مبسوط السرخسي - الجزء الثالث والعشرون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المبسوط السرخسي ج 23

[ 1 ] (الجزء الثالث والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب المزارعة) (قال الشيخ الامام) الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله لملاء اعلم بان المزارعة مفاعلة من الزراعة والاكتساب بالزراعة مشروع أول من فعله آدم صلوات الله وسلامه عليه على ما روى أنه لما أهبط إلى الارض أتاه جبريل عليه السلام بحنطة وأمره بالزراعة وازدرع رسول الله بالجرف وقال عليه الصلاة والسلام الزارع بتاجر ربه عزوجل وقال عليه الصلاة والسلام أطلبوا الرزق تحت خبايا الارض يعنى عمل الزراعة والعقد الذى يجرى بين أثنين لهذا المقصود يسمى مزارعة ويسمى مخابرة أيضا على ماروي عن زيد بن ثابت رضى الله عنه أن النبي نهى عن المخابرة فقيل وما المخابرة قال المزارعة بالثلث والربع وانما سميت مخابرة من تسمية العرب الزارع خبيرا وقيل هذا الاشتقاق من معاملة رسول الله مع أهل خيبر فسميت مخابرة بالاضافة إليهم وبيانه في الحديث الذى بدئ الكتاب به ورواه عن أبى المطرف عن الزهري قال حدثنى من لا أتهمه أن رسول الله قال لليهود حين عاملهم على خيبر أقركم ما أقركم الله وفيه بيان ان المرسل حجة فان الزهري رحمه الله أرسل الحديث حين لم يبين اسم الراوى ورواه محمد رحمه الله مستدلا به على جواز المزارعة والمعاملة فقد عامل رسول الله أهل خيبر على الشطر وفعل رسول الله دليل الجواز وتأويل ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله من وجهين أحدهما أن النبي حين افتتح خيبر استرقهم وتملك أراضيهم ونخيلهم ثم جعلها في أيديهم يعملون فيها للمسلمين بمنزلة العبد في نخيل مواليهم وكان في ذلك منفعة للمسلمين ليتفرغوا للجهاد بانفسهم ولانهم كانوا أبصر بذلك العمل من

[ 3 ] المسلمين وما جعل لهم من الشرط بطريق النفقة لهم فانهم مماليك للمسلمين يعملون لهم في نخيلهم فيستوجبون النفقة عليهم فجعل نفقتهم فيما يحصل بعملهم وجعل عليهم نصف ما يحصل بعملهم ليكون ذلك ضريبة عليهم بمنزلة المولى يشارط عبده الضريبة إذا كان مكتسبا وقد نقل بعض هذا عن الحسين بن على رضى الله عنهما والثانى أنه من عليهم برقابهم وأراضيهم ونخيلهم وجعل شطر الخارج عليهم بمنزلة خراج المقاسمة وللامام رأي في الارض الممنون بها على أهلها أن شاء جعل عليها خراج الوظيفة وان شاء جعل عليها خراج المقاسمة وهذا أصح التأويلين فانه لم ينقل عن أحد من الولاة انه تصرف في رقابهم أو رقاب أولادهم كالتصرف في المماليك وكذلك عمر رضى الله عنه أجلاهم ولو كانوا عبيدا للمسلمين لما أجلاهم فالمسلم إذا كان له مملوك في أرض العرب يتمكن من امساكه واستدامة الملك فيه فعرفنا ان الثاني أصح ثم بين لهم رسول الله ان ما فعله من المن عليهم بنخيلهم وأراضيهم غير مؤيد بقوله عليه الصلاة والسلام أقركم ما أقركم الله وهذا منه شبه الاستثناء واشارة إلى أنه ليس لهم حق المقام في نخيلهم على التأبيد لانه علم من طريق الوحى انه يؤمر باجلائهم فتحرز بهذه الكلمة عن نقص العهد لانه كان أبعد الناس عن نقض العهد والغدر وفيه دليل ان المن المؤقت صحيح سواء كان لمدة معلومة أو مجهولة وان الغدر ينتفى بمثل هذا الكلام وان لم يفهم الخصم فانهم لم يفهموا مراد رسول الله وقد صح منه التحرز عن الغدر بهذا اللفظ قال وان بنى عذرة جاؤا إلى رسول الله حين افتتح خيبر وجاءته يهود وادى القرى شركاء بين عذرة بالوادي فاعطوا بايديهم وخشوا أن يغزوهم رسول الله وهؤلاء كانوا بالقرب من أهل خيبر وان اليهود بالحجاز كانوا ينتظرون ما يؤل إليه حال النبي مع أهل خيبر فقد كانوا أعز اليهود بالحجاز كما روى انه كان بخيبر عشرة آلاف مقاتل فلما صاروا مقهورين ذلت سائر اليهود وانقادوا لطلب الصلح فمنهم يهود وادى القرى جاؤا رسول الله فاعطوا بايديهم أي انقادوا له وطلبوا الامان وخشوا أن يغزوهم فكان هذا من النصرة بالرعب كما قال عليه الصلاة والسلام نصرت بالرعب مسيرة شهر فلما أعطوا بايديهم والوادى حين فعلوا ذلك نصفان نصف لبنى عذرة ونصف لليهود فجعل رسول الله الوادي أثلاثا ثلثا له وللمسلمين وثلثا خاصة لبنى عذرة وثلثا لليهود فكان هذا بطريق الصلح من رسول الله صلى الله عليه

[ 4 ] وسلم فدل أن للامام أن يصالح أهل بلده على بعض الاموال والاراضي إذا رضوا بذلك ثم كان رسول الله قد هم باجلاء اليهود إلى لشام على ما روى عن رسول الله لا يجتمع في جزيرة العرب دينان وقال عليه الصلاة والسلام ان عشت إلى قابل لاخرجن نجران من جزيرة العرب وكان في ذلك اظهار فضيلة رسول الله وفضيلة أمته حيث ان جزيرة العرب مولده ومنشاه طهر الله تلك البقعة عن سكني غير المؤمن فيها وهى أفضل البقاع لان فيها الحرم وبيت الله تعالى حرم الله تعالى نعم مشاركة غير المؤمن مع المؤمن في السكنى فيها الا أن رسول الله قبض قبل ان يتمم ذلك ولم يتفرغ أبو بكر الصديق رضى الله عنه لذلك لانه لم تطل مدة خلافته وقد كان مشغولا بقتال أهل الردة حتى إذا كان في زمن عمر رضى الله عنه وكان قد سمع ذلك من رسول الله أجلى اليهود من خيبر وأمر يهود الوادي أن يتجهزوا بالجلاء إلى الشام وكان المعنى في ذلك أن اليهود انما جاؤا من الشام إلى أرض الحجاز وكان مقصود رؤسائهم من ذلك طلب الحنيفية لما وجدوا في كتبهم من بعث رسول الله ونعت أمته وبذلك كان يوصي بعضهم بعضا فلما بعث الله تعالى رسول الله امتنعوا من متابعته والانقياد للحق الذى دعا إليه حسدا وكفرا قال الله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا الآية فجوزوا على سوء صنيعهم بان لا يمكنوا من المقام في أرض العرب وأن يعودوا إلى الموضع الذى جاء من ذلك الموضع آباؤهم فلهذا اجلاهم عمر رضى الله عنهم ثم احتج عليه يهود الوادي بقولهم انما نحن في أموالنا قد أقرنا رسول الله وقاسمنا ومعنى هذا الكلام الاشارة منهم إلى الفرق بينهم وبين أهل خيبر فان خيبر قد افتتحها المسلمون فصارت مملوكة لهم فاما نحن فصالحنا رسول الله على بعض الاراضي فاقرنا في أموالنا على ما كنا عليه في الاصل ولم يظهر منا خيانة فليس لك أن تجلينا من أرضنا فقال لهم عمر رضى الله عنه ان رسول الله قال لكم أقركم ما أقركم الله يعنى أن هذا اللفظ كان استثناء من رسول الله في الصلح الذى جرى بينه وبينكم فلا يمنعنى ذلك من اجلائكم وان رسول الله قد عد أن لا يجمتع في أرض العرب دينان وانى مجل من لم يكن له عهد من رسول الله يعني عهدا خاصا سوى ذلك الصلح العام فقد كان ذلك مقيدا بالاستثناء وأنا

[ 5 ] مقوم أموالكم هذه فمعطيكم أثمانها يعنى بهذا الاجلاء لا أبطل حقهم عن أموالكم ولا أتملكها عليكم مجانا ولكني أعطيكم قيمتها وفيه دليل ان الملك الذمي من الحرمة ما لملك المسلم وانه متى تعذر ايفاء العين في ملكه يجب ازالته بالقيمة ولهذا قلنا في الكافر إذا أسلم عبده يجبر على بيعه وإذا أسلمت أم ولده تخرج إلى الحرية بالسعاية في القيمة وفيه دليل ان الامام إذا أحس بالغدر من أهل بلدة من بلاد أهل الذمة وانهم يخبرون المشركين بعورات المسليمن يكون له أن يجليهم من تلك الارض إلى أرض أخرى وانه يقوم من أملاكهم ما يتعذر نقله فيعطيهم عوض ذلك من بيت المال أو من أرض أخرى ان كانت لعامة المسلمين كما فعله عمر رضى الله عنه فانه أمر باموالهم فقومت بتسعين ألف دينار فدفعها إليهم وأجلاهم وقبض أموالهم ثم قال لبنى عذرة انا لن نظلمكم ولن نستأثر عليكم أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود فان شئتم أعطيتم نصف ما أعطيناهم وأعطيتكم نصف أموالهم وان شئتم سلمتم لنا البيع فتولينا الذي لهم وفيه دليل أن الشفعة تستحق بالشركة في العقار فقد كانت بنو عذرة في الوادي شركاء وان أحد الشركاء إذا اشترى فله الشفعة فيما اشترى كما للشريك الآخر وانما يشتريه الامام للمسلمين بمال بيت المسلمين ليستحق بالشفعة ولكن الاشكال في أنهم لم يطلبوا الشفعة حتى قال لهم عمر رضى الله عنه ما قال والشفعة تبطل بترك الطلب بعد العلم بالبيع فقيل هم قد طلبوا الشفعة وأظهروا ذلك بينهم ولكنهم احتشموا عمر رضى الله عنه فلم يجاهروه بذلك فلما بلغه طلبهم قال ما قال وقيل هم عمر رضى الله عنه أن ذلك بيع شرعى وأن لهم الشفعة بذلك فعند ذلك طلبوا الشفعة وقالوا بل نعطيكم نصف الذي أعطيتم من المال وتقاسمونا أموالهم فباعت بنو عذرة في ذلك الرقيق والابل والغنم حتى دفعوا إلى عمر رضى الله عنه خمسة وأربعين ألف دينار فقسم عمر الوادي نصفين بين الامارة وبين بني عذرة وذلك زمان التحظير حين حظر عمر رضى الله عنه الوادي نصفين يعنى جمع انصباء المسلمين في جانب وانصباء بن عذرة في جانب وكان ذلك أمرا عظيما قد اشتهر في العرب حتى جعلوه تاريخا وكانوا يسمون ذلك زمان التحظير فيقول بعضهم لبعضهم كنت زمان التحظير ابن كذا سنة كما يكون مثله في زماننا إذا حدث أمر عظيم في الناس يجعل التاريخ منه بمنزلة وقت الوباء وغيره وقال الزهري رحمه الله كان رسول الله حين صالح أهل خيبر أعطاهم النخل على أن يعملوا ويقاسمهم نصف الثمار وكان يبعث لقسمة ذلك عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم فيقول ان شئتم

[ 6 ] فلكم وان شئتم فلنا وفى هذا الحديث بيان حكمين حكم المعاملة وقد بيناه وحكم الخرص فهو دليل على أن للامام في الاراضي التى يكون للامام خراجها خراج المقاسمة وفى الارض العشرية أن يبعث من يخرص الثمار والزروع على أربابها الا أن عند الشافعي هذا الخرص بمنزلة الكيل حتى إذا ادعوا النقصان بعد ذلك لا يقبل قولهم الا بحجة وعندنا هذا الخرص لا يكون ملزما اياهم شيئا لان الذى يخرص انما يقول شيأ بظن والظن لا يغنى من الحق شيئا فالقول قولهم في دعوى النقصان وعلى من يدعى عليهم الخيانة والسرقة اثبات ذلك بالبينة وعلى هذا الاصل جوز الشافعي رحمه الله بيع العرايا وهو بيع الثمر على رؤس النخل بتمر مجدود على الارض خرصا فيما دون خمسة أوسق وقال الخرص بمنزلة الكيل ولم يجوز ذلك علماؤنا رحمهم الله وقالوا الخرص ليس بمعيار شرعي تظهر به المماثلة فيكون هذا بيع الثمر بالثمر مجازفة وقال رسول الله التمر بالتمر مثلا بمثل وتأويل ما فعله عبد الله بن رواحة رضى الله عنه بامر رسول الله من وجهين أحدهما أن ذلك كان على سبيل النظر للمسلمين منه حتى يتحرز اليهود من كتمان شئ فقد كانوا في عداوة المسلمين بحيث لا يمتنعون مما يقدروا عليه من الاضرار بالمسلمين وقيل كان ابن رواحة مخصوصا بذلك حتى كان خرصه بمنزلة كيل غيره لا يتفاوت قد علم ذلك رسول الله من طريق الوحي أو كان له ذلك بدعاء رسول الله وبكونه مبعوث رسول الله وذلك بين فيما رواه بعد هذا ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره ومعنى قوله ان شئتم فلكم وان شئتم فلنا أي أن شئتم أخذتم على ما خرصت وأعطيتمونا نصف ذلك بعد الادراك وان شئتم أخذنا ذلك وأعطيناكم نصف ذلك بعد الادراك فهذا منه بيان أنه عدل في الخرص ولم يمل إلى المسلمين ولا قصد الحيف على اليهود وعن مكحول أن رسول الله دفع خيبر إلى أهلها الذين كانت لهم على أن يعملوها فإذا بلغت الثمار كان لهم النصف وللمسلمين النصف فبعث ابن رواحة رضى الله عنه فخرصها عليهم وقد بينا فائدة الحديث وفى اللفظ المذكور في هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله انه من عليهم بأراضيهم وجعل عليهم نصف الخارج بطريق خراج المقاسمة وعن حجاج بن ارطاة قال سألت محمد بن على رضى الله عنه عن المزارعة بالثلث فالنصف فقال اعطي رسول الله خيبر بالشطر وأبو بكر وعثمان وعلي رضى لله عنهم وأهلوهم إلى يومهم هذا يفعلونه وفيه دليل جواز

[ 7 ] استعمال القياس فقد سئل عن المزارعة وجوازها استدلالا بالمعاملة التى كانت بين رسول الله وأهل خيبر في النخيل وقيل بل كانت بخيبر نخيل ومزارع فقد كان عقد رسول الله معه في المزارعة عقد مزارعة وفى هذا الحديث دليل لهما على أبى حنيفة رحمه الله في جواز المزارعة والمعاملة وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رسول الله حين افتتح خيبر قال لليهود أقركم ما أقركم الله علي أن التمر بيننا وبينكم فكان رسول الله بعث ابن رواحة فخرص عليهم ثم يقول ان شئتم فلكم وان شئتم فلنا فكانوا يأخذونه وفى هذا الحديث بيان أن ما جرى بين رسول الله وبينهم كان على طريقة الصلح وقد يجوز من الامام المعاملة بين بيت المال وبين الكفار على طريق الصلح ما لا يجوز مثله فيما بين المسلمين فيضعف من هذه الوجه استدلالهم بمعاملة رسول الله معهم وفيه دليل هداية ابن رواحة رضى الله عنه في باب الخرص فانهم كانوا أهل نخل وقد علموا أنه أصاب في الخرص حين رغبوا في أخذ ذلك وعن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه سلم كان يبعث ابن رواحة فيخرص بينه وبين اليهود فجمعوا له حليا من حلى نسائهم فقالوا هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال يا معشر اليهود انكم أبغض خلق الله تعالى إلى وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم أما الذى عرضتم من الرشوة فهو سحت وانا لا ناكلها فقالوا بهذا قامت السموات والارض وانما طلبوا من ابن رواحة رضي الله عنه ما ظهر منهم من الميل إلى أخذ الرشوة وترك بيان الحق لاجله فانهم كتموا بعث رسول الله وبعث أمته من كتابهم وحرفوا الكلم عن مواضعه بهذا الطريق كما قال الله تعالى ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وما طلبوا منه التخفيف من غير ميل وخيانة فقد كان ابن رواحة رضى الله عنه يفعل ذلك من غير طلبهم وبه كان أمره رسول الله على ما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال للخراصين خففوا في الخرص فان في المال العرية والوصية ثم انه قطع طمعهم بما قال انكم من أبغض خلق الله تعالى إلى وهكذا ينبغى لكل مسلم أن يكون في بغض اليهود بهذه الصفة فانهم في عداوة المسلمين بهذه الصفة كما قال الله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود وقال عليه الصلاة والسلام ما خلا يهودي بمسلم الا حدثته نفسه بقتله وكان شكواهم رسول الله في كل وقت حتى قال

[ 8 ] لو آمن بى اثنا عشر منهم آمن بى كل يهودى على وجه الارض يعنى رؤساءهم ثم بين أن هذا البغض لا يحمله على الحيف والظلم عليهم فالحيف هو الظلم قال الله تعالى أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله فكيف يحمله ما عرضوا من الرشوة على الميل إليهم وقال أما الذى عرضتم من الرشوة فانها سحت يعني تناول السحت من معامليكم دون المسلمين وقد وصفهم الله بذلك بقوله سماعون للكذب أكالون للسحت والسحت هو الحرام الذى يكون سببا للاستئصال مأخوذ من السحت قال الله تعالى فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى أي يستأصلتكم فقالوا بهذا قامت السموات والارض يعنى ما يقوله حق وعدل وبالعدل قامت السموات والارض وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول في هذا لحديث إشارة إلى أن أمتعة النساء وحليهن لم تزل عرضة لحوائج الرجال فان اليهود لحاجتهم إلى ذلك تحكموا على نسائهم فجمعوا من حلى نسائهم حكى وأن رجلا من أهل العلم كانت له امرأة ذات يسار فسألها شيأ من مالها لحاجته إلى ذلك فابت فقال لا تكوني أكفر من نساء خيبر كن يواسين أزواجهن بحليهن وأنت تأبى ذلك وعن ابن سيرين رحمه الله قال بعث رسول الله ابن رواحة رضى الله عنه إلى خيبر فقال بعثنى اليكم من هو أحب إلى من نفسي ولانتم على أهون من الخنازير ولا يمنعني ذلك من أن أقول الحق هكذا ينبغى لكل مسلم أن يكون في محبة رسول الله بهذه الصفة فيكون رسول الله أحب إليه من نفسه وأهله وولده وماله لانه به نال العز في الدنيا والنجاة في الآخرة قال الله تعالى وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها يعني بمتابعة رسول الله وتصديقه وينبغى أن يكون اليهود عند كل مسلم بهذه الصفة والمنزلة أيضا فهم شر من الخنازير فيما أظهروا من عداوة رسول الله حسدا وتعنتا فكأنه قال ذلك لانه قد مسخ منهم قردة وخنازير كما قال الله تعالى وجعل منهم القردة والخناير واليه أشار رسول الله حين حاصر بنى قريظة فسمع من بعض سفائهم شتيمة فقال عليه الصلاة والسلام اتشتموني يا أخوة القردة والخنازير فقال ما كنت فحاشا يا أبا القاسم قال وذلك لا يمنعنى من أن أقول الحق فالقوا بهذا قامت السموات والارض أي بالحق ومخالفة الهوى والميل بها ثم قال قد خرصت عليكم نخيلكم ففيه دليل أن النخيل كانت مملوكة لهم وان ما كان يؤخذ منهم بطرق خراج المقاسمة فان شئتم فحذوه ولى عندكم الشطر وان شئتم أخذته ولكم عند الشطر

[ 9 ] فخذوه فان لكم فيه منافع فاخذوه فوجود فيه فضلا قليلا وهذا دليل على حذاقته في باب الخرص وان خرصه بمنزلة كيل غيره حين لم يخف عليه الفضل اليسير وانما تجوز بذلك لان رسول الله كان أمره بالتخفيف في الخرص ولم يترك النصيحة لهم في الاخذ مع شدة بغضه اياهم فدل أنه لا ينبغى للمسلم أن يترك النصيحة لاحد من ولى أو عدو إذا كان لا يخاف على نفسه لان نصيحته بحق الدين وعن الحسن بن على رضى الله عنهما أن رسول الله أعطى خيبر بالشطر وقال لكم السواقط قيل المراد من السواقط ما يكسر من الاغصان من النخيل مما يستعمل استعمال الحطب والاصح أن المراد ما سقط من الثمار قبل الادارك فان ذلك مما لم يمكن ادخاره إلى وقت القسمة لانه يفسد فشرط ذلك لهم دفعا للحرج عنهم وفيه دليل على أن مثل هذا يجعل عفوا في حق المزاع والمعامل لانه لا يتأنى التحرز عنه الا بحرج والحرج مدفوع وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي بعث ابن رواحة رضى الله عنه فحرث عليهم مائة وسق فقالت اليهود أشططم علينا فقال عبد الله رضى الله عنه نحن نأخذه ونعطيكم خمسين وسقا فقالت بهذا تنصرون وقوله اشططم علينا أي ظلمتمونا وزدتم في الخرص والشطط عبارة عن الزيادة قال عليه السلام لا وكس ولا شطط وكان ذلك منهم كذبا وكانوا يعملون ذلك ولكن كان من عادتهم الكذب وقول الزور مع علمهم بذلك كما وصفهم الله تعالى بقوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فرد عليهم تعنتهم بما قال أنا نأخذه ونعطيكم خمسين وسقا فقالوا بهذا تنصرون أي بالعدل والتحرز عن الظلم فالنصر موعود من الله تعالى للعادلين المتمسكين بالعدل والحق في الدنيا والآخرة قال الله تعالى ان تنصروا الله ينصركم يعنى أن تنصروا الله تعالى بالانقياد للحق والدعاء إليه واظهار العدل ينصركم ويثبت أقداكم وعن علي بن أبى طالب رضى الله عنه قال لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع واعلم بان المزارعة في جوازها اختلاف بين العلماء رحمهم الله وكان الخلاف في الصدر الاول والتابعين رحمهم الله تعالى بعدهم واشتبهت فيها الآثار عن رسول الله فجمع محمد رحمه الله ما نقل من الآثار في ذلك ثم بنى عليه بيان المسألة من طريق المعنى فممن قال بجوازها من الصحابة رضى الله عنهم على رضى الله عنه ومعاذ رضى الله عنه على ما روى عن طاوس رحمه الله قال قدم علينا معاذ رضى الله عنه اليمن ونحن نعطى أراضينا بالثلث والربع فلم يعب ذلك علينا وفيه بيان ان ترك التكثر ممن تعين عليه البيان

[ 10 ] دليل التقرير فقد كان معاذ رضى الله عنه متعينا للبيان لاهل اليمن لان رسول الله بعثه إليهم ليبين لهم الاحكام واستدل بترك التكثير عليهم بعد ما اشتهر هذا العقد بينهم على جوازه ثم روى عنه انه أمضى ذلك وفى هذا تنصيص على الفتوى بالجواز وعن طاوس رحمه الله أنه سئل عن المخابرة في الارض فقال خابروا على الشطر والثلث والربع ولا تخابروا على كيل معلوم فكان طاوسا تعلم من معاذ رضى الله عنه وفيه دليل أن المزارعة على كيل معلوم يشترطه أحدهما لا تجوز وبه يأخذ من يجوز المزارعة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج بعد حصوله وعن موسى بن طلحة قال اقطع عمر رضى الله عنه خمسة من أصحاب رسول الله عبد الله بن سعد بن مالك والزبير وخبابا ورأيت هذين يعطيان أرضهما بالثلث والربع وعبد الله وسعدا رضى الله عنهم والمراد عبد الله بن مسعود وقد ذكره مفسرا بعد هذا وهو من كبار فقهاء الصحابة وسعد بن مالك من العشرة وكانا يباشران المزارعة بالثلث والربع وفي الحديث دليل ان للامام ولاية الاقطاع فيما ليس بملك لانسان بعينه لان ما كان الحق فيه لعامة المسلمين فالتدبير فيه إلى الامام وله أن يخص بعضهم بشئ من ذلك على حسب ما يرى كما يفعله في بيت المال وعن أبى الاسود قال انا كنا لنزارع على عهد علقمة والاسود رحمهما الله بالثلث والربع فيما يعيبان ذلك علينا وهما من كبار أصحاب على و عبد الله رضى الله عنهما وفتواهما في ذلك على موافقة فتوى على وعبد الله رضى الله عنهما حجة أيضا وعن محمد بن رافع بن خديج قال بعث رسول الله رجلا إلى قوم يطمس عليهم نخلا فجاء أرباب النخيل فقال يارسول الله ان فلانا قد طمس علينا نخلنا فقال عليه الصلاة والسلام قد بعثت رجلا في نفسي أمينا فان أحببتم أن تتخذوا نصيبكم بما طمس والا أخذنا وأعطيناكم نصيبكم فقالوا هذا الحق وبالحق قامت السموات والارض والمراد بالطمس المذكور في أول الحديث الحزر والمذكور ثانيا الظلم فالطمس هو الاستئصال ومنه يقال عين مطموسة قال الله تعالى فطمسنا أعينهم وكان الحديث في ابن رواحة رضى الله عنه في أهل خيبر وان لم يفسره في هذه الرواية وقول رسول الله بعثت رجلا في نفسي أمينا في معنى الرد لتعنتهم عليه وهكذا ينبغى للامام أن يختار لعمله من هو أمين عنده ثم يقبل قوله فيما يخبر به ولا يرده لطعن الطاعنين فالقائل بحق لا بد أن يطعن فيه بعض الناس فالناس أطوار وقليل منهم الشكور وقد تحقق تعنتهم لما خيرهم رسول الله

[ 11 ] فقالوا هذا الحق وبالحق قامت السموات الارض وبيانه في قوله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والارض وعن الضحاك رضى الله عنه أن عمر رضى الله عنه كان يكرى الارض الجرز بالثلث والربع وكان لا يرى بذلك بأسا والمراد به الارض البيضاء التى تصلح للزراعة قال الله تعالى أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز وعمر رضى الله عنه كان ممن يرى جواز المزارعة وقد قال رسول الله اينما دار عمر فالحق معه رضى الله عنه فهو حجة لمن يجوزها وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال لرافع بن خديج ما حديث بلغني عن عمومتك في كراء المزارع فقال دخل عمومتي على رسول الله ثم خرجوا الينا فأخبرونا أن رسول الله نهى عن كراء المزارع فقال ابن عمر رضى الله عنه قد كنت أعلم انا كنا نكرى الارض على عهد رسول الله على أن لرب الارض ماء في الربيع الساقى الذى يتفجر منه الماء وطائفة من الدين قال لا أدرى كم هو قال محمد رحمه الله وهذا عندنا هو الذى نهى عنه رسول الله من كراء المزارع انهم كانوا يكرونها بشئ لا يدرون كم هو ولا ما يخرج وفيه دليل أن النهى العام يجوز أن يقيد بالسبب الخاص إذا علم ذلك فقد قيد ابن عمر رضى الله عنه النهى المطلق بما عرف من السبب والخصوصية وهو تأويل النهى عند من أجاز المزارعة قال المزارعة بهذه الصفة لا تجوز لانها تؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصولها فمن الجائز أن يحصل الخارج في الجانب الذى شرط لاحدهما دون الجانبى الاخر والربيع الساقى الماء وهو ماء السيل ينحدر من الموضع المرتفع فيجتمع في موضع ثم يسقى من الارض ولكن أبو حنيفة رحمه الله أخذ بعموم النهى بحديثين رويا في الباب عن رافع بن خديج رضى الله عنه أحدهما أن النبي مر بحائط فأعجبه فقال لمن هذا فقال رافع رضى الله عنه لي أستأجرته فقال عليه الصلاة والسلام لا تستأجره بشئ منه وهذا الحديث يمنع حمله على هذا التأويل والثانى ما روى عن رافع ان خديج رضى الله عنه أن النبي نهى عن كراء المزارع فقلت انا نكريها بما على الربيع الساقى فقال لا فقلت انا نكريها بالتبن فقال لا فقلت انا نكريها بالثلث والربع فقال عليه السلام لا ازرعها أو امنحها أخاك وهذا ان ثبت فهو نص وكان هذه الزيادة لم تثبت عند من يرى جوازها وانما الثابت القدر الذى رواه محمد رحمه الله عن رافع بن خديج رضى الله عنه أن أسد بن ظهير جاء ذات يوم إلى قومه فقال يا بنى خارجة قد دخلت

[ 12 ] عليكم اليوم مصيبة قالوا ماهى قال نهى رسول الله عن كراء الارض قلنا يا رسول الله انا نكريها بما يكون على الربيع الساقى من الارض فقال عليه السلام لا ازرعها أو امنحها أخاك وانما سمى ذلك مصيبة لهم لان اكتسابهم كان بطريق المزارعة وكانوا قد تعارفوا ذلك وكان يشق عليهم تركها فلو كان المراد التأويل الذى أشار إليه في الحديث الاول لم يكن في ذلك كبير مصيبة لتمكنهم من تحصيل المقصود بدفع الارض مزارعة بجزء شائع من الخارج فهو دليل لابي حنيفة رحمه الله وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام ازرعها أو امنحها أخاك يدل على سد باب المزارعة عليهم بالنهي مطلقا وبه يستدل من يقول من المتعسفة أنه لا يجوز استئجار الارض بالذهب والفضة لمقصود الزارعة ولكن ماروينا من حديث رافع بن خديج رضى الله عنه وهو قوله لى استأجرته دليل على جواز ذلك وقد ذكر بعد هذا آثارا تدل على جوازه والمراد ههنا الانتداب إلى ما هو من مكارم الاخلاق بأن يمنح الارض غيره إذا استغنى عن زراعتها بنفسه ولا يأخذ منه أجرا على ذلك وعن يعلى بن أمية وكان عاملا لعمر رضى الله عنه على نجران فكتب إليه يذكر له أرض نجران فكتب إليه عمر رضى الله عنه ما كان من أرض بيضاء يسقيها السماء أو تسقي سحا فادفعها إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان من أرض تسقى بالغروب فادفعها إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث وما كان من كرم يسقيه السماء أو يسقي سحا فادفعه إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان يسقي بالغروب فادفعه إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث والمراد بالأراضي التى هي لبيت المال حق عامة المسلمين أنه يدفعها إليهم مزارعة (ألا ترى) أنه فاوت في نصيبهم بحسب تفاوت عملهم بين ما تسقيها السماء أو تسقي بالغروب وهى الدوالي فهو دليل لمن يجوز المزارعة وعن عمرو بن دينار قال قلت لطاوس يا أبا عبد الرحمن لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن رسول الله نهى عنها فقال أخبرني أعلمهم أن رسول الله لم ينه عنها ولكنه قال يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ منه خرجا معلوما أو قال خراجا معلوما وكل واحد من اللفظين لغة صحيحة والمراد بقوله أعلمهم معاذ رضي الله عنه فكأنه أشار به إلى قول رسول الله أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل أو قال ذلك لانه أخذ العلم منه وهكذا ينبغى لكل متعلم أن يعتقد في معلمه أنه أعلم أقر انه ليبارك له فيما أخذ منه ثم قد دعاه عمرو بن دينار إلى الاخذ بالاحتياط والتحرز عن موضع الشبهة والاختلاف فابى ذلك لانه كان يعتقد فيه الجواز كما تعلمه من

[ 13 ] أستاذه وفيه دليل انه لا بأس للانسان من مباشرة ما يعتقد جوازه وان كان فيه اختلاف العلماء رحمهم الله ولا يكون ذلك منه تركا للاحتياط في الدين وقوله يمنح أحدكم أخاه إشارة إلى الانتداب الذى بيناه في الحديث الاول وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لم ينه رسول الله عنها حتى تظالموا كان الرجل يكرى أرضه ويشترط ما يسقيه الربيع والنطف فلما تظالموا نهى عنها والنطف جوانب الارض فهذا إشارة إلى التأويل الذى ذكره محمد رحمه الله وأن النهى كان بناء على تلك الخصومة فكان تقييدا بها وعن أبن عمر رضى الله عنه قال كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله نهى عنها فتركنا من أجل قوله يعنى من أجل رمايته وابن عمر كان معروفا بالزهد والفقه بين الصحابة رضى الله عنهم وأشار بهذا إلى أنه يعتقد في المزارعة الجواز ولكنه تركها لحيثية مطلق النهى المروى عن رسول الله وكم من حلال يتركه المرء على طريق الزهد وان كان يعتقد الجواز على ما جاء في الحديث لا يبلغ العبد محض الايمان حتى يدع تسعة عشار الحلال مخافة الحرام وعن ابن عمر قال أكثر رافع رضى الله عنه على نفسه ليكريها كراء الابل معناه شدد الامر على نفسه بروايته النهى مطقا من غير رجوعه إلى سبب النهى ولاجل روايته يترك المزارعة ويكرى الارض بالذهب والفضة كراء الابل فهو دليلنا على جواز الاجارة في الاراضي لمقصود الزراعة وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان إذا أكرى الارض اشترط على صاحبها أن لا يدخلها كلبا ولا يعذرها وهذا من المتقرر الذى اختاره عمر رضى الله عنه ولسنا نأخذ به فلا بأس بادخال الكلب الارض لحفظ الزرع (ألا ترى) أن الحديث جاء أن رسول الله رخص في ثمن الكلب للصيد والحرث والماشية وقوله لا يعذرها أي لا يلقى فيها العذرة وهو ما ينفصل من بنى آدم وقد كان بين الصحابة خلاف في جواز استعمال ذلك في الارض فابن عمر رضى الله عنه كان لا يجوز ذلك وكذلك ابن عباس رضى الله عنهما كان ينهى عن القاء العذرة في الارض وعن سعد رضى الله عنه أنه كان يجوز ذلك وهكذا روى عن أبى هريرة رضى الله عنه حتى كان يباشر ذلك بنفسه فعاتبه انسان على ذلك فجعل يقول مكيل بر بمكيل بر وعن أبى حنيفة فيه روايتان في احدى الروايتين يجوز القاؤها في الارض إذا كان غير مخلوط بالتراب وفى الرواية الاخرى لا يجوز ذلك الا مخلوطا وهو الظاهر من المذهب إذا صار مغلوبا بالتراب فحينئذ

[ 14 ] يجوز القاؤها في الارض ويجوز بيعها لان المغلوب في حكم المستهلك فاما إذا كانت غير مخلوطة بالتراب فلا يجوز بيعها ولا استعمالها في الارض لنجاسة عينها بمنزلة الخمر وكانت هذه الحرمة لاحترام بنى آدم فبيع السرقين والقاؤه في الارض جائز ولكن لاحترام بنى آدم لا يجوز ذلك في الرجيع وهو كالشعر فان شعر الآدمى لا ينتفع به بعد ما بان عنه بخلاف شعر سائر الحيوانات وصوفها وعلى الرواية الاخرى عن أبى حنيفة أذا ألقاها في الارض وخلطها بالارض وصارت مستهلكة فيها يجوز استعمالها كذلك ولكن لا يجوز بيعها غير مخلوطة بالتراب وعن خالد الحذاء قال كنت عند مجاهد فذكر حديث رافع بن خديج رضى الله عنه في كراء الارض فرفع طاوس يده فضرب صدره ثم قال قدم علينا معاذ رضى الله عنه اليمن وكان يعطى الارض على الثلث والربع فنحن نعمل به إلى اليوم ومعنى ما قاله طاوس أن معاذا رضى الله عنه كان أعلمهم بالحلال والحرام ومان يخفى عليه النهى الذى رواه رافع بن خديج وقد كان يباشر المزارعة بالثلث والربع فنحن نتبرم في ذلك ونحمل النهى على ما حمله معاذ رضى الله عنه فقد كان دعا له رسول الله وحمد الله تعالى لما وفقه لما يرضى به رسول الله وعن كليب بن وائل قال قلت لابن عمر رضى الله عنهما رجل له أرض وماء وليس له بذر ولا بقر أعطاني أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري ثم قاسمته فقال حسن وفيه منه دليل على أن العالم يفتى بما يعتقد فيه الجواز وان كان لا يباشره فقد روينا أن ابن عمر رضى الله عنهما ترك المزارعة لاجل النهى ثم أفتى بحسنها وجوازها للسائل وعن جابر رضى الله عنه قال دخل رسول الله على أم مبشر فقال يا أم مبشر من غرس هذا النخل مسلم أو كافر قالت بل مسلم قال عليه الصلاة والسلام لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا سبع ولا طير الا كانت له صدقة يوم القيامة وفى رواية وما أكلت العافية منها فهى له صدقة يعني الطيور الخارجة عن أوكارها الطالبة لارزاقها وفيه دليل أن المسلم مندوب إلى الاكتساب بطريق الزراعة والغراسة ولهذا قدم بعض مشايخنا رحمهم الله الزراعة على التجارة لانها أعم نفعا وأكثر صدقة وقد باشرها رسول الله على ما روينا أنه ازدرع بالجرف وفى الحديث رد على من يكره من المتعسفة الغرس والبناء وقالوا انه يركن به إلى الدنيا وينتقص بقدره من رغبته في الآخرة والآخرة خير لمن اتقى وهذا غلط ظنوه فانه يتوصل بهذا الاكتساب إلى الثواب في الآخرة

[ 15 ] وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام نعم مطية المؤمن الدنيا إلى الآخرة الغرس والبناء وان كان حسنا من كل واحد ولكن معنى القربة فيه إذا باشره المسلم دون الكافر فان الكافر ليس من أهل القربة وهو مأمور بتقديم الاسلام على الاشتغال الغرس ولكن قد ورد أثر عن رسول الله فيما يأثر عن ربه عز وجل حيث قال عمروا بلادي فعاش فيها عبادي فلهذا قلنا هذا الفعل حسن من كل أحد وعن ابن المسيب رضى الله عنه انه كان لا يرى بأسا بكراء الارض البيضاء بذهب وفضة وعن جبير أنه كان لا يرى بأسا باجارة الارض بدراهم أو بطعام مسمى وقال هل ذلك الا مثل دار أو بيت وهو حجة على مالك رحمه الله فانه لا يجوز اجارة الارض بالطعام لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لا يستأجر بشئ منه ولكنا نقول الارض غير منتفع بها كالدار والبيت وكل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح أجرة في الاجارة وتأويل النهى الاستئجار باجرة مجهولة معدومة هي على خطر الوجود كما يكون في المزارعة وهذا ينعدم في الاستئجار بطعام مسمى وربما يكون في هذا نوع رفق لان من يستأجر الارض للزراعة فأداء الطعام أجرة أيسر عليه من أداء الدراهم لقلة النقود في أيدي الدهاقين وعن رافع بن خديج رضى الله عنه قال نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة وقال انما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها أو رجل منح أرضا فهو يزرع ما منح أو رجل استكرى أرضا بذهب أو فضة * والمزابنة بيع التمر على رؤس النخل بتمر مجدود على الارض خرصا فالنهى عنها حجه لنا في افساد ذلك العقد * والمحاقلة قيل بيع الحنطة في سنبلها بحنطة والعرب تقول الحقلة تنبت الحقلة أي الحنطة تنبت السنبلة وقيل المحاقلة المزارعة وهذا أظهر فقد فسره عليه الصلاة والسلام بقوله انما يزرع ثلاثة فهو دليل لابي حنيفة على أن الانتفاع بالارض للزراعة مقصور على هذه الطرق الثلاثة وان المزارعة بالربع والثلث لا تكون صحيحة لان كلمة انما لتقرير الحكم في المذكور ونفيه عما عداه وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال ان أمثل ما أنتم صانعون أن يستكرى أحدكم الارض البيضاء بذهب أو فضة عاما بعام يعنى أبعدها عن المنازعة والجهالة واختلاف العلماء رحمهم الله فان الامثل ما يكون أقرب إلى الصواب والصحة وذلك فيما يكون أبعد عن شبهة الاختلاف وعن مجاهد قال اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله صلى عليه وسلم فقال أحدهم من عندي البذر وقال الآخر من عندي العمل وقال الآخر من عندي الفدان وقال الآخر من عندي الارض

[ 16 ] فقضى في ذلك رسول الله أن لصاحب الفدان أجرا مسمى وجعل لصاحب العمل درهما كل يوم والحق الزرع كله لصاحب البذر وألغى الارض وبهذا يأخذ من يجوز المزارعة فيقول المزارعة بهذه الصفة فاسدة لما فيها من اشتراط الفدان وهى البقر وآلات الزراعة على أحدهم مقصودا به وبما فيها من دفع البذر مزارعة على الانفراد وكل واحد من هذين مفسد للعقد ثم في المزارعة الفاسدة الخارج كله لصاحب البذر لانه بما بذره (ألا ترى) أن النبي ألحقه بصاحب البذر وألغى الارض يعنى لم يجعل لصاحب الارض من الخارج شيأ الا أنه يستوجب على صاحب البذر أجر مثل أرضه بل يستوجب ذلك عليه كصاحب الفدان وقد أعطاه أجرا مسمى والمراد أجر المثل وصاحب العمل فقد أعطاه درهما كل يوم وتأويله أن ذلك كان أجر مثله في عمله وكما أنه سلم لصاحب البذر منفعة الفدان والعامل بحكم عقد فاسد فقد سلم له منفعة الارض بعقد فاسد فيستوجب اجر المثل وبهذا تبين أن المراد بالالغاء أنه لم يجعل لصاحب الارض شيأ من الخارج فكان الطحاوي لا يصحح هذا الحديث ويقول الخارج لصاحب الارض أورد ذلك في المشكل وقال البذر يصير مستهلكا لان النبات يحصل بقوة الارض فيكون النابت لصاحب الارض وجعل الارض كالام وفى الحيوانات الولد يكون مملوكا لصاحب الام لا لصاحب الفحل ولكن هذا وهم منه والحديث صحيح وكل قياس بمقابلته متروك ثم في الحيوانات توجد الحضانة من الام لماء الفحل في رحمها وفى حجرها بلبنها نموه بعد الانفصال فلهذا جعلت تابعة للام في الملك وذلك لا يوجد في الارض ثم الخارج نماء البذر (ألا ترى) أنه يكون من جنس البذر وقوة الارض ويكون بصفة واحد ثم جنس الخارج يختلف باختلاف جنس البذر فعرفنا أنه يكون نماء البذر فيكون لصاحب البذر وهذا هو الحكم في كل مزارعة فاسدة أن للعامل أجر مثل عمله ان عمل بنفسه أو باجرائه أو بغلمانه أو بقوم استعان بهم بغير أجر ويكون الخارج لصاحب البذر في هذه المسألة بعينها قول جميع المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله أما عند أبى حنيفة رحمه الله فلان المزارعة فاسدة على كل حال وعندهما المزارعة فاسدة هنا كما بينا ثم صاحب البذر يؤمر فيما بينه وبين ربه عزوجل أن ينظر إلى الخارج فيدفع فيه مثل ما بذر ومقدار ما غرم فيه من الاجر لصاحب الارض ولصاحب العمل ولصاحب البقر فيطيب له ذلك بما غرم فيه ويتصدق بالفضل لتمكن الحنث فيه باعتبار فساد العقد والاصل في المزارعة الفاسدة

[ 17 ] انه متى ربى زرعه في أرض غيره يؤمر بالتصدق بالفضل وان ربى زرعه في أرض نفسه بعقد فاسد لا يؤمر بالتصدق في عقد فاسد وسيأتى بيان هذا الفصل في موضعه ان شاء الله تعالى (باب المزارعة على قول من يجيزها في النصف والثلث) (قال رحمه الله) اعلم أن المزارعة والمعاملة فاسدتان في قول أبى حنيفه وزفر رحمهما الله وفى قول أبى يوسف ومحمد وابن أبى ليلى هما جائزتان وقال الشافعي المعاملة في النخيل والكروم والاشجار صحيحة ويسمون ذلك مساقاة والمزارعة لا تصح الا تبعا للمعاملة بان يدفع إليه الكرم معاملة وفيه أرض بيضاء فيأمره أن يزرع الارض بالنصف أيضا وقد قدمنا بيان الكلام من حيث الاخبار في المسألة فاما من حيث المعنى فهما يقولان المزارعة عقد شركة في الخارج والمعاملة كذلك فنصح كالمضاربة وتحقيقه من وجهين أحدهما أن الربح هناك يحصل بالمال والعمل جميعا فتنعقد الشركة بينهما في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الجانب الآخر وها باعتبار عمل من أحد الجانبين وبذر وأرض من الجانب الآخر أو نخيل من الجانب الآخر والدليل على أن للعمل تأثيرا في تحصيل الخارج أن الغاصب للبذر أو الارض إذا زرع كان الخارج له وجعل الزرع حاصلا بعمله والثانى أن بالناس حاجة إلى عقد المضاربة فصاحب المال قد يكون عاجزا عن التصرف بنفسه والقادر على التصرف لا يجد مالا يتصرف فيه فجوز عقد المضاربة لتحصيل مقصودهما فكذلك هنا صاحب الارض والبذر قد يكون عاجزا عن العمل والعامل لا يجد أرضا وبذرا ليعمل فيجوز العقد بينهما شركة في الخارج لتحصيل مقصودهما وفى هذا العقد عرف ظاهر فيما بين الناس في جميع البلدان كما في المضاربة فيجوز بالعرف وان كان القياس يأباه كالاستبضاع وبهذا الطريق جوز الشافعي رحمه الله المعاملة ولم يجوز المزارعة لان المعاملة بالمضاربة أشبه من المزارعة فان في المعاملة الشركة في الزيادة دون الاصل وهو النخيل كما أن المضاربة الشركة في الربح دون رأس المال وفى المزارعة لو شرط الشركة في الفضل دون أصل البذر بان شرطا دفع البذر من رأس الخارج لم يجز العقد فجوزنا المعاملة مقصودا لهذا ولم نجوز المزارعة الا تبعا للحاجة إليها في ضمن المعاملة وقد يصح العقد في الشئ تبعا وان كان لا يجوز مقصودا

[ 18 ] كالوقت في المنقول وبيع الشرب وهذا كله بخلاف دفع الغنم معاملة بنصف الاولاد أو الالبان لان ذلك ليس في معنى المضاربة فان تلك الزوائد تتولد من العين ولا أثر لعمل الراعي والحافظ فيها وانما تحصل الزيادة بالعلف والسقى والحيوان يباشر ذلك باختياره فليس لعمل العامل تأثير في تحصيل تلك الزيادة وليس في ذلك العقد عرف ظاهر في عامة البلدان أيضا ولهذا لو فعل الغاصب لم يملك شيأ من تلك الزوائد فاما هنا فلعمل الزارع تأثير في تحصيل الخارج وكذلك لعمل العامل من السقي والتلقيح والحفظ تأثير في جودة الثمار لان بدون ذلك لا يحصل الا ما لا ينتفع به من الحشف فلهذا جوزنا المزارعة والمعاملة ولم نجوز المعاملة في الزوائد التى تحصل من الحيوانات كدود القز والديباج وما أشبه ذلك وأبو حنيفة يقول هذا استئجار باجرة مجهوله معدومة في وجودها خطر وكل واحد من المعنيين يمنع صحة الاستئجار والاستئجار بما يكون على خطر الوجود في معنى تعليق الاجارة بالخطر والاستئجار باجرة مجهولة بمنزلة بيع بثمن مجهول وكل واحد منهما عقد معاوضة يعتمد على تمام الرضا ثم البيع بثمن مجهول يكون فاسدا فكذلك الاستئجار باجرة مجهولة وهذا القياس سنده الاثر وهو قوله عليه الصلاة والسلام من استأجر أجيرا فليعلمه أجره وبيان ما ذكرنا أن البذر ان كان من قبل العامل فهو مستأجر للارض بما سمى لصاحبها من الخارج وفى حصول الخارج خطر ومقداره مجهول وان كان من قبل رب الارض فهو مستأجر للعامل والدليل على أن هذا اجارة لا شركة انه يتعلق به اللزوم من جانب من لا بذر من قبله وكذلك من جانب الآخر بعد القاء البذر في الارض وعقد المعاملة يتعلق به اللزوم من الجانبين في الحال والشركة والمضاربة لا يتعلق بهما اللزوم والدليل عليه أنه لابد من بيان المدة واشتراط بيان المدة في عقد الاجارة لاعلام ما تناوله القعد من المنفعة فاما في الشركة والمضاربة فلا يشترط التوقيت ولا معنى لاعتبار العرف لان العرف يسقط اعتباره عند وجود النص بخلافه وقد وجد ذلك هنا وهو قوله لا تستأجره بشئ منه وقوله عليه الصلاة والسلام فليعلمه أجره وكما وجد العرف هنا فقد وجد العرف في دفع الدجاج معامله بالشركة في البيض والفروج وفى دفع البقر والغنم معامله للشركة في الاولاد والالبان والسمون وفي دفع دود القز معاملة للشركة في الابريسم ومعنى الحاجة يوجد هناك أيضا ثم لا يحكم بصحة شئ من ذلك باعتبار العرف والحاجة فهنا كذلك وإذا ثبت فساد العقد على قوله كان الخارج كله

[ 19 ] لصاحب البذر فان كان صاحب البذر هو العامل فعليه أجر مثل الارض فينبغي لصاحب الارض أن يشترى منه نصف الخارج بعد القسمة بما استوجب عليه من اجر المثل وكذلك يفعله العامل ان كان البذر من قبل صاحب الارض وبهذا الطريق يطيب لكل واحد منهما على قوله ثم التفريع بعد هذا على قول من يجوز المزارعة والمعاملة وعلى أصول أبى حنيفة ان لو كان يرى جوازها وأبو حنيفة رحمه الله هو الذى فرع هذه المسائل لعلمه أن الناس لا يأخذون بقوله في هذه المسألة ففرع على أصوله ان لو كان يرى جوازها ثم المزارعة على قول من يجيزها تستدعي شرائط ستة أحدها التوقيت لان العقد يرد على منفعة الارض أو على منفعة العامل بعوض والمنفعة لا يعرف مقدارها الا ببيان المدة فكانت المدة معيارا للمنفعة بمنزلة الكيل والوزن وهذا بخلاف المضاربة فان هناك بالتصرف المال لا يصير مستهلكا فلا حاجة إلى اثبات صفة اللزوم كذلك العقد وهنا البذر يصير مستهلكا بالالقاء في الارض فبنا حاجة إلى القول بلزوم هذا العقد لدفع الضرر من الجانبين ولا يكون ذلك الا بعد علم مقدار المعقود عليه من المنفعة والثانى أنه يحتاج إلى بيان من البذر من قبله لان المعقود عليه يختلف باختلافه فان البذر ان كان هو من قبل العامل فالمعقود عليه منفعة الارض وان كان من قيل صاحب الارض فالمعقود عليه منفعة العامل فلابد من بيان المعقود عليه وجهالة من البذر من جهته تؤدى إلى المنازعة بينهما والثالث أنه يحتاج إلى بيان جنس البذر لان اعلام جنس الاجرة لا بد منه ولا يصير ذلك معلوما الا ببيان جنس البذر والرابع أنه يحتاج إلى بيان نصيب من لا بذر من قبله لانه يستحق ذلك عوضا بالشرط فما لم يكن معلوما لا يصح استحقاقه بالعقد شرطا والخامس أنه يحتاج إلى التخلية بين الارض وبين العامل حتى إذا شرط في العقد ما تنعدم به التخلية وهو عمل رب الارض مع العامل لا يصح العقد والسادس الشركة في الخارج عند حصوله حتى ان كان كل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج بعد حصوله يكون مفسدا للعقد ثم المزارعة على قول من يجيزها على أربعة أوجه أحدها أن تكون الارض من أحدهما والبذر والعمل والبقر وآلات العمل كله من الآخر فهذا جائز لان صاحب البذر مستأجر للارض بجزء معلوم من الخارج ولو استأجرها باجرة معلومة من الدراهم والدنانير صح فكذا إذا استأجرها بجزء مسمى من الخارج شائع والوجه الثاني أن تكون الارض والبذر والبقر والآلات من أحدهما والعمل من الآخر فهذا جائز أيضا لان صاحب الارض استأجر العامل

[ 20 ] ليعمل بآلاته له وذلك صحيح كما لو أستأجر خياطا ليخيط بابرة صاحب الثوب أوطيانا ليجعل الطين بآلة صاحب العمل والوجه الثالث أن تكون الارض والبذر من أحدهما والبقر والآلات من العامل وهذا جائز أيضا لان صاحب الارض استأجره ليعمل بآلات نفسه وهذا جائز كما إذا أستأجر خياطا ليخيط بابرة نفسه أو قصارا ليقصر الثوب بآلات نفسه أو صباغا ليصبغ الثوب بصبغ له فكذلك هنا وهذا لان منفعة البقر والآلات من جنس منفعة العامل لان اقامة العمل يحصل بالكل فيجعل ذلك تابعا لعمل العامل في جواز استحقاقه بعد المزارعة والرابع أن يكون البذر من قبل العامل والبقر من قبل رب الارض وهذا فاسد في ظاهر الرواية لان صاحب البذر مستأجر للارض والبقر واستئجار البقر بجزء من الخارج مقصودا لا يجوز وهذا لان منفعة البقر ليست من جنس منفعة الارض فان منفعة الارض قوة في طبعها يحصل به الخارج ومنفعة البقر يقام به العمل فلانعدام المجانسة لا يمكن جعل البقر تبعا لمنفعة الارض ولايجوز استحقاق منفعة البقر مقصودا بالمزارعة كما لو كان البقر مشروطا على أحدهما فقط والاصل فيه حديث مجاهد في اشتراك أربعة نفر كما بينا وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله أن هذا النوع جائز أيضا للعرف ولانه لما جاز أن يكون البقر مع البذر مشروطا على رب الارض في المزارعة فكذلك يجوز أن يكون البقر بدون الارض مشروطا عليه كما في جانب العامل لما جاز أن يكون البذر مع البقر مشروطا على العامل جاز أن يكون البقر مشروطا عليه بدون البذر ثم في الوجوه الثلاثة ان حصل الخارج كان بينهما على الشرط وان لم يحصل الخارج فلا شئ لواحد منهما على صاحبه لان العقد انعقد بينهما شركة في الخارج ولئن كان اجارة فالاجرة يتعين محلها بتعيينها وهو الخارج ومع انعدام المحل لا يثبت الاستحقاق وهكذا في الوجه الرابع على رواية أبى يوسف فأما في ظاهر الرواية فالخارج كله لصاحب البذر لانه نماء بذره فانه يستحقه الغير عليه بالشرط بحكم عقد صحيح ولم يوجد وعليه لصاحب الارض اجرة مثل الارض والبقر لانه صار مستوفيا منفعة أرضه وبقره بحكم عقد فاسد ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول تأويل قوله عليه اجر المثل لارضه وبقره أنه يغرم له أجر مثل الارض مكروبة فأما البقر فلا يجوز أن يستحقه بعقد المزارعة بحال فلا ينعقد العقد عليه صحيحا ولا فاسدا ووجوب أجر المثل لا يكون بدون انعقاد العقد فالمانع لا يتقوم الا بالعقد والاصح أن عقد المزارعة من جنس الاجارة ومنافع البقر يجوز استحقاقها الاجارة فينعقد عليها

[ 21 ] عقد المزارعة بصفة الفساد ويجب اجر مثلها كما يجب أجر مثل الارض وزعم بعض أصحابنا ان فساد العقد هنا على أصل أبى حنيفة لانه فسد العقد في حصة البقر ومن أصله أن العقد إذا فسد بعضه فسد كله فاما عندهما فينبغي أن يجوز العقد في حصة الارض وان كان يفسد في حصة البقر والاصح أنه قولهم جميعا لان حصة البقر لم يثبت فيه الاستحقاق أصلا وحصة الارض من المشروط مجمول فيفسد العقد فيه للجهالة وقد بينا نظيره في الصلح إذا صولح أحد الورثة من العين والدين على شئ في التركة وسواء أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج فاجر المثل واجب لصاحب الارض والبقر لان محل وجوب الاجر هنا الذمة دون الخارج وانما يجب استيفاء المنفعة وقد تحقق ذلك سواء أحصل الخارج أم لم يحصل وقيل ينبغى في قياس قول أبى يوسف رحمه الله أن لا يزاد باجر مثل أرضه وبقره على نصف الخارج الذى شرط له وفى قول محمد يجب أجل المثل بالغا ما بلغ على قياس الشركة في الاحتطاب وقد بيناه في كتاب الشركة فان كان البذر من عند صاحب الارض واشترط أن يعمل عنده مع العامل والخارج بينهم أثلاث جازت المزارعة وللعامل ثلث الخارج والباقى كله لرب الارض لان اشتراط العبد على رب الارض والبذر كاشتراط البقر عليه في هذا الفصل وانه صحيح فكذلك اشتراط العبد عليه ثم المشروط للعبد ان لم يكن عليه دين فهو مشروط لصاحب الارض وان كان عليه دين ففى قولهما كذلك وفى قياس قول أبى حنيفة المولى من كسب عبده المديون كالاجنبي فكأنه دفع الارض والبذر مزارعة إلى عاملين على أن لكل واحد منهما ثلث الخارج حتى أن في هذه الفصل لو لم يشترط العمل على العبد ففى قولهما المشروط للعبد يكون لرب الارض فيجوز العقد وفى قياس قول أبى حنيفة المشروط للعبد كالمسكوت عنه لانه لا يستحق شيأ من غير بذر ولاعمل والمسكوت عنه يكون لصاحب البذر وان كان البذر من العامل والمسألة بحالها فالعقد فاسد لان اشتراط العمل على رب الارض كاشتراط البقر عليه وذلك مفسد للعقد وان كان شرط ثلث الخارج لعبد العامل فان كان البذر من قبل العامل ولا دين على العبد فالعقد صحيح ولرب الارض ثلث الخارج والباقى للعامل لان اشتراط العبد عليه كاشتراط البقر والمشروط لعبده ان لم يكن عليه دين كالمشروط له وان شرط لعبده ثلث الخارج ولم يشرط على عبده عملا فان كان على العبد دين ففى قول أبى يوسف ومحمد هذا جائز والمشروط للعبد يكون للعامل لانه يملك كسب عبده المديون وعند أبى حنيفة كذلك الجواب لان

[ 22 ] المشروط للعبد كالمسكوت عنه إذا لم يشترط عليه العمل فهو للعامل لانه صاحب البذر بخلاف ما إذا شرط عليه العمل والعبد مديون لان العبد منه كاجنبي فكأنه شرط عمل أجنبي آخر مع صاحب البذر على أن يكون له ثلث الخارج وذلك مفسد للعقد في حصة العامل الآخر على ما بينه في آخر الكتاب وان كان البذر من عند صاحب الارض واشترط أن يعمل هو مع العامل لم يجز لان هذا الشرط يعدم التخلية بين العامل وبين الارض والبذر وقد بينا نظيره في المضاربة انه إذا شرط عمل رب المال مع المضارب يفسد العقد لانعدام التخلية والحاكم رحمه الله في المختصر ذكر في جمله ما يكون فاسدا من المزارعة على قولهما يجمع بين الرجل وبين الارض ومراده أن يكون البقر والبذر مشروطا على أحدهما والعمل والارض مشروطا على الآخر وهذا فاسد الا في رواية عن أبى يوسف يجوز هذا بالقياس على المضاربة لان البذر في المزارعة بمنزله رأس اللمال في المضاربة ويجوز في المضاربة دفع رأس المال إلى العامل فكذلك يجوز في المزارعة دفع البذر مزارعة إلى صاحب الارض والعمل فاما في ظاهر الرواية فصاحب البذر مستأجر للارض ولا بد من التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر في عقد الاجارة وتنعدم التخلية هنا لان الارض تكون في يد العامل فلهذا فسد العقد ثم في كل موضع صار الريع لصاحب البذر من قبل فساد المزارعة والارض له لم يتصدق بشئ لانه لا يتمكن في الخارج خبث فان الخارج نماء البذر بقوة الارض والارض ملكه والبذر ملكه وإذا لم تكن الارض له تصدق بالفضل لانه تمكن خبث في الخارج فان الخارج انما يحصل بقوة الارض وبهذا جعل بعض مشايخنا الخارج لصاحب الارض عند فساد العقد ومنفعة الارض انما سلمت له بالعقد الفاسد لا بملكه رقبة الارض فيتصدق لذلك بالفضل ونعنى بالفضل أنه يرفع من الخارج مقدار بذره وما غرم فيه المؤن والاجر ويتصدق بالفضل وان كان هو العامل لا يرفع منه أجر مثله لان منافعه لا تتقوم بدون العقد ولا عقد على منافعه إذا كان البذر من قبله فلهذا لا يرفع أجر مثل نفسه من الخارج ولكن يتصدق بالفضل وما يشترط للبقر من الخارج فهو كالمشروط لصاحب البقر لان البقر ليس من أهل الاستحقاق لنفسه فالمشروط له كالمشروط لصاحبه وما يشترط للمساكين للخارج فهو لصاحب البذر لان المساكين ليس من جهتهم أرض ولاعمل ولا بذر واستحقاق الخارج في المزارعة لا يكون الا باحد هذه الاشياء فكان المشروط لهم كالمسكوت عنه فيكون لصاحب البذر لان استحقاقه بملك

[ 23 ] البذر لا يشترط والاجرة تستحق عليه بالشرط فلا يستحق الا بمقدار ما شرط له وإذا لم يسم لصاحب البذر وسمي ما للآخر جاز لان من لابذر من قبله انما يستحق بالشرط فاما صاحب البذر فيستحق بملكه البذر فلا ينعدم استحقاقه بترك البيان في نصيبه وان سمى نصيب صاحب البذر ولم يسم ما للآخر ففى القياس هذا لا يجوز لانهم ذكروا ما لا حاجة بهم إلى ذكره وتركوا ما يحتاج إليه لصحة العقد ومن لا بذر من قبله يستحق بالشرط فبدون الشرط لا يستحق شيأ ولكنه استحسن فقال الخارج مشترك بينهما والتنصيص على نصيب أحدهما يكون بيان أن الباقي للآخر قال الله سبحانه وتعالى وورثه أبواه فلامه الثلث معناه وللاب ما بقى فكأنه قال صاحب البذر على أن لى ثلثى الخارج ولك الثلث وإذا قال له اعمل ببذرى في أرضى بنفسك وبقرك وأجرائك فما خرج فهو كله لى جاز والعامل معين لان صاحب الارض والبذر استعان به في العمل حين لم يشترط له بمقابلته شيأ ولان الذى من جانب العامل منفعة والمنفعة لا تتقوم الا بالتسمية في العقد فإذا لم يسم لم تتقوم منافعه وان قال على أن الخارج كله لك فهو جائز أيضا وصاحب الارض معير لارضه مقرض لبذره لانه شرط للعامل جميع الخارج ولا يستحق جميع الخارج الا بعد أن يكون البذر ملكا له ولتمليك البذر منه هنا طريقان أحدهما الهبة والثانى القرض فيثبت الادنى وهو القرض لانه متيقن به ثم البذر عين متقوم بنفسه فلا يسقط تقومه عنه الا بالتنصيص على الهبة ومنفعة الارض غير متقومة بنفسها فلا تتقوم الا بتسمية البدل بمقابلتها ولم يوجد فلهذا كان معير الارض مقرضا للبذر بمنزلة ما لو دفع إليه حانوتا وألف درهم قال اعمل بها في حانوتي على أن الربح كله لك فانه يكون مقرضا للالف معيرا للحانوت ولو قال ازرع في أرضى كرا من طعامك على أن الخارج كله لى لم يجز هذا العقد لانه دفع الارض مزارعة بجميع الخارج وحكى عن عيسى بن أبان رحمه الله انه قال يجوز هذا لانه شرط جميع الخارج لنفسه ولايكون ذلك الا بملك البذر فكأنه استقرض منه البذر وأمره بان يزرعه في أرضه فيصير قابضا له باتصاله بملكه وقد بينا نظير هذا في كتاب الصرف ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان الاصل أن يكون الانسان في القاء بذره في الارض عاملا لنفسه وقوله على أن الخارج لى محتمل بجواز أن يكون المراد الخارج لى عوضا عن منفعة الارض ويجوز أن يكون المراد الخارج لى بحكم استقراض البذر والمحتمل لا يترك الاصل به ولا يثبت تمليك البذر منه بالمحتمل فكان الخارج كله لصاحب

[ 24 ] البذر وعليه أجر مثل الارض لان صاحب الارض ابتغى عن منفعة أرضه عرضا ولم ينل فله أجر مثله أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج ولو قال ازرع لي في ارضي كرا من طعامك على أن الخارج لي أو على أن الخارج نصفين جاز على ما قال والبذر قرض على صاحب الارض أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج لان قوله ازرع لي تنصيص على استقراض البذر منه فانه لا يكون عاملا له الا بعد استقراضه البذر منه فكان عليه بذرا مثل ما استقرض أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج لانه صار قابضا له باتصاله بملكه ثم ان كان قال ان الخارج بيننا نصفان فهى مزارعة صحيحة وان قال على أن الخارج لي فهو استعانة في العمل وكان محمد بن مقاتل رحمه الله يقول ينبغى أن يفسد العقد هنا لانه مزارعة شرط فيها القرض إذا قال على أن الخارج بيننا نصفان والمزارعة كالاجارة تبطل بالشرط الفاسد ولكن في ظاهر الرواية قال الاستقراض مقدم على المزارعة فهذا فرض شرط فيه المزارعة والقرض لا يبطل بالشروط الفاسدة كالهبة وفى الاصل استشهد فقال أرأيت لو قال اقرضني مائة درهم فاشتر لي بها كرا من الطعام ثم ابذره في أرضي على أن الخارج بيننا نصفان ألم يكن هذا جائزا فكذلك ما سبق ألا أن هذا مكروه لانه في معنى قرض جر منفعة ولو دفع بذرا إلى صاحب الارض على أن يزرعه في أرضه على أن الخارج بينهما نصفان فهو فاسد وهذه مسألة دفع البذر مزارعة وقد بينا قول أبى يوسف رحمه الله وحكم هذه المسألة على ظاهر الرواية نفى الاشكال في أنه أوجب لصاحب الارض اجرا مثل أرضه ولم يسلم الارض إلى صاحب البذر فكيف يستوجب عليه أجر مثله ولكنا نقول صارت منفعته ومنفعة الارض حكما كلها مسلمة إلى صاحب البذر لسلامة الخارج له حكما وكذلك ان لم تخرج الارض شيأ لان عمل العامل بأمره في القاء البذر كعمله بنفسه فيستوجب عليه اجر المثل في الوجهين جميعا وان قالا على أن الخارج لصاحب البذر فهو جائز وصاحب البذر معين له في العمل معير لارضه لانه ما شرط باراء منافعه ومنافع أرضه عوضا فيكون متبرعا بذلك كله وان قال ازرعه لي في أرضك على أن الخارج لك لم يجز لانه نص على استئجار الارض والعامل بجميع الخارج حين قال ازرعه لي في أرضك والخارج كله لصاحب البذر وعليه للعامل اجر مثل أرضه وعمله وان قال ازرعه في أرضك لنفسك على أن الخارج لي لم يجز لان قوله ازرعه لنفسك تنصيص على اقراض البذر منه ثم شرط جميع الخارج لنفسه عوضا عما أقرضه وهذا شرط فاسد لان القرض مضمون بالمثل شرعا ولكن

[ 25 ] القرض لا يبطل بالشرط الفاسد والخارج كله لرب الارض وعليه مثل ذلك البذر لصاحبه ولو دفع إليه الارض على أن يزرع ببذره وبقره ويعمل فيها معه هذا الاجنبي لم يجز ذلك فيما بينهما وبين الاجنبي وهو فيما بينهما جائز وثلث الخارچ لصاحب الارض وثلثاه لصاحب البذر لان صاحب البذر استأجر بثلث الخارج وذلك فاسد كما لو كانت الارض مملوكة له وهذا فيما بينهما في معنى اشتراط عمل رب الارض مع العامل ولكنهما عقدان مختلفان أحد العقدين على منفعة الارض والآخر على منفعة العامل فالمفسد في أحدهما لا يفسد الآخر فلهذا كان لصاحب الارض ثلث الخارج والباقى كله لصاحب البذر وعليه اجر مثل الرجل الذى عمل معه وقد أجاب بعد هذا في نظير هذه المسألة فقال يفسد العقد كله وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فانه قال هناك على أن يعمل معه الرجل الآخر فبهذا اللفظ يصير العقد الفاسد مشروطا في العقد الذى جرى بين صاحب الارض وبين صاحب البذر فيفسد كله وهنا قال ويعمل معه لرجل الآخر والواو للعطف لا للشرط فقد جعل العقد الفاسد معطوفا على العقد الصحيح لا مشروطا فيه فلهذا لم يفسد العقد بين صاحب الارض وصاحب البذر ولو كان البذر من قبل رب الارض كانت المزارعة جائزة والخارج أثلاثا كما اشترطوا لان صاحب الارض والبذر استأجر عاملين وشرط لكل واحد منهما ثلث الخارج وذلك صحيح والله أعلم بالصواب (باب ما للمزارع أن يمنع منه بعد العقد) (قال رحمه اللله) وإذا دفع إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف يزرعها هذه السنة ببذره وبقره ولما تراضيا على ذلك قال الذى أخذ الارض مزارعة قد بدا لى في ترك زرع هذه السنة أو قال أريد أن أزرع أرضا أخرى سوى هذه فله ذلك لان المزارعة على قول من يجيزها اجارة والاجارة تنقض بالعذر وترك العمل الذى أستأجر العين لاجله عذر له في فسخ العقد كمن استأجر حانوتا ليتجر فيه ثم بدا له ترك التجارة يكون ذلك عذرا له في الفسخ وكذلك لو استأجر أرضا بدراهم أو بدنانير ليزرعها ثم بدا له ترك الزراعة يكون ذلك عذرا له في الفسخ وهذا لان الاجارة جوزت لحاجة المستأجر ففى الزام العقد اياه بعد ما بدا له ترك ذلك العمل اضرار به فيؤدي إلى أن يعود إلى موضوعه بالابطال والضرر عذر في فسخ العقد

[ 26 ] اللازم وكذلك ان قال أريد أن أزرع أرضا أخرى لان البذر من قبله وفى القاء البذر في الارض اتلاف البذر وقد يحصل الخارج وقد لا يحصل الخارج وفى الزام العقد صاحب البذر قبل الالقاء في الارض اضرار به من حيث انه يلزم اتلاف ملكه وذلك لا يجوز ثم له في ترك هذه الارض وزرعه أرضا أخرى غرض صحيح فتلك الارض مملوكة له أو يمنحه اياها صاحبها أو تكون أكثر ريعا من هذه الارض فلا يجوز لنا أن نلزمه زراعة هذه الارض شاء أو أبى وهكذا لو كان أستأجرها بدراهم أو دنانير الا أن هناك لا يفسخ العقد إذا أراد زراعة أرض أخر لان في أبقاء العقد بينهما مع اختياره أرضا أخرى للزراعة منفعة لصاحب الارض وهو أنه استوجب الاجر دينا في ذمته بالتمكن من الانتفاع وان لم يزرع وفى المزارعة لا فائدة في أبقاء العقد مع امتناعه من زراعة هذه الارض لان حق صاحب الارض في الغلة والغلة لا تحصل بدون الزراعة فلهذا قلنا يفسخ العقد بينهما ثم في الاستئجار بالدراهم أذا أراد ترك الزراعة أصلا يكون ذلك عذرا لانه يتحرز عن اتلاف البذر بالقائه في الارض وإذا أراد أن يزرع أرضا أخرى لا يكون ذلك عذرا له وذلك لا يصير مستحقا له بمطلق العقد وإذا كان البذر من جهة رب الارض أجير العامل على أن يزرعها ان أراد ترك لزارعة سنته تلك أو لم يرد لان العامل هنا أجير لرب الارض وعلى الاجير الايفاء بما التزم بعد صحة العقد وهذا لانه ليس في ايفاء العقد الحاق ضرر به سوى ما التزمه بالعقد لانه التزم بالعقد اقامة العمل وهو قادر على اقامة العمل كما التزمه بالعقد وموجب العقود اللازمة وجوب تسليم المعقود عليه فاما في الفصل الاول ففى الزام العقد اياه الحاق ضرر به فيما لم يتناوله العقد لان البذر ليس بمعقود عليه وفى القائه في الارض اتلافه وان بدا لرب الارض والبذر ان يترك الزراعة في تلك الارض أو في غيرها فله ذلك لانه في الزام العقد اياه اتلاف بذره والبذر ليس بمعقود عليه فلا يجوز أن يلزمه اتلافه بالالقاء في الارض انما هو موهوم عسى يحصل وعسى لا يحصل وان كان البذر من العامل لم يكن لصاحب الارض أن يمنع الزارع من الزراعة لانه مؤجر لارضه ولا يلحقه بايفاء العقد ضرر فيما لم يتناوله العقد وانما الضرر عليه في الزام تسليم الارض وقد التزم ذلك بمطلق الزراعة الا أن يكون له عذر والعذر دين لا يقدر على قضائه الا من ثمن هذه الارض فان حبس فيه كان له أن يبيعها لقضاء الدين لان في ايفاء العقد هنا الحاق الضرر به فيما لم يتناوله العقد وهو تعينه وقد بينا في كتاب الاجارات ان

[ 27 ] مثل هذا عذر له في فسخ الاجارة وانه يفسخ العقد بنفسه في احدى الروايتين وفى الرواية الاخرى القاضى هو الذى يتولى ذلك ببيعه في الدين على ما فسره في الزيادات ولو دفع نخلا له معاملة بالنصف ثم بدا للعامل ان يترك العمل أو يسافر فانه يجير على العمل أما إذا بدا له ترك العمل فلان في ايفاء العقد لا يلحقه ضرر لم يلتزمه بالعقد لانه التزم بالعقد اقامة العمل ولا يلحقه سوى ذلك وأما في السفر فقد ذكر في غير هذا الموضع أن ذلك عذر له لان بالامتناع يلحقه ضرر لم يلتزمه بالعقد وفيما ذكر هنا لا يكون عذرا له لانه يتعلل بالسفر ليمتنع من اقامة العمل الذى التزمه بالعقد وقيل انما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فهناك وضع المسألة فيما إذا شرط عليه اقامة العمل بيده وبعد السفر لا يتمكن من ذلك ولايجوز أن يحول بينه وبين سفر يتلى به في المدة لما في ذلك من الضرر عليه وهنا وضع المسألة فيما إذا لم يشترط عليه العمل بيده فهو متمكن من اقامة العمل باجرائه واعوانه وغلمانه بعد السفر بنفسه فلا يكون ذلك عذرا له في الفسخ وكذلك ان بدا لصاحب النخيل أن يمنع العامل منه ويعمل بنفسه أو يدفعه إلى عامل آخر فذلك لا يكون عذرا له في الفسخ بخلاف من البذر من قبله في باب المزارعة لان هناك هو يحتاج إلى اتلاف بذره بالالقاء في الارض وهنا رب النخيل لا يحتاج إلى ذلك فيكون العقد لازما من جانبه بنفسه كما في جانب العامل وانما العذر من جانبه أن يلحقه دين فادح لا وفاء عنده الا من ثمن النخل فإذا حبس فيه كان ذلك عذرا له في فسخ المعاملة للبيع في الدين كما بينا في الارض والله أعلم (باب الارض بين رجلين يدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة) (قال رحمه الله) وإذا كانت الارض بين رجلين فدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة على أن يزرعها هذه السنة ببذره وبقره على أن الخارج بينهما نصفان فالمزارعة فاسدة لان الدفع كانه قال لصاحبه ازرع نصيبك من الارض ببذرك على أن الخارج كله لك وهذه مشهورة صحيحة أو قال وازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لى وهذا فاسد لانه دفع الارض مزارعة بجميع الخارج وهى مطعونة عيسى رحمه الله وقد بيناها بالامس * فان قيل لماذا لم يجعل كانه قال ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين وازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين حتى تصح المزارعة في نصيب الدافع من الارض * قلنا لانه يكون ذلك منه

[ 28 ] انتهاب المعدوم وطمعا في غير مطمع وهو أن يشترط لنفسه جزأ بما أخرجه نصيب صاحبه من غير أن يكون منه أرض أو بذر أو عمل والعاقل لا يقصد ذلك بكلامه عادة فلذلك حملناه على الوجه الاول وأفسدنا المزارعة والخارج كله للزارع لانه نماء بذره وعليه أجر مثل نصف الارض لصاحبه لانه استوفى منفعة نصيبه من الارض بعقد فاسد ويطيب له نصف الخارج لانه ربى نصف الزرع في أرض نفسه ولا فساد في ذلك النصف ويأخذ من النصف الآخر ما أنفق فيه وغرم ويتصدق بالفضل لانه ربى زرعه في أرض الغير بسبب فاسد فيتصدق بالفضل ولو كان البذر من الدافع فالعقد فاسد لانه يصير كانه قال ازرع نصيبي من الارض ببذرى على أن الخارج كله لى وهذ استعانة صحيحة لو اقتصر عليها ولكنه قال وازرع نصيبك من الارض ببذرى على أن الخارج كله لك وهذا أيضا اقراض صحيح للبذر لو اقتصر عليه ولكن الجمع بينهما يظهر الفساد باعتبار انه جعل بازاء عمله في نصيب الدافع منفعة اقراض البذر اياه أو تمليك البذر منه هبة في مقدار ما يزرع به نصيب نفسه فلهذا فسد العقد والزرع كله للدافع لان اقراض شئ من البذر غير منصوص عليه وانما كنا نثبت التصحيح للعقد بينهما وليس فيه تصحيح العقد فلا يجعل مقرضا شيا من البذر منه فلهذا كان الخارج كله لصاحب البذر وللعامل عليه أجر مثل عمله وأجر حصته من الارض لان منفعة حصته من الارض ومنفعة عمله سلمت للدافع بعقد فاسد ويطيب له نصف الربع لانه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف البذر وما غرم من أجر مثل نصف الارض ونصف أجر مثل العامل ويتصدق بالفضل لانه رباه في أرض غيره بسبب فاسد ولو كان البذر من العامل على أن ثلثى الخارج له وللدافع الثلث جاز لان تقدير كلامه كانه قال ازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج كله لك وهى مشهورة صحيحة وازرع نصيبي ببذرك على أن ثلثى الخارج منه لى والثلث لك وهى مزارعة صحيحة ولا يتولد من الجمع بينهما فساد فكان الخارج بينهما على الشرط ولو كان البذر من الدافع كان العقد فاسدا لانه يصير كانه قال ازرع نصيبي ببذرى على أن لك ثلث الخارج وهذا صحيح ولكنه قال وازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج كله لك وهذا اقراض للبذر لو اقتصر عليه الا أنه باعتبار الجمع بينهما يظهر الفساد من حيث انه جعل له بالعمل في نصيبه من الارض ثلث الخارج ومنفعة اقراض نصف البذر وكذلك ان كان شرط الثلثين للدافع

[ 29 ] لانه يصير كانه قال ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لى وهذه استعانة صحيحة ولكنه قال وازرع نصيبك ببذرى على أن لى ثلث الخارج وهذا دفع البذر مزارعة إلى صاحب الارض فلهذا كان فاسدا ولو كان البذر بينهما نصفين على أن ثلثى الخارج للعامل وثلثه للآخر فهذا فاسد لان الدافع شرط للعامل ثلث الخارج من نصيبه من البذر وذلك فاسد لان عمله يلاقى بذرا أو زرعا مشتركا بينهما وأحد الشريكين بعمله فيما هو فيه شريك لا يستوجب الاجر على صاحبه فلهذا فسد العقد والخارج بينهما نصفان طيب لهما لان البذر بينهما نصفان وكل واحد منهما انما ربى زرعه في أرضه ولا أجر لواحد منهما على صاحبه لان العامل انما عمل فيما هو فيه شريك وهو لعمله فيما هو فيه شريك لا يستوجب الاجر لان شريكه في المعمول يمنع تسليم العمل إلى غيره وبدون التسليم لا يجب الاجر فاسدا كان العقد أو جائزا وكذلك لو شرط الثلثين للدافع ومعنى الفساد هنا أبين لان الدافع شرط لنفسه جزأ مما يحصل في أرض العامل ببذره من غير أن يكون له في ذلك أرض ولا بذر ولا عمل ولو اشترطا أن الخارج بينهما نصفان فهذا جائز لان العامل معين للدافع هنا فان المشروط لكل واحد منهما بقدر حصته من البذر فكأنه قال ازرع أرضك ببذرك على أن الخارج كله لك وازرع أرضى ببذرى على أن الخارج كله لى وهذه استعانة صحيحة فيكون العامل معينا له في نصيبه ولو اشترطا ثلثى البذر على الدافع وثلثه على العامل والريع نصفان فهذا فاسد لان الدافع يصير كانه قال ازرع أرضى ببذرى على أن الخارج كله لى وازرع أرضك ببذرك وبذرى على أن الخارج كله لك وباعتبار الجمع بين هذين العقدين يفسد العقد لانه جعل له بازاء عمله في نصيبه منفعة اقراض ثلث البذر وذلك فاسد ولانه أوجب له جزأ من الخارج من بذره بعمله فيما هو شريك فيه وذلك فاسد وما خرج فثلثاه لصاحب ثلثى البذر وثلثه لصاحب ثلث البذر على قدر بذرهما والاجر للعامل لانه عمل في شئ هو شريك فيه ولا يتصدق صاحب الثلث بشئ منه لانه رباه في أرض نفسه وصاحب الثلثين يغرم أجر مثل سدس الارض للعامل لانه استوفى منفعة ثلث نصيبه من الارض بعقد فاسد والشركة في الارض لا تمنع وجوب الاجر على الشريك كما لو استأجر أحد الشريكين من صاحبه بيتا ليحفظ فيه الطعام المشترك ثم يطيب له نصف الزرع لانه رباه في أرضه ويبقي سدس الزرع فيستوفى منه ربع بذره وما غرم من أجر مثل سدس الارض ويتصدق بالفضل لانه ربى زرعه في

[ 30 ] أرض غيره في ذلك الجزء بسبب فاسد ولو اشترطا أن ثلث البذر على الدافع وثلثيه على العامل والخارج نصفان فهو فاسد لانه يصير كأنه قال ازرع ببذرك نصيبك على أن الخارج كله لك وازرع نصيبي ببذري وبذرك على أن الخارج كله لي وهذه مطعونة عيسى رحمه الله والعقد فيها فاسد على رواية الكتاب لان في الجزء المشروط على العامل من البذر استئجار الارض بجميع ما تخرجه وذلك فاسد فيكون للعامل ثلثا الربع وعليه سدس اجر مثل الارض لانه ربى زرعه في ثلث نصيب صاحبه وذلك سدس الارض بعقد فاسد فيلزمه اجر مثل ذلك ويطيب له نصف الربع ويرفع من السدس الباقي ربع نصيبه من البذر وما غرم من الاجر ويتصدق بالفضل وثلث الريع طيب للدافع لانه رباه في أرض نفسه ولو اشترطا البقر على الدافع والبذر على العامل والخارج نصفان فهذا فاسد لانه يصير كأنه قال ازرع نصيبك ببذرك وبقري على أن الخارج كله لك وازرع نصيبي ببذري وبذرك على أن الخارج كله لى وهذا فاسد من وجهين أحدهما ما بيننا والثانى أنه جعل له بازاء عمله في نصيبه منفعة البقر ليعمل به في نصيب نفسه ولو كان البذر كله من العامل والبقر من الدافع والشرط أن يكون الخارج بينهما نصفين فهو فاسد لانه جعل بازاء منفعة عمله في نصيب منفعة البقر له بزراعته نصيب نفسه وذلك مفسد للزراعة ثم الخارج كله لصاحب البذر وللآخر مثل أجر بقره واجر مثل نصف الارض يستوفى الزارع نصف الخارج فيطيب له ويأخذ من النصف الآخر نصف البذر ونصف أجر البقر ونصف اجر مثل الارض ويتصدق بالفضل وكذلك لو اشترطا الثلثين لصاحب البذر لانه يصير كأنه قال ازرع نصيبي من الارض ببذرك وبقري على أن لك ثلث الخارج وقد بينا أن البقر إذا كان مشروطا على صاحب الارض ولا بذر من قبله أن المزارعة تكون فاسدة والله أعلم (باب اجتماع صاحب الارض مع الآخر على العمل والبذر مشروط عليهما) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا على أن يزرعها بنفسه وبقره والبذر بينهما نصفان والخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لان الدافع يصير كأنه قال ازرع نصف الارض ببذرى على أن الخارج كله لي وازرع نصف الارض ببذرك على أن الخارج كله لك وكل واحد من هذين صحيح لو أقتصرا عليه لان أحدهما استعان بالعامل والآخر

[ 31 ] اعاره الارض ولكن عند الجمع بينهما يظهر المفسد بطريق المقابلة وهو أنه لما جعل للعامل بازاء عمله في نصف الارض منفعة نصف الارض وذلك في المزارعة لا يجوز والخارج بينهما نصفان على قدر بذرهما ولا اجر للعامل لانه عمل في شئ هو شريك فيه فانه ألقى في الارض بذرا مشتركا ثم عمل في زرع مشترك فلا يستوجب الاجر ولصاحب الارض على العامل نصف أجر مثل الارض لانه استوفى منفعة نصف الارض بحكم عقد فاسد وقد بينا أن الشركة في الخارج لا تمنع وجوب أجر مثل الارض لانه يجب اجر مثل النصف الذى هو مشغول بزرع العامل ثم يطيب نصف الخارج لصاحب الارض لانه رباه في أرضه وأما العامل فيتصدق بالفضل فيما بينه وبين ربه لانه رباه في أرض غيره بسبب فاسد وكذلك لو اشترط للعامل ثلثى الخارج والفاسد هنا ابين لان الدافع شرط للعامل ثلث الخارج من نصيبه ومنفعة نصف الارض بازاء عمله وذلك مفسد للعقد وكذلك لو اشترط لصاحب الارض ثلثى الخارج لان العامل جعل له بمقابلة منفعة نصف الارض ثلث الخارج منه وعمله في النصف الآخر من الارض له وكذلك لو كان البذر ثلثاه من أحدهما بعينه واشترط الربع على قدر البذر فهو فاسد ان كان ثلثا البذر من العامل فلمقابلة منفعة ثلثى الارض بمقابلة عمله في ثلث الارض لصاحبه وان كان ثلث البذر من قبل الدافع فلمقابلة منفعة ثلث الارض بعمله في ثلثى الارض لصاحبه وكذلك ان اشترطا أن الريع بينهما نصفان فهذا فاسد والفساد هنا أبين لانه جعل الدافع للعامل ثلث منفعة الارض وبعض الخارج من بذره بازاء عمله في نصيبه أو على عكس ذلك فيكون العقد فاسدا في الوجوه كلها والخارج بينهما على قدر البذر وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا له على أن يعمل فيها رب الارض والمدفوع إليه سنته هذه ببذر بينهما نصفان على أن الخارج بينهما نصفان فهذا جائز لانه اعاره نصف الارض ليزرعه ببذر نفسه وزرع نصف الارض بنفسه لنفسه وكل واحد منهما صحيح ولا يظهر فساد بالجمع بينهما ولو اشترط لرب الارض ثلثى الخارج كان هذا فاسدا لانه دفع إليه نصف الارض مزارعة بثلث مايخرج ولكن شرط عمل رب الارض معه وهذا شرط يعدم التخلية بين المستأجر وبين ما أستأجر فيفسد به العقد والخارج بينهما على قدر بذرهما ولا أجر لواحد منهما على صاحبه لانه عمل فيما هو شريك فيه ولصاحب الارض على الآخر أجر مثل نصف الارض لانه استوفى منفعة نصف الارض بعقد فاسد ويطيب

[ 32 ] لصاحب الارض نصيبه ويتصدق العامل بما زاد على البذر والنفقة والاجر الذى غرمه لانه رباه في أرض غيره بسبب فاسد ولو اشترطا الثلثين للعامل كان فاسدا أيضا لان الدافع دفع إليه نصف الارض مزارعة بثلث الخارج وشرط عمل نفسه معه ثم جعل له منفعة نصف الارض بازاء عمله مع ما شرط له من ثلث الخارج فهذا كان فاسدا والخارج بينهما نصفان ولا أجر لصاحب الارض على العامل هنا لانه ما ابتغى على منافع أرضه عوضا حين لم يتشرط لنفسه فضلا بخلاف الاول فان هناك شرط الفضل لنفسه فعرفنا ان ابتغى على منافع الارض عوضا ولم ينل فكان له أجر مثل نصف الارض على صاحبه ثم يطيب لكل واحد منهما نصيبه من الزرع لان العامل لما لم يجب عليه الاجر عرفنا أن نصف الارض كان في يده بطريق العارية ولا فساد في ذلك فيطيب له الخارج ولو اشترطا العمل عليهما جميعا والخارج بينهما نصفان والبذر من المدفوع إليه خاصة فعملا أو عمل صاحب الارض وحده جعل له منفعة نصف الارض بمقابلة عمله في النصف الآخر معه من الارض وشرط لنفسه مع ذلك منفعة اقراض نصف البذر منه وذلك مفسد للعقد ثم الخارج كله لصاحب البذر ولصاحب الارض نصف اجر مثل أرضه وأجر مثل نفسه في عمله ان كان عمل لانه لا شركة في الخارج هنا فصاحب البذر استوفى منفعة أرضه وعمله بعقد فاسد فيجب عليه أجر المثل والله أعلم (باب اشتراط شئ بعينه من الريع لاحدهما) (قال رحمه الله) وإذا اشترطا أن يرفع صاحب البذر بذره من الريع والباقى بينهما نصفان فهو فاسد أياما كان البذر لان جواز المزارعة على قول من يجوزها لمتابعة الآثار فأما القياس فما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله فمتى كان العقد لا على الوجه الذي ورد به الاثر أخذ فيه بالقياس ثم المزارعة شركة في الخارج وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما مع حصول الخارج في بعضه أو في كله كان مفسدا للعقد وقدر البذر من جملة الريع فان البذر بالالقاء في الارض يتلف فهذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في بعض الريع أو في جيمعه إذا كان لا يحصل من الخارج الا قدر البذر وهذا بخلاف المضاربة لان رأس المال هنا ليس من الربح فان بالتصرف لا يتلف رأس المال فاشتراط دفع رأس المال لا يوجب قطع الشركة بينهما في شئ من الربح ثم اشتراطه دفع البذر هنا في كونه مخالفا لموجب العقد كاشتراط

[ 33 ] كون رأس المال بينهما في المضاربة ولو اشترطا أن الربح ورأس المال كله نصفان فسد العقد فهذا قياسه ولو اشترطا أن يرفع صاحب البذر عشر الخارج لنفسه والباقى بينهما نصفان جاز لان هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة في شئ من الريع بينهما مع حصول الخارج فانه ما من قدر يخرج الا ويبقى بعد رفع العشر منه تسعة أعشاره ثم هذا في المعنى اشتراط خمسة ونصف من عشرة لصاحب البذر وأربعة ونصف للآخر وذلك لا يؤدى إلى قطع الشركة في شئ من الريع وكذلك لو اشترط العشر لمن لا بذر من قبله والباقى بينهما نصفان جاز لما قلنا ولو اشترطا رفع الخراج من الريع والباقى بينهما نصفان كان فاسدا لان الخراج على رب الارض وهو دراهم مسماة أو حنطة مسماة فاشتراط رفع الخراج بمنزله اشتراط ذلك القدر من الخارج لرب الارض وهذا شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الريع مع حصوله لجواز أن لا يحصل الا ذلك القدر أو دونه ولو كانت الارض عشرية فاشترطا رفع العشر ان كانت الارض تشرب سحا أو نصف العشر ان كانت تشرب بدلو والباقى بينهما نصفان فهذا جائز لان هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج فانه ما من مقدار تخرجه الارض الا وإذا دفع منه العشر أو نصف العشر يبقى شئ ليكون مشتركا بينهما نصفين فان حصل الخارج أخذ السلطان حقه من عشر أو نصف والباقى بينهما نصفان لانهما شرطا كذلك والمؤمنون عند شروطهم وان لم يأخذ السلطان منهم شيأ أو أخذوا بعض طعامهم سرا من السلطان فان العشر الذى شرط من ذلك للسلطان يكون لصاحب الارض في قول أبى حنيفة رحمه الله على قياس من أجاز المزارعة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يكون بينهما نصفين وأصل المسألة فيما تقدم بيانه في الزكاة أن من أجر أرضه العشرية فالعشر عند أبى حنيفة على رب الارض وعندهما العشر في الخارج على المستأجر ففى المزارعة رب الارض مؤجر للارض أو مستأجر للعامل ان كان البذر من قبله فالعشر عليه عند أبى حنيفة في الوجهين فالمشروط للعبد مشروط لرب الارض وعندهما العشر في الخارج فإذا لم يأخذ السلطان منهما العشر أو أخذا بعض الطعام سرا من السلطان فالخارج بينهما نصفان وكذلك المشروط للعشر يكون بينهما نصفين وكان ذلك مشروطا لهما ولو كان صاحبه قال للعامل لست أدرى ما يأخذ السلطان منا العشر أو نصف العشر فانما تلك على أن النصف لى مما تخرج الارض بعد الذى يأخذ السلطان ولك النصف فهذا فاسد في قياس قول أبى حنيفة

[ 34 ] رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز بينهما على ما قالا ومعنى هذه المسألة أن الارض قد تكون بحيث تكتفى بماء السماء عند كثرة الامطار وقد تحتاج إلى أن تسقي بالدلاء عند قلة المطر وفى مثله السلطان يعتبر الاغلب فيما يأخذ من العشر أو نصف العشر فكأنهما قالا لا ندرى كيف يكون حال المطر في هذه السنة وماذا يأخذ السلطان من الخارج فتعاقدا على هذه الصفة ثم عند أبى حنيفة رحمه الله العشر أو نصف العشر يكون على رب الارض فبهذا الشرط هما شرطا لرب الارض جزأ مجهولا من الخارج اما العشر أو نصف العشر وذلك مفسد للعقد وعند أبى يوسف ومحمد العشر أو نصف العشر يكون في الخارج والخارج بينهما نصفان فهذا في معنى اشتراط جميع الخارج بينهما نصفين وذلك غير مفسد للعقد وإذا دفع إلى رجل أرضا من أرض الخراج يزرعها بنفسه وبذره وبقره فما خرج منها دفع منه حظ السلطان وهو النصف مما تخرج وكان ما بقى بينهما لرب الارض ثلثه وللعامل الثلثان فهو جائز على ما اشترطا وانما يعنى خراج المقاسمة وللامام رأى في الخراج بين خراج المقاسمة وبين خراج الوظيفة وخراج المقاسمة جزء من الخارج حتى لا يجب الا بوجود حقيقة الخارج بخلاف خراج الوظيفة فكان ذلك بمنزلة العشر عند أبى حنيفة وهو على رب الارض فالمشروط لخراج المقاسمة كانه مشروط لرب الارض وهذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة وعندهما خراج المقاسمة في الخارج فيكون عليهما على قدر الخارج بينهما فكأنهما شرطا الثلث والثلثين في جميع الخارج فيصح العقد فان أخذ السلطان من رب الارض الخارج وترك المقاسمة فالنصف الذى شرطاه للسلطان هو لرب الارض والباقى بينهما على ما اشترطا ومعنى هذا أن السلطان قد يفتح بلدة ويمن بها على أهلها ثم يتردد رأيه في توظيف خراج المقاسمة عليهم أو خراج الوظيفة فلا يعزم على شئ من ذلك حتى يحصل الخارج أو كان جعل عليهم خراج المقاسمة على انه ان بدا له أن يجعل عليهم خراج الوظيفة فعل ذلك وقد يشترط ذلك حتى لا يعطلوا الاراضي فيكون هذا من الامام نطرا لارباب الخراج فإذا بدا له بعد حصول الخارج أن يأخذ خراج الوظيفة فانه يأخذ ذلك من رب الارض ثم النصف المشروط للسلطان يكون لرب الارض أما عند أبى حنيفة رحمه الله فلا يشكل لان ذلك على رب الارض وان كان خراج المقاسمة فالمشروط له مشروط لرب الارض وعندهما لان بدل ذلك أخذه السلطان من رب الارض والغنم مقابل بالغرم فما شرط لخراج المقاسمة يكون لرب الارض

[ 35 ] بهذا الطريق وكذلك لو لم يأخذ السلطان خراجا ولا مقاسمة وترك ذلك أصلا أو أخذا شيأ من الطعام سرا ثم قاسمهم السلطان ما بقي فأخذ نصفه فان ما أخذاه سرا لصاحب الارض ثلثه وللمزارع ثلثاه فقد عطف أحد الفصلين على الآخر بقوله وكذلك وجوابهما يختلف فانه يأخذ إذا لم يأخذ السلطان شيأ فعطف ذلك على المسألة الاولى دليل على أن المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الارض وفيما أذا أخذا شيأ من الطعام سرا نص على انه يكون اثلاثا بينهما ففيما ذكره في هذا النوع نوع من التشويش والحاصل أن على قول أبى حنيفة المشروط للخراج يكون مشروطا لرب الارض ففى الفصلين يكون النصف المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الارض والباقى بينهم أثلاثا وعند أبى يوسف ومحمد خراج المقاسمة في الخارج الا إذا أخذ السلطان الخراج من رب الارض فحينئذ يكون ذلك له عوضا عما أخذه السلطان منه فإذا لم يأخذ منه شيأ أو أخذا شيأ من الطعام سرا فذلك مقسوم بينهما على أصل المشترط لصاحب الارض ثلثه وللمزارع ثلثاه وقد ذكر في بعض النسخ في هذا الفصل الاخير ان ما أخذاه سرا يكون لصاحب الارض ثلثاه وللمزارع ثلثه فعلى هذا يتفق الجواب في الفصول الثلاثة ويتحقق العطف فان ذلك النصف لرب الارض والثلث من النصف الباقي له فإذا أخذ ثلثى الخارج فقد وصل إليه جميع هذا ولكن هذا الجواب بناء على قول أبى حنيفة فاما عندهما فالتخريج ما ذكرنا وقيل بل هذا الجواب قولهم جميعا لان المقاسمة واجبة باسم الخراج كالوظيفة والخراج مؤنة تجب على رب الارض فالمشروط للخراج بمنزلة المشروط لرب الارض عندهما جميعا وكذلك لو كان البذر من صاحب الارض والذى قلناه أولا من أن المسألة على الخلاف هو الاصح وقد نص عليه في بعض نسخ الاصل ولو قال لا أدرى ما يأخذ السلطان في هذه السنة المقاسمة أو الخراج فانما تلك على أن أرفع مما تخر ج الارض حظ السلطان مقاسمة كان أو خراجا أو يكون ما بقي بيننا إلى الثلث ولك الثلثان فرضى المزارع بذلك فهذه مزارعة فاسدة من أيهما كان البذر لان هذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصول الخارج عشرا بان يأخذ السلطان خراج الوظيفة ويكون الخارج بقدر ذلك أو دونه ثم الريع كله لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة والخراج والمقاسمة أيهما كان على صاحب الارض لما بينا أن الخراج مؤنة للارض فيكون على صاحب الارض ثم أن كان البذر من قبل صاحب الارض فهو مستأجر للعامل ولو عمل بنفسه كان الخراج عليه فكذلك

[ 36 ] إذا استأجر العامل فيه وان كان البذر من قبل العامل قرب الارض مؤجر للارض ومنفعة الارض تحصل له بهذه الاجارة كما يحصل إذا استوفاها بنفسه فيكون الخراج عليه والله أعلم (باب ما يفسد المزارعة من الشروط وما لا يفسدها) (قال رحمه الله) وإذا اشترط رب الارض على العامل الحصاد فالمزارعة فاسدة من أيهما كان البذر والاصل أن العمل الذى به تحصل الخارج أو يتربى في المزارعة الصحيحة يكون على العامل وذلك بمنزلة الحفظ والسقى إلى أن يدرك الزرع لان المزارعة على قول من يجيزها شركة في الخارج ورأس مال العامل فيها عمل مؤثر في تحصيل الخارج كما في المضاربة وما يكون من العمل بعد الادراك التام إلى أن يقسم كالحصاد والدياس والتذربة يكون عليهما لان الخارج ملكهما فالمؤنة فيه عليهما بقدر الملك وما يكون من العمل بعد القسمة كالحمل إلى البيت والطحن يكون على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لان بالمقاسمة تميز ملك أحدهما عن ملك الآخر فيكون التدبير في ملك كل واحد منهما إليه فإذا شرطا الحصاد على العامل فهذا لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لاحد المتعاقدين فيفسد به العقد كما لو شرط رب الارض الحمل والطحن عليه في نصيب نفسه ولان المزارعة تنتهى باستحصاد الزرع (ألا ترى) أن الزرع بعد ما استحصد لو دفعه معاملة إلى رجل ليقيم فيه هذه الاعمال بالثلث لم يجز بخلاف ما إذا كان الزرع بقلا فدفعه معاملة إلى من يحفظه ويسقيه بالثلث فإذا شرط الحصاد على العامل فهذا عمل شرط عليه بعد انتهاء العقد واستحقاق العمل عليه بالعقد وكل شرط يوجب عليه عملا بعد انتهاء العقد فهو فاسد يفسد به العقد وروى بشر وابن سماعة عن أبى يوسف ان العقد لا يفسد بهذا الشرط ولكن ان لم يشترطا فهو عليهما وان شرطا فهو على المزارع لان العرف الظاهر أن المزارع يباشر هذه الاعمال فهذا شرط يوافق المتعارف فلا يفسد به العقد ولكن بمطلق العقد لا يستحق علليه الا ما يقتضيه العقد فان شرط ذلك عليه صار مستحقا بالعرف كما لو اشترى حطبا في المصر بشرط أن يوفيه في منزله وفى المعاملة قال هذا الشرط يفسد المعاملة لانه ليس فيه عرف ظاهر وكان نصر بن يحيى ومحمد بن سلمة رحمها الله يقولان هذا كله على العامل شرط عليه أو لم يشرط لان فيه عرفا ظاهرا بتناوله والمعروف كالمشروط فقد جوزنا بعض العقود للعرف وان كان القياس

[ 37 ] يأباه كالاستبضاع فهذا مثله وهذا هو الصحيح في ديارنا أيضا وكان أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله إذا استفتى في هذه المسألة قال فيها عرف ظاهر ومن أراد أن لا يتعطل فعليه أن لا يمتنع مما هو العرف وكذلك لو اشترطا شيأ من ذلك على صاحب الارض كان العقد فاسدا لما بينا وفى جانب رب الارض فساد العقد بهذا الشرط على الاقاويل كلها لانه ليس فيه عرف ظاهر (ألا ترى) أن رجلا لو جاء إلى رجل قد صار زرعه بقلا فعامله على أن يقوم عليه ويسقيه حتى يستحصد فما خرج فهو بينهما نصفان كان جائزا ولو عامله بعد ما استحصد على أن يحصده ويدوسه ويذريه وينقيه ويحمله إلى منزله أو إلى موضع كذا كان العقد فاسدا وهذا لان المزارعة على قول من يجيزها انما تكون باعتبار الاثر والاثر انما جاء في مزارعة يكون للعمل فيها تأثير في تحصيل الخارج وذلك لا يوجد في الفصل الثاني وفى الفصل الاول يوجد ذلك لان الزرع يزداد بعمل العامل بمنزلة الثمار تخرج بعمل العامل فلهذا صح العقد هناك ولم يصح هنا ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه على أن ما رزق الله تعالى من شئ فهو بيننا نصفان فصار قصيلا فأرادا أن يقصلاه ويبعهاه فحصاد القصيل وبيعه عليهما لانهما أنهيا العقد بما عزما عليه والقصل في القصيل كالحصاد بعد الاستحصاد لانه عمل في ملك مشترك وليس له تأثير في زيادة الخارج فكما أن الحصاد بعد الادراك عليهما فكذلك حصاد القصيل عليهما ويستوي ان كان البذر من قبل رب الارض أو المزارع ولو استحصد الزرع فمنعهم السلطان من حصاده اما ظلما أو لمصلحة رأى في ذلك أو استوفى منهم الخراج فالحفظ عليهما لان الحفظ بعد الاستحصاد بمنزلة الحصاد فان عقد المزارعة ينتهى بالحصاد ولو دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه على أن الخارج بينهما نصفان فهو جائز وعلى العامل حفظه بالليل والنهار حتى يصير تمرا لان عقد المعاملة قائم بينهما ما لم يصير تمرا والحفظ من الاعمال التى تستحق على العامل بعقد المعاملة فإذا صار تمرا فقد انتهى العقد وبقى التمر مشتركا بينهما فكان الحفظ بعد ذلك والجداد عليهما بقدر ملكيهما فان اشترط صاحب النخل على العامل في أصل المعاملة بعد ما يصير تمرا كانت المعاملة فاسدة لانه شرط لنفسه منفعة عليه بعد انتهاء العقد ولو أراد في المعاملة الصحيحة ان يجداه بسرا فيبيعانه أو يلقطانه رطبا فيبيعانه فان اللقاط والجذاذ عليها نصفين لما بينا انهما انهيا العقد بما عزما عليه فان الجذاذ قبل الادراك بمنزلته بعد الادراك ولكن الحفظ على العامل ما دام في رؤس النخيل

[ 38 ] حتى يصير تمرا لان عقد المعاملة بينهما باق فانه انما ينتهى ضمنا للجذاذ واللقاط فلا يكون منتهيا قبله وحال قيام العقد الحفظ مستحق على العامل والله أعلم (باب الشرط فيما تخرج الارض وفى الكراب وغيره) (قال رحمه الله) إذا دفع الرجل أرضا له مزارعة بالنصف سنتة هذه على أن البذر من قبل العامل فقال صاحب الارض اكربها ثم ازرعها فقال العامل أزرعها بغير كراب فانه ينظر في ذلك فان كانت تزرع بغير كراب ويحصل الريع الا أن بالكراب أجود فان شاء العامل كرب وان شاء لم يكرب وان كانت لا تخرج زرعا بغير كراب لم يكن له أن يزرع الا بكراب لان المقصود بالمزارعة تحصيل الخارج فان العمل الذي لابد منه لتحصيل الخارج يصير مستحقا عليه بمطلق العقد وما يحصل الخارج بدونه لا يصير مستحقا عليه الا بالشرط لان بمطلق العقد يستحق المعقود عليه بصفة السلامة ولا يستحق صفة الجودة الا بالشرط فإذا كانت تلك الارض بحيث لا يحصل ريعها الا بكراب فهذا عمل لابد منه فيصير مستحقا على العامل بمطلق العقد الا ان شاء أن يدع الزرع لان البذر من قبله فلا يكون العقد لازما في حقه قبل القاء البذر في الارض وان كان الريع يحصل بغير كراب ومع الكراب يكون أجود ولكن صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد وبدون الكراب صفة السلامة تحصل في الريع فيتخير العامل لذلك وان كانت تخرج بعد الكراب شيأ قليلا نظرت فيه فان كان مما يقصد الناس ذلك بالزراعة تخير المزارع في الكراب وان كان ذلك شيأ لا يقصده الناس بالعمل يجبر على الكراب لان مطلق العقد يتقيد بالمتعارف ولان ما لا يقصد تحصيله بالزراعة عادة يكون معينا وقضية عقد المعاوضة صفة السلامة عن العيب فيصير الكراب مستحقا على العامل لتحصيل صفة السلامة لصاحب الارض في نصيبه من الخارج وإذا كان يخرج بغير كراب ما يقصد بالزراعة فأدنى السلامة يحصل بغير كراب والا على لا يصير مستحقا الا بالشرط وكذلك ان زرع ثم قال لا أسقي ولكن أدعها حتى تسقيها السماء فان كانت تكتفى بماء السما الا أن السقي أجود للزرع لم يجبر على السقي وان كانت مما لا يكفيه سقي السماء اجبر على السقى وكذلك لو كان البذر من قبل صاحب الارض في جميع ذلك للمعنى الذى قلنا ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يكربها ويزرعها سنته هذه بالنصف فأراد أن

[ 39 ] يزرعها بغير كراب فليس له ذلك ويجبر على الكراب سواء كان البذر من قبل المزارع أو من قبل رب الارض لان أصل الريع وان كان يحصل بغير كراب فمع الكراب أجود وصفة الجودة تصير مستحقة بالشرط كصفة الجودة في المسلم فيه وصفة الكتابة والحبر في العبد تصير مستحقة بالشرط وان كان لا يستحق بمطلق العقد وكذلك لو شرط في المسلم فيه أن يوفيه في مصر كذا فله أن يوفيه في أي ناحية من نواحى المصر شاء وان شرط عليه أن يوفيه في منزله في المصر فليس له أن يوفيه في موضع آخر الا أن يكون الريع يحصل بالكراب وغير الكراب على صفة واحدة فحينئذ لا يعتبر هذا الشرط لانه غير مفيد وكذلك ان كان الكراب بحيث يضر بالزرع وقد يكون ذلك عند قوة الارض فان الكراب يحرق الارض والزرع وإذا كان بهذه الصفة فليس على المزارع أن يكربها لان اعتبار الشرط للمنفعة لا للضرر واشتراط التثنية على المزارع في المزارعة يفسد العقد قال لانه يبقى منفعتها في الارض بعد مضى السنة بخلاف الكراب فانه لا تبقي منفعته في الارض بعد مضي السنة فاشتراطه لا يفسد المزارعة وتكلموا في تفسير التثنية فقيل المراد أن يكربها مرتين ثم يزرع فعلى هذا اشتراط التثنية في ديارنا لا يفسد المزارعة لانه لا تبقى منفعتها بعد مضى السنة وفى الديار التى تبقى منفعتها في الارض بعد سنة ان كانت المزارعة بينهما سنة واحدة يفسد بهذا القد لانه لا تبقى منفعتها في الارض بعد المدة وقيل معنى التثنية أن يكربها بعد ما يحصد الزرع فيردها مكروبة وهذا الشرط مفسد للعقد لان المزارعة تنتهى بادراك الزرع فقد شرط عليه عملا بعد انتهاء العقد وفيه منفعة لرب الارض وقيل معنى التثنية أن يجعلها جداول كما يفعل بالمبطخة فيزرع ناحية منها ويبقى مابين الجداول مكروبا فينتفع رب الارض بذلك بعد انتهاء المزارعة وهذا مفسد للعقد والحاصل انه متى شرط على العامل ما تبقي منفعته لرب الارض بعد مضى المدة فالمزارعة تفسد به كما لو شرط عليه أن يكرب أنهارها والمزارعة بينهما سنة واحدة فان كرب الانهار تبقي منفعتها بعد انقضاء السنة وكذلك لو شرط عليه اصلاح مشاربها أو بناء حائط فيها أو أن يسرجنها فهذا كله مما تبقى منفعته في الارض بعد مضى مدة المزارعة فتكون مفسدة للمزارعة ولو دفع إليه الارض والبذر على أن يعمل سنته هذه على انه ان زرع بغير كراب فللمزارع ربع الخارج وان كربها ثم زرعها فللمزارع ثلث الخارج وان كرب وثنى ثم زرع فالخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة جائزة على ما اشترطا لانه ذكر أنواعا من

[ 40 ] العمل وأوجب له بمقابلة كل نوع شيأ معلوما من الخارج فيصح العقد كما لو دفع ثوبا إلى خياط فقال ان خطته رومية فلك درهم وان خطته فارسية فلك نصف درهم وهذا لان أوان لزوم العقد من الجانبين وانعقاد الشركة بينهما في الخارج عند القاء البذر في الارض والكراب والتثنية كل ذلك يسبق القاء البذر فعند لزوم العقد نوع العمل معلوم وبدله معلوم فيجوز العقد كما في مسألة الخياطة فان وجوب الاجر عند اقامة العمل وذلك عند العمل معلوم والبدل معلوم وقال عيسى رحمه الله هذا الجواب غلط لانه ذكر قبل هذا ان اشتراط التثنية على المزارع يفسد العقد وهنا قد شرط عليه التثنية وضم إليه نوعين آخرين من العمل فتمكنت الجهالة هنا في العمل ومقدار البدل عند العقد مع اشتراط التثنية فلان يكون مفسدا للعقد كان أولى وان كان لا يفسد العقد إذا كربها أو زرعها بغير كراب فينبغي أن يفسد العقد إذا ثنى لانه تعين ذلك بعمله فكأنه شرط ذلك في الابتداء بعينه ولكن ما ذكره في الكتاب أصح أما إذا جعلنا تفسير التثنية أن يردها مكروبة فلا حاجة إلى الفرق بين هذا وبين ما سبق وان جعلنا تفسير التثنية أن يكربها مرتين فهناك تعين عليه التثنية بالشرط وهى مما تبقي منفعتها بعد مضى المدة فلا يجوز أن يجبر المزارع على اقامتها وهنا لا يتعين عليه التثنية بل يتخير هو في ذلك ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وهذا غير مفسد للعقد كما إذا أطلق العقد يصح ويتخير المزارع بين أن يثنى الكراب وبين أن يكربها ويدع التثنية فان زرع بعضها بكراب وبعضها بغير كراب وبعضها بكراب وثنيان فهو جائز وما زرعها بغير كراب فالخارج بينهما يكون ارباعا وما زرعها بكراب فهو بينهما اثلاثا وما زرع بكراب وثنيان فهو بينهما نصفان اعتبارا للبعض بالكل وهذا لانه لا يتعين على صاحب الارض والبذر شرط عقده بهذا التبعيض وهو متعارف بين الناس أن يزرع بعض الارض بكراب وثنيان وبعضها بكراب وبعضها بغير كراب وهذا بخلاف مسألة الخياطة فان هناك ليس له أن يخيط بعض الثوب رومية وبعضه فارسية لان ذلك يفوت المقصود على صاحب الثوب وهذا غير متعارف في الثوب الواحد أن يخاط بعضه رومية وبعضه فارسية بل يعد ذلك عيبا في الثوب وكذلك لو كان البذر من قبل المزارع في جميع ذلك وكذلك لو كان الشرط أن ما زرع بكراب وثنيان فهو بينهما نصفان فهذا والاول سواء وقد طعنوا في هذه المسألة فقالوا ينبغى أن لا يصح العقد هنا لان كلمة من للتبعيض فقد شرط عليه أن يزرع البعض بكراب والبعض بثنيان والبعض

[ 41 ] بغير كراب وذلك البعض مجهول وهذه الجهالة تفضى إلى تمكن المنازعة لان العقد لازم من جانب العامل أو من جانب رب الارض إذا كان البذر من قبل العامل فينبغي أن يفسد العقد واستدلوا على هذا بما ذكره في آخر الباب من التخيير بين أجناس البذر بهذا اللفظ وأفسدوا العقد به لهذا المعنى الا أنا نقول حرف من قد يكون للصلة خصوصا في موضع يكون الكلام بدونه مختلا قال الله تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان وإذا كان حرف من صلة كان له أن يزرع الكل باى نوع من الاعمال الثلاثة شاء فهذه المسألة والاولى سواء والفرق بين هذا وبين التخيير في جنس البذر بهذا اللفظ نذكره في آخر الباب ولو دفع إليه الارض على أن يزرعها ببذره سنته هذه على أن يزرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا فلصاحب الارض ثلثه وان زرعها سمسما فلصاحب الارض ربعه فهذا جائز على ما اشترطا لما بينا ان أوان لزوم العقد وانعقاد الشركة عند القاء البذر في الارض وعند ذلك المعقود عليه معلوم والبذر معلوم والجهالة قبل ذلك لا تفضى إلى المنازعة وان زرعها بعضها حنطة وبعضها شعيرا وبعضها سمسما فذلك جائز في كل نوع على ما اشترطا اعتبارا للبعض بالكل لانه لما رضى رب الارض بان يزرع كلها على صفة يكون راضيا بان يزرع بعضها على تلك الصفة وبذلك البذر كما في المسألة الاولى وكذلك لو دفع إليه أرضا ثلاثين سنة على أن ما زرع فيها من حنطة أو شعير أو شئ من غلة الصيف أو الشتاء فهو بينهما نصفان وما غرس فيها من نخل أو شجر أو كرم فهو بينهما أثلاثا فلصاحب الارض الثلث وللعامل الثلثان فهو بينهما على ما اشترطا سواء زرع الكل على أحد النوعين أو زرع بعضها وجعل في بعضها كرما قال ولا يشبه البيوع في هذا الاجارات والاجارات في مثل هذا تجوز وذكر حماد عن إبراهيم رحمه الله قال سألته عن الاجير أقول له ان عملت في كذا كذا فبكذا وان عملت كذا فبكذا فقال لا بأس به انما يكره ذلك في البيوع قيل معنى هذا الفرق أن في البيوع إذا اشترى أحد شيئين وسمي لكل واحد منهما ثمنا ولم يشترط الخيار ثلاثة أيام لواحد منهما كان العقد فاسدا وفى الاجارات يكون العقد صحيحا بدون شرط الخيار كما في مسألة الخياطة والمزارعة لان الثمن في البيع يجب بنفس العقد والعقد يلزم بنفسه فإذا لم يشترط الخيار فيه كان المعقود عليه مجهولا والثمن مجهولا عند لزوم العقد وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة وفى باب المزارعة العقد لا يلزم من جانب من البذر من قبله قبل القاء البذر في الارض وفى الاجارة العقد وان كان يلزم بنفسه ولكن البدل

[ 42 ] لا يجب الا بالعمل وعند ذلك العمل والبدل معلوم وجهالة صفة العمل قبل ذلك لا تفضى الا المنازعة وقيل بل مراده من هذا الفرق أن في البيع إذا قال إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا فهذا يكون مفسدا للعقد لجهالة مقدار الثمن عند وجوبه بالعقد وفى الاجارة وجوب البدل عند اقامة العمل وكذلك في المزارعة انعقاد الشركة عند القاء البذر في الارض وعند ذلك هو معلوم وفى بعض النسخ قال ولا يشبه هذا البيوع والاجارات فهو إشارة إلى الفرق بين المزارعة والبيع والاجارة إذ في المزارعة له أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا وفى الاجارة في مسألة الخياطة ليس له مثل ذلك وكذلك في البيع إذا اشترى أحد الثوبين على انه بالخيار يأخذ أيهما شاء وسمى لكل واحد منهما ثمنا ليس له أن يلتزم العقد في نصف كل واحد منهما لما في التبعيض في البيع والاجارة من الضرر على البائع وعلى صاحب الثوب وذلك لا يوجد في المزارعة لانه ليس في زرعه البعض حنطة والبعض شعيرا معنى الاضرار بصاحب الارض ثم فرق أبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله بين الاجارة والمزارعة فيما إذا استأجر بيتا على انه ان قعد فيه طحانا فله عشرة دراهم وان قعد يبيع الطعام فيه فاجره خمسة دراهم فالعقد فاسد في قولهما وهو قول أبى حنيفة الاول رحمه الله وقد بينا المسألة في الاجارات والفرق لهما بين هذه المسألة وبين مسألة المزارعة ان هناك يجب الاجر بالتخلية وان لم يسكنها المستأجر وعند التخلية مقدار ما يجب عليه من الاجر مجهول وأما في المزارعة فالشركة لا تنعقد الا بالقاء البذر في الارض وعند ذلك حصة كل واحد منهما معلومة فيكون هذا قياس مسألة الخياطة الرومية والفارسية على ما بينا ولو دفع إليه أرضا مزارعة على أن يزرعها ببذره وبقره وعمله على أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا وبعضها سمسما فما زرع منها حنطة بينهما لصفان وما زرع منها شعيرا فلرب الارض ثلثه وما زرع منها سمسما فلرب الارض منه ثلثاه وللعامل ثلثه فهذا فاسد كله لانه نص على التبعيض هنا وذلك البعض مجهول في الحال وكذلك عند القاء البذر في الارض لانه إذا زرع بعضها حنطة فلا يعلم ماذا يزرع في ناحية أخرى منها فكان العقد فاسدا لهذا وعند فساد العقد الخارج كله لصاحب البذر وقد بينا حكم المزارعة الفاسدة وهذا بخلاف الاول فان هناك حرف من صلة فله أن يزرع الكل شعيرا ان شاء وحنطة ان شاء وهنا نص على التبعيض فليس له أن يزرعها كلها أحد الاصناف وكذلك لو قال خذها على أن ما زرعت منها حنطة فالخارج بيننا نصفان وما زرعت منها شعيرا فلى ثلثه ولك ثلثاه وما

[ 43 ] زرعت منها سمسما فلى ثلثاه ولك ثلثه فالعقد فاسد وهذه المسألة هي التى استشهد بها الطاعن قال على القمى رحمه الله وجدت في بعض النسخ العتيقة في هذه المسألة زيادة انه قال على أن يزرع كل ذلك فيها فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق بينه وتبين من هذه الزيادة ان مراده من حرف من التبعيض فهو ومالو نص على التبعيض سواء وأما على ما ذكره في ظاهر الرواية فوجه الفرق بين هذا وبين ما سبق أن الجهالة هنا تتمكن في صلب العقد لان الجهالة في البذر فلا بد من بيان جنس البذر في عقد المزارعة وكذلك الاجر لا يصير معلوما الا ببيان جنس البذر فكانت الجهالة متمكنة في صلب العقد فيفسد به العقد فأما في مسألة الكراب والثنيان فالجهالة لم تتمكن في صلب العقد فالعقد بينهما صحيح بدون ذلك فلهذا لم تكن الجهالة المتمكنة بذكر حرف التبعيض مفسدة للعقد هناك يوضح الفرق أن الكراب والثنيان كل ذلك يسبق القاء البذر في الارض وانعقاد الشركة عند القاء البذر وعند ذلك البعض الذي ثنى والبعض الذى كرب معلوم فيجوز العقد وأما هنا عند القاء أحد الاصناف من البذر في ناحية من الارض العقد في الناحية الاخرى مجهول في حق جنس البذر وجنس البدل فلهذا فسد العقد بهذا الشرط ولو دفع الارض إليه ليزرعها ببذره على انه ان زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا فالخارج للعامل فهذا جائز لانه خيره بين المزارعة والاعارة فاشتراط الخارج كله للعامل يكون اعارة للارض منه وذلك صحيح واشتراط المناصفة بينهما في الخارج من الحنطة يكون مزارعة صحيحة ولا يتولد من ضم أحدهما إلى الآخر سبب مفسد وان سمى الخارج من الشعير لنفسه جاز في الحنطة ولم يجز في الشعير وهى مطعونة عيسى رحمه الله على ما بينا وإذا دفع الارض إلى صاحب البذر على أن الخارج كله لصاحب الارض الا أنه ما جعل أحد العقدين مشروطا في الآخر ولكنه عطف أحدهما على الآخر ففساد أحدهما لا يمنع صحة الآخر فان زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا فالخارج لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة ولو دفع إليه أرضا وكر حنطة وكر شعير على أنه ان زرع الحنطة فيها فالخارج بينهما نصفان والشعير مردود عليه وان زرعها الشعير فالخارج لصاحب الارض ويرد الحنطة كلها فهو كله جائز على ما اشترطا لانه استعان بالعامل في أحد العقدين واستأجره بنصف الخارج في الآخر وخيره بينهما وكل واحد منهما صحيح عند الانفراد ولو اشترط الخارج من الشعير للعامل جاز أيضا لان اشتراط

[ 44 ] جميع الخارج له يكون اقراضا منه وقد بينا هذا أنه بانفراده صحيح فكذلك عند التخيير بينه وبين المزارعة ولو دفع إليه الارض وحدها على أنه ان زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا فالخارج كله للعامل وان زرعها سمسما فالخارج كله لصاحب الارض فلهذا جاز في الحنطة والشعير على ما قالا لان العقد في الحنطة مزارعة صحيحة بينهما في النصف وفى الشعير اعارة للارض من العامل وهو صحيح أيضا وأما في السمسم فلا يجوز لان في السمسم يكون دفعا للارض مزارعة بجميع الخارج وهى مطعونة عيسى رحمه الله لما بينا ولو كان البذر من صاحب الارض جاز في جميع ذلك على ما قالاه لانه في الحنطة العقد مزارعة صحيحة وفي السمسم استعانة بالعامل وفي الشعير اقراض للبذر منه واعارة للارض وكل واحد صحيح عند الانفراد فكذلك إذا خيره بين هذه الانواع لانه ما جعل البعض مشروطا في البعض انما عطف البعض على البعض فلا يتولد من هذا العطف معنى يفسد به العقد والله أعلم (باب العذر في المزارعة والاستحقاق) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضه سنته هذه على أن يزرعها ببذره ونفقته بالنصف فلما تراضيا على ذلك أراد صاحب الارض أن يأخذ أرضه قبل أن يعمل فيها الذى قبضها شيأ وبعد ما كربها وحفر أنهارها وسوى مساقيها لم يكن له ذلك لانه مؤاجر لارضه ولايحتاج في المضى على هذا العقد إلى اتلاف شئ من ملكه فيلزم العقد بنفسه في حقه كما لو أجرها بدراهم لم يكن له أن يفسخها الا بعذر الدين فان حبس في الدين ولا وفاء عنده الا من ثمن الارض فحينئذ يكون هذا عذرا لصاحب الارض في فسخ المزارعة وبيع الارض في الدين لان في المضي على أن هذا العقد يلحقه ضرر في نفسه وإذا كان الضرر الذى يلحقه في ماله يدفع صفة اللزوم فالضرر الذى يلحقه في النفس وهو الحبس في الدين أولى (ألا ترى) أن العقد قد تمتنع صحته في الابتداء لدفع الضرر فان من باع جذعا من سقف لا يمكنه تسليمه الا بضرر لا يجوز البيع ولو أجر ما يلحقه ضرر في تسليمه لا يلزمه الاجارة فكذلك تنعدم صفة اللزوم بعذر الدين لدفع الضرر فان باعها بعد الدين لم يكن عليه من نفقة العامل شئ لانه لم يزد فيها مالا متقوما من عنده والذى أتى به مجرد المنفعة والمنفعة لا تتقوم الا بالتسمية والعقد المسمى بمقابلة المنفعة هنا جزء من الخارج فان لم يحصل الخارج بأن لم يزرع

[ 45 ] أصلا لا يستوجب شيأ آخر ولان المزارع عامل لنفسه لان أستأجر الارض ليقيم العمل فيها لنفسه والعامل لنفسه لا يستوجب الاجر على غيره وان لم يأخذها حتى زرعها فنبت الزرع ولم يستحصد حتى حبس القاضي رب الارض في الدين فأراد أن يأخذها ليبيعها فليس له ذلك لان المزارعة تأكدت بالقاء البذر في الارض والشركة انعقدت بينهما في الخارج وفى البيع اضرار بالعامل في ابطال حقه في الزرع وفى التأخير إلى أن يستحصد الزرع ضرر بالغرماء فان نصيب رب الارض من الزرع يباع في دينهم أيضا وما فيه من النظر للكل يترجح على ما فيه اضرار بالبعض ولئن كان في التأخير أضرار بالغرماء فضرر التأخير دون ضرر الابطال وإذا لم يكن بد من الحاق الضرر بأحدهما ترجح أهون الضررين وإذا علم القاضي ذلك أخرجه من السجن لانه انما يحبسه ليقضي دينه إذا كان متمكنا منه فإذا لم يكن عنده وفاء الا من ثمن الارض وهو غير متمكن من بيعها شرعا لم يكن ظالما في تأخير قضاء الدين وانما يحبس الظالم (ألا ترى) أن المديون إذا ثبت افلاسه عند القاضي أخرجه من السجن فهنا أيضا يخرجه حتى يستحصد الزرع ولا يحول بين صاحب الدين وبين ملازمته كما في المفلس لجواز أن يحصل في يده مال فإذا كان ملازما له أخذ ذلك المال بحقه والمال غاد ورائح فإذا استحصد الزرع رد في الحبس حتى يبيع الارض ونصيبه من الزرع لان المزارعة قد انتهت وتمكن من قضاء الدين ببيع ملكه فيحبسه لذلك ولو كان دفع الارض مزارعة ثلاث سنين فلما ثبت الزرع لم يستحصد حتى مات رب الارض فأراد ورثته أخذ أرضهم فليس لهم ذلك استحسانا ولكن الارض تترك في يد الزارع حتى يستحصد الزرع وفي القياس المزارعة تنتقض بموت رب الارض لانها اجارة وانما يستحق على رب الارض بعقده ما يحدث على ملكه من المنفعة فالمنفعة بعد الموت انما تحدث على ملك الورثة ولم يوجد من جهتهم الرضا بذلك وفى الاستحسان العقد يبقى بينهما لدفع الضرر عن المزارع فان في قلع الزرع من الضرر عليه ما لا يخفى وكما يجوز نقض الاجارة لدفع الضرر يجوز ابقاؤها بعد ظهور سبب النقض لدفع الضرر (ألا ترى) أن الاجارة تعقد ابتداء لدفع الضرر فان المستعير للارض إذا زرعها ثم بدا للمعير أن يستردها لم يكن له ذلك وتترك في يد المستعير باجر المثل إلى وقت ادراك الزرع وكذلك إذا انتهت مدة اجارة الارض والزرع يقل فانها تترك إلى وقت الادراك باجر المثل وهذا لانه كان محقا في المزارعة في الابتداء فلا يقلع زرعه ويعقد بينهما عقد

[ 46 ] الاجارة لدفع الضرر فكذلك هذا كان محقا في الابتداء فتبقي الاجارة لدفع الضرر وهو نظير ما تقدم فيما إذا مات المكارى في طريق الحج أو مات صاحب السفينة والسفينة في لجة البحر فإذا استحصد الزرع أخذوها وقد انتقضت الاجارة فيما بقى من السنين ولو مات قبل أن يزرع انتقضت المزارعة وأخذ الوارث الارض لانه لا حاجة إلى ايفاء العقد هنا فان العقد ما تأكد بالزراعة وليس في اعمال سبب النقض ابطال حق العامل عن الزرع ثم لا شئ على الوارث من نفقة العامل لان المنافع لا تتقوم الا باعتبار التسمية والمسمي بمقابلة منفعة الارض جزء الخارج ولم يحصل ولو كان الوقت سنة واحدة فاجر العامل الزرع حتى زرع في آخر السنة لم يمنع لان المزارعة باقية بينهما ببقاء شئ من المدة فان انقضت المدة والزرع بقل بعد فالزرع بين العامل ورب الارض نصفان كما كان الشرط بينهما والعمل فيما بقى عليهما لان العمل كان على المزارع في المدة وقد انتهت المدة والعمل بعد ذلك يكون باعتبار الشركة في الزرع وهما شريكان في الزرع فالعمل والمؤنة عليهما كنفقة العبد المشترك بينهما إذا كان عاجزا عن الكسب وعلى العامل اجر مثل نصف الارض لان المزارعة لما انتهت لم يبق للعامل حق في منفعة الارض وهو يستوفى منفعة الارض بتربية نصيبه من الزرع فيها إلى وقت الادراك فلا يسلم له ذلك بل عليه اجر مثل نصف الارض لصاحبها كما لو كان استأجرها بدراهم والزرع بقل كان عليه اجر مثلها إلى وقت الادراك بخلاف ما تقدم من موت رب الارض لان هناك بقى العقد بينهما ببقاء المدة ومنفعة الارض كانت مستحقة في المدة فإذا لم يعلم سبب التقضى بقى العقد كما كان فلا يلزمه اجر وهنا العقد ما تناول ما وراء المدة المذكورة فالمنفعة فيما وراء المدة لا تسلم له الا باجرالمثل فان أراد رب الارض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك لما فيه من الاضرار بالعامل في ابطال حقه وهو كان محقا في الزراعة فيجب دفع الضرر عنه وإذا كان يسلم لرب الارض اجر مثل نصف الارض كان هو في المطالبة بالقلع متعنتا قاصدا للاضرار به فيرد عليه قصده وان أراد العامل أن يأخذه بقلا فله ذلك لانه انما كان يترك لدفع الضرر عنه وقد رضي بالتزام الضرر ولانه ناظر لنفسه من وجه فانه يمتنع من التزام أجر مثل نصف الارض مخافة أن لا يبقى نصيبه بذلك ثم يقال لصاحب الارض اقلعه فيكون بينكما أو اعطه قيمة حصته منه أو انفق على الزرع كله وارجع بحصته مما ينفق نصيبه لانه زرع مشترك بينهما في أرض أحدهما فلصاحب الارض أن يتملك على شريكه نصيبه بقيمته كما في البناء

[ 47 ] والاشجار المشتركة بينهما في ملك أحدهما وهذا لان المزارع لما رضى بالقلع فقد رضي بسقوط حقه عن حصته مجانا فيكون أرضى بذلك إذا وصل إليه قيمة حصته أو رضى بقيمة حصته بعد القلع لان أكثر ما فيه أن يبيع نصيبه مقلوعا وقيمة حصته قبل القلع أكثر فلصاحب الارض أن يعطيه ذلك ان شاء وان شاء ساعده على القلع فيكون المقلوع بينهما وان شاء أنفق على الزرع كله لانه محتاج إلى ابقاء حقه في نصيبه من الزرع حتى يستحصد ولا يتوصل إلى ذلك الا بالانفاق فيكون له أن ينفق على الزرع كله بمنزلة العبد المشترك إذا كان عاجزا عن الكسب لصغره وزمانة به وأحدهما غائب فللآخر أن ينفق عليه ولا يكون متبرعا في نصيب الآخر بل يرجع عليه بما ينفق في نصيبه فهذا مثله الا أنه لا يرجع الا بقدر نصيبه حتى إذا كان نصيبه من النفقة أكثر من نصيبه من الزرع لم يرجع عليه بالفضل لان العامل ما كان مجبرا على الانفاق فلا يكون له أن يلزمه الزيادة على نصيبه وانما يرجع في نصيبه باعتبار أن سلامة ذلك له بما أنفق وهذا المعنى لا يوجد فيما زاد على قيمة نصيبه من النفقة ولان حق الانفاق انما يثبت له باعتبار النظر منه لنفسه لا على سبيل الاضرار به وذلك يختص بمقدار نصيبه من الزرع ولو كان البذر من صاحب الارض فبدا له أن لا يزرع بعد ما كربها العامل وحفر أنهارها كان له ذلك لانه يتضرر بالمضي على العقد من حيث اتلاف البذر بالقائه في الارض ولا يعلم أيحصل الخارج أم لا ثم لا شئ عليه للعامل على ما بينا ان المنافع لا تقوم الا بالتسمية والمسمى للعامل بازاء عمله بعض الخارج ولم يحصل الخارج قال مشايخنا رحمهم الله وهذا الجواب في الحكم فاما فيما بينه وبين ربه يعنى بأن يعطى العامل أجر مثل عمله لانه انما اشتغل باقامة العمل ليزرع فيحصل له الخارج فإذا أخذ الارض بعد اقامة هذه الاعمال كان هو غارا للعامل ملحقا الضرر به والغرور والضرر مدفوع فبقى بان يطلب رضاه وان كان قد زرع وصار الزرع بقلا لم يكن لصاحب الارض اخراج العامل منه وان لحقه دين لا وفاء عنده الا من ثمن هذه الارض ولكنه يخرج من الحبس حتى يستحصد الزرع لان العقد تأكد بالقاء البذر في الارض وانعقدت الشركة في الخارج وفى البيع اضرار بالمزارع من حيث ابطال حقه في نصيبه من الزرع وهذا نظير الفصل الاول كما بينا ولو مات رب الارض عمل المزارع على حاله حتى يستحصد الزرع لما بينا من وجه الاستحسان في الفصل الاول ولو انقضت السنة والزرع لم يحصد ترك في الارض على حاله حتى يستحصد لانه كان محقا في

[ 48 ] المزارعة في الابتداء فلا يجوز أن يقلع زرعه قبل الاستحصاد والنفقة عليهما نصفان لان الزرع بينهما نصفان واستحقاق العمل على العامل كان في المدة خاصة وعلى المزارع أجر مثل نصف الارض لانه يستوفى منفعة نصف الارض لتربية حصته فيها إلى وقت الادراك فان أنفق أحدهما بغير أمر صاحبه ولا أمر قاض فهو متطوع في النفقة لان كل واحد منهما غير مجبر على الانفاق فكان المنفق منهما متطوعا كالدار المشتركة بينهما إذا اشتريت فانفق أحدهما في مرمتها بغير أمر صاحبه كان متطوعا في ذلك ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه على أن الخارج بينهما نصفان فزرعها ولم يستحصد حتى هرب العامل فأنفق صاحب الارض بامر القاضى على الزرع حتى استحصد ثم قدم المزارع فلا سبيل له على الزرع حتى يوفى صاحب الارض جميع نفقته أولا لقول القاضى لا نأمره بالانفاق حتى يقيم البينة عنده على ما يقول لانه يدعى ثبوت ولاية النظر للقاضى في الامر بالانفاق على هذا الزرع ولا يعرف القاضى بينته فيكلفه اقامة البينة عليه ويقبل هذه البينة منه ليكشف الحال بغير خصم أو يكون القاضى فيه خصمه كما يكون في الانفاق على الوديعة واللقطة فإذا أقام البينة كان أمر القاضي اياه بالانفاق كامر المودع ولو كان حاضرا فيكون له أن يرجع عليه بجميع ما أنفق بخلاف ما سبق فرجوعه هناك بقدر حصته من الزرع لان العمل والانفاق هناك غير مستحق على العامل وأمر القاضى انما ينفذ على الغائب باعتبار النظر له وذلك في مقدار حصته من الزرع لا في ايجاب الزيادة دينا في ذمته وهنا العمل مستحق على المزارع لو كان حاضرا أجبره القاضى عليه فيعتبر أمره في اثبات حق الرجوع عليه بجميع النفقة ولا سبيل على الزرع حتى يوفيه نفقته لان نصيبه من الزرع انما هو بالانفاق فيكون محبوسا بما أنفق كالآبق يحبس بالجعل ولانه استفاد نصيبه من جهة رب الارض بهذه النفقة فيكون بمنزلة المبيع محبوسا عنه بالثمن فان اختلفا في النفقة فالقول قول المزارع مع يمينه كما لو كان هو الذى أمره بالانفاق وهذا لان رب الارض يدعي عليه زيادة فيما استوجبه دينا في ذمته وهو منكر لذلك وانما يحلف على العلم لانه استحلاف على فعل باشره غيره وهو الانفاق الذي كان من صاحب الارض ولو لم يهرب ولكن انقضت مدة المزارعة قبل أن يستحصد الزرع والمزارع غائب فان القاضى يقول لصاحب الارض انفق عليه ان شئت فإذا استحصد لم يصل العامل إلى الزرع حتى يعطيك نفقتك فان أبى أن يعطيك نفقتك أبيع حصته عليه من الزرع وأعطيك

[ 49 ] من ثمنه حصته من النفقة فان لم تف حصته بذلك فلا شئ لك عليه وهذا لان بعد انقضاء مدة المزارعة المزارع لا يجبر على العمل لو كان حاضرا فامر القاضى عليه لا ينفذ الا بطريق النظر له وذلك في أن يقصر الرجوع على مقدار حصته من الزرع وفى الزيادة على ذلك يلحقه خسران وهو لم يرض به وبين ذلك لصاحب الارض ليكون اقدامه على الانفاق على بصيرة ولكن لا يكون القاضى غارا يحسب حصته من الزرع بحصته من النفقة لانه حيى بتلك النفقة فان أبى أن يعطى النفقة باع القاضي حصته قيل هذا بناء على قولهما فاما عند أبى حنفية فلا يبيع القاضى حصته من ذلك لانه لا يرى الحجر على الحر وبيع ماله عليه في دينه وقيل بل هو قولهم جميعا لان الدين الذى لزمه تعلق بنصيبه من الزرع على معني أن سلامته له متعلقة بوصول النفقة إلى صاحب الارض فيباع فيه كما يباع المرهون والتركة في الدين ولا يتصدق واحد منهما بشئ في هذه المسائل من الزرع الذى صار له لانه لا يتمكن خبث ولافساد في السبب الذي به سلم لكل واحد منهما نصيبه من الزرع ولو كان البذر من العامل فزرع الارض ثم مات المزارع قبل أن يستحصد فقال ورثته نحن نعلمها على حالها فلهم ذلك لانهم قائمون مقام المورث في ملك نصيبه من الزرع فيقومون مقامه في العمل إذا اختاروا ذلك وهذا لان مقصود رب الارض اقامة العمل لاعين العامل (ألا ترى) أنه كان للعامل أن يستعين بهم أو بغيرهم في حياته ليقيموا العمل فكذلك بعد وفاته إذا اختاروا العمل ولا أجر لهم في العمل لانهم يعملون فيما لهم فيه شركه على سبيل الخلافة عن مورثهم ولا أجر عليهم في الارض ان عملوها بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض لانهم قائمون مقام مورثهم وعقد المزارعة لم يبطل بموت مورثهم إذا اختاروا العمل وان قالوا لا نعملها لم يجيروا على العمل لانهم انما يخلفون الميت في أملاكه وحقوقه وليس عليهم ايفاء شئ مما كان مستحقا على مورثهم من ملكهم (ألا ترى) انهم لا يجبرون على قضاء ديونه من ملكهم فكذلك لا يجبرون على اقامة العمل الذي كان مستحقا عليه بمنافعهم وقيل لصاحب الارض اقلع الزرع فيكون بينك وبينهم نصفين أو اعطهم قيمة حصتهم من الزرع وأنفق على حصتهم فتكون نفقتك في حصتهم مما تخرج الارض لان المزارعة قد انقطعت بموت العامل إذا أبى الوارث اقامة العمل لفوات المعقود عليه لا إلى خلف وبقي الزرع مشتركا بينهما فهو بمنزلة ما لو انقضت مدة العمل والزرع بقل فاراد العامل أن يقلع نصيبه وقد بينا هناك أن صاحب الارض يتخير بين هذه الاشياء الثلاثة فهو قياسه الا أن هناك إذا أراد صاحب الارض

[ 50 ] الانفاق فانه يرجع بنصف النفقة في نصيب العامل وهنا يرجع بجميع النفقة في نصيب الورثة لان هناك استحقاق العمل على العامل بمقابلة حصته من الزرع في المدة لا بعدها وقد انتهت المدة فكانت النفقة عليهما نصفين وهنا المدة لم تنته وقد كان العمل مستحقا على المزارع بمقابلة ما يسلم له من نصف الزرع وما كان مستحقا عليه يجب ايفاؤه من تركته ولا يسلم التركة للورثة الا بعد ايفاء ما كان مستحقا عليه فلهذا رجع بجميع ما أنفق في حصة الورثة من الزرع فيستوفيه ثم يعطيهم الفضل على ذلك وكذلك لو كان الذي مات رب الارض وبقى العامل وكذلك لو كان البذر من قبل رب الارض ثم مات أحدهما فالامر فيه على مابينا ان شاء المزارع ان كان حيا أو ورثته ان كان ميتا أن يمضوا على المزارعة فذلك لهم وان أبوا خير رب الارض وورثته بين القلع وإعطاء قيمة حصة العامل وبين الانفاق على نحو ما ذكرنا ولو كان البذر من العامل فلما صار الزرع بقلا انقضى وقت المزارعة فايهما أنفق والآخر غائب فهو متطوع في النفقة لان الغائب لو كان حاضرا لم يكن مجبرا على الانفاق فيكون صاحبه في الانفاق على نصيبه متطوعا ولا أجر لصاحب الارض على العامل لان اجر مثل نصف الارض انما يلزم بالتزامه وهو اختياره امساك الارض إلى وقت الاستحصاد بعد مطالبة صاحب الارض بالتفريغ ولم يوجد ذلك وان رفع العامل الامر إلى القاضي وصاحب الارض غائب فانه يكلفه البينة على ما ادعى لانه ادعى ثبوت ولاية القاضى في الامر بالانفاق فلا يقبل ذلك منه الا ببينة فان أتى بالبينة على الزرع أنه بينه وبين فلان الغائب أمره القاضي بالنفقة وان تأخرت اقامة البينة وخيف على الزرع الفساد فان القاضى يقول له أمرتك بالانفاق ان كنت صادقا والنظر لهذا يحصل لانه ان كان صادقا في مقالته فالامر من القاضي في موضعه وان كان كاذبا لم يثبت حكم الامر لانه عقله بالشرط فان أنفق حتى يستحصد ثم حضر رب الارض كان المزارع أحق بحصة رب الارض حتى يستوفى نفقته فان بقى شئ كان لرب الارض وان كانت نفقته أكثر لم يرجع على رب الارض بشئ لان أمر القاضى انما نفذ في حق الغائب على وجه النظر منه له وكذلك يقول له القاضى انفق على أن تكون نفقتك في حصته من الزرع لدفع الغرر ويجعل القاضى عليه اجر مثل نصف الارض لان القاضى قام مقام الغائب في ما يرجع إلى النظر له ولو كان حاضرا يلزمه أجر مثل نصف الارض بتربية نصيبه من الزرع في الارض إلى وقت الادراك فكذلك القاضى يلزمه ذلك بخلاف ما لو أنفق بغير أمر القاضي

[ 51 ] فان هناك ليس عن الغائب نائب ليلزمه اجر مثل نصف الارض (ألا ترى) أنه لا يثبت له حق الرجوع على الغائب بحصته فيما أنفق بغير أمر القاضى وثبت له حق الرجوع بحصته مما أنفق بامر القاضى فكذلك في اجر مثل نصف الارض يقع الفرق بين الفصلين لهذا المعنى ولو حضروا جيمعا فقال المزارع يقلع الزرع وقال رب الارض ينفق عليه وآخذ منك اجر مثل نصف الارض لم يكن له ذلك لانه لابد أن يلزم المزارع دينا في ذمته وربما يتضرر به المزارع بأن لا يفى نصيبه من الزرع بذلك فيكون له أن يأبى ذلك ثم يقول القاضى لصاحب الزرع ان شئت فاقلع الزرع مع المزارع وان شئت فاعطه نصف قيمة الزرع وان شئت فانفق على الزرع كله وتكون حصته إلى حصة العامل من النفقة في حصته من الخارج ولا يجبر المزارع على نفقة ولا أجر لان فيه اتلاف ملكه وأحد لا يجبر على ذلك وان كان ينتفع به غيره وان قال المزارع ينفق على الزرع وأبى ذلك صاحب الارض وقال يقلع الزرع أمر القاضي أن ينفق على الزرع فتكون نفقته على حصة صاحب الارض في حصته من الزرع وعليه أجر مثل نصف الارض لانه في اختيار الانفاق ناظر لنفسه ولصاحب الارض فانه يحي به نصيبه من الزرع ويسلم له أجر مثل نصف الارض وصاحب الارض في الاباء متعنت قاصد إلى الاضرار به فلا يلتفت القاضى إلى تعنته بخلاف الاول فان المزارع هناك يلزمه الاجر بما اختاره صاحب الارض من الانفاق ولو ساعده على ذلك فهو بالاباء يدفع الغرم عن نفسه وهنا صاحب الارض لا يلزمه شئ وكل شئ من هذا الباب أمر القاضى أحدهما بالنفقة كلها وصاحبه غائب لم يأمره بذلك حتى تقوم البينة على الشركة فان خيف الهلاك عليه إلى أن تقوم البينة قال القاضى أمرتك بالنفقة ان كان الامر كما وصفت وقد بينا وجه هذا ولو كان البذر من صاحب الارض فلما صار الزرع بقلا قال العامل لا أنفق عليه ولا أسقيه فان القاضى يجبره على أن ينفق عليه ويسقيه لانه التزم ذلك بمباشرة العقد طائعا فيجبر على ايفاء ما التزمه فلو أجبره ولم يكن عنده ما أنفق أمر صاحب الارض والبذر ان ينفق عليه ويسقيه على أن يرجع بذلك كله على صاحبه وان كان أكثر من نصيبه لان ذلك شئ يجبره عليه وكل نفقة يجبر عليها صاحبها فلم ينفق فامر القاضى صاحبه بالنفقة فانفق رجع بكلها على شريكه هلكت الغلة أو بقيت وكل نفقة لا يجبر عليها صاحبها فانفق شريكه بامر القاضى فانها تكون في حصة الآخر فان لم تف بها لم يكن للمنفق غير ذلك ولو أصاب الغلة آفة وتعذر عليه

[ 52 ] بقاؤه للافلاس فيستحق النظرة إلى الميسرة ولا يبطل أصل الاستحقاق فيكون الآخر كالفائت عنه شرعا فيما كان مستحقا عليه فيرجع بجميعه دينا في ذمته كما لو كان أمره بذلك وفيما لم يكن هو مجبرا عليه لم يؤخذ منه الالتزام بمباشرة سببه وانما يلزم القاضي ذلك على سبيل النظر منه له ومعنى النظر انما يتحقق إذا كان الالزام بقدر نصيبه من الغلة على وجه يبقي ببقائه ولا يطالب بشئ بعد هلاكه فلهذا لا يعتبر أمر القاضى الا في هذا المقدار (ألا ترى) أن عبدا صغيرا لو كان بين رجلين فقال أحدهما ليس عندي ما أنفق عليه ولا ما استرضع به أجبره القاضى على ذلك فان لم يقدر على ذلك وأمر شريكه فاسترضع له رجع عليه بحصته من الاجر بالغا ما بلغ ادا كان رضاع مثله وان كان أكثر من قيمة الصبي سواء بقى الصبي أو هلك لانه لما كان مجبرا على الانفاق كان أمر القاضى شريكه بالانفاق كامره لان القاضى نائب عنه في ايفاء ما كان مستحقا عليه ودفع الظلم فيرجع عليه بنصيبه بالغا ما بلغ وبمثله في الدابة المشتركة لما لم يكن مجبرا على الانفاق في القضاء فإذا أنفق الشريك لم يكن له أن يرجع عليه فيما زاد على قيمة نصيبه ولا بعد هلاك الدابة فبهذا يتضح الفرق بينهما ولو أوصى لرجل بنخل ولآخر بغلته فالنفقة على صاحب الغلة تسلم له بمقابلة ما ينفق والغرم مقابل بالغنم فان أحاله فلم يخرج شيأ في سنته لم يجبر واحد منهما على النفقة أما صاحب النخل فلان لا يسلم له شئ من الغلة ولانه لا يجبر على الانفاق على ملكه في غير بنى آدم وصاحب الغلة انما كان ينفق لتسلم له الغلة وفى هذه السنة لا يسلم له شئ من الغلة فلا يجبر على النفقة فان أنفق عليه صاحب النخل حتى حمل لم يكن لصاحب الغلة شئ حتى يستوفى صاحب النخل النفقة من الغلة وان لم يخرج من الغلة فيما يستقبل مثل ما أنفق لم يكن له على صاحب الغلة غرم نفقته وانما نفقته فيما أخرجت النخل لان الغلة انما حصلت بالنفقة فلا تسلم له الغلة حتى يعطيه ما أنفق ولكن صاحب الغلة لم يكن مجبرا على الانفاق فلا يرجع بالفضل عليه فكذلك الزرع الذى وصفنا قبل هذا. ولو أنفق عليه المزارع بأمر صاحبه رجع عليه بذلك بالغا ما بلغ لانه استقرض منه ما أمره بان ينفق عليه وقد أقرضه فيكون ذلك دينا عليه في ذمته ولا سبيل على حصته من الزرع وهذا لان أمره على نفسه نافذ مطلقا فلا يتقيد بما فيه نظر له وأمر القاضى عليه يتقيد بما فيه نظر له فيما لم يكن هو مجبرا عليه وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا عشر سنين على أن يزرعها ما بدا له على أن ما أخرج الله تعالى في ذلك من

[ 53 ] شئ فهو بينهما نصفان فغرسها نخلا أو كرما أو شجرا فأثمر ولم يبلغ الثمر حتى مات المزارع أو رب الارض فالثمر بمنزلة الزرع الذى لم يبلغ في جيمع ما بينا لان لادراك الثمار نهاية معلومة كالزرع فيبقى العقد بعد موت أحدهما إلى وقت الادراك لما فيه من النظر لهما وليس فيه كثير ضرر على صاحب الارض ولو مات رب الارض وليس فيه ثمر انتقضت المزارعة وصار الشجر بين ورثة الميت وبين المزارع نصفين فان الشجر كالبناء ليس له نهاية معلومة في تفريغ الارض منه وفى ابقاء العقد اضرار بصاحب الارض وهو الوارث (ألا ترى) أن المستعير لو زرع الارض ثم بدا للمعير ان يستردها يبقى زرع المستعير إلى وقت الادراك بأجر ولا يفعل مثله في الشجر والبناء فهذا مثله وكذلك لو مات المزارع وبقى صاحب الارض فان قال المزارع أنا آخذ من الورثة نصف قيمة الغرس لم يكن له ذلك والخيار فيه إلى صاحب الارض أو ورثته ان كان ميتا ان شاؤا قلعوا ذلك وكان بينهم وان شاؤا أعطوا المزارع أو ورثته نصف قيمة ذلك لان الاشجار مشتركة بينهما وهى في أرض صاحب الارض فيكون بمنزلة البناء المشترك بينهما في أرض أحدهما والخيار في التملك بالقيمة إلى صاحب الارض دون الآخر لان البناء والشجر تبع للارض حتى يدخل في البيع من غير ذكر بمنزلة الصبغ في الثوب ولو اتصل صبغ انسان بثوب غيره كان الخيار في التملك إلى صاحب الثوب لا إلى صاحب الصبغ وهذا لان الآخر لا يمكنه أن يتملك الارض عليه لان الارض أصل فلا تصير تبعا لما هو تبع له وهو الشجر ولا في أن يتملك نصيبه من الاشجار لانه لا يستحق حق قرار الاشجار بهذه الارض ولكن يؤمر بالقلع وصاحب الارض ان تملك عليه نصيبه من الاشجار كان ذلك مفيدا له لانه يستحق حق قرار جميع هذه الاشجار في أرضه فلهذا كان الخيار لصاحب الارض وكذلك لو كانا حيين فلحق رب الارض دين ولا وفاء عنده الا من ثمن الارض ولا ثمر في الشجر فان القاضى ينقض الاجارة ويجبر رب الارض فان شاء غرم نصف قيمة الشجر والنخل والكرم وان شاء قلعه لان سبب الدين الفادح بقدر ابقاء العقد بينهما فينقض القاضى الاجارة ليبيع الارض في الدين ويكون ذلك بمنزلة انتقاض الاجارة بموت أحدهما وكذلك لو انقضت المدة لان العقد قد ارتفع بانقضاء المدة وبقيت الاشجار مشتركة بينهما في أرض أحدهما ولو كان العامل أخذ الارض بدراهم مسماة لم يكن له في هذه الوجوه خيار ولا لصاحب الارض ويقال له اقلع شجرك لان الاشجار من وجه تبع

[ 54 ] للارض ومن وجه أصل ولهذا جاز بيع الاشجار بدون الارض فلا بد من اعتبار الشبهين فيقول لشبهه بالاصل من وجه لا يكون لصاحب الارض أن يتملك عليه بغير رضاه إذا لم يكن له شركة في الاشجار بمنزلة صاحب السفل لا يتملك على صاحب العلو علوه بالقيمة بغير رضاه ولشبهه بالتبع من وجه كان له أن يتملك عليه نصيبه إذا كان شريكا له في الاشجار وهذا لانه إذا كان شريكا له في الاشجار فله أن يمنع شريكه من قلع الاشجار لانه يبقى نصيبه من الاشجار في أرض نفسه فلا يكون لاحد أن يبطل هذا الحق عليه بالقلع بغير رضاه ولا يتمكن من قلع نصيب نفسه خاصة لان ذلك لا يكون الا بعد القسمة ولا تتحقق القسمة بينهما ما لم تقلع الاشجار فاما إذا كانت الاشجار كلها لاحدهما والارض للآخر فصاحب الاشجار متمكن من قلع أشجاره على وجه لا يكون فيه ضرر على صاحب الارض فلهذا لا يكون لصاحب الارض أن يتملك عليه الاشجار بقيمتها بغير رضاه الا أن يكون قلع ذلك يضر بالارض اضرارا شديدا ويكون استهلاكا وفسادا فحينئذ يكون للمؤاجر أن يغرم للمستأجر لان صاحب الاشجار ليس له أن يلحق الضرر الفاحش بصاحب الارض وإذا كان في القلع ضرر فاحش فقد بعد القلع واحتبست الاشجار في ملك صاحب الارض فتحبس بالقيمة بمنزلة من غصب ساحة وأدخلها في بنائه فانه يضمن القيمة وليس لصاحب الساحة أن يأخذ الساحة لما فيه من الاضرار بصاحب البناء ولو دفع إلى رجل أرضا مزارعة سنته هذه يزرعها ببذره وعمله على أن الخارج بينهما نصفان فكربها العامل وبناها وحفر أنهارها ثم استحقها رجل أخذها ولا شئ للمزارع على الذى دفعها إليه من نفقته وعمله لانه لم يزد فيها شيأ من عنده انما أقام العمل وقد بينا ان المنفعة انما تتقوم بالتسمية والمسمى بمقابلة عمله بعض الخارج وذلك لا يحصل قبل الزراعة ولان المزارعة شركة في الخارج وابتداؤها من وقت القاء البذر في الارض فهذه أعمال تسبق العقد فلا يستوجب بسببها شيئا على الدافع ولو استحقها بعد ما زرعها قبل أن يستحصد فانه يأخذ الارض ويأمر المزارع وصاحب الارض أن يقلعا الزرع لانه تبين أن الارض كانت مغصوبة والغاصب لا يكون في الزراعة محقا فلا يستحق ابقاء زرعه ثم المزارع بالخيار ان شاء أخذ نصف الزرع على حاله ويكون النصف للاخر الذى دفع إليه الارض مزارعة وان شاء ضمن الذى دفع الارض مزارعة نصف قيمة الزرع ثابتا في الارض وتسلم الزرع كله لانه مغرور من جهته حين أعطاه الارض على انها

[ 55 ] مملكه والذى جرى بينهما عقد معاوضة فيثبت الغرور بسببه وقد استحق ابقاء نصيبه من الزرع إلى وقت الادراك فإذا فات عليه ذلك كان له أن يرجع عليه بقيمة حصته من الزرع نابتا في الارض كالمشترى للارض إذا زرعها ثم استحقت وقلع زرعه وان أخذ نصف الزرع كان النصف الآخر للذى دفع إليه الارض لان الاستحقاق بعقده وهو الذى عقد وقد بينا أن الغاصب إذا أجر الدار أو الارض فالاجر له فكذا هنا يكون نصف الزرع للدافع دون المستحق ثم المستحق في قول أبى حنيفة يضمن نقصان الارض للزارع خاصة ويرجع به على الذى دفع إليه الارض وهو قول أبى يوسف الآخر وفى قوله الاول وهو قول محمد المستحق بالخيار ان شاء ضمن نقصان الارض الدافع وان شاء الزارع ثم يرجع المزارع به على الدافع وهو بناء على مسألة غصب العقار فان العقار يضمن بالاتلاف بالانفاق وفى الغصب خلاف فالدافع غاصب والمزارع في مقدار النقصان متلف لان ذلك حصل بمباشرته المزارعة فعند أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر الضمان للمستحق على المتلف دون الغاصب وعند محمد له الخيار ثم المزارع إذا ضمن يرجع بما ضمن على الدافع لانه كان مغرورا من جهته فانه ضمن له بعقد المعاوضة سلامة منفعة الارض بعمل الزراعة له ولم يسلم فيرجع عليه بسبب الغرور كالمغرور في جارية اشتراها واستولدها يرجع بقيمة الولد الذى ضمن على البائع ولو كان العامل غرسها نخلا وكرما وشجرا وقد كان أذن له الدافع في ذلك فلما بلغ وأثمر استحقها رجل فانه يأخذ أرضه ويقلع من النخل والكرم والشجر ما فيها ويضمنان للمستحق نقصان القلع إذا قلعا ذلك بالانفاق لان النقصان انما يتمكن بالقلع بمباشرتهما القلع فكان ضمانه عليهما ويضمن الغارس له أيضا نقصان الارض في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو قول أبى يوسف الآخر ويرجع العامل بما ضمن من نقصان القلع والغرس على الدافع وفى قول أبى يوسف الآخر وهو قول محمد رحمهما الله للمستحق أن يضمن الدافع جميع ذلك النقصان وهو بناء على ما بينا فان في النقصان بالغرس الغارس هو المباشر للاتلاف والدافع غاصب في ذلك وعند محمد الغاصب ضامن كالمتلف وعند أبى حنيفة وأبى يوسف ضمان ذلك للمستحق على المتلف دون الغاصب ثم الغارس يرجع على الدافع لاجل الغرور الذى تمكن في عقد المعاوضة بينهما

[ 56 ] (باب العذر في المعاملة) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما أخرج الله تعالى في شئ منه فهو بينهما نصفان فقام عليه ولقحه حتى إذا صار بسرا أخضر مات صاحب الارض فقد انتقضت المعاملة بينهما في القياس وكان البسر بين ورثة صاحب الارض وبين العامل نصفين لان صاحب الارض استأجر العامل ببعض الخارج ولو أستأجره بدراهم انقضت الاجارة بموت أحدهما أيهما مات فكذلك إذا استأجره ببعض الخارج ثم انتقاضها بموت أحدهما بمنزلة اتفاقهما على نقضها في حياتهما ولو نقضاه والخارج بسر كان بينهما نصفين ولكنه استحسن فقال للعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم حتى يدرك الثمر وان كره ذلك الورثة لان في انتقاض العقد بموت رب الارض اضرارا بالعامل وابطالا لما كان مستحقا له بعقد المعاملة وهو ترك الثمار في الاشجار إلى وقت الادراك وان انتقض العقد يكلف الجداد قبل الادراك وفيه ضرر عليه وكما يجوز نقض الاجارة لدفع الضرر يجوز ابقاؤها لدفع الضرر وكما يجوز أن ينعقد العقد ابتداء لدفع الضرر يجوز ابقاؤه لدفع الضرر بطريق الاولي وان قال العامل أنا آخذ نصف البسر له ذلك لان ابقاء العقد لدفع الضرر عنه فإذا رضي بالتزام الضرر انتقض العقد بموت رب الارض الا انه لا يملك الحاق الضرر بورثة رب الارض فيثبت الخيار للورثة فان شاؤا صرموا البسر فقسموه نصفين وان شاؤا أعطوه نصف قيمة البسر وصار البسر كله لهم وان شاؤا أنفقوا على البسر حتى يبلغ ويرجعوا بنصف نفقتهم في حصة العامل من الثمر لتحقق المساواة بينهما في ملك البسر واختصاص الورثة بملك النخل والارض واتصال الثمر بالنخل كاتصال النخل بالارض واتصال البناء بالارض وقد بينا أن هناك عقد الشركة في النخل والبناء يكون الخيار لصاحب الارض بين هذه الاشياء الثلاثة فهذا مثله ولو كان مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه وان كرهه صاحب الارض لانهم قائمون مقامه وفى قيامهم على النخل تحصيل مقصود رب النخل وتوفير حقهم عليهم بترك نصيب مورثهم من التمر في النخل إلى وقت الادراك كما صار مستحقا له فلا يكون لرب النخل أن يأبى ذلك عليهم وان قالت الورثة نحن نصرمه بسرا كان لصاحب الارض من الخيار مثل ما وصفنا لورثته في الوجه الاول ولو ماتا جميعا كان الخيار في القيام عليه أو تركه إلى

[ 57 ] ورثة العامل لانهم يقومون مقام العامل وقد كان له في حياته هذا الخيار بعد موت رب الارض فكذلك يكون لورثته بعد موته وليس هذا من باب توريث الخيار بل من باب خلافة الوارث المورث فيما هو حق مالي مستحق له وهو ترك الثمار على النخيل إلى وقت الادراك فان أبوا أن يقوموا عليه كان الخيار إلى ورثة صاحب الارض على ما وصفنا في الوجه الاول ولو لم يمت واحد منهما ولكن انقضت مدة المعاملة والبسر أخضر فهذا والاول سواء والخيار فيه إلى العامل فان شاء عمل على ما كان يعمل حتى يبلغ الثمر ويكون بينهما نصفين فان في الامر بالجذاذ قبل الادراك اضرارا بهما والضرر مدفوع وقد تقدم نظيره في الزرع الا أن هناك العامل إذا اختار الترك فعليه نصف أجر مثل الارض لان استئجار الارض صحيح فينعقد بينهما عقد الاجارة على نصف الارض إلى وقت الادراك وهنا لا أجر على العامل لان استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الادراك باطل (ألا ترى) أن من اشترى زرعا في أرض ثم أستأجر الارض مدة معلومة جاز ولو استأجرها إلى وقت الادراك وجب أجر المثل ولو اشترى ثمارا على رؤس الاشجار ثم استأجر الاشجار إلى وقت الادراك لا يجب عليه أجر وإذا ظهر الفرق ابتنى على الفرق الاخر وهو ان هناك العمل عليهما بحسب ملكهما في الزرع لان رب الارض لما استوجب الاجر على العامل لا يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انتهاء المدة وهنا العمل على العامل في الكل لانه لا يستوجب رب النخيل عليه أجرا بعد انقضاء المدة كما كان لا يستوجب عليه ذلك قبل انقضاء المده فيكون العمل كله على العامل إلى وقت الادراك كما قبل انقضاء المدة وان أبى ذلك العامل خير رب النخيل بين الوجوه الثلاثة كما بينا ولو لم ينقض المعاملة ولكنه لحق رب النخل دين فادح لا وفاء عنده الا ببيع النخل وفى النخل بسرا وطلع لم يجبر على بيع النخل ويخرج من السجن حتى يبلغ الثمر وتنقضي المعاملة ثم يعاد في السجن حتى يقضى الدين لما بينا أن في البيع قبل الادراك ضررا بالعامل في ابطال حقه وفى الترك اضرارا بالغرماء في تأخير حقهم وبمقابلة هذا الضرر منفعة لهم وهو ادراك نصيب غريمهم من الثمر ليباع في دينهم فيكون مراعاة هذا الجانب أولى ولو مات أحدهما أو انقضت المدة أو لحق صاحب الارض دين فادح وقد سقى العامل النخل وقام عليه وحفظه الا أنه لم يخرج شيأ انقضت المعاملة ولم يكن له من منفعته شئ على الذى دفع إليه معاملة لان المعاملة شركة في الخارج فإذا لم يحصل الخارج بعد لم تنعقد الشركة

[ 58 ] بينهما في شئ فاعتراض هذه العوارض قبل انعقاد الشركة كاعتراضها في المزارعة قبل القاء البذر في الارض وقد بينا أن هناك العقد ينتقض ولا شئ للعامل على رب الارض لان تقوم منافعه بالمسمى ولم يحصل شئ منه فهذا مثله ولو كان الطلع قد خرج وهو اسم لاول ما يبدو مما هو أصل التمر من النخل أو صار بسرا ثم استحقت الارض كان النخل وما فيه للمستحق لان النخل تبع للارض كالبناء وكما ان باستحقاق الارض يستحق البناء فكذلك يستحق النخل والتمر زيادة متولدة من النخل والاستحقاق بحجة البينة يثبت في الزيادة المتصلة والمنفصلة جميعا إذا كانت متولدة ثم يرجع العامل على الذى دفع إليه النخل معاملة باجر مثله فيما عمل لانه كان استأجره بنصف الخارج وقد حصل الخارج ثم لم يسلم له بالاستحقاق فيفسد العقد ويبقي عمله مستوفى بعمل فاسد فيستوجب أجر المثل كما لو استأجره للعمل بشئ بعينه فاستحق بعد ما أقام العمل ولو دفع إلى رجل زرعا له في أرض قد صار بقلا معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه حتى يستحصد فما خرج منها فهو بينهما نصفان فهو جائز بالقياس على دفع النخيل معاملة لان الحب يتولد من النبات بعمل العامل كالتمر من النخيل ولان الريع يحصل بعمله هنا فهو بمنزلة دفع الارض والبذر مزارعة بل هذا أقرب إلى الجواز من ذلك لانه أبعد من الغرر فهناك لا يدرى أيكون الزرع أولا وهنا الزرع ثابت فالظاهر أن يحصل الريع بعمله الا أن يصيبه آفة وإذا جاز العقد ثمة فهنا أولى فإذا قام عليه حتى انقعد حبه ولم يستحصد حتى مات أحدهما فالعامل أو ورثته بالخيار ان شاء مضي على العمل حتى يستحصد فيكون الخارج بينهما علي الشرط وان شاء نقض المعاملة لان العامل استحق بتربية نصيبه من الزرع إلى وقت الادراك ووارثه يخلفه في ذلك وان اختار نقض المعاملة فله ذلك لان ابقاء العقد بعد موت أحدهما كان لدفع الضرر عنه ثم يخير صاحب الزرع أو وارثه بين القلع وبين اعطاء قيمة نصيب العامل يومئذ وبين الانفاق على الزرع حتى يستحصد ثم يرجع بنصف نفقته من حصة العامل لانه شريك في التبع وهو مختص بملك الاصل وكذلك لو ماتا جميعا ولو لم يمت واحد منهما وكان دفعه إليه أشهرا معلومة فانقضت قبل أن يستحصد الزرع فالزرع بينهما والنفقة عليهما وعلى العامل أجر مثل نصف الارض وقد بينا هذا في المزارعة والفرق بينه وبين المعاملة في الاشجار أن المعاملة في الفصل هذا على قياس المزارعة فان قال العامل أريد قلعه خير صاحب الارض بين

[ 59 ] الاشياء الثلاثة كما وصفنا في المزارعة والمعاملة في النخيل وان أراد صاحب الارض قلعه وقال العامل أنا أنفق عليه قال القاضى له أنفق عليه حتى يستحصد وعليك أجر مثل نصف الارض فإذا استحصدت أخذت نصف النفقة من حصته لانه مما يختار من الانفاق بقصد دفع الضرر عن نفسه وعن صاحب الارض فصاحب الارض إذا أبى ذلك عليه كان متعنتا فلا يلتفت القاضى إلى تعنته ولو لم تنقض المدة حتى استحصد الزرع ثم استحق رجل الارض بزرعها أخذها كلها ورجع العامل على الدافع باجر مثله فيما عمل لانه كان استأجره ببعض الخارج وقد حصل الخارج ثم لم يسلم له حين استحق فرجع عليه باجر مثله وإذا دفع إلى رجل نخلا فيه طلع كفرى على أن يقوم عليه ويلقحه ويسقيه فما خرج فهو بينهما نصفان ولم يضرب له وقتا أو بين له وقتا معلوما فهو جائز لان بعد خروج الطلع لادراك الثمار نهاية معلومة بطريق العادة والمعلوم بالعادة كالمشروط بالنص فلا يضرهما ترك التوقيت ثم التمر هنا يحصل أو يزداد بعمل العامل فباعتباره تجوز المعاملة بينهما كما تجوز المعاملة قبل خروج الطلع فان قام عليه حتى صار بسرا ثم مات أحدهما أو كلاهما وانقضى وقت المعاملة فالخيار في العمل إلى العامل أو وارثه وان أبى أن يعمل خير صاحب النخل بين احدى الوجوه الثلاثة ولم يفرق هنا في الجواب بين الموت وبين انقضاء الوقت لان الثمر خارج عند المعاملة فالشركة بينهما تحصل عقيب العقد ولا يستوجب رب النخل الاجر على العامل عند انقضاء المدة كما لا يستوجب عند موت أحدهما في المدة والعمل كله على العامل إذا اختار الترك إلى وقت الادراك في الفصلين جميعا ولو لم يكن شئ من ذلك ولكن استحق الارض والنخل كان على الدافع أجر مثل العامل لانه استأجره للعمل ببعض ما يحصل بعمله وقد حصل ثم استحق فيستوجب عليه أجر المثل ولو استحقه المستحق بعد ما سقاه العامل وقام عليه وأنفق الا أنه لم يزدد شيأ حتى أخذه المستحق لم يكن للعامل على الدافع شئ لان أجر عمله نصف ما تحصل بعمله من زيادة أو أصل ثمرة ولم يوجد ذلك فان قيل فاين ذهب قولكم ان الشركة تحصل هنا عقيب العقد قلنا نعم ولكن فيما يحصل بعمله على أن يكون ما هو حاصل قبل عمله تابع له فاما أن يستحق الشركة فيما هو حاصل قبل عمله مقصودا فلا لان جواز هذا العقد بينهما بالقياس على المعاملة في النخيل ولو شرطا هناك الشركة في النخيل الحاصل والثمر الذى لم يحصل له لم يجز العقد فعرفنا أن المقصود هنا الشركة فيما يحصل من الزيادة بعمله فإذا لم

[ 60 ] يحصل شئ من ذلك حتى استحقه المستحق لم يستوجب عليه شيأ من الاجر لانه لم يستحق شيأ مما صار مستحقا للعامل بعمله ولو لم يستحق ومات أحدهما انتقضت المعاملة لانه لم يحصل بعمله شئ فهو نظير موت رب النخيل في المعاملة قبل خروج الثمار ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ فكان الكفرى كله لصاحب النخيل كما كان قبل العقد والله أعلم (باب ما يجوز لاحد المزارعين أن يستثنيه لنفسه وما لا يجوز) (قال رحمه الله) وإذا اشترطا في المزارعة والبذر من أحدهما أن للزارع ما أخرجت ناحية من الارض معروفة ولرب الارض ما أخرجت ناحية منها أخرى معروفة فهو فاسد لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الريع مع حصوله لجواز أن يحصل الريع في الناحية المشروطة لاحدهما دون الآخر لان صاحب الارض شرط على العامل العمل في ناحية من الارض له على أن يكون له بمقابلته منفعة ناحية أخرى والخارج من ناحية أخرى فيكون هذا بمنزلة ما لو شرط ذلك في أرضين وفى الارضين إذا شرط أن يزرع أحدهما ببذره على أن له أن يزرع الاخرى ببذره لنفسه كان العقد فاسدا فهذا مثله ثم الزرع كله لصاحب البذر وقد بينا هذا الحكم في المزارعة الفاسدة وكذلك لو اشترطا أن ما خرج من زرع على السواقى فهو للمزارع وما خرج من ذلك في الاتوار والاواعى فهو لرب الارض فالعقد فاسد لما قلنا وكذلك لو اشترطا التبن لاحدهما والحب للآخر كان العقد فاسدا لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله فمن الجائز أن يحصل التبن دون الحب بان يصيب الزرع آفة قبل انعقاد الحب وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله كان مفسدا للعقد ثم الكلام في التبن في مواضع أحدها انهما إذا شرطا المناصفة بينهما في الزرع أو الريع أو الخارج مطلقا فالحب والتبن كله بينهما نصفان لان ذلك كله حاصل بعمل الزارع والثانى أن يشترطا المناصفة بينهما في التبن والحب لاحدهما بعينه فهذا العقد فاسد لان المقصود هو الحب دون التبن فهذا شرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما فيما هو المقصود والثالث أن يشترطا المناصفة في الحب ولم يتعرضا للتبن بشئ فهذا مزارعة صحيحة والحب بينهما نصفان لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود والتبن لصاحب البذر منهما لان استحقاقه ليس بالشرط وانما استحقاق الاجر بالشرط فانما يستحق

[ 61 ] الاجر بالشرط والمسكوت عنه يكون لصاحب البذر وبعض أئمة بلخ رحمهم الله قالوا في هذا الفصل التبن بينهما نصفان أيضا لان فيما لم يتعرضا له يعتبر العرف والعرف الظاهر المناصفة بينهما في التبن والحب جميعا ولان التبن في معنى التبع للحب واشتراط المناصفة في المقصود بمنزلة اشتراطه في التبع ما لم يفصل عنه بشرط آخر فيه مقصود والرابع أن يشترطا المناصفة بينهما في الحب والتبن لاحدهما بعينه فان شرطا التبن لصاحب البذر فهو جائز لانهما لو سكتا عن ذكره كان لصاحب البذر فإذا نصا عليه فانما صرحا بما هو موجب للعقد فلا يتغير به وصف العقد وان شرطا التبن للآخر لم يجز لان الآخر انما يستحق بالشرط فلو صححنا هذا العقد أدى إلى أن يستحق أحدهما شيأ من الخارج بالشرط دون صاحبه بان يحصل التبن دون الحب بخلاف الاول فاستحقاق رب البذر ليس بالشرط بل لانه نماء بذره ثم التبن للحب قياس النخل للتمر ويجوز أن يكون النخل لصاحبه لا بشرط المزارعة والتمر بينهما نصفان ولكن لا يجوز أن يكون النخل للعامل بالشرط في المعاملة والتمر بينهما نصفان فكذلك في المزارعة ولو سميا لاحدهما أقفزة معلومة فسد العقد لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله بان يكون الخارج الا قفزة المعلومة لاحدهما بعينه من غير زيادة ولو دفع إليه أرضا عشرين سنة على أن يزرعها ويغرسها ما بدا له على أن ما أخرج الله تعالى من ذلك فهو بينهما نصفان فهو جائز لان التالة للاشجار بمنزلة البذر للخارج واشتراط ذلك على العامل في المزارعة صحيح فكذلك اشتراط الغرس على العامل بعد أن تكون المدة معلومة وما زرع وغرس بينهما نصفان حبه وتبنه وثمره ورطبه وأصول الرطب وعنبه وكرمه وأصول الكرم وحطبه وعيدانه لان هذا كله حاصل بعمله وبقوة أرض صاحبه فان الغروس تتبدل بالعلوق (ألا ترى) أن من غصب تالة فغرسها كان الشجر له بمنزلة ما لو غصب بذرا فزرعه فان كان الكل حاصلا بعمله وقد اشترطا المناصفة في جميعه كان الكل بينهما نصفين ولو اشترطا أن التمر بينهما جاز والتمر بينهما على ما اشترطا فأما الشجر والكرم وأصول الرطبة فهو للغارس يقلعه إذا انقضت المعاملة وهو نظير ما بينا إذا شرط المناصفة في الحب أن التبن كله لصاحب البذر فهذا أيضا الثمر بينهما نصفان كما شرطا والشجر وأصول الرطبة كله للغارس لان استحقاقه باعتبار ملك الاصل لا بالشرط ويقلعه انقضت المعاملة لان عليه تسليم الارض إلى صاحبها فارغة ولا يتمكن من ذلك الا بقلع

[ 62 ] الاشجار وكذلك لو كان شرطا ذلك للغارس وان كانا شرطاه لرب الارض كانت المعاملة فاسدة كما بينا في التبن لان استحقاق رب الارض بالشرط فلو جوزنا هذا الشرط أدى إلى أن يثبت له استحقاق الخارج قبل أن يثبت لصاحبه بالشروط وربما لا يثبت لصاحبه بان لا تحصل الثمار ولو كان الغرس والبذر من قبل صاحب الارض كان جائز في جميع هذه الوجوه الا أن يشترط الشجر والكرم وأصول الرطبة للعامل فحينئذ تفسد المعاملة لان استحقاق العامل هنا بالشرط فلا يجوز أن يسبق استحقاق صاحب الارض في الخارج وان شرطا التمر لاحدهما بعينه والشجر بينهما نصفان لم يجز لان المقصود بالمعاملة الشركة في الثمار فهذا شرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما فيما هو المقصود فيفسد به العقد كما لو شرطا في المزارعة الحب لاحدهما بعينه والتبن بينهما نصفين وقد بينا هذا وان اشترطا في المزارعة ان ما خرج منها من حنطة فهو بينهما نصفان وما خرج من شعير فهو لصاحب البذر كله يستوفيه فيأخذه فهذه مزارعة فاسدة وكذلك لو شرطا الشعير الذى سرق منها للذى ليس من قبله البذر فهو فاسد والمراد من هذا انه قد يكون في الحنطة حبات شعير فتقلع وذلك إذا اشتد حبه قبل أن تدرك الحنطة وتجف فإذا شرطا ذلك لاحدها بعينه فسد العقد لان الحنطة والشعير كل واحد منهما ريع مقصود فهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في ريع مقصود وذلك مفسد للعقد ومن الجائز أن يحصل الشعير ويصيب الحنطة آفة فيختص به أحدهما وذلك ينفى صحة المزارعة بينهما ولو دفع زرعا في أرض قد صار بقلا مزارعة واشترطا أن الحب بينهما نصفان والتبن لصاحب الارض أو سكنا عنه فهو جائز والتبن لصاحب الارض ولو شرطا التبن للعامل فهو فاسد لان دفع الزرع الذي صار بقلا مزارعة كدفع الارض والبذر مزارعة وقد بينا هذا الحكم فيما إذا دفع الارض والبذر مزارعة فكذلك إذا دفع الفضل مزارعة والله أعلم (باب عقد المزارعة على شرطين) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا يزرعها سنته هذه ببذره وعمله على انه ان زرعها في أول يوم من جمادى الاولى فالخارج بينهما نصفان وان زرعها في أول يوم من جمادى الآخرة فالثلثان من الخارج لرب الارض والثلث للمزارع فالشرط الاول جائز والثانى

[ 63 ] فاسد في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله على قول من أجاز المزارعة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الشرطان جائزان وهذه المسألة تنبنى على ما بينا في في الاجارات إذا دفع ثوبا إلى خياط فقال ان خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم ووجه البناء عليه ان صاحب الارض مؤاجر أرضه من صاحب البذر وان كان البذر من قبل صاحب الارض فهو مستأجر للعامل وقد شرط عليه اقامة العمل في أحد الوقتين وسمى بمقابلة العمل في كل وقت بدلا مخالفا للبدل الآخر فيكون بمنزلة الخياطة في اليوم وفى الغد عند أبى حنيفة رحمه الله الشرط الاول صحيح والثانى فاسدا ما لانه علقه بالاول أو لانه اجتمع سببان في الوقت الثاني فان زرعها في جمادى الاولى فالخارج بينهما نصفان وان زرعها في جمادى الآخرة فالخارج كله لصاحب البذر وعليه أجر مثل الارض ان كان البذر من قبل العامل وأجر مثل العامل ان كان البذر من قبل صاحب الارض وعندهما الشرطان جميعا جائزان فان زرعها في جمادى الآخرة فالخارج بينهما أثلاثا ولو قال على ان ما زرع من هذه الارض في يوم كذا فالخارج منه بينهما نصفان وما زرع منها في يوم كذا فللمزارع ثلث الخارج ولرب الارض ثلثاه فهذا فاسد كله لانه أجرها على شئ غير معروف فان مقدار ما يزرع منها في الوقت الاول على شرط النصف غير معلوم وكذلك مقدار ما يزرع في الوقت الثاني على شرط الثلث غير معلوم فيفسد العقد كله للجهالة كما لو دفع ثوبه إلى خياط على ان ما خاط منه اليوم فبحساب درهم وما خاط منه غدا فبحساب نصف درهم كان فاسدا كله ولو كان في المسألة الاولى زرع نصفها في أول يوم من جمادى الاولى ونصفها في أول يوم من جمادي الآخرة فما زرع في الوقت الاول فهو بينهما على ما اشترطا وما زرع في الوقت فهو لصاحب البذر في القول الاول وفى القول الثاني كل واحد منهما على ما اشترطا لان الشرط الاول في المسألة الاولى كان صحيحا في القول الاول وفى القول الثاني الشرطان صحيحان فزراعة البعض معتبرة بزراعة الكل إذ ليس في هذا التبعيض اضرار باحد وهو نظير مسألة الخياطة إذا خاط نصف الثوب اليوم ونصفه غدا فله فيما خاطه اليوم نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل وفيما خاطه غدا ربع درهم في قول أبى يوسف ومحمد وفى قول أبى حنيفة أجر مثله لا ينقص عن ربع درهم ولا يزاد على نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل بخلاف قوله على ان ما زرع منها لان هناك صرح بالتبعيض والبعض الذى تناوله كل شرط مجهول في نفسه فكان العقد

[ 64 ] فاسدا وهنا أضاف كل شرط إلى جملة وهى معلومة والتبعيض عند اقامة العمل ولا جهالة في ذلك أيضا ولو قال على أنه ان زرعها بدالية أو سانية فالثلثان للمزارع والثلث لرب الارض وان زرعها بماء سيح أو سقت السماء فالخارج بينهما نصفان فهو جائز على ما اشترطا وهذا بناء على قول أبى حنيفة الاخر فاما على قياس قوله الاول وهو قول زفر رحمه الله فيفسد الشرطان جميعا لانه ذكر نوعين من العمل وجعل بمقابلة كل واحد منهما جزأ من الخارج معلوما فهو بمنزلة مالو دفع ثوبا إلى خياط على أنه ان خاطه خياطة رومية فأجره درهم وان خاطه خياطة فارسية فأجره نصف درهم وقد بينا هذا في الاجارات ولو قال على ان ما زرع منها بدلو فللعامل ثلثاه ولرب الارض ثلثه وان زرع منها بماء سيح فللعامل نصفه فهذه مزارعة فاسدة لجهالة كل واحد من العملين فانه صرح بالتبعيض وشرط أن يزرع بعضها بدلو على ان له ثلثى الخارج وذلك البعض مجهول وكذلك فيما شرط الزراعة بماء السيح وهو بمنزلة رجل دفع إلى خياط خمسة أثواب يقطعها قمصا وعلى ان ما خاط منها روميا فله درهم في كل ثوب وما خاط منها فارسيا فله نصف درهم في كل ثوب وهناك يفسد العقد كله للجهالة فهذا قياسه ولو دفع إليه أرضا يزرعها خمس سنين ما بدا له على أن ما خرج منها من شئ في السنة الاولى فهو بينهما نصفان وفى السنة الثانية لرب الارض الثلث وللمزارع الثلثان وسميا لكل سنة شيأ معلوما فهو جائز من أيهما شرط البذر لان هذه عقود مختلفة بعضها معطوف على البعض ففى السنه الاولى عقد اجارة مطلق وفى السنة الثانية مضاف إلى وقت والاجارة تحتمل الاضافة إلى وقت في المستقبل فيجعل في حق كل عقد من هذه العقود كأنهما أفردا ذلك العقد بخلاف الاول والعقد هناك واحد باتحاد المدة وانما التغاير في شرط البدل ثم جواز المزارعة للحاجة وهما يحتاجان إلى هذا لان الارض في السنة الاولى يكون فيها من القوة ما لا يحتاج إلى زيادة عمل لتحصيل الريع وفى السنة الثانية يحتاج إلى زيادة في العمل لنقصان تمكن في قوة الارض بالزراعة في السنة الاولى فيشترط للمزارع زيادة في السنة الثانية باعتبار زيادة عمله وكذلك لو اشترطا أن البذر في السنة الاولى من قبل الزارع وفى السنة الثانية من قبل رب الارض وبينا نحو ذلك في كل سنة فهو جائز لانهما عقدان مختلفان أحدهما معطوف على الآخر ففى السنة الاولى العامل مستأجر للارض بنصف الخارج وفى السنة الثانية رب الارض مستأجر للعامل بنصف الخارج وكل واحد من العقدين صحيح عند الانفراد فكذلك عند الجمع بينهما وهو بمنزلة رجل دفع عبده

[ 65 ] إلى حائك يقوم عليه في تعليم الحياكه خمسة أشهر على أن يعطيه في كل شهر خمسة دراهم وعلى أن يعطيه الحائك في خمسة أشهر أخري في كل شهر عشرة دراهم فهو جائز على ما اشترطا للمعنى الذى بينا لو دفع إليه أرضه ثلاث سنين على أن يزرعها في السنة الاولى ببذره ما بدا له على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن يزرعها في السنة الثانية ببذره وعمله على أن الخارج له وعليه أجر مائة درهم لرب الارض وعلى أن يزرعها في الثالثة ببذر رب الارض على أن الخارج لرب الارض وللمزارع أجر مائة درهم فهذا جائز كله لان العقد بينهما في السنة الاولى مزارعة صحيحة بنصف الخارج سواء كان البذر من قبل رب الارض أو من قبل العامل وفى السنة الثانية العامل استأجر الارض باجرة معلومة لمنفعة معلومة وفى السنة الثالثة رب الارض استأجر العامل ببدل معلوم لعمل معلوم وكل عقد من هذه العقود صحيح عند الانفراد فكذلك عند الجمع لان الاضافة إلى وقت في المستقبل لا تمنع صحة الاجارة وإذا دفع إلى رجل أرضا على أن يزرعها أرزا أو قال رزا كل ذلك لغة عشر سنين ويغرسها نوى ببذره وعمله وعلى أن يحول ذلك من موضعه إلى موضع آخر من الارض ويسقيه ويقوم عليه على أن ما خرج منه فهو بينهما نصفان فهذا جائز سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الارض لان العقد بينهما مزارعة بشرائطها وانما في هذا العقد زيادة شرط الحوالة على العامل وهو من عمل الزراعة به يزكو الريع فيكون بمنزلة اشتراط عمل الكراب والسقى عليه ثم الحوالة تكون في بعض الاشياء الذى تزرع كالباذنجان والارز والاشجار وذلك معلوم عند أهل الصنعة وربما يحتاج إليه في البعض دون البعض فلا يشترط اعلام ما يحوله بعينه اما لانه معلوم بالعادة أو لان في اشتراط اعلام ذلك بعض الحرج والحرج مدفوع ولو دفع إليه أرضين على أن يزرع هذه أرزا أو هذه أرزا ببذره وعلى أن يحول ما يزرع في هذه في هذه الاخرى وما يزرع في هذه في هذه الاخرى ويسقيه ويقوم عليه فما خرج فهو بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لوجهين أحدهما أنه اشترط عليه العمل في أرضين في احداهما بالزراعة وفى الاخرى بالحوالة على أن تكون الشركة بينهما في الخارج من احداهما وذلك مفسد للعقد والثانى أنه شرط عليه شرطا لا يمكنه الوفاء به وهو تحويل جميع ما ينبت في كل واحدة من الارضين إلى الارض الاخرى وربما لا يتمكن من ذلك بأن لا تتسع له الارض الاخرى * يوضحه أنه لا يحول جميع ما يزرع في هذه الارض إلى الارض الاخرى

[ 66 ] الا بعد أن يقلعه من الارض التى زرع فيها وعقد المزارعة في كل واحد من الارضين معقود على حدة فبالقلع ينتهى ويصير كأنه شرط عليه في كل عقد عملا بعد انتهاء عقد المزارعة وذلك مفسد للعقد بخلاف الارض الواحدة فالعقد فيها واحد ولا ينتهى بتحويل بعض ما نبت فيها من موضع إلى موضع منها وكذلك في الارضين لو شرطا الزرع في احداهما والتحويل إلى الاخرى والغرس في احداهما والتحويل إلى الاخرى أو كانت أرضا واحدة وشرطا أن يزرع أو يغرس ناحية منها معلومة على أن يحول ذلك في ناحية منها أخرى معلومة فهذا فاسد لانه إذا ميز احدى الناحيتين من الاخرى كانتا في معنى أرضين وكذلك هذا الجواب في كل ما يحول كالزعفران ونحوه وإذا دفع إلى رجل أرضه سنته هذه على أن يزرعها ببذره قرطما فما خرج منها من عصفر فهو للمزارع وما خرج من قرطم فهو لرب الارض أو على عكس ذلك فالعقد فاسد سواء كان البذر من قبل رب الارض أو من قبل المزارع لان القرطم والمصفر كل واحد منهما ريع مقصود في هذه الزراعة فاشتراط أحد الجنسين لكل واحد منهما بعينه شرط يفوت المقصود بالمزارعة وهو الشركة بينهما في الريع وربما يؤدي إلى قطع الشركة بينهما في الريع مع حصوله بأن يحصل أحدهما دون الآخر وقد يجوز أن يحصل العصفر ثم تصيبه آفة فلا يحصل القرطم ويكون ذلك للذى شرط له العصفر فهو بمنزلة ما لو دفع إليه أرضا ليزرعها حنطة وشعيرا على أن الحنطة لاحدهما بعينه والشعير للآخر بعينه وكذلك هذا في كل شئ له نوعان من الريع كل واحد منهما مقصود كبزر الكتان إذا شرط لاحدهما بعينه الكتان وللآخر البزر والرطبة إذا شرطا لاحدهما بعينه بزر الرطبة وللآخر العنب فالعقد فاسد ولو شرطا القرطم لاحدهما بعينه والعصفر بينهما نصفان أو العصفر لاحدهما بعينه والقرطم بينهما نصفان لم يجز ذلك من أيهما كان البذر لان كل واحد منهما ريع مقصود ولا يجوز في المزارعة تخصيص أحدهما بشرط ريع مقصود له وكذلك هذا في الكتان وبزره والرطبة وبزرها بخلاف مسألة التبن فانه إذا شرط لصاحبه البذر والحب بينهما نصفان كان جائزا لان التبن ليس بريع مقصود (ألا ترى) انه لا يشتغل بالزراعة لمقصود التبن خاصة بل المقصود هو الحب فإذا شرطا الشركة فيما هو المقصود جاز العقد ان شرطا تخصيص صاحب البذر بما ليس بمقصود فأما في هذه المسائل فكل واحد من النوعين مقصود فاشتراط تخصيص أحدهما باحد النوعين يقطع الشركة بينهما فيما هو مقصود وذلك مفسد للعقد واشتراط بزر

[ 67 ] البطيخ أو القثاء لاحدهما بمنزلة اشتراط التبن لان ذلك غير مقصود بل هو تبع للمقصود كالتين بخلاف بزر الرطبة فانه مقصود وربما بلغ قيمة القت أو يزيد عليه فهو بمنزلة العصفر والكتان على مابينا والله أعلم (باب اشتراط عمل العبد والبقر من أحدهما) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا وبذرا على أن يزرعها هو وعبده هذا فما خرج فللمزارع ثلثه ولعبده ثلثه ولرب الارض ثلثه فهذا جائز وما خرج فللمزارع ثلثاه نصيبه ونصيب عبده لان العبد ليس من أهل الملك بل المولى يخلفه في ملك ما يكون من كسبه فاشتراط الثلث لعبد المزارع يكون اشتراطا للمزارع واشتراط عمل عبد المزارع معه كاشتراط البقر عليه لان عمل الزراعة يتأتى له بالبقر وبمن يعينه على العمل ثم يجوز اشتراط العمل على المزارع إذا كان البذر من قبله أو لم يكن فكذلك اشتراط عمل عبده معه يجوز وكذلك لو لم يشترطا على العبد عملا ولكنه شرط لعبده ثلث الريع فالمشروط للعبد مشروط لمولاه فكأنه شرط الثلثين للمزارع وهو بمنزلة ما لو شرط الثلث لبقره فذلك اشتراط منه لصاحب البقر وسواء شرط العمل ببقره أو لم يشترط ولو شرط الثلث لمكاتبه أو لمكاتب رب الارض فان اشترط عمله عليه فهو جائز وهو مزارع معه له ثلث الريع لان المكاتب أحق بمكاسبه وهو بمنزلة الحريدا فهذا في معنى دفع الارض والبذر مزارعة إلى حرين على أن لكل واحد منهما ثلث الخارج وان لم يشترط عليه عملا فالمزارعة جائزة بين المزارع ورب الارض فاشتراط ثلث الخارج للمكاتب باطل لان المشروط للمكاتب لا يكون مشروطا لمولاه فان المولى لا يملك كسب مكاتبه ما بقيت الكتابة فالمشروط له كالمشروط لاجنبي آخر وبطلان هذا الشرط لانه ليس من جهته بذر ولا أرض ولا عمل والخارج لا يستحق الا باحد هذه الاشياء ولكن هذا الشرط وراء عقد المزارعة بين المزارع ورب الارض فلا يفسد به العقد بل يكون ثلث الريع للمزارع كما شرط له والثلثان لرب الارض لان رب الارض والبذر لا يستحق بالشرط والمزارع هو الذى يستحق بالشرط فما وراء المشروط له يكون لرب البذر ويجعل ما بطل الشرط فيه كالمسكوت عنه وكذلك لو شرط الثلث لامرأته أو لابنه أو لابيه فهو بمنزلة الشرط لاجنبي آخر ان شرط عليه العمل معه كان صحيحا وان لم يشترط

[ 68 ] عليه العمل معه كان باطلا والمزارعة بين رب الارض والمزارع صحيحة بالثلث ولو كان البذر من العامل فهو على هذا القياس ما شرط لعبد العامل فهو للعامل سواء شرط عليه العمل أو لم يشترط والمزارعة جائزة وما شرط لمكاتبه أو لابنه أو لامرأته فهو كالمشروط لاجنبي آخر فان لم يشترط عليه أن يعمل معه فهذا الشرط باطل وذلك الثلث للعامل لانه نماء بذره وصاحب الارض يستحق بالشرط فلا يستحق الا ما شرط له ولو شرط عليه العمل وعمل معه فله أجر مثله على المزارع لان المزارع استأجر الارض بثلث الخارج ثم استأجر العامل بثلث الخارج ليعمل معه وقد بينا أن هذا العقد يفسد بينهما لانعدام التخلية حين شرط عمل صاحب البذر المستأجر للارض مع العامل الآخر ولكنهما عقدان مختلفان جرى بينه وبين شخصين مختلفين فبفساد أحدهما لا يفسد الآخر فيكون للعامل الآخر أجر مثله على المزارع لانه استوفى عمله بعقد فاسد ولصاحب الارض ثلث الخارج لانه شرط له ذلك بعقد صحيح وثلثا الزرع طيب للعامل لانه لا يتمكن خبث من جانب الارض حيث صح العقد بينه وبين رب الارض فيطيب له ثلثا الربع وكذلك لو شرط عمل رب الارض فهو كاشتراط بقر رب الارض وذلك يفسد المزارعة بينهما وان كان على العبد دين فعبد رب الارض إذا كان مديونا بمنزلة مكاتبه لان كسبه حق غرمائه والمشروط له لا يكون مشروطا لمولاه وكذلك لو شرط عليه من العمل فالمشروط عليه لا يكون مشروطا على مولاه فيكون له أجر مثله والعقد صحيح بين العامل الذي من قبله البذر وبين رب الارض بثلث الخارج كما شرط لرب الارض ولو دفع إليه الارض على أن يزرعها ببذره وعمله على أن له ثلث الخارج ولرب الارض ثلثه وعلى أن يكربها ويعالجها ببقر فلان على أن لفلان ثلث الخارج فرضي فلان بذلك فعلى العامل أجر مثل البقر بثلث الخارج وقد بينا أن البقر لا يكون مقصودا في المزارعة فكان العقد بينهما فاسدا وقد استوفى منفعة بقره فله أجر مثله عليه وثلث الخارج لرب الارض وثلثاه للعامل طيب لانه لا فساد في العقد بينه وبين رب الارض وإذا كان البذر من قبل رب الارض كان الثلثان له وعليه أجر مثل البقر لانه استأجر العامل بثلث الخارج وهو جائز واستئجار البقر مقصود بثلث الخارج وهو فاسد ولو كانا اشترطا عليه أن يعمل بنفسه مع بقره بالثلث حتى استحصد الزرع جاز وهما مزارعان جميعا لان عمل البقر هنا تبع لعمل صاحبه وقد بينا جواز اشتراط البقر على العامل في عقد المزارعة ولا فرق بين أن يشترط ذلك على العاملين

[ 69 ] أو على أحدهما كسائر الآلات إذا شرط على أحد العاملين في الاجارة ولو كان البذر والبقر من واحد والارض من آخر والعمل من ثالث كان فاسدا لما فيه من دفع البذر والبقر مزارعة ودفع كل واحد منهما على الانفراد مقصودا يفسد عقد المزارعة فدفعها أولى ثم الخارج كله لصاحب البذر وعليه للعامل أجر مثل عمله ولصاحب الارض أجر مثل أرضه يتصدق صاحب البذر بالفضل لانه ربى زرعه في أرض غيره بسبب فاسد ولو كان البذر من أحدهم والبقر من الآخر والارض والعمل من الآخر كان فاسدا أيضا وفيه حديث مجاهد رحمه الله كما بينا ولو دفع إليه أرضا يزرعها سنته هذه ببذره وبقره وعمله على أن يستأجر فيها أجراء من مال الزارع فهو جائز لان هذا شرط يقتضيه العقد فان العمل بمطلق العقد كله يصير متسحقا على الزارع وله أن يقيمها بنفسه وأعوانه وأجرائه وهو الذى يستأجرهم لذلك فيكون الاجر عليه في ماله وان لم يذكر فالشرط لا يزيده الا وكادة ولو اشترطا أن يستأجر الاجراء من مال رب الارض فهذه مزارعة فاسدة لان الاجير الذى يستوجب الاجر من مال رب الارض يكون أجيرا له فانه انما يستوجب الاجر عليه إذا كان عاملا له واشتراط عمل أجير رب الارض كاشتراط عمل رب الارض مع المزارع وذلك مفسد للمزارعة وكذلك لو شرطا أن يستأجرا الاجراء من مال المزارع على أن يرجع به فيما أخرجت الارض ثم يقتسمان ما بقى نصفين فهذا فاسد لان القدر الذى شرطا فيه رجوع المزارع مع الريع بمنزلة المشروط للمزارع فكأنه شرط له أقفزة معلومة من الخارج والباقى بينهما نصفان وذلك مفسد للعقد لانه يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله وان كان البذر من قبل رب الارض فاشترط على الزارع أجر الاجراء من ماله جاز لما بينا أن العمل كله مستحق عليه وهو متمكن من اقامتها بنفسه وأجرائه ولو شرط أجر الاجراء على رب الارض من ماله لم يجز وهو بمنزلة اشتراط عمل رب الارض والبذر مع المزارع وكذلك لو اشترطاه على الزارع على أن يرجع به في الخارج فهو فاسد بمنزلة ما لو شرطا له ذلك العقد من الخارج فيفسد به العقد ويكون الريع كله لصاحب البذر وللعامل أجر مثله فيما عمل وأجر مثل أجرائه فيما عملوا ولا يشبه هذه المضاربة فانه لو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف على أن أجر الاجراء من المال كان جائزا لان ذلك شرط يقتضيه العقد فان أجر الاجراء بمنزلة نفقة المضارب إذا خرج للعمل في مال المضاربة وذلك يكون في المال بغير شرط فأجراء العمل في مال المضاربة كذلك

[ 70 ] فالشرط لا يزيده الا وكادة وهذا لان مقتضى المضاربة الشركة بينهما في الربح خاصة والربح لا يظهر الا بعد أجر الاجراء كما لا يظهر الا بعد رفع رأس المال فهذا الشرط لا يغير مقتضى العقد فاما عقد المضاربة فمقتضاه الشركة في جميع الريع فاشتراط أجر الاجراء من الريع أو على أن يرجع به العامل في الريع بمنزلة اشتراط رفع صاحب البذر بذره من الريع وذلك مفسد للعقد ولو كانا اشترطا أن أجر الاجراء على المضارب في ماله وعلى رب المال في ماله كان ذلك باطلا وتفسد المضاربة لانه يغير مقتضى العقد فان أجر الاجراء في مال المضاربة فإذا شرط على أحدهما خاصة كان هذا شرطا مخالفا لموجب العقد فيفسد به العقد والله أعلم (باب التولية في المزارعة والشركة) (قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن الخارج بينهما نصفان ولم يقل له اعمل فيه برأيك فله أن يستأجر فيه الاجراء بماله لانه التزم عمل الزراعة في ذمته فان شاء أقامه بنفسه وان شاء باعوانه وأجرائه ولما استأجره رب الارض والبذر مطلقا لعمل الزراعة مع علمع أنه قد يعجز عن اقامة جميع الاعمال بنفسه وقد يبتلى بسوء أو مرض لا يمكنه اقامة العمل معه فقد صار راضيا باقامته العمل باعوانه وأجرائه وليس له أن يوليها أحدا فيدفعها إليه مع البذر يعملها على أن الخارج بينهما نصفان لانه يوجب للغير شركة في الخارج من يد رب الارض فانما رضى رب الارض بشركته لا بشركة غيره ولانه لا يملك نصيبه قبل اقامة العمل فلا يتمكن من ايجابه لغيره بطلق العقد ولا يتمكن من ايجاب نصيب رب الارض لغيره لان رب الارض لم يرض به وان فعل ذلك فعملها الرجل فالزرع بين الآخر والاوسط نصفان لان الاول صار غاصبا للارض والبذر بتولية العقد فيه إلى الثاني وايجاب الشركة في الخارج ومن غصب أرضا وبذرا ودفعهما مزارعة كان الخارج بين الغاصب والمزارع على شرطهما لا شئ منه لرب الارض ولرب الارض أن يضمن بذره أيهما شاء لان كل واحد منهما غاصب فتعدى في حقه الثاني بالالقاء في الارض لا على وجه رضى به رب الارض والاول بالدفع إلى الثاني مع ايجاب الشركة في الخارج منه وكذلك نقصان الارض في قول محمد وفي قياس قول أبى يوسف الاول يضمن أيهما شاء فاما في قياس قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر فانما يضمن نقصان الارض الثاني خاصة لانه هو المتلف بعمله والعقار

[ 71 ] يضمن بالاتلاف دون الغصب عندهما فان ضمن الثاني فله أن يرجع بما ضمن على الاول لانه مغرور من جهته وان ضمن الاول لم يرجع على الثاني بشئ لانه ملك البذر بالضمان فانما دفع بذره مزارعة وكذلك نقصان الارض عند محمد رحمه الله إذا ضمن الاول لم يرجع على الثاني لانه لا فائدة فيه فان الثاني يرجع على الاول بما يضمنه لاجل الغرور ولو قال له اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها فالتولية جائزة ونصف الخارج للمزارع الآخر ونصفه لرب الارض ولا شئ منه للمزارع الاول لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم والدفع إلى الغير مزارعة بالنصف من رأيه فيقوم هو مقام رب الارض والبذر ثم هو يقيم غيره مقام نفسه في ثبوت حق الشركة له في الخارج بمقابلة عمله عند حصوله وقد رضى به صاحب الارض حين أجاز صنعه على العموم فهو كالوكيل يوكل غيره فيما وكل به فيصح منه إذا قيل له اعمل فيه برأيك وان ثبت أن الثاني قائم مقام الاول فانما يستحق النصف الذى كان يستحقه الاول ولا يستحق شيأ من نصيب رب الارض لانه لم يرض بذلك فلهذا كان الخارج بين المزارع الاخر وبين رب الارض نصفين ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك فأشرك فيه رجلا ببذر من قبل ذلك الرجل واشتركا على أن يعملا بالبذرين جميعا على أن الخارج بينهما نصفان فعملا على هذا فجميع الخارج بينهما نصفان والمزارع الاول ضامن لبذر صاحب الارض لانه مخالف له بالقائه في الارض على وجه يثبت للغير شركة في الخارج منه وان خلطه ببذر الاخر فهو ضامن له بالخلط لانه اشتراك لم يرض به صاحب الارض والبذر ثم هو بالضمان يملك بذر صاحب الارض فظهر أنهما زرعا ببذر بينهما نصفين فيكون الخارج بينهما نصفين على قدر البذر وهما ضامنان نقصان الارض لانهما باشرا عمل الزراعة فكانا مباشرين اتلاف الجزء الذى تمكن النقصان في الارض بذهاب قوتها فعليهما ضمان ذلك ولا يرجع الثاني على الاول بشئ من النقصان لان الثاني عامل لنفسه والاول كالمعير منه لنصف الارض والمستعير لا يرجع بما يلحقه من الضمان على المعير ثم يأخذ كل واحد منهما من نصيبه ما غرم وما أنفق ويتصدق بالفضل لانه ربى زرعه في أرض غيره بغير رضاه ولو كان أمره أن يعمل فيها برأيه ويشارك فيها من أحب والمسألة بحالها جاز ونصف الخارج للآخر لانه نماء بذره ونصفه بين الاول ورب الارض نصفان لانه نماء بذر رب الارض والمزارع موافق له في عمل الزراعة فيه فالخارج بينهما على الشرط ولا شئ لرب الارض على واحد

[ 72 ] منهما لان نصف الارض زرعه الاول ونصفه زرعه الثاني والاول كالمعير منه لذلك النصف وقد رضى به رب الارض حين أمره أن يعمل في ذلك برأيه وان يشارك من أحب ولو لم يكن شاركه ولكنه دفع إليه البذر على أن يعمل فيه ويبذر مثله من عنده في الارض على أن الخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لان المزارع الاول قائم في الدفع مقام المالك حين فوض الامر إلى رأيه على العموم وقد بينا أن المالك أذا دفع البذر والارض إلى رجل على أن يزرعها مع مثل ذلك البذر من عنده على أن الخارج بينهما نصفان لم يجز لانه يجعل منفعة نصف الارض له بازاء عمله لصاحب الارض في النصف الآخر فهذا مثله ثم المزارع الآخر له نصف الخارج لانه نماء بذره وعليه أجر نصف مثل نصف الارض لرب الارض لانه استوفى منفعة نصف الارض بعقد فاسد والذى يلى قبضه منه المزارع الاول لانه وجب بعقده ويكون نصف الزرع بين المزارع الاول ورب الارض على الشرط لانه نماء بذر رب الارض والمزارع الاول لم يصر مخالفا له بالدفع إلى الثاني بحكم عقد فاسد لان الامر مفوض إلى رأيه فانما يضمن بالخلاف لا بالفساد ويطيب لهما هذا النصف لانه لا فساد في العقد الذى جرى بينهما وقد صار هذا النصف من الزرع مربى في أرض رب الارض فلا يتمكن فيه الخبث وأما المزارع الآخر فيأخذ مما أخرج بذره ونفقته وما غرم من الاجر ويتصدق بالفضل لانه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ولو لم يكن رب الارض أمره أن يعمل فيه برأيه أو يشارك في المزارعة والمسألة بحالها كان الخارج بين المزارع الاول والآخر نصفين لان الاول صار ضامنا بذر رب الارض بالخلاف فالخارج نماء بذرهما بسبب عقد فاسد جرى بينهما فيكون بينهما نصفين على قدر البذر وللمزارع الاول على الآخر أجر مثل نصف الارض لانه استوفى منفعة نصف الارض بحكم عقد فاسد جرى بينهما والاول وان صار غاصبا للارض ولكن وجوب أجر المثل باعتبار العقد وهو العاقد فيكون بمنزلة من غصب أرضا وأجرها ويضمنها رب الارض نقصان الارض في قول محمد رحمه الله وهو قول أبى يوسف الاول لان الاول غاصب للارض والثانى متلف في مقدار النقصان فيضمن أيهما شاء ويرجع به الآخر على الاول إذا ضمن لانه مغرور من جهته والغرور يتمكن بالعقد الفاسد كما يتمكن بالعقد الصحيح وظاهر ما نقل في الكتاب يدل على أنه يضمن كل واحد منهما نصف النقصان أيهما شاء فاما في قياس قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله فان رب الارض

[ 73 ] يضمن جميع النقصان المزارع الآخر لانه هو المتلف وضمان النقصان في العقار يجب على المتلف دون الغاصب عنده ثم يرجع به المزارع الآخر على الاول بحكم الغرور ولو دفع إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع إلى رجل آخر على أن يزرعها سنته هذه بذلك البذر على أن للآخر ثلث الخارج وللاول ثلثاه فعملهما الثاني على هذا فالخارج بينهما أثلاث كما شرطاه في العقد الذى جرى بينهما والمزارع الاول صار مخالفا باشراك الغير في الخارج بغير رضا رب المال فلرب الارض أن يضمن بذره أيهما شاء وكذلك نقصان الارض في قول محمد وأبى يوسف الاول فان ضمنها الآخر رجع على الاول بذلك كله وان ضمنها الاول لم يرجع على الآخر وفى قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله انما يضمن نقصان الارض للاجر ويرجع هو على الاول ثم يأخذ الاول من نصيبه بذره الذى ضمن وما غرم ويتصدق بالفضل لتمكن الخبث في تصرفه بخلافه ولا يتصدق الآخر بشئ قال لانه كان أجيرا بنصف الخارج وهو سهو والصحيح أن يقال لانه كان أجيرا بثلث الخارج ومعنى هذا التطيل أن العقد بين الاول والثانى صحيح وان كان الاول غاصبا مخالفا فالثاني انما استحق الاجر على عمله بعقد صحيح فلا يلزمه أن يتصدق بشئ بخلاف ما سبق فهناك الثاني انما استحق الخارج بكونه نماء بذره وقد رباه في أرض غيره بغير رضا صاحب الارض ولو كان رب الارض قال له اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها كان ثلث الخارج للآخر ونصفه لرب الارض وسدسه للمزارع الاول لان الاول لم يصر مخالفا بالدفع إلى الثاني ولكنه أوجب له ثلث الخارج بعقد صحيح فينصرف ذلك إلى نصيبه خاصة وذلك ثلثا نصيبه ورب الارض مستحق لنصف الخارج كما شرط لنفسه ويبقى ثلث نصيب المزارع الاول وذلك سدس جميع الخارج فيكون له بضمان العمل في ذمته وان كان دفع إليه البذر والارض على أن يزرعها سنته هذه فما رزقه الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان وقال له اعمل في ذلك برأيك فدفعها المزارع إلى رجل بالنصف فهو جائز وللآخر نصف الخارج لان عقد المزارع الاول معه بعد تفويض الامر إلى رأي الاول على العموم كعقد رب الارض فيستحق هو نصف الخارج والنصف الآخر بين الاول وبين رب الارض نصفين لان رب الارض ما شرط لنفسه هنا نصف جميع الخارج وانما شرط لنفسه نصف ما رزقه الله تعالى للاول وذلك ما وراء نصيب الآخر فكان ذلك بينهما نصفان وفيما تقدم

[ 74 ] انما شرط رب الارض لنفسه نصف جميع الخارج فلا ينتقض حقه بعقد الاول مع الثاني وكذلك لو قال على أن ما أخرج الله لك منها من شئ فهو بينا نصفين أو قال ما أصبت من ذلك من شئ فهو بيننا نصفان فهذا وقوله وما رزقك الله سواء ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها كان الاول مخالفا ضامنا حين زرعها الآخر لما قلنا والخارج بينهما نصفان ولا شئ منه لرب الارض ويضمن رب الارض بذره أيهما شاء وفى نقصان الارض خلاف كما بينا ولو لم يزرع الآخر حتى ضاع البذر من يده أو غرقت الارض ففسدت ودخلها عيب ينقصها فلا ضمان على واحد منهما في شئ من ذلك لان الاول بمجرد الدفع إلى الثاني لا يصير مخالفا (ألا ترى) انه لو دفع إليه البذر والارض واستعان به في عمل الزراعة أو استأجره على ذلك بدراهم لم يكن مخالفا وانما يصير مخالفا بايجاب الشركة للغير في الخارج وذلك لا يحصل بمجرد العقد ولا بدفع الارض والبذر إليه وانما تكون حقيقة الشركة عند حصول الخارج وسببه القاء البذر في الارض على طريق المزارعة فما لم يوجد هذا السبب لا يصير واحد منهما مخالفا فهذا لا ضمان على واحد منهما لرب الارض والدليل عليه أن الشركة بعقد المزارعة لا تكون في البذر بل تكون في النماء الحاصل من البذر وسببه ليس هو قبض المزارع البذر وانما سببه القاء البذر في الارض ولو دفع إليه أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف وقال له اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع إلى آخر مزارعة على ان للمزارع الآخر الثلثين مما تخرج الارض وللاول الثلث فهذا فاسد لان ايجاب الاول للثاني انما يصح في مقدار نصيبه من الخارج وقد أوجب له أكثر من نصيبه فالزيادة على مقدار نصيبه انما يوجبها له في نصيب رب الارض والبذر وهو غير راض بذلك أو قال له اعمل فيه برأيك لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم على أن يكون له نصف الخارج فلهذا فسد العقد وإذا حصل الخارج كان للآخر أجر مثله على الاول لانه استوفى عمله بحكم عقد فاسد جرى بينهما والزرع بين رب الارض والمزارع الاول نصفان لان عمل أجيره اجارة فاسدة بمنزلة عمل أجيره ان لو أستأجره بالدراهم اجارة صحيحة وذلك كعمله بنفسه فيكون الخارج بينهما على الشرط ويطيب لهما ذلك لانه لا فساد في العقد الذى جرى بينهما وانما الفساد في العقد المعقود على عمل المزارع الآخر ولسببه لا يتمكن الخبث في الخارج قال ولا يشبه هذا المضاربة يريد به ما بينا في كتاب المضاربة في هذه الصورة بعينها لان للمضارب الآخر نصف الربح نصيب المضارب الاول ويرجع على الاول

[ 75 ] بسدس الربح لان الربح دراهم أو دنانير فاستحقاق رب المال بعض ما شرطه الاول للثاني لا يبطل العقد بينهما ولكن يثبت للآخر حق الرجوع على الاول بمثله كما لو استاجره بدراهم أو دنانير باعيانها فاستحقت وفى المزارعة الذى أوجبه الاول للآخر طعام بعينه وهو الخارج من الارض واستحقاق رب الارض والبذر بعض ما أوجبه له يبطل العقد الذى جرى بينهما * يوضح الفرق انه لا مجانسة بين الآخر وبين الخارج من الارض فلا يمكن الجمع بينهما للمزارع الآخر بعقد واحد وفى المضاربة الاجر من جنس الربح فيجوز أن يجمع بينهما للمضارب الآخر على أن ما يأخذ مما شرط له من الربح مقدار ما تمكن الاول من تسليمه إليه ويرجع عليه بما زاد على ذلك إلى تمام حقه دراهم أو دنانير ولو لم يكن قال له اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها كان المزارع الاول مخالفا والخارج بينه وبين الآخر اثلاثا على شرطهما ويضمن رب الارض بذره أيهما شاء وفي نقصان الارض اختلاف كما بينا ولو كان رب الارض قال للاول اعمل فيه برأيك على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان والمسألة بحالها كان ثلثا الزرع للاخر والثلث بين الاول ورب الارض نصفان لان رب الارض ما شرط هنا لنفسه نصف الخارج بل نصف ما يرزقه الله تعالى المزارع الاول وذلك ما وراء نصيب مزارع الاخر فكان للمزارع الآخر جميع ما شرط له والباقى بين الاول ورب الارض نصفين على شرطهما (باب تولية المزارع ومشاركته والبذر من قبله) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا يزرعها سنته هذه ببذره على أن الخارج بينهما نصفان وقال له أعمل في ذلك برأيك أو لم يقل فدفعها إلى المزارع وبذرا معها إلى رجل من مزارعة بالنصف فهو جائز لان الاول هنا مستأجر للارض بنصف الخارج وله أن يتصرف في الارض التى أستأجرها بالدفع مزارعة على الوجه الذى يتصرف في أرض نفسه (ألا ترى) أنه لو استأجرها بدراهم كان له أن يدفعها مع البذر مزارعة بالنصف فذلك إذا استأجرها ببعض الخارج بخلاف ما سبق فهناك المزارع أجر رب الارض بنصف الخارج وحقيقة المعنى أن المستأجر عامل لنفسه فانما يوجب الشركة للاجير في حق نفسه وأما الاجير عامل المستأجر فانما هو يوجب الشركة للآخر في الخارج من بذر رب الارض فلهذا افترقا

[ 76 ] ثم إذا حصل الخارج هنا فنصفه للآخر بمقابلة عمله كما أوجبه له صاحب البذر ونصفه لرب الارض بازاء منفعة أرضه كما شرط له صاحب البذر ولا شئ لصاحب البذر لانه أوجب لغيره جميع الخارج من بذره بعقد صحيح وكذلك لو كان البذر من قبل الآخر لان الاول مستأجر للارض بنصف الخارج ثم أجرها من الآخر بنصف الخارج وللمستأجر أن يؤاجر فيما تتفاوت الناس في استيفائه ولو كان الشرط للمزارع الآخر ثلث الخارج في المسئلتين جميعا جاز وللآخر الثلث ولرب الارض النصف وللاول السدس طيب له لانه نماء بذره في المسألة الاولى وهو فاضل عما وجبه لغيره ولانه عاقد العقدين جميعا في المسألة الثانية فيسلم الفضل له باعتبار عقده فان قيل في المسألة الثانية وهو مستأجر للارض وقد أجره بأكثر مما استأجره في العقد الثاني من غير ان زاد من عنده شيئا فينبغي أن لا تطيب له الزيادة قلنا هذا في أجر يكون مضمونا في الذمة فيقال انه ربح حصل لا على ضمانة فاما في المزارعة فلا يتأتى هذا لان الاجر في العقد جزء من الخارج ولا يكون مضمونا في ذمة أحد وسلامته لكل واحد منهما باعتبار الشركة لا باعتبار أنه عوض عن منفعة الارض ولو كان رب الارض دفعها إليه على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان أو قال ما أصبت أو ما خرج لك من ذلك ولم يقل اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع وبذار معها إلى رجل بالنصف فنصف الخارج للآخر والنصف الآخر بين الاول ورب الارض نصفين لان رب الارض انما شرط لنفسه هنا نصف ما يرزق الله المزارع الاول وهو ما وراء نصيب المزارع الآخر فيستوي ان كان البذر من قبل الاول أو الآخر ولو دفع أرضه إلى الاول على أن يعملها ببذره على أن الخارج بينهما نصفان فدفعها الاول إلى الآخر على أن يعملها ببذره على أن للآخر ثلثى الخارج وللاول الثلث فعملها على ذلك فثلثا الخارج للآخر لان الخارج نماء بذره فلا يستحق الغير عليه شيئا منه الا بالشرط وانما شرط للاول ثلث الخارج ثم هذا الثلث يكون لرب الارض ولرب الارض على المزارع الاول أجر مثل ثلث أرضه لانه أستأجرها منه بنصف الخارج وقد حصل الخارج ولم يسلم له ثلث ذلك النصف بل استحقه المزارع للاجر واستحقاق بعض ما هو أجر للارض إذا كان بعينه يوجب الرجوع بحصته من أجر المثل اعتبار للبعض بالكل لانه لو استحق جميعه رجع بأجر مثل جيمع الارض فكذلك إذا استحق ثلثه ولو كان البذر من قبل الاول كان ثلثا الخارج للاجير كما أوجبه له المزارع الاول والثلث لرب الارض ولرب الارض أجر مثل ثلث

[ 77 ] أرضه على المزارع الاول * فان قبل هنا كل واحد منهما انما يستحق الخارج على الاول بالشرط وشرط النصف لرب الارض كان أسبق فكان ينبغى أن لا يستحق الاجر بايجاب الاول له شيئا من النصف الذي استحقه رب الارض * قلنا نعم ولكن الاستحقاق لا يثبت حقيقة قبل حصول الخارج وحكما قبل لزوم السبب والسبب في حق صاحب البذر لا يلزم قبل القاء البذر في الارض فصح منه اشتراطه ثلثى الخارج للاخر * يوضحه انا لو أبطلنا استحقاق الاجر في بعض ما شرط له بطل استحقاقه في الكل لانه لا يجوز الجمع له بين أجر المثل وشئ من الخارج فانه يعمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر ولو أبطلنا حق رب الارض فيما زاد على الثلث من الخارج استحق أجر المثل بمقابلة ذلك الجزء من الارض فالضرر الذى يلحقه يعوض بعدله والضرر الذي يلحق الاخر بغير عوض فلهذا كان الحكم فيه على ما ذكرنا ولو كان الاول دفعها إلى الاخر منحة على أن يزرعها لنفسه * لخارج كله له لانه نماء بذره ولم يوجب منه شيئا لغيره والمزارع الاول مستأجر للارض وللمستأجر أن يغرم لصاحب الارض على الاول أجر مثل أرضه لانه استأجر الارض منه بنصف الخارج وقد حصل الخارج واستحقه الاخر فيكون للاول عليه أجر مثله لفساد العقد بينهما باستحقاق البدل ولو كان البذر من قبل الاول فاستعان بانسان أو استأجره يعمل له فيها فنصف الخارج للاول ونصفه لرب الارض لان عمل أجيره ومعينه كعمله بنفسه ولو دفع إلى رجل أرضا يزرعها ببذره بالنصف ولم يقل اعمل فيه برأيك فشارك فيها رجلا آخر فأخرجا جميعا بذرا على أن يعملا والخارج بينهما نصفان جاز لان الاول استأجر الارض فهو في التصرف فيها بمنزلة المالك للارض والمالك للارض لو شارك فيها رجلا على أن يزرعها ببذر بينهما والخارج نصفان جاز ويكون هو معيرا نصف الارض من الآخر كذلك هنا ثم نصف الخارج للاخر لانه نماء بذره ونصفه بين الاول ورب الارض نصفان لانه شرط له نصف الخارج من الارض بازاء منفعة الارض وهذا الخارج الذى حصل له خارج من نصف الارض فيستحق نصفه بالشرط وعلى الاول لرب الارض أجر مثل نصف أرضه لان الخارج من النصف الآخر قد استحقه المزارع الآخر وقد كان المزارع الاول أوجب لرب الارض نصف ذلك فان لم يسلم له رجع عليه باجر المثل في ذلك النصف ولو اشترطا العمل على الاجير خاصة فهو فاسد لما بينا أن الاول جعل للثاني منفعة نصف الارض بمقابلة عمله في النصف الاخر من الارض له والمزارعة لا تحتمل

[ 78 ] مثل هذه المقابلة ثم نصف الزرع للاخر لانه نماء بذره وعليه نصف أجر مثل الارض للمزارع الاول لانه استوفى منفعة نصف الارض التى كانت مستحقة له بعقد فاسد ويتصدق المزارع الآخر بالفضل لانه ربح حصل له بسبب عقد فاسد تمكن في منفعة الارض ونصف الزرع بين الاول ورب الارض نصفان على شرطهما لانه لا فساد في العقد الذى جرى بينها فما سلم لهما يكون على الشرط بينهما طيبا لهما وعلى الاول لرب الارض أجر مثل نصف أرضه لانه شرط له النصف مما يخرج له جميع الارض وانما يسلم له النصف مما أخرجه نصف الارض فاما ما أخرجه النصف الآخر فقد استحق المزارع الاجر كله فلهذا كان عليه أجر مثل نصف الارض والله أعلم (باب دفع المزارع الارض إلى رب الارض أو مملوكه مزارعة) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن الخارج بينهما نصفان فقبضها ثم استعان برب الارض على عملها لم يضر ذلك والخارج بينهما على الشرط في المزارعة والاجر له في عمله لان استعانته برب الارض بمنزلة استعانته بغيره وعمل المعين بمنزلة عمل المستعين به ثم رب الارض والبذر ما أقام العمل على سبيل النقض منه للمزارعة وانما أقام العمل على سبيل التبرع منه على عامله وان كان استأجره على ذلك بدراهم معلومة كان الاجر باطلا لان وجوب الاجر يعتمد تسليم العمل إلى المستأجر وهو عامل في أرض نفسه ببذره فلا يكون مسلما عمله إلى غيره فلهذا لا يستوجب عليه شيأ من الاجر وإذا لم يستوجب الاجر كان هذا وما لو عمله على سبيل الاعانة سواء وهذا بخلاف ما إذا كان عمل رب الارض مشروطا في عقد المزارعة لان ذلك الشرط يعدم التخلية بين المزارع وبين رب الارض والبذر وقد بينا أن التخلية شرط العقد فكل شرط يفوته يكون مفسدا للعقد فأما في هذا الموضع فلا ينعدم استحقاق التخلية باعانة رب الارض المزارع فهو قياس المرهون إذا أعاده المرتهن من الراهن أو غصبه منه الراهن لم يبطل به الرهن بخلاف ما إذا شرطا أن يكون في يد الراهن في بعض المدة وكذلك ولو دفعها إليه يزرعها على أن له ثلث نصيبه فعملها على ذلك كان الامر بينهما على المزارعة الاولى لا يفسدها ما صنعا والشرط باطل لان رب الارض لا يكون مسلما عمله إلى المزارع فكما لا يستوجب عليه بمقابلة عمله

[ 79 ] دراهم وان شرط ذلك عليه فكذلك لا يستوجب جزأ من نصيبه من الخارج بل يكون هو متبرعا في العمل * فان قيل لماذا لم يجعل هذا من المزارع بمنزلة الحط لبعض نصيبه فقد شرط لنفسه نصف الخارج في العقد الاول ثم حط ثلثه بالعقد الثاني قلنا لان عقد الاجارة تمليك منفعة بعوض فلا يمكن أن يجعل هذا كناية عن الحط كما لا يجعل بيع المبيع من البائع قبل القبض هبة ثم هذا الحط ليس بمطلق بل هو بمقابلة العمل وكما لا يستحق بمقابلة عمله في أرضه وبذره عوضا على الغير فكذلك لا يستحق حط شئ مما استحقه الغير عليه ولو كان استأجر على العمل اجراء كان اجر الاجراء على المزارع لان العمل مستحق عليه فانما استأجرهم لايفاء ما هو مستحق عليه فيكون الاجر لهم بمقابلة دين في ذمته ولو كان استأجر على ذلك عبد رب الارض بدراهم معلومة ولا دين عليه فالاجارة باطلة لان كسب العبد الذى لا دين عليه لمولاه فكما لا يستحق المولى باعتبار عمله أجرا على المزارع وان شرط ذلك عليه فكذلك لا يستحقه بعمل عبده وان شرط ذلك عليه وان كان على العبد دين فالاجارة جائزة والاجر واجب لان كسب العبد المديون لغرمائه فاستئجار العبد على العمل في هذه الحالة كاستئجار بعض غرمائه وان استأجر مكاتب رب الارض أو ابنه جاز لان المولى من كسب مكاتبه وانبه أبعد منه من كسب عبده المديون وكذلك لو كان البذر من قبل المزارع في جميع هذه الوجوه فهما في المعنى مستويان لان رب الارض انما يعمل في الارض وهو في عمله في أرضه لا يستوجب الاجر على غيره والمعاملة في جميع ذلك قياس المزارعة ولو دفع إليه أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف فلما تراضيا على ذلك أخذ صاحب الارض البذر فبذره بغير أمر المزارع فاخرجت زرعا كثيرا فذلك كله لرب الارض وقد بطلت المزارعة لان عقد المزارعة لا يتعلق به اللزوم من قبل صاحب البذر قبل القاء البذر في الارض فينفرد صاحب الارض بفسخ العقد وقد صار فاسخا حين أخذه بغير أمر المزارع وزرعه لانه لا يمكن أن يجعل معينا له لانه استعان به وليس لاحد أن يعين غيره بغير رضاه فكان فاسخا للعقد بخلاف الاول فان هناك يمكن أن يجعل معينا له لانه استعان به فلا يجعل فاسخا للعقد لانه امتنع من العمل حتى استعان به فعرفنا أن قصده اعانته لا فسخه العقد بينهما ولو كان البذر من قبل المزارع والمسألة بحالها كان الزرع لرب الارض لانه غاصب للبذر حين أخذه بغير أمر المزارع فالعقد لم يكن لازما في جانب المزارع

[ 80 ] قبل القاء البذر في الارض وصاحب الارض لا يملك أن يلزمه العقد بغير رضاه فيصير هو غاصبا للبذر ومن غصب بذرا فزرعه في أرض نفسه أو غيره كان الخارج كله له وعليه بذر مثل ذلك البذر ولا شئ له على المزارع لانه لم يسلم للمزارع شئ من منفعة الارض ولكن رب الارض فوتها عليه ولو فوتها غاصب آخر لم يكن لرب الارض على المزارع شئ فهذا أولى والله أعلم (باب الشروط التى تفسد المزارعة) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا له مزارعة على أن يزرعها سنته هذه ببذره وعمله بالنصف وعلى أن يكرى العامل أنهارها فالمزارعة فاسدة لان رب الارض مؤاجر أرضه بنصف الخارج وكرى الانهار على المؤاجر كما لو أجرها بدراهم وهذا لان بكرى الانهار يأتيها الماء ويتمكن المستأجر من الانتفاع بها وما لم يتمكن المستأجر من الانتفاع لا يستوجب الاجر فإذا ثبت أن كرى الانهار على المستأجر قلنا إذا شرط على المستأجر فكأنه شرط لنفسه مع نصف الخارج مؤنة كرى الانهار بمقابلة منفعة الارض وذلك مفسد للعقد ثم منفعة كري الانهار تبقى بعد مضي مدة المزارعة وشرط ما تبقى منفعته بعد مضى المدة على المزارع مفسد للعقد فان عمل علي هذا وكري الانهار كان الخارج للعامل لان البذر من قبله ولصاحب الارض أجر مثل أرضه لانه استوفى منفعة أرضه بعقد فاسد وللعامل على صاحب الارض أجر مثل عمله في كرى الانهار لانه استوفى منفعة عمله بعقد فاسد فيتقاصان ويترادان الفضل ولو لم يكن كرى الانهار مشروطا على العامل في العقد ولكن العامل كري الانهار بنفسه فالمزارعة جائزة ولا أجر له في كريها لانه تبرع بايفاء ما ليس بمستحق عليه فهو بمنزلة ما لو حوطها وكذلك اصلاح المسناة فان ذلك على رب الارض بمنزلة كرى الانهار فان شرط على المزارع في العقد فسد به العقد وان باشره من غير شرط فالعقد جائز ولا أجر له فيما عمل ولو كان البذر من رب الارض وقد شرط على العامل لنفسه شيأ وراء ما يقتضيه المزارعة ومنفعة هذا تبقى بعد مضى مدة المزارعة فيفسد به العقد ويكون الخارج كله لصاحب الارض وللعامل أجر مثل عمله في جميع ذلك لان صاحب الارض لستوفى جميع عمله بعقد فاسد ولو اشترطا على رب الارض كرى الانهار واصلاح المسناة حتى يأتيه الشرب كانت المزارعة جائزة على شرطهما سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الارض

[ 81 ] لان هذا العمل على رب الارض بدون الشرط فالشرط لا يزيده الا وكادة وليس شئ منها على العامل فاشتراطهما عليه اشتراط عوض مجهول وهو خلاف ما يقتضيه العقد فيفسد به العقد ونظيره ما لو استأجر دارا بدراهم مسماة على أن يطين رب الدار سطوحها وعلى أن يصلح مساربها لمسيل الماء جاز ذلك لان هذا على رب الدار بدون الشرط فانه إذا لم يفعله رب الدار فوكفت البيوت وجاء من ذلك ضرر بين كان للمستأجر أن يخرج من الدار فاشتراطه عليه لا يزيده الا وكادة ولو اشترط رب الدار ذلك على المستأجر كانت الاجارة فاسدة لان اشتراطه هذه الاعمال عليه كاشتراط مؤنتها لنفسه بمقابلة منفعة الدار وهى مجهولة ولو اشترط على رب الارض كرابها أو الكراب والثنيان فان كان البذر من العامل فالمزارعة فاسدة لان العقد في جانب الارض يلزم بنفسه وموجبه التخلية بين الارض والمزارع واشتراط الكراب والثنيان عليه يفوت موجب العقد فيفسد به العقد ثم الكراب والثنيان من عمل الزراعة واشتراط بعض عمل الزراعة على رب الارض مفسد للعقد كاشتراط الحفظ ثم الخارج كله لصاحب البذر ولصاحب الارض أجر مثل أرضه وعمله في الكراب والثنيان ولم يرد به ان عمله في الكراب والثنيان يتقوم على العامل وانما مراده أنه يغرم أجر مثل الارض مكروبة أو مكروبة مسناة لانه استوفى منفعتها في وقت القاء البذر فيها وهى بهذه الصفة وان كان البذر من رب الارض فالمزارعة جائزة لان لزوم العقد من جهة صاحب البذر لا يكون قبل القاء البذر في الارض والكراب والثنيان يسبق ذلك فاشتراطه على رب الارض لا يضر ولان الكراب في الثنيان بالبقر يكون واشتراط البقر على رب الارض جائز إذا كان البذر من قبله ولا يجوز إذا كان البذر من قبل المزارع فكذلك اشتراط الكراب والثنيان ولو اشترط على أحدهما بعينه أن يسرقنها أو يعذرها والبذر من قبل العامل فالمزارعة فاسدة لانه ان شرط لك على العامل فقد شرط عليه ما تبقي منفعته في الارض بعد مضى مدة المزارعة وشرط عليه اتلاف عين مال لا يقتضيه عقد المزارعة وذلك مفسد للعقد وان شرط على رب الارض فذلك بمنزلة شرط الكراب والثنيان عليه لان هذا من عمل الزراعة فاشتراطه على رب الارض يكون مفسدا للعقد ويكون الخارج كله للعامل ولصاحب الارض أجر مثل أرضه وأجر مثله عمله فيما عمل من ذلك وقيمة سرقينه ان كان ذلك من قبله وان كان من قبل العامل لم يكن له على رب الارض من قبل ذلك شئ وان كان فيه منفعة لرب الارض فيما بقى

[ 82 ] لان العامل انما عمل لنفسه وما بقى لرب الارض أثر عمله وان لم يتقوم أصل عمله على رب الارض فكذلك أثر عمله وان كان البذر من رب الارض فان كان اشترط عليه ذلك فالمزارعة جائزة بمنزلة اشتراط الكراب والثنيان وهذا لان القاء السرقين والعذرة في الارض يكون قبل الزراعة وقبل الكراب أيضا وان لزوم العقد في جانب صاحب البذر عند القاء البذر في الارض فكأنه استأجره للعمل بنصف الخارج بعد ما فرغ من القاء العذرة والسرقين وان شرطاه على العامل فالمزارعة فاسدة لانهما شرطا على العامل ما تبقى منفعته بعد مضى مدة المزارعة وللعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة ما طرح من السرقين لان صاحب الارض استوفى ذلك كله بعقد فاسد فهو نظير من أستأجر صباغا اجارة فاسدة ليصبغ ثوبه بصبغ من عنده ففعل ذلك فانه يكون له أجر مثل عمله وقيمة صبغه لو اشترط على العامل أن لا يعذرها ولا يسرقها والبذر منه أو من صاحب الارض فالمزارعة جائزة والشرط باطل لان هذا شرط لا طالب به فان في القاء العذرة والسرقين في الارض منفعة للارض وليس فيه مضرة والمطالبة بالوفاء بالشرط يكون لتوفر المنفعة أو لدفع الضرر فإذا انعدم ذلك في هذا الشرط عرفنا أنه لا مطالب به فلا يفسد العقد به واستدل في الكتاب بحديث ابن عمر رضى الله عنه أنه كان إذا أجر أرضه اشترط على صاحبها أن لا يدخلها كلبا ولا يعذرها وقد بينا أنه انما كان يشترط ذلك لمعنى التقذر ولو كان هذا من الشروط التى تفسد الاجارة ما اشترطه ابن عمر رضى الله عنه على من استأجر منه أرأيت لو اشترط عليه أن لا يدخلها كلبا كما اشترطه ابن عمر رضى الله عنه كان هذا مفسدا للمزارعة وليس يفسدها هذا ويتخير المزارع ان شاء أدخلها كلبا وان شاء لم يدخلها فكذلك إذا شرط عليه أن لا يعذرها ولا يسرقنها يتخير المزارع في ذلك فلو اشترط العامل على رب الارض دولابا أو دالية باداتها وذلك بعينه عند رب الارض أو لم يكن عنده فاشتراه فأعطاه اياه فعمل على هذا والبذر من العامل فالمزارعة فاسدة وان شرط ذلك لرب الارض على العامل جاز وكان ذلك على العامل وان لم يشترط رب الارض لانه مما يسقى به الارض والسقي على العامل فاشتراطه ما يتأتى به السقي عليه يكون مقررا لمقتضى العقد وليس السقى على رب الارض فاشتراط ما يتأتى به السقى على رب الارض بمنزلة اشتراط السقي عليه وذلك مفسد للعقد وكذلك الدواب التى يسقى عليها بالدولاب ان اشترطها على رب الارض فالمزارعة فاسدة

[ 83 ] وان اشترطها على العامل جاز لان اشتراط الدولاب للسقي كاشتراط البقر للكراب وقد بينا أن اشتراط البقر على رب الارض مفسد للعقد إذا كان البذر من قبل العامل واشتراطها على العامل لا يفسد العقد فكذلك اشتراط الدواب للسقي وكذلك لو اشترط الدولاب والدواب على العامل وشرط علف الدواب كذا مختوما وشعيرا وسطا كل شهر وكذا من القت وكذا من التبن بشئ معروف من ذلك على رب الارض فالمزارعة فاسدة لان ما يشترط على رب الارض لعلف دواب المزارع يكون مشروطا للمزارع واشتراط شئ له من غير ما تخرجه الارض يكون مفسدا للمزارعة فانها شركة في الخارج فلا يجوز أن يستحق بها مال آخر فان حصل الخارج فهو كله لصاحب البذر ولصاحب الارض أجر مثل أرضه ومثل ما أخذ منه المزارع من الشعير والقت والتبن لانه استوفى ذلك بعقد فاسد ولو كان اشتراط ذلك كله على العامل جاز لان علف دوابه عليه بغير شرط فالشرط لا يزيده الا وكادة ولو كان البذر من رب الارض فاشترط ذلك كله على صاحب العمل جاز بمنزلة اشتراط البقر للكراب عليه وكذلك ان اشترط على رب الارض لانه لو اشترط عليه البقر للكراب في هذه الحالة يجوز فكذلك إذا شرط عليه الدولاب والدواب للسقي وهذا لان المزارع أجيره فانما استأجره ليقيم العمل باداة المستأجر وذلك صحيح وإذا اشترطا الدواب والدولاب على رب الارض وعلف الدواب شيأ معروفا على المزارع فسدت المزارعة لانه شرط على المزارع علف دواب غيره وذلك بمنزلة اشتراط رب الارض على المزارع طعام غلامه وذلك مفسد للمزارعة سواء سمى طعاما معروفا أو لم يسم لان ذلك بمنزلة الاشتراط منه لنفسه وكذلك لو اشترطا الدواب والدولاب على المزارع وعلف الدواب على رب الارض ولو اشترطا الدابة وعلفها على أحدهما والدولاب على الاخر جاز لان علف الدابة مشروط على صاحب الدابة وهو عليه بغير شرط ثم في هذا الفصل اشتراط الدواب والدولاب على أحدهما صحيح أيهما كان فكذلك اشتراط كل واحد منهما على أحدهما بعينه يكون صحيحا والله أعلم (باب المزارعة يشترط فيها المعاملة) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا بيضاء مزارعة وفيها نخيل على أن

[ 84 ] يزرعها ببذره وعمله على أن ما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان واشترطا ذلك سنين معلومة فهذا فاسد لان في حق الارض العامل مستأجر لها بنصف الخارج على أن يزرعها ببذره وفى حق النخيل رب النخيل مستأجر للعامل ليعمل فيها بنصف الخارج فهما عقدان مختلفان لاختلاف المعقود عليه في كل واحد بينهما وقد جعل أحد العقدين شرطا في الآخر وذلك مفسد للعقد لنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صفقتين في صفقة ثم الخارج من الارض كله لصاحب البذر وعليه اجر مثل الارض لصاحب الارض ويتصدق المزارع بالفضل لانه ربى زرعه في أرض غيره بعقد فاسد والخارج من النخل كله لصاحب النخل وللعامل أجر مثل عمله فيما عمل في النخيل ويطيب الخارج كله لصاحب النخل وكذلك لو كان الشرط بينهما في النخل على الثلث والثلثين أو في الزرع على الثلث والثلثين فالجواب واحد وهذا أبين للمعنى الذى بينا أن العقد مختلف فيها ولو كان البذر من صاحب الارض والمسألة بحالها جاز العقد لانه استأجر العامل ليعمل في أرضه ونخله فيكون العقد بينهما واحدا لاتحاد المعقود عليه وهو منفعة العامل فهو بمنزلة مالو دفع إليه أرضين مزارعة ليزرعها ببذر صاحب الارض وكذلك لو اشترطا على العامل في النخيل تسعة أعشار الثمار وفى الزرع النصف لان العقد لا يختلف باختلاف مقدار البذر المشروط كما لو استأجره لعمل معلوم بمائة درهم وبدينار يكون العقد واحدا وانما يختلف العقد باختلاف المعقود عليه والمعقود عليه واحد وهو عمل العامل ولو دفع إليه أرضا وكرما على نحو هذا كان الجواب كالجواب في النخل لاتفاقهما في المعنى ولو دفع إليه أرضا بيضاء فيها نخيل فقال أدفع اليك هذه الارض تزرعها ببذرك وعملك على أن الخارج من ذلك بينى وبينك نصفان وأدفع اليك ما فيها من النخيل معاملة على أن تقوم عليه وتسقيه وتلقحه فما خرج من ذلك فهو بينى وبينك نصفان أو قال لك منه الثلث ولى الثلثان وقد وقتا لذلك سنين معلومة فهو جائز لانه لم يجعل أحد العقدين هنا شرطا في الاخر وانما جعله معطوفا على الآخر لان الواو للعطف لا للشرط بخلاف الاول فهناك جعل أحد العقدين شرطا في الآخر لان حرف على للشرط (ألا ترى) أنه لو قال أبيعك هذه الدار بالف درهم على أن تستأجر منى هذه الدار الاخرى شهرا بخمسة دراهم كان هذا فسدا لان هذا بيع شرطت فيه اجارة ولو قال أبيعك هذه الدار بألف وأؤجرك هذه الدار الاخرى شهرا بخمسة دراهم كان جائزا لانه لم يجعل أحدهما شرطا في صاحبه وكذلك لو قال أبيعك هذه الدار

[ 85 ] بألف درهم على أن أبيعك هذه الامة بمائة دينار كان العقد فاسدا بخلاف ما لو قال وأبيعك هذه الامة وقد أجاب في الزيادات في مسألة البيع بخلاف هذا وقد بينا وجه الروايات والتوفيق فيما أملينا من شرح الزيادات وكذلك لو دفع إليه أرضا وكرما وقال ازرع هذه الارض ببذرك وقم على هذا الكرم فاكسحه واسقه فهذا صحيح لانه ما شرط أحد العقدين في الآخر فلا يفسد واحد منهما والله أعلم (باب الخلاف في المزارعة) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف سنته هذه فهو فاسد لانها لم يسميا البذر من أحدهما بعينه والمعقود عليه يختلف باختلاف من البذر من قبله لانه ان كان البذر من قبل رب الارض فالمعقود عليه منفعة العامل وان كان من قبل العامل فالمعقود عليه منفعة الارض وجهالة المعقود عليه مفسدة للعقد ثم هذه جهالة تفضى إلى المنازعة بينهما لان كل واحد منها يقول لصاحبه البذر من قبلك وليس الرجوع إلى قول أحدهما باولى من الرجوع إلى قول الآخر ويحكى عن الهندوانى رحمه الله انه قال هذا في موضع ليس فيه عرف ظاهر يكون البذر من أحدهما بعينه أو كان العرف مشتركا فأما في موضع يكون فيه عرف ظاهر يكون البذر من أحدهما بعينه فان العقد يكون صحيحا والبذر من قبله لان الثابت بالعرف كالثابت بالشرط كما لو اشترى بدراهم مطلقة تنصرف إلى نقد البلد للعرف فتنقطع المنازعة بينهما بالرجوع إلى الظاهر المتعارف وكذلك لو قال للمزارع على أن تزرعها سنتك هذه لان من البذر من قبله لا يتعين بهذا اللفظ فالمزارع هو الذى يزرع البذر سواء كان البذر من رب الارض أو من قبله ولو قال على أن تزرعها سنتك هذه لنفسك بالنصف فهو جائز استحسانا والبذر من قبل المزارع لانه انما يكون عاملا لنفسه إذا كان البذر من قبله فيكون هو مستأجرا للارض فأما إذا كان البذر من قبل رب الارض فيكون هو أجيرا عاملا لرب الارض ففى لفظه ما يدل على اشتراط البذر على المزارع فيكون ذلك كالتصريح به وكان القياس أن لا يجوز حتى يسمى ما يزرعها لان بعض الزرع أضر على الارض من بعض فما لم يبين جنس البذر لا يصير مقدار ما يستوفيه من منفعة الارض معلوما وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة لان رب الارض يطالبه بان يزرع فيها أقل ما يكون ضررا على الارض والمزارع

[ 86 ] يأبى الا أن يزرع فيها أضر الاشياء بالارض وكذلك في جهالة جنس البذر جهالة جنس الاجر لان الاجر جزء من الخارج وذلك لا يصير معلوما الا بتسمية جنس البذر ولكنا نستحسن أن نجيز العقد ونجعل له أن يزرعها ما بدا له من غلة الشتاء والصيف من الحنطة والرطبة والسمسم والشعير ونحو ذلك أما لان بطريق العرف يحصل تعيين جنس البذر بتعيين الارض فان أهل الصنعة يعلمون كل أرض صالحة لزراعة شئ معلوم فيها أو لانه لا تجرى المنازعة بين رب الارض والمزارع فيها لما لكل واحد منهما من الحظ في ذلك أو لان المزارع مستأجر للارض ومنفعة الارض معلومة بتعين الارض والضرر في أنواع ما يزرعها فيها يتفاوت فلا يفسد العقد كما لو استأجر دار للسكنى ولم يبين من يسكنها وليس له أن يغرس فيها كرما ولا شجرا لانه قال في العقد ازرعها لنفسك وعمل الغرس غير عمل الزراعة والتفاوت بينهما في الضرر على الارض فاحش فلا يستفيد أعظم الضررين عند التصريح بأدناهما كما لو أستأجر حانوتا ليسكنها لم يكن له أن يقعد فيها قصارا ولا حدادا ولو كان دفعها إليه على أن يزرعها سنته هذه لصاحب الارض بالنصف فهو جائز والبذر من رب الارض لانه انما يكون زارعا لصاحب الارض إذا كان هو اجيرا له في العمل ولرب الارض أن يستعمل الزارع في زراعة ما بدا له فيها من غلة الشتاء والصيف استحسانا وكان القياس أن لا يجوز حتى يبين ما يزرع أو يشترط التعميم فيقول على أن يزرع لي ما بدا لي من غلة الشتاء والصيف لان العمل يتفاضل في ذلك والعمل في بعض أنواع الزرع يكون أشد على العامل من بعض فاما أن يبين جنس البذر ليصير مقدار العمل به معلوما أو يصرح باشتراط الخيار لنفسه في ذلك ولكن في الاستحسان لا يشترط هذا لما قلنا ولو دفعها إليه على أن يزرعها سنته هذه مابدا للمزارع من غلة الشتاء والصيف فهو جائز والبذر من قبل العامل لان تفويض الامر إلى رأيه على العموم دليل أن يكون عاملا لنفسه في الزراعة ولو قال ما بدا لرب الارض كان البذر من رب الارض لان التنصيص على كون الرأي فيه إليه دليل على أن المزارع عامل له وذلك إذا كان البذر من قبل رب الارض وكذلك لو قال رب الارض تزرعها ما أحببت أنا أو اشئت أنا أو ما أردت أنا فهذا كله دليل على أن البذر من قبل رب الارض ولو قال ما شئت أنت أو ما أحببت أنت أو ما أردت أنت فهو دليل على أن البذر من العامل والعقد جائز في الفصلين استحسانا وفى القياس لا يجوز حتى يببنا من البذر من قبله أيهما هو لان مع اشتراط

[ 87 ] الرأى لاحدهما يجوز أن يكون البذر من قبل الآخر (ألا ترى) انهما لو صرحا بذلك كان البذر من قبله فإذا سكتا عن ذكره كان من البذر من قبله مجهولا منهما ولكنه استحسن فقال الظاهر انه انما شرط المشيئة والمحبة والارادة في البذر على العموم لمن البذر من قبله وهذا الظاهر يسقط اعتباره عند التصريح بخلافه وعند عدم التصريح بخلافه يبقى معتبرا كتقديم المائدة بين يدى انسان يكون اذانا في التناول بدليل العرف وان صرح بخلافه فقال لا تأكل لم يكن ذلك اذنا في التناول ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه بالربع ولم يسميا غير ذلك فالمزارعة جائزة والربع للزارع ان اختلفا فيه قبل العمل أو بعده لان حرف الباء للالصاق وانما يصحب الاعواض فيكون هذا اشتراط الربع لمن يستحق الخارج عوضا وهو المزارع فانه يستحقه عوضا عن عمله فاما صاحب الارض والبذر فانما يستحقه لانه نماء بذره * يوضحه ان المزارع هو المحتاج إلى بيان نصيبه بالشرط فاشتراط الربع مطلقا انما ينصرف إلى بيان نصيب من يحتاج إلى الشرط ولو قال دفعت اليك هذه الارض على أن تزرعها ببذرك وعملك بالربع كان الربع لرب الارض لانه هو الذى يستحق الخارج هنا عوضا عن منفعة الارض وهو المحتاج إلى الشرط للاستحقاق ولو دفعها إليه على أن يزرعها حنطة من عنده بالنصف لم يكن له أن يزرعها غير الحنطة وان كان أقل ضررا على الارض لانهما شرطا زراعة الحنطة في عقد لازم وهذا شرط مفيد فيجب الوفاء به بخلاف ما إذا استأجرها بدراهم ليزرعها حنطة فزرعها شيئا هو أقل ضررا على الارض لم يضمن وعليه الاجر لان تعيين الحنطة هناك غير مفيد في حق رب الارض فان حقه في الاجر وهو دراهم يستوجبها بالتمكن من الزراعة وان لم يزرعها فلا يعتبر تعيينها بالحنطة الا في معرفة مقدار الضرر على الارض فإذا زرع فيها ما هو أقل ضررا لم يكن مخالفا اما في المزارعة فتعيين الحنطة شرط مفيد في حق رب الارض لان حق رب الارض في نصف الخارج فانما جعل له الاجر من الحنطة فلا يكون له أن يحول حقه إلى شي آخر بزراعته فيها وان كان ذلك أقل ضررا لم يكن مخالفا وكذلك لو قال خذ هذه الارض لتزرعها حنطة فهذا شرط بمنزلة قوله عل أن تزرعها الحنطة وقد بينا هذه الفصول في المضاربة ولو دفع إليه الارض والبذر على أن يكون للمزارع ربع الخارج ولرب الارض نصفه فهو جائز وثلاثة ارباع الزرع لرب الارض والبذر لان المزارع هو الذى يستحق بالشرط فلا يستحق غير ما شرط له وما وراء ذلك مما هو مسكوت عنه يكون لصاحب البذر

[ 88 ] لان استحقاقه يكون نماء بذره لا بالشرط ولو دفع إليه أرضا فقال قد أجرتك هذه الارض هذه السنة مزارعة بالنصف فهو جائز والبذر من العامل لان رب الارض نص على انه مؤاجر للارض وانما يكون كذلك إذا كان البذر من قبل العامل وكذلك لو قال أجرتك هذه الارض هذه السنة على أن تزرعها بالنصف أو لتزرعها بالنصف فهو جائز والبذر من قبل العامل ولو قال أجرتك هذه الارض هذه السنة بالنصف كان فاسدا لانه لم يسم زرعا ولا غرسا والتفاوت بينهما في الضرر على الارض فاحش ورب الارض هو المؤاجر لارضه لكل واحد منهما فإذا لم يبينا ذلك كان العقد فاسدا فان لم يتفاسخا حتى زرعها أو غرسها وقد أجرها اياه سنين مسماة كان الخارج بينهما نصفين استحسانا لانه تعين المعقود عليه في الانتهاء قبل وجوب البدل فيجعل كتعينه في الابتداء وهو نظير ما تقدم في الاجارات إذا استأجر دابة للركوب أو ثوبا للبس ولم يبين من يركبها ولا من يلبسها ولو قال له أستأجرتك هذه السنة تزرع في هذه الارض بالنصف جاز والبذر من رب الارض فما أعطاه من حبوب أو رطبة فعليه أن يزرعها لانه صرح باستئجاره للزراعة وانما يكون رب الارض مستأجرا للزارع إذا كان البذر من قبله ولو أراد رب الارض ان يدفع إليه شجرا أو كرما يغرسه فيها فللعامل أن يمتنع من ذلك لانه استأجره للزراعة وهذا العمل لا يقع عليه اسم الزراعة مطلقا انما يسمى غراسة وما شرط عليه في العقد عمل الغراسة فليس له أن يكلفه ذلك ولو قال استأجرتك تعمل في هذه الارض عشر سنين بالنصف فهذا فاسد لان العمل المشروط عليه مجهول وبين عمل الزراعة والغراسة تفاوت عظيم فان لم يتفاسخا حتى أعطاه رب الارض بذرا فبذره أو غرسا فغرسه وعمله كان الخارج منهما على شرطهما استحسانا وجعل التعيين في الانتهاء بتراضيهما كالتعيين في الابتداء وهو نظير الاول على ما بينا والله اعلم (باب اختلافهما في المزارعة فيما شرط كل واحد منهما لصاحبه) (قال رحمه الله) وإذا كان البذر من رب الارض فأخرجت الارض زرعا كثير فقال رب الارض شرطت لك الثلث وقال المزارع شرطت لى النصف فالقول قول رب الارض مع يمينه لان المزارع يستحق عليه الخارج بمقابلة عمله بالشرط فهو يدعى زيادة فيما شرط له ورب الارض ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه وعلى المزارع البينة على ما أدعى وتترجح

[ 89 ] بينته عند المعاوضة لما فيها من اثبات الزيادة ولا يصار إلى التحالف عند أصحابنا جميعا رحمهم الله بعد استيفاء المنفعة لخلوه على الفائدة وقد بينا ذلك في الاجارات وان اختلفا قبل أن يزرع شيئا تحالفا وترد اليمين عليه أيضا وهنا أول المزارعة لان المزارعة عقد محتمل للفسخ فإذا اختلفا في مقدار البدل فيه حال قيام المعقود عليه تحالفا وترادا ويبدأ بالمزارع في اليمين وهذا قول أبى يوسف الاخر وهو قول محمد رحمه الله وقد بينا ذلك في البيوع ان البداءة في البيع بيمين المشترى لان أول التسليمين عليه فأول التسليمين على المزارع ثم العقد لازم في جانبه حتى لا يتمكن من الفسخ من غير عذر وصاحب البذر يتمكن من ذلك فكانت اليمين في جانبه ألزم وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله كاقراره وان أقاما البينة قبل التحالف أو بعده فالبينة بينة المزارع لانها مثبتة للزيادة واليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة ولو اختلفا والبذر من العامل وقد أخرجت الارض الزرع فالقول قول العامل لان رب الارض هو الذى يستحق الخارج عليه بالشرط فإذا ادعى زيادة فيما شرط له كان عليه أن يثبت تلك الزيادة بالبينة وعلى الآخر اليمين لانكاره وان اختلفا قبل أن يزرع تحالفا ويبدأ بيمين صاحب الارض لان أول التسليمين عليه ولان لزوم العقد هنا في جانبه وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على ان للمزارع ثلث الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه والثلثان من نصيب الآخر فهذا جائز وله ستة من ثمانية عشر سهما والباقى بين صاحبي الارض خمسة أسهم منه للذى شرط للمزارع الثلثين من نصيبه وسبعة للآخر لان المزارع أجبرهما في العمل وقد استأجراه بجزء معلوم من الخارج وبينا مقدار ماله من نصيب كل واحد منهما من ذلك الجزء وذلك مستقيم فالاجير قد تسامح مع أحد المستأجرين دون الآخر وقد تعينت مع أحدهما وطلب الاجر من الآخر فإذا صح هذا الشرط احتجنا في التخريج إلى حساب له ثلث ينقسم أثلاثا وذلك تسعة الا أن أصل الخارج بينهما نصفان فليس لتسعة نصف صحيح فيضعف الحساب ويجعل الخارج على ثمانية عشر سهما نصيب كل واحد منهما تسعة وقد شرطا للمزارع ثلث الخارج وهو ستة ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب أحدهما ونصيبه كان تسعة فإذا استحق المزارع من ذلك أربعة بقى له خمسة وثلث ذلك وهو سهمان من نصيب الاخر وقد كان نصيبه تسعة فلما استحق المزارع من ذلك سهمين بقى له سبعة ولو كانا اشترطا للمزارع الثلث ولم يزد على هذا كان الزرع بينهما اثلاثا لان المشروط

[ 90 ] للمزارع مطلقا يكون من النصيبين على السواء فإذا استحق المزارع ثلث الخارج بقى الباقي بينهما على ما كان أصل الخارج فيكون بينهم اثلاثا ولو كان اشترطا الثلث للزارع ثلثه من نصيب هذا بعينه والثلث من نصيب الآخر وما بقى بين صاحبي الارض نصفين فللمزارع الثلث ستة من ثمانية عشر والباقى بينهما لاحدهما خمسة وللآخر سبعة كما خرجنا واشتراط المناصفة فيما بينهما فيما بقى باطل لان الذي شرط للمزارع ثلثى الثلث من نصيبه باشتراط المناصفة في الباقي يستوهب من نصيب صاحبه سهما واحدا ليكون ستة له من الباقي ولصاحبه ستة واستيهاب المعدوم باطل وهو طمع منه في غير مطمع ولانه طمع في شئ من نصيب صاحبه من الخارج من غير أن يكون له أرض ولا بذر ولا عمل وعقد المزارعة انما كان بينهما وبين المزارع والشرط الباطل فيما بينهما لا يؤثر في العقد الذى بينهما وبين الزارع ولو دفع رجل إلى رجلين أرضا بينهما نصفين ليزرعاها ببذرهما وعملهما على أن لصاحب الارض ثلث الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه وثلثاه من نصيب الآخر فهو جائز لانه أجر الارض منهما بجزء معلوم من الخارج وفاوت بينهما ذلك الاجر وذلك مستقيم فانه لا تتفرق الصفقة في حقه بهذا التفاوت فإذا حصل الخارج كان له الثلث ستة من ثمانية عشر والباقى بين العاملين على اثنى عشر سهما خمسة للذى شرط لرب الارض ثلثى الثلث من نصيبه لان نصيبه كان تسعة وقد أوجب للمزارع من ذلك أربعة فبقي له خمسة والآخر انما أوجب لرب الارض سهمين من نصيبه فبقى له سبعة فإذا كانا اشترطا أن الباقي بعد الثلث بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لان الذى شرط ثلثى الثلث من نصيبه لرب الارض شرط لنفسه سهما من نصيب صاحبه ليستوي به وكان صاحبه عاقده عقد المزارعة في نصيبه بهذا السهم الذى شرط له وشرط عمله معه وذلك مفسد لعقد المزارعة بخلاف الاول فهناك ليس بين صاحبي الارض شبهة عقد فاشتراط أحدهما لنفسه سهما من نصيب صاحبه استيهاب للمعدوم وإذا فسد العقد كان الخارج بين المزارعين نصفين ولرب الارض أجر مثل أرضه أخرجت الارض شيئا أو لم تخرج * فان قيل كان ينبغى أن لا يفسد العقد بينهما وبين رب الارض لان المفسد ممكن فيما بينها ولم يتمكن في العقد الذي فيما بينهما وبين رب الارض * قلنا العقد كله صفقة واحدة بعضه مشروط في البعض فيتمكن المفسد منه وفى جانب منه يفسد الكل ثم قد يمكن المفسد بينهما وبين رب الارض من وجه وهو ان الذى شرط الثلثين لرب الارض من نصيبه كأنه شرط ربع ذلك

[ 91 ] على صاحبه ليستوي به فيما بقى واشتراط شئ من الاجر في الاجارة على غير المستأجر يكون مفسدا للاجارة ولو دفع رجلان أرضا وبذرا إلى رجل ليزرعها على أن للعامل ثلث الخارج والثلثان من ذلك لاحد صاحبي الارض ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه فعمل على ذلك فللعامل ثلث الخارج والباقى بين صاحبي الارض نصفين لان البذر بينهما نصفان والعامل اجيرهما بالثلث فاستحق الثلث بمطلق الشرط من نصيبهما سهمين وكان الباقي بينهما نصفين فالذي شرط له ثلاثة أرباع ما بقى يكون شرطها له نصف ما بقى من صاحبه لنفسه وهذا منه استيهاب المعدوم أو طمع في غير مطمع فيلغو ولو كان البذر من قبل العامل والمسألة بحالها جاز وكان الباقي بينهما على الشرط ثلاثة أرباعه للذى شرط ذلك له وربعه للآخر لان العامل هنا متسأجر للارض منهما وانما استحقاق الخارج عليه بالشرط فيكون لكل واحد منهما مقدار ما شرط لاحدهما ثلاثة أرباع الثلثين وللآخر الربع بخلاف الاول فاستحقاقهما هناك يكون من الخارج نماء بذرهما لا بالشرط * فان قيل هنا العامل يكون مستأجرا نصيب أحدهما من الارض بجميع الخارج لان الخارج من نصف الارض ثلاثة ارباع الثلثين مثل ما شرط له واستئجار الارض في المزارعة بجميع الخارج لا يجوز * قلنا نعم ولكن لا يميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لما في ذلك من تمكن الشيوع في العقد في نصيب كل واحد منهما وإذا لم يميز لم يتحقق هذا المعنى فبقي العقد بينهما على جميع الارض بثلثي الخارج وذلك صحيح بينهما وبين صاحب البذر ثم جعلا ثلاثة أرباع الثلثين بمقابلة نصيب أحدهما من منفعة الارض والربع بمقابلة نصيب الآخر وذلك مستقيم فيما بينهما أيضا ولو دفع رجل إلى رجلين أرضا يزرعها ببذرهما وعملهما على أن لصاحب الارض ثلث الخارج وللعاملين الثلثين الربع من ذلك لاحدهما بعينه وثلاثة ارباعه للآخر فهذا فاسد لانهما استأجرا الارض على أن يكون جميع الاجر على أحدهما وهو الذى شرط له الربع من الباقي لان الذى شرط لنفسه ثلاثة أرباع ما بقى قد شرط لنفسه جميع ما يخرجه بذره فعرفنا أنه شرط نصيبه من الاجر على صاحبه وذلك مفسد للعقد * ويوضحه انهما شرطا لرب الارض الثلث وذلك من نصيبهما نصفين فلما شرطا لاحدهما ثلاثة أرباع ما بقى فكان الآخر عقد عقد المزارعة بنصف الباقي من نصيبه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للمزارعة وإذا فسدت كان الخارج كله للمزارعين ولرب الارض أجر مثل أرضه أخرجت الارض شيئا أو لم تخرج وهو الحكم في المزارعة الفاسدة وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا يزرعها

[ 92 ] ببذره وعمله على ان الخارج بينهما نصفان فلما حصل الخارج قال صاحب البذر شرطت لك عشرين قفيزا من الخارج وقال رب الارض شرطت لى النصف منه فالقول قول صاحب البذر لان صاحب البذر يدعى عليه استحقاق نصف الخارج بالشرط وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه والبينة بينة رب الارض لانها ثبت لاستحقاق له ولا يقال الظاهر يشهد لرب الارض فان العقد الذى يجرى بين المسلمين الاصل فيه الصحة لان هذا الظاهر يصلح لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق به وحاجة رب الارض إلى ابتداء الاستحقاق فإذا حلف صاحب البذر أعطاه أجر مثل أرضه لانه مقر له بذلك القدر وان لم تخرج الارض شيأ فقال المزارع شرطت لك النصف وقال رب الارض شرطت لى عشرين قفيزا فالقول قول المزارع لان رب الارض يدعى لنفسه أجر المثل دينا في ذمة المزارع والمزارع منكر لذلك ثم الظاهر يشهد للمزارع فان الاصل في العقود الصحة وحاجة المزارع إلى دفع استحقاق رب الارض والظاهر يكفى لذلك وان اقاما البينة فالبينة بينه المزارع أيضا لانه يثبت بينته اشتراط نصف الخارج ورب الارض ليس يثبت بينته ما شهد به الشهود لانهم شهدوا باشتراط عشرين قفيزا وذلك لا يستحق بالشرط بل يفسد به العقد فيجب أجر المثل فتترجح بينة من تثبت بينته صحة العقد وصحة الشرط ولو لم يزرع حتى اختلفا كان القول قول رب الارض ان ادعى أنه دفها بأقفزة معلومة لان المزارع يدعي عليه استحقاق منفعة الارض ووجوب تسليمها إليه ورب الارض منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وان ادعى رب الارض أنه دفها بالنصف فالقول قول المزارع أنه أخذها بعشرين قفيزا مع يمينه على ما ادعى رب الارض لان رب الارض يدعى استحقاق بعض الخارج عليه والمزارع منكر لذلك وقيل لا معنى ليمين المزارع هنا لانه متمكن من فسخ العقد قبل القاء البذر في الارض وقد ادعى ما يفسد العقد فكان ذلك بمنزلة الفسخ منه ثم اليمين انما تنبني على دعوى ملزمة ودعوى رب الارض لا تلزمه شيأ قبل الزراعة فلا معنى لاستحلافه فان كان البذر من صاحب الارض فلما أدرك الزرع قال العامل شرطت لي النصف وقال رب الارض شرطت لك عشرين قفيزا من الخارج فالقول قول رب الارض والبينة بينة العامل لان العامل يدعي استحقاق جزء من الخارج على رب الارض بالشرط ورب الارض منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه والبينة بينة العامل لانها تثبت الاستحقاق له وان لم تخرج الارض شيأ فقال العامل

[ 93 ] شرطت لى عشرين قفيزا وقال رب الارض شرطت لك النصف فالقول قول رب الارض لان العامل يدعى أجر العمل دينا في ذمته وهو منكر لذلك والبينة بينة رب الارض أيضا لانه يثبت ببينته صحة العقد ويشهد شهوده باشتراط ما يثبت بالشرط في المزارعة والآخر انما يشهد شهوده باشتراط ما لا يثبت بالشرط في المزارعة فكان الاثبات في بينة رب الارض أظهر ولو لم يزرع حتى اختلفا فالقول قول الذي يدعى الفساد منهما مع يمينه لانه ينكر وجوب تسليم شئ عليه ولو أقاما البينة فالبينة بينة الذى يدعي المزارعة بالنصف أيهما كان لانه يثبت ببينته صحة العقد وكونه سببا للاستحقاق فتترجح بينته بذلك ولو أخرج زرعا كثيرا فقال لصاحب الارض والبذر شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال العامل شرطت لي النصف فالقول قول العامل لانهما اتفقا على اشتراط النصف ثم ادعى رب الارض زيادة على ذلك والعامل منكر لتلك الزيادة ثم رب الارض متعنت في كلامه لانه يقر له بزيادة ليبطل به أصل أستحقاقه لا ليثبت حقه فيما أقر له به وقول المتعنت غير مقبول وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة رب الارض لانه يثبت ببينته زيادة الشرط ولانه يثبت ببينته فساد العقد بعد ما ظهر باتفاقهما ما هو شرط الصحة وهو اشتراط نصف الخارج فالزيادة هاهنا في بينته ولو ادعى رب الارض انه اشترط له نصف ما تخرج الارض الا خمسة أقفزة وقال العامل لم يستثن شيأ فالقول قول رب الارض لان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فالمزارع يدعى عليه استحقاق نصف كامل بالشرط ورب الارض ينكر الشرط في بعض ذلك النصف معنى فالقول قوله لانكاره والبينة بينة المزارع لانه يثبت صحة المزارعة والفضل فيما يدعيه لنفسه ان لم تخرج الارض شيأ وقال المزارع شرطت لى النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الارض شرطت لك النصف فالقول قول رب الارض لاتفاقهما على اشتراط النصف وتفرد المزارع بدعوى الزيادة لا ليستحقها بل ليبطل العقد بها والبينة بينة المزارع لانه يثبت زيادة شرط ببينته ويثبت لنفسه أجر المثل دينا في ذمة رب الارض ولو قال المزارع شرطت لى النصف الا عشرة أقفزة وقال رب الارض شرطت لك النصف ولم تخرج الارض شيأ فالقول قول رب الارض لان المزارع يدعي الاجر دينا في ذمة رب الارض ورب الارض منكر لذلك وان أقاما البينة فالبينة بينة رب الارض أيضا لانه يثبت بينته شرط صحة العقد وان اختلفا قبل العمل فقال المزارع شرطت لي

[ 94 ] النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الارض شرطت لك النصف فالقول قول رب الارض في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله على قول من يرى جواز المزارعة وفى قول أبى يوسف ومحمد القول قول المزارع وهذا لان رب الارض يدعى صحة العقد ومن اصل أبى حنيفة أن القول قول من يدعى الصحة * بيانه فيما تقدم في السلم إذا ادعى أحد المتعاقدين الاجل في السلم وأنكره الآخر أن عند أبى حنيفة القول قول من يدعى الاجل أيهما كان لانه يدعي صحة العقد وعندهما القول قول رب السلم لان المسلم إليه إذا كان يدعى الاجل ورب السلم منكر لدعواه فالقول قوله وان كان في انكاره افساد العقد وان كان المسلم إليه منكرا للاجل فهو متعنت في هذا الانكار لان رب السلم يقر له بالاجل وهو ينكر ذلك تعنتا ليفسد به العقد فهنا كذلك عند أبى حنيفة رحمه الله يجعل القول قول رب الارض لانه يدعي صحة العقد وعندهما يجعل القول قول المزارع لان كلامهما خرج مخرج الدعوى والانكار فرب الارض يدعي على المزارع استحقاق تسليم النفس لاقامة العمل وهو منكر فالقول قوله مع يمينه وان كان في انكاره افساد العقد وان أقاما البينة فالبينة بينة المزارع في قولهم جميعا لانه يثبت السبب المفسد بعد تصادقهما على ما هو شرط الصحة ولا يثبت الفضل فيما شرط له ولو قال المزارع شرطت لى النصف الا عشرة أقفزه وقال رب الارض شرطت لك النصف فالقول قول رب الارض عندهم جميعا أما عند أبى حنيفة رحمه الله فلانه يدعى الصحة وأما عندهما فلان المزارع متعنت لان رب الارض يقر له بزيادة فيما شرط له والمزارع يكذبه فيما أقر له به ليفسد به العقد فكان متعنتا فان أقاما البينة فالبينة بينة رب الارض لانه يثبت شرط صحة العقد واستحقاق العمل على المزارع ببينته ولو قال المزارع قبل العمل شرطت لى النصف وقال رب الارض والبذر شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة فالقول قول المزارع لانهما اتفقا على شرط صحة العقد وهو اشتراط النصف ثم رب الارض يدعى شرط زيادة على ذلك ليفسد به العقد والمزارع منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه والبينة بينة رب الارض لاثباته الشرط المفسد مع تصادقهما على ما هو شرط صحة العقد ولو قال رب الارض شرطت لك النصف الا عشرة أقفزه وقال المزارع شرطت لى النصف فالقول قول رب الارض لان المزارع يدعى زيادة أقفزة فيما شرط ورب الارض منكر لما قلنا ان الكلام المصدر بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى والبينة بينة المزارع لانه يثبت الفضل

[ 95 ] في المشروط له ببينته ولو كان البذر من قبل العامل كان حاله في جميع هذه الوجوه بمنزلة حال رب الارض حتى كان البذر من قبله للمعنى الذى أشرنا إليه وإذا دفع الرجل إلى رجلين أرضا وبذرا على أن يزرعاها سنتهما هذه فما أخرج الله تعالى من ذلك فلاحدهما بعينه الثلث منه ولرب الارض الثلثان وللآخر على رب الارض أجر مائة درهم فهو جائز على ما اشترطوا لانه استأجر أحدهما ببدل معلوم لعمل مدة معلومة واستأجر الاخر بجزء من الخارج مدة معلومة وكل واحد من هذين العقدين جائز عند الانفراد فكذا عند الجمع بينهما فان أخرجت الارض زرعا كثيرا فاختلف العاملان فقال كل واحد منهما أنا صاحب الثلث فالقول قول رب الارض في ذلك لان كل واحد منهما يدعى استحقاق الثلث عليه بالشرط فإذا صدق أحدهما فقد أقر له بالثلث وأنكر استحقاق الآخر فالقول قوله ثم لما كان كل واحد منهما يستحق عليه كان القول قوله في بيان ما يستحقه كل واحد منهما عليه من الاجر أو ثلث الخارج وان أقام كل واحد منهما البينة أنه صاحب الثلث أخذ الذى أقر له رب الارض الثلث باقراره وأخذ الآخر الثلث ببينته لانه أثبت ما ادعاه بالبينة ولا شئ له من الاجر لان من ضرورة استحقاقه ثلث الخارج ابتغاء الاجر الذى به أقر له رب الارض ولو لم تخرج الارض شيأ فقال كل واحد منهما أنا صاحب الاجر فالقول قول رب الارض لما قلنا وان أقاما البينة فلكل واحد منهما على رب الارض مائة درهم لاحدهما باقرار رب الارض له وللآخر باثباته بالبينة ولا يلتفت إلى بينة رب الارض في هذا الوجه ولا في الوجه الاول مع بينتهما لانهما المدعيان للحق قبله والبينة على المدعى دون المنكر ولو كان دفع الارض اليهما على أن يزرعاها ببذرهما على أن ما خرج منه فلاحدهما بعينه نصفه ولرب الارض عليه أجر مائة درهم وللآخر ثلث الزرع ولرب الارض سدس الزرع فهذا جائز لانه أجر الارض منهما نصفها من أحدهما بمائة درهم ونصفها من الآخر بثلث ما يخرجه ذلك النصف وكل واحد من هذين العقدين صحيح عند الانفراد وقد بينا أن باختلاف البدل لا تتفرق الصفقة في حق صاحب الارض فان زرعها فلم تخرج الارض شيأ فقال كل واحد منهما لرب الارض أنا شرطت لك سدس الزرع فالقول قول كل واحد منهما فيما زعم أنه شرط له لان رب الارض يصدق أحدهما في ذلك ويدعي على الآخر وجوب الاجر دينا في ذمته وهذا منكر لذلك فالقول قوله لانكاره مع يمينه وان أقاما البينة أخذ ببينة رب الارض

[ 96 ] لانه يثبت للآخر ببينته دينا في ذمته ولو أخرجت زرعا كثيرا فادعى كل واحد منهما انه هو الذى شرط له الاجر وادعى صاحب الارض على أحدهما الاجر وعلى الآخر سدس الزرع فانه يأخذ الاجر من الذى ادعاه عليه لتصادقهما على ذلك وفى حق رب الارض يدعى عليه استحقاق بعض الخارج وهو منكر فالقول قوله ويقال لرب الارض أقم البينة على السدس الذي ادعيته عليه وان أقام البينة أخذ ببينة رب الارض لانه هو المدعى المثبت لحقه ببينته ولو دفع رجل إلى رجل أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله فما خرج منه فثلثاه للعامل والثلث لاحد صاحبي الارض بعينه وللآخر مائة درهم أجر نصيبه فهو جائز لانه استأجر من أحدهما نصيبه باجر مسمى واستأجر من الآخر نصيبه بثلث ما يخرجه نصيبه وكل واحد منهما مستقيم فان أخرجت زرعا كثيرا فادعي كل واحد من صاحبي الارض أنه صاحب الثلث فالقول قول الزارع لان كل واحد منهما يدعى استحقاق الخارج عليه وان أقام كل واحد من صاحبي الارض البينة كان لكل واحد منهما ثلث الخارج لانه أقر لاحدهما بثلث الخارج والآخر أثبت ببينته استحقاق ثلث الخارج ولا يلتفت إلى بينة المزارع مع بينتهما لانهما المدعيان والبينة في جانب المدعى دون المنكر وإذا دفع الرجل إلى رجلين أرضا وبذرا على أن لاحدهما بعينه ثلث الخارج وللآخر عشرين قفيزا من الخارج ولرب الارض ما بقي فزرعاها فأخرجت الارض زرعا كثيرا فالثلث للذى سمى له الثلث والثلثان لصاحب الارض وللآخر أجر مثله أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج لان عقد المزارعة بينه وبين الذى شرط له الثلث صحيح وبينه وبين الآخر فاسد لانه شرط له شرطا يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله والمزارعة بمثل هذا الشرط تفسد ولكن عقده مع أحدهما معطوف على العقد مع الآخر بحرف العطف وليس بمشروط فيه ففساد العقد بينه وبين أحدهما لا يفسد العقد بينه وبين الآخر فان اختلفا في الذى شرط له الثلث منهما فالقول قول رب الارض لان كل واحد منهما يدعى الاستحقاق عليه بالشرط وان أقاما البينة كان لكل واحد منهما ثلث الخارج لاحدهما باقرار رب الارض له به وللاخر باثباته بالبينة ولو لم تخرج الارض شيأ كان القول قول رب الارض في الذى له اجر مثله منهما فان أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى فالبينة بينة رب الارض لان رب الارض صدق أحدهما فيما أدعى عليه من اجر المثل وانما بقيت الدعوى بينه وبين الاخر ورب الارض ببينة تثبت شرط

[ 97 ] صحة العقد بينه وبين الآخر والآخر ينفى ذلك ببينته وقد بينا أن البينة التى ثبت شرط صحة العقد تترجح بخلاف ما سبق فهناك كل واحد من العقدين صحيح فلا يكون رب الارض ببينته مثبتا شرط صحة العقد ولو كان صاحب الارض اثنين على مثل هذا الشرط دفعاه إلى واحد والبذر من قبل المزارع كان في جميع هذه الوجوه مثل ما بينا من حكم صاحب الارض حين كان البذر من قبله لاستوائهما في المعنى وذلك يتضح لك إذا تأملت والله أعلم (باب العشر في الزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا سنته هذه على أن يزرعها ببذره وعمله بالنصف فاخرجت الارض زرعا كثيرا والارض أرض عشر ففى قياس قول أبى حنيفة على قول من أجاز المزارعة يكون للمزارع نصف الخارج كاملا ويأخذ السلطان عشر جميع الخارج من نصيب صاحب الارض ان كانت تشرب سحا أو تسقيها السماء وان كانت تسقى بدلو أو دالية فنصف عشر جميع الخارج على صاحب الارض لانه مؤاجر لارضه بجزء من الخارج ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله ان من أجر أرضة العشرية فالعشر يكون على الآخر وعندهما العشر في الخارج على المستأجر فهنا أيضا عندهما العشر على كل واحد منهما في الخارج نصفان وان سرق الخارج قبل القسمة أو بعد القسمة فلا عشر عليهما لفوات محل الحق وعند أبى حنيفة رحمه الله عشر جميع الخارج على رب الارض فان سرق الطعام بعد ما حصد أو حرق قبل أن يأخذ السلطان العشر يبطل عن رب الارض نصفه ولزمه في ماله نصفه لان حصة النصف الذى صار للمزارع من العشر صار دينا في ذمة الارض فلا يسقط ذلك عنه بهلاك الخارج وفى النصف الذى هو ملك رب الارض العشر باق في عينه فإذا هلك سقط عشر ذلك عنه لفوات المحل وكذلك لو كان البذر من قبل رب الارض فانه مستأجر للعامل بنصف الخارج فيكون عشر الكل عليه عند أبى حنيفة لان العشر مؤنة الارض النامية كالخراج وهو المالك للارض فإذا سرق الطعام بعد الحصاد سقط عنه النصف حصة نصيبه من الخراج وأما حصة نصيب المزارع فصارت دينا في ذمته بتمليكه اياه من المزارع فلا يسقط ذلك عنه بهلاك الخارج ولو أجر أرضه من رجل بمائة درهم يزرعها هذه السنة فاخرجت زرعا كثيرا ثم نوى الاجر على المستأجر فعشر جميع الطعام على رب الارض

[ 98 ] في قول أبى حنيفة رحمه الله وقد صار ذلك دينا في ذمته وللآخر دين له على المستأجر فان نوى دينه على المستأجر فان سرق طعام المستأجر لا يسقط عن المؤاجر العشر الذى صار دينا عليه ولو استحصد الزرع فلم يحصد حتى هلك فالاجر واجب لان وجوب الاجر بالتمكن من استيفاء المعقود عليه وقد تمكن المستأجر من ذلك وقد استوفاه حقيقة ولا عشر على واحد منهما لان وجوب العشر عند الحصاد قال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وانما يصير دينا في ذمة الآجر بعد وجوبه فإذا هلك الخارج قبل الحصاد لم يكن عليه شئ بخلاف ما إذا هلك بعد الحصاد لان العشر قد تقرر وجوبه هنا وصار دينا في ذمة الآجر وكذلك في المزارعة إذا هلك الزرع بعد ما استحصد قبل أن يحصد فلا عشر على واحد منهما في القولين جميعا سواء كان البذر من قبل رب الارض أو من قبل المزارع لان المحل فات قبل أن يأتي وقت وجوب العشر فهو بمنزلة ما لو استهلك النصاب قبل تمام الحول والهلاك هنا في حق المؤاجر بمنزلة الاستهلاك في مال الزكاة حتى إذا استهلك بعد تمام الحول فالزكاة دين عليه فإذا هلك هنا بعد الحصاد يكون العشر دينا عليه وكذلك الجواب في معاملة النخيل والكروم هو مثل الجواب في المزارعة انه إذا هلك قبل الجذاذ فلا عشر على رب النخيل وان هلك بعد الجذاذ فعشر نصيب العامل دين عليه في قول أبى حنيفة فان الجذاذ في الثمار بمنزلة الحصاد في الزرع وان استهلكه رجل فليس على رب النخيل في حصته شئ من العشر الا أن يستوفى بدله من المستهلك فحينئذ يؤدى عشره لان المحل فات وأخلف بدلا وان استوفى منه بعض البدل يؤدى العشر بقدر ذلك اعتبارا للجزء بالكل ولو صالح الامام قوما من أهل الحرب على أن صاروا ذمة له ووضع على رؤسهم شيأ معلوما وجعل خراج أراضيهم ونخيلهم وأشجارهم المناصفة فذلك جائز لانه نصف ناظر للمسلمين وربما يكون خراج المقاسمة أنفع للفريقين من خراج الوظيفة فإذا دفع رجل أرضا مزارعة والبذر منه أو من العامل أو أجرها بدراهم أو اعارها رجلا ليزرعها لنفسه أو دفع الاشجار معاملة كان الجواب في جميع ذلك على نحو ما بينا في العشر لان الخراج هنا جزء من الخارج لا يجب الا بعد حصول الخارج حقيقة فيكون بمنزلة العشر في التخريج على القولين كما بينا بخلاف خراج الوظيفة فانه يجب بالتمكن من الانتفاع وان لم يزرع كان على رب الارض في الوجوه كلها وإذا دفع أرضا من أرض العشر وبذرا إلى رجل على أن يزرعها سنته هذه على ان للمزارع

[ 99 ] عشرين قفيزا من الخارج فأخرجت الارض زرعا كثيرا فللعامل أجر مثله وعلى رب الارض عشر جميع الخارج لانه استأجر العامل أجارة فاسدة ولو أستأجره اجارة صحيحة بدراهم مسماة للعمل كان عشر جميع الخارج على رب الارض فكذلك هنا ولا يرفع مما أخرجت الارض نفقة ولا أجر عامل لان بازاء ما غرم من الاجر دخل في ملكه العوض وهو منفعة العامل وصار اقامة العمل باجيره كاقامته بنفسه ولو زرع الارض كان عليه عشر جميع الخارج من غير أن يرفع من ذلك بذرا أو نفقة أنفقها فكذلك أجر العامل ولو كان البذر من العامل كان الخارج له وعليه أجر مثل الارض ثم في قول أبى حنيفة رحمه الله عشر جميع الخارج على رب الارض وعندهما العشر في الخارج اعتبار للاجارة الفاسدة بالاجارة الصحيحة في القولين ولو دفع إليه الارض على أن يزرعها ببذر منهما فما خرج فهو بينهما نصفان فالمزارعة فاسدة لانه جعل منفعة نصف الارض للعامل مقابلة عمله في النصف الآخر لرب الارض ثم الخارج بينهما نصفان لان البذر بينهما نصفان والخارج نماء البذر وعشر الطعام كله على رب الارض في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه صار مؤاجرا نصف الارض بما شرط بمقابلته من عمله في النصف الآخر فهو بمنزلة ما لو أجرها بدراهم وعندهما العشر في الخارج ولرب الارض نصف أجر مثل أرضه لانه استوفى منفعة نصف الارض بحكم عقد فاسد ولهذا المعنى يكون العشر في نصيب العامل على رب الارض في قول أبى حنيفة لانه قد حصل له منفعة ذلك النصف من الارض وهو أجر المثل ولا أجر للعامل لانه عمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر على غيره ولو دفع إلى رجل أرض عشر على أن يزرعها ببذره وعمله بالنصف فاستحصد الزرع ولم يحصد حتى استهلكه رجل أو سرقه وهو مقربه فلا عشر على واحد منهما حتى يؤدى المستهلك ما عليه وما أدى من شئ كان على رب الارض عشره في قول أبى حنيفة رحمه الله سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الارض لان حكم البدل حكم المبدل وسلامته بان يستوفى ممن عليه فأما ما كان دينا في ذمته فهو كالتاوي وفى قولهما ما خرج من شئ أخذ السلطان عشر ذلك والباقى بينهما نصفان وكذلك لو كانت الارض مما صالح الامام أهلها على أن جعل خراجها نصف الخارج فان خراج المقاسمة بمنزلة العشر وكذلك لو كان أجر أرضه العشرية بدراهم فزرعها المستأجر فاستحصد زرعها ثم استهلكها مستهلك فلا عشر على واحد منهما حتى يؤدى المستهلك ما عليه

[ 100 ] من البدل فإذا أدى شيأ منه فعند أبى حنيفة عشر مقدار ما وصل إلى المتسأجر على رب الارض وعندهما عشر ذلك القدر في الخارج لان رب الارض في حكم العشر بمنزلة ما لو كان زرعها بنفسه عند أبى حنيفة رحمه الله وإذا غصب الرجل أرض عشر أو خراج فزرعها فأخرجت زرعا كثيرا ولم تنقصها لزراعة شيأ فالخارج على الزارع والعشر عليه في الخارج لان رب الارض لم يسلم له شئ من منفعة الارض ولا كان متمكنا من الانتفاع بها مع منع الغاصب اياه من ذلك فلا يلزمه عشر ولا خراج فإذا تعذر ايجاب ذلك عليه وجب على الغاصب لان المنفعة سلمت له من غير عوض فكما التحق هو بالمالك في سلامة منفعة الارض له بغير عوض فكذلك في وجوب العشر والخراج عليه ولو كانت المزارعة نقصت الارض فعلى الزارع غرم النقصان لان ذلك الجزء تلف بفعله فيجب عليه ضمانة ثم في قول أبى حنيفة رحمه الله على ما ذكره أبو يوسف عشر جميع ما أخرجت الارض على رب الارض وكذلك ان كانت له أرض خراج فعليه خراجها لان ما استوفى هو من قيمة النقصان منفعة سلمت له باعتبار عمل الزراعة فكان بمنزلة ما لو أجر الارض بذلك القدر فعليه العشر والخراج سواء كان ما وصل إليه مثل العشر أو الخراج الواجب أو أقل أو أكثر وهذا يقوى قول من يقول من أصحابنا رحمهم الله ان نقصان الارض عوض عن منفعتها وان الطريق في معرفة النقصان أن ينظر بكم تؤجر الارض قبل المزارعة وبعدها فمقدار التفاوت هو نقصان الارض وفى هذا اختلاف بين أئمة بلخ فان بعضهم يقولون ان المنفعة عندنا لا تضمن بالاتلاف ولكن النقصان في حكم بدل جزء فائت من العين وطريق معرفته أن ينظر بكم كانت تشترى تلك الارض قبل الزراعة وبكم تشتري بعدها فتفاوت ما بينهما هو النقصان والقول الاول أقرب إلى الصواب بناء على الجواب الذى ذكره هنا فانه جعل النقصان بمنزلة الاجرة عند أبى حنيفة وأما في قول محمد فان كان نقصان الارض مثل الخراج أو أكثر فلرب الارض قيمة النقصان على الغاصب والخراج على رب الارض يعطيه بما يستوفى وان كانت قيمة النقصان أقل من الخراج فالخراج على الغاصب وليس عليه شئ من النقصان لرب الارض فكأنه استحسن ذلك لدفع الضرر عن رب الارض فانه لا يمكن ايجاب موجبين على الغاصب بسبب زراعة واحدة فيجعل كأنه لم يتمكن نقصان في الارض حتى يجب الخراج على الغاصب ولا يتضرر به رب الارض وأما العشر على قوله وعلى قول أبى يوسف ففى الخارج والخارج للغاصب فيؤدى