف وحماقة وسفه في الأغراب. فكيف بالأزواج. وماذا هم قائلون لنسائهم وأبنائهم في هذا النجافي عن مراقدهم، وهذا الهجر لبيوتهم، وهذا الخفر لعهد الزوجات. وهذا المثل السيئ للأبناء.

إن في هذا لمستجمع النكبات ومستجم البلايا، وأول هذه النكبات الرزء في المال وفاتحتها السرف في النفقة، وإن ما يضيع في هذه السبيل من دخل الرجل لكاف - لو اجتمع لإدخار ثروة طيبة لولد من ولده، ثم يأتي من بعد ذلك تلف الصحة من جراء ملاهي الليل وطوفانه، ثم المشاجرات والمشاحنات، فاعتياد خبيث الكلام ومستر ذله فالسعاية بين الناس، فاستحسان النكتة الفاحشة، والمزحة المستبردة. فاستخفاف بكل رزين. وسخرية من كل وقور.

وهل ترى الزوج المتجافي عن زوجته وأولاده يحسب أنها لا تحذو حذوه في قليل ولا كثير، إنه لو فعل لكان مخدوعاً في أمره. واهماً في حسبانه. إذ لو قلدته مثلاً في الشراب لما كان له عذر في الشكوى ولا شفاعة. وهنا يكون التبذير مزدوجاً. والإنفاق مضاعفاً. وإذا كان في الدار خدم. فهم أعلم ذ ذاك بموعد غيابه. وأوان حضوره. وهم بين الموعدين ومطلقو السراح. يمرحون ويلعبون. وذلك أمر أن لم يكن عدلاً كان طبيعياً. وما أصدق المثل القديم القائل كما يكون السيد يكون خادمه وليس من العدل في شيء أن يخدم السكير الفاجر كما يخدم العزوف المتيقظ المنتبه. ولا عذر إذا رأيت الخدم في غياب المولى آخذين في السمر ولعب الورق والميسر. ولم لا يكون ذلك والسيد قد اختط لهم الخطة وضرب ذلك المثل. وهذه أصلحك الله تجيء بالفسقة من الزوار والفجرة من الأضياف وتعقب الخسائر الفوادح. والتكاليف البواهظ، وتجر فساد أخلاق البنين وعاداتهم. وليس فوق ذلك الأسوء معاملة الزوجة. والناس تؤثر صحبة من تحب وترضى، وتستحب مخالطة من ترى في مخالطته أكبر السرور وأعظم البهجة ولكاني بمن يصرف فراغ وقته وغفلات عيشه. في صحبة غير زوجته ومجالسه غير بنيه. يقول لهم إنه يرى الغبطة في مجالسة الناس ولا يراها في مجالستهم. وترى الأبناء يبادلون آباءهم على ذلك استهتاراً واستصغاراً. أما الزوجة الخفيفة الرقيقة الفؤاد فإما أن تكون هذه الفعال سيفاً في حشاها. وسهماً في كبدها. وأما غضبه الانتقام، أو فترة لاقتصاص. وحسبك أنه ضرب من الانتقام لا يعز على المرأة الشابة ولا يطول. وما على الذين استهدفوا لنشر هذه العادة واستناموا لها إلا أن يذكروا ما جاء في كتاب فاركيهار - خدع العاشقين - إذ قالت السيدة (صالن) لخادم اتخذته عاشقاً لها وخليلاً. إن زوجي يأتي الدار بعد منتصف الليل مترنحاً منثنياً فيرتمي فوق السرير بجانبي كالسمكة العظيمة في شبكة الصائد. يهدم نظام فراشي ويزفر أبخرة الشراب في وجهي ثم يلتوي في أضعاف اللحاف. ويتركني بين ملتحفة وغير ملتحفة. ويسمعني حتى الصباح صوت ذلك البلبل المغرد. . . منخاره! ولئن كان هذا الضرب من الانتقام شديداً غليظاً. فإنية لو قعدت مقاعد القضاء لما كان حكمي على السيدة إلا رقيقاً خفيفاً. إذ بأية سنة أم بأي حق يرتقب زوج هذه حاله أخلاصاً من زوجته ووفاء من بعله. يعد ما خفر ذمة قضاها. ونكث عهوداً أبرمها. وفك آخية عقدها. أم بأية شرعة ترتبط هي بعهدها وتستمسك منه بموقفها، لقد كانت تظن أنها قد بنت بإنسان. فإذا به قد تكشف لها عن إحدى العجماوات. بلى. لم يأت أمراً بخدش قانون البلاد. أو يهتك حرمان الشرائع. ولكنه نقض العهد الذي به امتلكها. واليمين التي بها تزوجها. ومن ثم فإن العقد الذي بينهما في نظر العهد مفسوخ. والرباط مفكوك.