مبسوط السرخسي - الجزء الثالث و العشرون2

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


[ 101 ] عشر الخارج ويغرم لصاحب الارض النقصان مع ذلك كما يغرم الاجر لو كان استأجرها منه وقع في بعض نسخ الاصل الجمع بين الخراج والعشر في تخريج قول محمد رحمه الله وهو سهو انما الصحيح ما ذكرناه والله أعلم (باب المعاملة) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا معاملة سنين معلومة بالنصف فهو جائز على قول من يرى جواز المزارعة وكذلك معاملة للشجر والكرم والرطاب في قول علمائنا رحمهم الله وقال الشافعي لا تجوز المعاملة الا في النخيل والكروم خاصة لان جواز ذلك بالاثر وانما ورد الاثر في النخيل والكروم وهو ما فعله رسول الله بخيبر ولكن هذا فاسد فقد كان أهل خيبر يعملون في الاشجار والرطاب أيضا كما يعملون في النخيل والكروم ثم هذا الكلام أنما يستقيم ممن لا يرى تعليل النصوص فإذا كان الشافعي يرى تعليل النصوص فلا يستقيم منه معنى فيصير حكم المعاملة على النخيل والكروم باعتبار ان الاثر ورد فيها فان أراد صاحب النخيل أن يخرج العامل لم يكن له ذلك الا من عذر بخلاف ما لو دفع الارض والبذر مزارعة لان صاحب البذر يحتاج إلى ان يلقى بذره في الارض وفيه اتلاف ملكه فله أن لا يرضى به وهنا صاحب النخيل لا يحتاج في ايفاء العقد إلى اتلاف شئ من ماله فيلزم العقد في الجانبين بنفسه ولا ينفرد أحدهما بفسخه الا بعذر كسائر الاجارات والعذر هنا أن يلحقه دين فادح لا وفاء عنده الا ببيع النخيل أو يكون العامل سارقا معروفا بالسرقة فخاف منه على أخذ سعف النخل وسرقته أو على سرقة الثمار قبل الادراك وقد بينا أن هذا عذر في سائر الاجارات نحو اجارة الظئر لما يلحقه فيه من ضرر لم يلزمه بالعقد فكذلك في المعاملة وان كان الثمر قد خرج ولم يبلغ ثم لحقه دين لا وفاء عنده الا ببيع النخيل لم يكن له أن ينقض المعاملة ولا يبيعه حتى يبلغ الثمر فيباع نصيب صاحب النخل من النخل من الثمر في الدين وتنتقض المعاملة فيما بقى وقد تقدم نظيره في المزارعة والمعنى فيهما سواء فان الشركة انعقدت بينهما في الثمر ولادراكه نهاية معلومة ففى الانتظار توفير المنفعة ودفع الضرر من الجانبين وفى نقض المعاملة في الحال اضرار بالعامل من حيث ان فيه ابطال حقه من نصيب الثمر فلدفع الضرر قلنا يخرج رب النخيل من الشجر وتبقى المعاملة بينهما إلى أن يدرك ما خرج

[ 102 ] من الثمر ولو أراد العامل ترك العمل قبل خروج الثمر لم يكن له ذلك الا أن يمرض مرضا يضعف عن العمل معه فيكون هذا عذرا ولا يقال ينبغى أن يؤمر في المرض أن يستأجر عاملا ليقيم العمل لان في ذلك الحاق ضرر به لم يلتزمه بعقد المعاملة وإذا كان عليه في ايفاء العقد ضرر فوق ما التزمه يصير ذلك عذرا في فسخ المعاملة قال في الاصل أو يريد سفرا أو يترك ذلك العمل فيكون هذه عذرا له وقد بينا في أول الكتاب ان في هذا الفصل روايتين وتأويل ما ذكر هنا أن العمل كان مشروطا بيده ولو دفع إلى رجل نخلا أو شجرا أو كرما معاملة بالنصف ولم يسم الوقت جاز استحسانا على أول ثمرة تخرج في أول سنته وفي القياس لا يجوز لان هذا استئجار للعامل وبهذا لا يصير المعقود عليه معلوما الا ببيان المدة فإذا لم يبينا لا يجوز العقد كما في المزارعة ووجه الاستحسان أن لادراك الثمر أو انا معلوما في العادة ونحن نتيقن ان ايفاء العقد مقصود هنا إلى أدراك الثمار والثابت بالعادة كالثابت بالشرط فصارت المدة معلومة وان تقدم أو تأخر فذلك يسير لا يقع بسببه منازعة بينهما في العادة بخلاف المزارعة فان آخر المدة هناك مجهول لجهالة أولها لان ما يزرع في الخريف يدرك في آخر الربيع وما يزرع في الربيع يدرك في آخر الصيف وما يزرع في الصيف يدرك في آخر الخريف فلجهالة وقت ابتداء عمل المزارعة يصير وقت النهاية مجهولا وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة بينهما فلهذا لا يجوز العقد الا ببيان المدة ثم في المعاملة يتيقن ان العقد تناول أول ثمره وفيما وراء ذلك شك فلا يثبت الا المتيقن وإذا لم يخرج ثمره في تلك السنة انتقضت المعاملة لان العقد لا يتناول الا ذلك القدر من المدة فكأنهما نصا على ذلك ولو دفع إليه أصول رطبة ثابتة في الارض معاملة ولم يسم الوقت فهو فاسد لان الرطبة ليست لها غاية ينتهى إليها نموها ولكنها تنمو ما تركت في الارض بخلاف الثمار فان لها غاية تنتهى إليها فإذا تركت بعد ذلك تفسد فان كانت للرطبة غاية معلومة تنتهى إليها في نباتها حتى تقطع ثم تخرج بعد ذلك فهذه معاملة جائزة والمعاملة في ذلك على أول جزة كما في الثمار وكل شئ من هذا أخرنا فليس لواحد منهما أن ينقض المعاملة الا من عذر لان المعلوم بالعادة من المدة لما جعل كالمشروط لها في جواز العقد فكذلك في لزومه ولو دفع إليه نخلا فيه طلع معاملة بالنصف أو لم يسم الوقت أو دفعه إليه بعد ما صار بسرا أخضر أو أحمر غير انه لم ينته عظمه فهو جائز لانه بحيث ينمو بعمل العامل وله نهاية معلومة فيجوز العقد باعتباره ولو دفع إليه بعد ما تناهى عظمه وليس يزيد بعد ذلك قليلا ولا كثيرا الا انه لم يرطب فالمعاملة

[ 103 ] فاسدة لانه لا يزداد بعمله والشركة بعقد المعاملة انما تصح فيما يحدث بعمل العامل أو يزداد بعمله فإذا لم يكن بهذه الصفة كان العقد فاسدا وان عمل فيه العامل فله أجر مثله ولو اشترى من رجل طلعا في نخل أو بسرا أخضر فتركه في النخل بغير أمر صاحبه حتى صار تمرا تصدق المشترى بالزيادة لتمكن الخبث في المشترى بالزيادة الحاصلة فيه من نخل صاحب النخل بغير رضاه ولو اشتراه وهو بسر أحمر قد انتهى عظمه لم يتصدق بشئ لانه لم يزد فيه من النخل شئ وانما النضج واللون والطعم يحدث فيه بتقدير الله تعالى وسبب ذلك على ما جعله الله تعالى سببا الشمس والقمر والكواكب فلا يتمكن فيه خبث وانما أورد هذا لايضاح الفصل الاول وقد بينا تمام هذا الفصل في البيوع ولو دفع إليه رطبة له في أرض قد صارت بلحا ولم تنته إلى أن تجذ فدفعها إليه معاملة على أن يسقيها ويقوم عليها بالنصف ولم يسم وقتا معلوما فهو فاسد الا أن يكون للرطبة غاية معلومة تنتهى إليها فحينئذ يجوز ولو دفع إليه رطبة قد انتهى احرازها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تخرج بذرها على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من بذر فهو بينهما نصفان ولم يسميا وقتا فهو جائز استحسانا لان لادراك البذر أو انا معلوما عند المزارعين والبذر انما يحصل بعمل العامل فاشتراط المناصفة فيه يكون صحيحا والرطبة لصاحبها ولو اشترطا أن الرطبة بينهما نصفان فسدت المعاملة لانهما شرطا الشركة فيما لا ينمو بعمل العامل والرطبة للبذر بمنزلة الاشجار للثمار فكما أن شرط الشركة في الاشجار المدفوعة إليه مع الثمار يكون مفسدا للعقد فكذلك هنا ولو كان دفعها إليه وهى قداح لم تتناه والمسألة بحالها جاز العقد لان الرطبة هنا تنمو بعمله فيجوز اشتراط المناصفة فيه ولادراك البذر أو ان معلوم فلا يضرهما ترك التوقيت ولو دفع إلى رجل غراس شجر أو كرم أو نخل قد علق في الارض ولم يبلغ الثمر على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح نخله فما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان فهذه معاملة فاسدة الا أن يسمى سنين معلومة لانه لا يدرى في كم تحمل النخل والشجر والكرم والاشجار تتفاوت في ذلك بتفات مواضعها من الارض بالقوة والضعف فان بينا مدة معلومة صار مقدار المعقود عليه من عمل العامل معلوما فيجوز وان لم يبينا ذلك لا يجوز ولو دفع إليه نخلا أو كرما أو شجرا قد أطعم وبلغ سنين معلومة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح نخله ويكسح كرمه على ان النخل والكرم والشجر والخارج كله بينهما نصفان فهذا فاسد لاشتراطهما الشركة فيما هو حاصل لا بعمل العامل وهو الاشجار بمنزلة ما لو دفع الارض مزارعة على

[ 104 ] أن تكون الارض والزرع بينهما نصفين ولو دفع إليه أصول رطبه على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تذهب أصولها وينقطع بيتها على أن الخارج بينهما نصفان فهو فاسد وكذلك النخل والشجر لانه ليس لذلك نهاية معلومة بالعادة وجهالة المدة في المعاملة تفسد المعاملة ولو دفع إليه نخلا أو شجرا أو كرما معاملة أشهرا معلومة يعلم انها لا تخرج ثمرة في تلك المدة بان دفعها أول الشتاء إلى أول الربيع فهذا فاسد لان المقصود بالمعاملة الشركة في الخارج وهذا الشرط يمنع ما هو المقصود فيكون مفسدا للعقد ولو اشترطا وقتا قد يبلغ الثمر في تلك المدة وقد يتأخر عنها جاز لانا لا نعلم تفويت موجب العقد فهذا الشرط انما يوهم ذلك وهذا التوهم في كل معاملة ومزارعة فقد يصيب الزرع والثمار آفة سماوية فان خرج الثمر في تلك المدة فهو بينهما على ما اشترطا وان تأخر عن تلك المدة فللعامل أجر مثله فيما عمل ان كان تأخير ذلك ليس من ذهاب في تلك السنة لانه تبين انهما سميا من المدة ما لا تخرج الثمار فيها ولو كان ذلك معلوما عند ابتداء العقد كان العقد فاسدا فكذلك إذا تبين في الانتهاء وبهذا يستدل على جواب مسألة السلم انه إذا انقطع المسلم فيه من أيدي الناس في خلال المدة بآفة فانه يتبين به فساد العقد بمنزلة ما لو كان منقطعا عند ابتداء العقد وان كان قد أحال في تلك السنة فلم يخرج شيئا فهذه معاملة جائزة ولا أجر للعامل في عمله ولا شئ له لانه بما حصل من الآفة لا يتبين ان الثمار كانت لا تخرج في المدة المذكورة وإذا لم يتبين المفسد بقي العقد صحيحا وموجبه الشركة في الخارج فإذا لم يحصل الخارج لم يكن لواحد منهما على صاحبه شئ وان كان قد خرج في تلك السنة ولم يحل الا أن الوقت قد انقضى قبل أن يطلع الثمر فللعامل أجر مثله فيما عمل لانه تبين المفسد للعقد وهو انهما ذكرا مدة كانت الثمار لا تخرج فيها ولو كان هذا معلوما في الابتداء كان العقد فاسدا فكذلك إذا تبين في الانتهاء في المعاملة الفاسدة للعامل أجر مثله فيما عمل لان رب النخيل استوفى عمله بعقد فاسد والله أعلم (باب من المعاملة أيضا) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء سنين مسماة على أن يغرسها نخلا وشجرا وكرما على أن ما أخرج الله تعالى من ذلك من نخل أو شجرا وكرم فهو بينهما نصفان وعلى ان الارض بينهما نصفان فهذا كله فاسد لاشتراطهما الشركة فيما كان حاصلا

[ 105 ] لا بعمله وهو الارض فان قبضها وغرسها فأخرجت ثمرا كثيرا فيجمع الثمر والغرس لرب الارض وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل وقد بينا في المسألة طريقين لمشايخنا رحمهم الله في كتاب الاجارات احداهما انه اشترى منه نصف الغرس بنصف الارض والاخرى انه اشترى منه جميع الغرس بنصف الارض والاصح فيه أنه استأجره ليجعل أرضه بستانا بآلات نفسه على أن يكون أجره نصف البستان الذى يظهر بعمله وآلاته وذلك في معنى قفيز الطحان فيكون فاسدا ثم الغراس عين مال قائمة كانت للعامل وقد تعذر ردها عليه للاتصال بالارض فليزمه قيمتها مع أجر مثل عمله فيما عمل بمنزلة ما لو دفع إلى خياط ظهارة على أن يبطنها أو يحشوها ويخيطها جبة بنصف الجبة كان العقد فاسدا وكانت له قيمة البطانة والحشو وأجر مثل عمله فيما عمل وكذلك لو لم يشترط له من الارض شيأ ولكنه قال على أن يكون لك على مائة درهم أو شرط عليه كر حنطة أو شرط له نصف أرض أخرى معروفة فالعقد فاسد في هذا كله لجهالة الغراس الذى شرطه عليه وكذلك هذا في الزرع ولو دفع إليه أرضا على أن يزرعها سنته هذه كرا من حنطة بالنصف وعلى أن للمزارع على رب الارض مائة درهم كان العقد فاسدا لاشتراط الاجر المسمى للمزارع مع نصف الخارج ثم الخارج كله لرب الارض وعليه كر حنطة مثل الكر لذى بذره المزارع وأجر مثل عمله فيما عمل أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج لان عمل المزارع في ذلك لرب الارض بامره فيكون كعمل رب الارض بنفسه وكذلك لو كان الغرس عند رب الارض واشترط ما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن للعامل على رب الارض مائة درهم فهو فاسد لاشتراط أجر المسمى للعامل مع الشركة في الخارج فانه لو صح هذا كان شريكا في الخارج فلا يتسوجب الاجر بعمله فيما هو شريك فيه وإذا عمل على هذا فالخارج كله لرب الارض وللعامل أجر مثله وكذلك لو شرط كر حنطة وسط أو شرط أن الارض بينهما نصفان ولو كان الغرس من قبل العامل وقد اشترط أن الخارج بينهما نصفان على أن لرب الارض على المزارع مائة درهم فهذا فاسد لاشتراط الاجر المسمى لصاحب الارض مع الشركة في الخارج فانه لو صح ذلك كان هو يستوجب أجر الارض للعامل فيما هو مشغول من الارض بنصيب رب الارض من الغراس وذلك لا يجوز ثم الخارج كله للعامل ولرب الارض أجر مثل أرضه لان العامل هنا استأجر الارض وعمل فيها لنفسه حين شرط لرب الارض على نفسه أجرا مائة درهم مع

[ 106 ] بعض الخارج فيكون عاملا لنفسه وقد استوفى منفعة الارض بحكم عقد فاسد فعليه أجر مثل الارض بخلاف ما تقدم ولو كان الغرس والبذر من رب الارض على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن لرب الارض على الزارع مائة درهم فهو فاسد أيضا ثم الخارج كله للعامل ولرب الارض أجر مثل أرضه وقيمة غرسه وبذر مثل بذره على الزارع لانه كالمشترى للبذر والغرس ببعض المائة التى شرطها له على نفسه فيه وظهر أنه عامل لنفسه وأنه مستأجر للارض مشتر للغرس والبذر بالمائة وبنصف الخارج ففسد العقد لجهالة الغرس ثم صار قابضا للغرس والبذر بحكم عقد فاسد وقد تعذر عليه رده فيلزمه القيمة فيما لا مثل له والمثل فيما له مثل ويلزمه اجر مثل الارض وعليه أن يتصدق بالفضل لانه رباه في أرض غيره بعقد فاسد وكذلك لو شرط له الغارس مكان المائة حنطة أو شيأ من الحيوان بعينه أو بغير عينه فالكل في المعنى الذى يفسد به العقد سواء ولو دفع إليه الارض على أن يغرسها المدفوع إليه لنفسه ما بدا له من الغرس ويزرعهاما بدا له على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن للغارس على رب الارض مائة درهم أو سمى شيأ غير المائة فهو فاسد والخارج كله للغارس ولرب الارض أجر مثل أرضه لان رب الارض وان صار كالمشترى للغراس والبذر بما شرط له على نفسه من المال المسمى ولكنه لم يملكه لفساد العقد وانعدام القبض من جهته فيكون الغارس عاملا لنفسه فكان الكل له بخلاف ما سبق فهناك الغارس يصير قابضا لما اشتراه شراء فاسد * فان قيل هنا ينبغى أن يصير رب الارض قابضا أيضا باتصاله بارضه * قلنا ابتداء عمله في الغرس والزرع يكون لنفسه لانه ملك له قبل أن يتصل بالارض ثم هو في يد الغارس حقيقة والمشترى شراء فاسدا وان كان يملك المشترى بالقبض فرده مستحق شرعا لفساد العقد فلا يجوز جعله في يد المشترى حكما مع كونه في يد البائع حقيقة لان يد البائع فيه يد بحق ويد المشترى محرم شرعا فاما فيما سبق فبنقض العامل يخرج من يد رب الارض ويصير العامل قابضا له حقيقة وكذلك لو لم يشترط المائة واشترط أن الارض بينهما نصفان ولو كان البذر والغرس من رب الارض على أن يغرسه ويبذره العامل لرب الارض على أن ما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن لرب الارض على العامل أجرا مائة درهم فهو فاسد والخارج كله لرب الارض وللعامل أجر مثل عمله لانه صرح في كلامه بما ينفى بيع الغرس والبذر منه فانه شرط أن يعمل فيها لرب الارض وانما يكون عاملا لرب الارض إذا كان الغرس والبذر

[ 107 ] من جهته فعرفنا انه ما باع شيأ من ذلك من العامل ولكنه استأجره للعمل بنصف الخارج وشرط عليه بازاء نصف الخارج لنفسه أيضا مائة درهم فكان فساد العقد من قبل أن العامل اشترى منه بعض الخارج الذي هو معدوم بالمسمى من المائة فكان الخارج لرب الارض وللعامل أجر مثل عمله ولو دفع إليه نخلا معاملة سنين مسماة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما أخرج الله تعالى من ذلك من شئ فهو بينهما نصفان وعلى أن لرب الارض على العامل مائة درهم أو اشترط العامل على رب الارض مائة درهم فهو فاسد لاشتراط الارض المسماة مع بعض الخارج لاحدهما والخارج كله لصاحب النخل لانه تولد من نخيله وكذلك لو كان قال للعامل اعمل ذلك لنفسك أو قال اعمل لى أو قال اعمل ولم يقل لى ولا لك فهو سواء لان النخيل مملوكة لصاحبها فيكون العامل في الوجوه كلها عاملا له سواء صرح بذلك أو بخلافه والله أعلم (باب الارض بين الرجلين يعملان فيها أو أحدهما) (قال رحمه الله) وإذا كانت الارض بين رجلين فاشترطا على أن يعملا فيها جميعا سنتهما هذه ببذرهما وبقرهما فما خرج فهو بينهما نصفان فهو جائز لان كل واحد منهما عامل في نصيبه من الارض ببذره وبقره غير موجب لصاحبه شيأ من الخارج منه فان اشترطا أن الخارج بينهما أثلاثا كان فاسدا لان الذى شرط لنفسه الثلث كانه دفع نصيبه من الارض والبذر إلى صاحبه مزارعة بثلث الخارج منه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للعقد ولان ما شرط من الزيادة على النصف لصاحب الثلثين يكون أجره له على عمله وانما يعمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر فيما هو شريك فيه على غيره ولو كان البذر منهما أثلاثا والخارج كذلك كان جائزا لان الذى شرط لنفسه ثلث الخارج كانه أعار شريكه ثلث نصيبه من الارض وأعانه ببعض العمل وذلك جائز ولو اشترطا أن الخارج نصفان كان فاسدا لان الذى كان منه ثلث البذر شرط لنفسه بعض الخارج من بذر شريكة وانما يستحق ذلك بعمله والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الاجر على غيره إذ هو يصير دافعا سدس الارض من شريكه مزارعة بجميع الخارج منه وذلك فاسد ثم الخارج بينهما على قدر بذرهما وعلى صاحب ثلثى البذر أجر مثل سدس الارض لشريكه لانه استوفى منفعة ذلك القدر من نصيبه من الارض بعقد فاسد ويكون له نصف الزرع طيبا لا يتصدق شئ منه

[ 108 ] لانه رباه في أرض نفسه وأما سدس الزرع فانه يدفع منه ربع بذره الذى بذره وما غرم من الاجر والنفقة فيه يتصدق بالفضل لانه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ويكون له نصف لزرع طيبا لا يتصدق بشئ منه لانه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ولو كان الخارج والبذر بينهما نصفين والعمل عليهما جميعا الا البقر فانهما اشترطاه على أحدهما بعينه خاصة جاز والخارج بينهما نصفان لان صاحب البقر معين لصاحبه ببقره حين لم يشترط لنفسه شيئا من الخارج من بذر صاحبه ولو اشترطا لصاحب البقر ثلثى الخارج كانت المزارعة فاسدة لان الذى شرط لنفسه الثلث كانه استأجر البقر من صاحبه بثلث الخارج من نصيبه واستئجار البقر في المزارعة مقصودا لا يجوز والخارج بينهما نصفان على قدر بذرهما ولصاحب البقر أجر مثل بقره فيما كربت لانها كربت الارض قبل أن تقع الشركة بينهما في الزرع فكان مستوفيا هذه المنفعة من بقره بحكم عقد فاسد ولو اشترطا البذر من عند أحدهما بعينه والبقر من الآخر والخارج بينهما نصفان لم يجز لان صاحب البقر يصير دافعا أرضه وبقره مزارعة بنصف الخارج وقد شرط في ذلك عمل رب الارض والبقر مع صاحب البذر وكل واحد من هذين بانفراده مفسد للعقد فإذا حصل الخارج فهو كله لصاحب البذر ولصاحب البقر أجر مثل بقره وأجر مثل عمله وأجر مثل حصته من الارض على صاحب البذر ثم يطيب نصف الزرع لصاحب البذر لانه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف ما غرم لصاحب البقر من أجر مثل بقره وأجر علمه وجميع ما غرم له من أجر مثل الارض ونصف البذر مع نصف ما انفق فيه ويتصدق بالفضل لانه ربى هذا النصف في أرض غيره بعقد فاسد وكذلك لو اشترطا لصحاب البذر ثلثى الخارج وللآخر ثلث الخارج فهذا وما سبق في التخريج سواء لاستوائهما في المعنى وإذا دفع الرجلان أرضا لهما وبذرا إلى رجل على أن يزرعها سنته هذه فما خرج فنصفه لاحد صاحبي الارض وللآخر الثلث وللعامل السدس فهذه مزارعة فاسدة لان أحد الدافعين صار مستأجرا للعامل أن يعمل في نصيبه بجزء مما يخرجه نصيب صاحبه فانه شرط لنفسه نصف الخارج وذلك جميع ما تخرجه أرضه وبذره فعرفنا أنه جعل أجر العامل في نصيبه جزأ من الخارج من نصيب صاحبه وذلك لا يجوز والخارج بينهما نصفان على قدر بذرهما وللعامل أجر مثل عمله فيما عمل ولو كان العامل حين اشترط السدس سمى أن ذلك السدس من حصة أحدهما خاصة وهو الذى شرط لنفسه السدس فهذا تصريح

[ 109 ] بالمعنى المفسد للعقد فلا يزداد العقد به بالافسادا ولو دفع رجل إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف واشترط حفظ الزرع حتى يستحصد على رب الارض والبذر من قبله أو من قبل العامل فالمزارعة فاسدة لان هذا شرط يعدم التخلية بين الارض وبين العامل في مدة المزارعة فيفسد به العقد ولو شرط الكراب على رب الارض فان كان البذر من قبل العامل فالعقد فاسد وان كان من قبل رب الارض فالعقد جائز لانه إذا كان البذر من قبل العامل فالعقد في جانب رب الارض يلزم بنفسه وهذا الشرط يعدم التخلية بعد لزوم العقد وان كان من جانب رب الارض فلزوم العقد في جانبه انما يكون عبد القاء البذر في الارض والكراب يسبق ذلك فكأنه استأجره لعمل الزراعة في أرض مكروبة وإذا كان النخيل بين رجلين فدفعه أحدهما إلى صاحبه سنته هذه على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما خرج من ذلك فهو بينهما للعامل ثلثاه وللآخر ثلثه فهذا فاسد لان الذي شرط الثلث لنفسه استأجر صاحبه للعمل في نصيبه بثلث الخارج من نصيبه وهو انما يعمل فيما هو شريك لنفسه فيه واستئجار أحد الشريكين صاحبه للعمل فيما هو فيه شريك باطل والخارج بينهما نصفان لا يتصدق واحد منهما بشئ منه ولا أجر للعامل على شريكه لان قيام الشركة بينهما فيما يلاقيه عمله يمنع تسليم عمله إلى صاحبه ولو كان اشترطا ان الخارج نصفان جاز وكان العامل معينا لشريكه بعمله في نصيبه فان كان الذى لم يعمل أمر العامل أن يشترى ما يلقح به النخل فاشتراه رجع عليه بنصف ثمن ذلك في المسألتين جميعا لانه وكيل في شراء نصف ما يلقح به النخل له وقد أدى الثمن من عنده فيرجع عليه بذلك بخلاف العمل فانه لا قيمة للعمل الا بتسمية العوض وتسليم تام إلى من يكون العمل له والشركة تمنع من ذلك وهو نظير عبد بين أثنين أمر أحدهما صاحبه بان يشترى له نفقة فينفق عليه بنصف الثمن ولو استأجره ليحلق رأسه باجر لم يستوجب الاجر على شريكه لهذا المعنى ثم ما يذكر من التلقيح في النخل أنواع معلومة عند أرباب النخيل منها ما يشترى فيدق ويذر على مواضع معلومة من النخيل ومنها ما يوجد من فحولة النخل مما يشبه الذكر من بنى آدم ثم يشق النخلة التى تحمل فيغرز ذلك فيها على صورة اوطئ بين الذكور والاناث ولما رأى رسول الله هذا النوع من أهل المدينة فاستقبحه ونهاهم عن ذلك فاحشفت النخل في تلك السنة فقال عهدي بثمار نخيلكم على غير هذه الصفة قالوا نعم وانما كانت تجيد الثمار بالتلقيح فانتهينا إذ منعتنا فاحشفت

[ 110 ] فقال عليه الصلاة والسلام إذا أتيتكم بشئ من أمر دينكم فاعملوا به وإذا أتيتكم بشئ من أمور دنياكم فأنتم أبصر بدنياكم وقيل ان النخيل على طبع الآدمى فان النخلة خلقت من فضل طينة آدم عليه الصلاة والسلام على ما قال عليه الصلاة والسلام أكرموا النخلة فانها عمتكم ولهذا لا تثمر الا بالتلقيح كما لا تحمل الانثى من بنات آدم الا بالوطئ وإذا قطعت رأسها يبست من ساعتها كالآدمي إذا جز رأسه ولو اشترطا على أن يعملا جميعا فيه ويسقياه ويلقحاه بتلقيح من عندهما هذه السنة فما خرج من ذلك فلاحدهما بعينه الثلثان وللآخر الثلث فهذا فاسد لان أحدهما شرط لنفسه جزأ من الخارج من نصيب صاحبه من غير أن يكون له فيه نخل ولاعمل أو استأجره صاحبه للعمل فيما هو شريك فيه أن كان عمله أكثر من عمل صاحبه ولو دفع نخلا إلى رجلين يقومان عليه ويلقحانه بتلقيح من عندهما على ان لاحد العاملين بعينه نصف الخارج وللآخر سدسه ولرب النخل ثلثه فهو جائز لان رب النخل استأجرهما للعمل في نخيله وفاوت بينهما في الاجر وذلك جائز كما لو استأجر أحدهما للعمل بمائة درهم وللآخر بمائة دينار وكذلك لو اشترطوا ان لاحد العاملين بعينه أجر مائة درهم على رب النخيل وللآخر ثلث الخارج ولرب النخيل ثلثاه أو على عكس ذلك كان جائزا لانه استأجر أحدهما بعينه بأجر مسمى وللآخر بعينه بجزء من الخارج وكل واحد من هذين العقدين يصح عند الانفراد بهذه الصفة فكذا إذا جمع بينهما ولو اشترطوا لصاحب النخل الثلث ولاحد العاقدين بعينه الثلثين وللآخر أجرا مائة درهم على العامل الذى شرط له الثلثين كان هذا فاسدا لان هذا بمنزلة رجل دفع إلى رجل نخلا له معاملة هذه السنة على ان لصاحب النخل الثلث وللعامل الثلثين وعلى أن يستأجر العامل فلانا يعمل معه بمائة درهم فهذا شرط فاسد والمعاملة تفسد به لانه اشترط اجارة في اجارة (ألا ترى) أنه له أستأجر رجلا هذه السنة بمائة درهم يقوم على العمل في نخيله على أن يستأجر فلانا يعمل معه بخمسين درهما كان العقد فاسدا لانه اشترط اجارة في اجارة واشتراط أحد العقدين في الآخر يكون مفسدا لهما ولو دفع إلى رجل أرضا سنته هذه يزرعها ببذره وبقره بالنصف على أن يستأجر فلانا يعمل معه بمائة درهم كان فاسدا ولو كان البذر من قبل صاحب الارض والشرط كما وصفنا كان العقد فاسدا أيضا هكذا ذكرنا هنا وقد تقدم قبل هذا انه إذا كان البذر من قبل المزارع وشرط ان يعمل فلان معه بثلث الخارج ان العقد جائز بين رب الارض والمزارع وهو فاسد

[ 111 ] بين المزارع وبين فلان ولو كان البذر من قبل رب الارض جاز بينه وبين ا لعاملين جميعا وهنا أجاب في الفصلين جميعا بفساد العقد فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول انما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع لانه قال هناك ويعمل معه فلان بثلث الخارج وحرف الواو للعطف فيكون هذا عطف عقد فاسد على عقد جائز لاشتراط أحد العقدين في الآخر وهناك قال وعلى أن يستأجر فلانا يعمل معه بمائة درهم وحرف على للشرط فيكون أحد العقدين مشروطا في الآخر والاصح أن يقول هناك المشروط للآخر على صاحب البذر بثلث الخارج فيكون العقد شركة من حيث الصورة وانما يأخذ حكم الاجارة إذا فسدت الشركة لا تفسد بالشروط الفاسدة فلما غلب هناك معنى الشركة صححنا العقد بين رب الارض والمزارع وان فسد العقد بين المزارع والعامل الآخر لاشتراط عمله معه في المزارعة وهنا انما شرطا للعامل أجرا مائة درهم فيكون المغلب هنا معنى الاجارة والذى كان بين رب الارض والعامل اجارة في الحقيقة لانه اما أن يكون اجارة للارض أو استئجارا للعامل فيكون ذلك اجارة مشروطة في اجارة وذلك مفسد للعقد كما في المعاملة فان العقد اجارة على كل حال لان رب النخيل أستأجر العامل ولهذا يلزم العقد بنفسه من الجانبين فيفسد العقد بينهما باشتراط اجارة في اجارة ثم الخارج كله لصاحب البذر فان كان هو صاحب الارض فعليه أجر مثل الزارع وأجر مثل الذى عمل معه لانه كان أجيرا له فعمله كعمل المزارع بنفسه وعلى الزارع أجر مثل الذى عمل معه فيما عمل لا يزاد على مائة درهم لانه قد رضى بمقدار المائة وان كان البذر من قبل الزارع فعليه أجر مثل الارض بالغا ما بلغ وأجر مثل الذى عمل معه لا يزاد على مائة درهم وهذا يتأتى على قول محمد رحمه الله فاما على قول أبى يوسف رحمه الله فلا يزاد باجر مثل الارض على نصف الخارج على قياس شركة الاحتطاب وكذلك الشجر يدفعه الرجل إلى رجلين معاملة على هذه السنة على أن نصف الخارج لصاحبه والنصف الباقي لاحد العاملين بعينه وللعامل الثاني على شريكه أجر مائة درهم في عمله فهو فاسد لاشتراط اجارة في أجارة * يوضح جميع ما قلنا أن اشتراط عمل قيمته مائة درهم على العامل في جميع هذه المسائل سوى عمله بمنزلة اشتراط مائة درهم عليه لرب الارض والنخل والشجر وذلك مفسد للعقد ولو كان نخل بين رجلين فدفعاه إلى رجل سنة يقوم عليه فما خرج فنصفه للعامل ثلثا ذلك النصف من نصيب أحدهما بعينه وثلثه من نصيب الآخر والباقى بين صاحبي

[ 112 ] النخل ثلثاه للذى شرط الثلث من نصيبه للعامل وثلثه للآخر فهو على ما اشترطوا لان كل واحد منهما استأجر العامل بجزء معلوم من نصيبه أحدهما بثلثي نصيبه والآخر بثلث نصيبه وذلك مستقيم كما لو استأجره كل واحد منهما باجر مسمى وكان المشروط على أحدهما أكثر من المشروط على الآخر ثم ما شرط على كل واحد منهما لنفسه الا قدر الباقي من نصيبه فلا يتمكن فساد في هذا الشرط ولو اشترطوا أن نصف الخارج لاحد صاحبي النخل بعينه نصيبه الذى هو له والنصف الآخر للعامل ثلثاه ولصاحب النخل ثلثه فهذه معاملة فاسدة لانهما استأجراه للعمل على أن يكون الاجر على أحدهما بعينه خاصة ثم الخارج بينهما نصفان لا يتصدقان بشئ منه وعليهما أجر مثل العامل في عمله لهما ولا يقال ينبغى أن لا يجب الاجر على الذى شرط النصف لنفسه لانه ما أوجب للعامل شيأ من نصيبه وهذا لانه استأجره للعمل ولكن شرط أن يكون الاجر على غيره وبهذا الشرط لا يبقى أصل الاجارة فعليه أجر مثله فيما عمل له ولو اشترطوا أن للعامل نصف الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه وثلثاه من نصيب الآخر وعلى أن النصف الباقي بين صاحبي النخل نصفين فهو فاسد لان الذى شرط ثلثى نصيبه للعامل لا يبقى له من نصيبه الا الثلث فاشتراط نصف ما بقى لنفسه يكون طمعا في غير مطمع وهو بهذا الشرط يصير كانه جعل بعض ما جعله أجرة للعامل من نصيب صاحبه لانه لا يتصور بقاء نصف النصف له مع استحقاق ثلثى النصف عليه فكأنه شرط للعامل ما زاد على نصف النصف أجرة له من نصيب صاحبه وقد ذكر قبل هذا في المزارعة نظير هذه المسألة وهو أن يكون الارض والبذر منهما وقال اشتراط المناصفة في النصف الباقي باطل ويقسم النصف الباقي بينهما على مقدار ما بقى من حق كل واحد منهما وهنا أفسد العقد فاما أن يقال في الفصلين جميعا روايتان إذ لا فرق بينهما أو يقال هناك موضوع المسألة ان أصل البذر غير مشترك بينهما قبل الالقاء في الارض فالشرط الفاسد بينهما لا يفسد المزارعة بينهما وبين المزارع وهنا أصل النخل كان مشتركا بينهما قبل المعاملة وقد جعلا الشرط الفاسد بينهما مشروطا في المعاملة فيفسد به العقد ولو اشترطوا أن يقوم عليه العامل وأحد صاحبي النخل بعينه والخارج بينهم اثلاثا فهو فاسد لانها معاملة تنعدم فيها التخلية والعامل من ربى النخل استأجر العامل ببعض نصيبه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للعقد ولو اشترطوا للذى يعمل من صاحبي النخيل نصف الخارج والباقى بين الآخر والعامل نصفين كان جائزا لان العامل

[ 113 ] من ربى النخيل عامل في نخيل نفسه إذا لا عقد بينه وبين العامل ولكن العامل أجر الآخر بنصف نصيبه ليعمل له وذلك جائز ولو اشترطوا أن يعملا جميعا مع العامل على أن الخارج بينهم أثلاث فهو فاسد لان كل واحد منهما استأجر العامل ببعض نصيبه وشرط عمله معه فهذه معاملة لا يوجد فيها التخلية بين النخيل وبين العامل ولو كانا شرطا العمل على العامل وحده في سنة بعد هذه السنة أو بعد ثلاث سنين فهو جائز لان المعاملة بمنزلة الاجارة واضافة الاجارة إلى وقت معلوم في المستقبل جائز وعطف العقد الجائز على العقد الفاسد لا يفسد المعطوف لانهما لا يجتمعان في وقت واحد وكذلك المزارعة على هذا من أيهما كان البذر لان في المزارعة استئجار الارض واستئجار العامل ان كان البذر من رب الارض وإذا دفع الرجلان إلى الرجلين نخلا لهما معاملة هذه السنة على أن يقوما عليه فما خرج فللعاملين نصفه لواحد منهما بعينه ثلثا ذلك النصف وللآخر ثلثه والباقى بين صاحبي النخل نصفان فهو جائز على ما اشترطوا لانهما أستأجرا كل واحد منهما بجزء معلوم من نصيبهما وفاوتا بين العاملين في مقدار الاجر وذلك لايمنع جواز العقد لانهما يستحقانه بعملهما وقد يتفاوتان في العمل من حيث الحذاقة أو الكثرة ولو اشترطوا أن النصف بين العاملين نصفان وما بقى من صاحبي النخل ثلثه لاحدهما بعينه وثلثاه للآخر فالمعاملة فاسدة لانه لم يبق لكل واحد منهما بعد ما اشترطا للعاملين الا ربع الخارج فاشتراط أحدهما الزيادة على ذلك لنفسه من نصيب صاحبه طمع في غير مطمع إذ هو اشتراط أجرة بعض أجره عملها له على شريكه وذلك مفسد لعقد المعاملة ولو اشترطوا أن النصف للعاملين من نصيب أحدهما بعينه ثلثا ذلك النصف ومن نصيب الآخر ثلثه والباقى بين صاحبي النخل ثلثاه للذى شرط الثلث وثلثه للذى شرط الثلثين فهو جائز على ما اشترطوا لان كل واحد منهما استأجر العاملين للعمل في نصيبه بجزء معلوم من نصيبه وما شرط لنفسه الا مقدار الباقي من نصيبه بعد ما شرط للعاملين وهذا ثابت بدون الشرط فلا يزيده الشرط الا وكادة ولو اشترطوا أن النصف الباقي بين صاحبي النخل ثلثاه للذى شرط الثلثين وثلثه للذى شرط الثلث كانت المعاملة فاسدة لان أحدهما شرط لنفسه زيادة على الباقي من نصيبه وذلك منه طمع في غير مطمع وهو بالشرط الثاني كأنه جعل بعض ما استوجبه للعاملين أجرة مشروطة على صاحبه ولو اشترطوا ثلث الخارج لاحد العاملين بعينه وثلثاه لصاحبي النخل وللعامل الآخر اجر مائة درهم على صاحبي النخل جاز لانهما استأجرا أحد العاملين بثلث الخارج

[ 114 ] وهى معاملة صحيحة واستأجر الخارج الآخر للعمل باجر مسمى وهو اجارة صحيحة ولو كانوا اشترطوا المائة على أحد صاحبي النخل بعينه كانت المعاملة فاسدة لان الذى استأجره أحدهما بالدراهم ان كان استأجره لنفسه فعمل أجيره كعمله بنفسه واشتراط عمله في المعاملة يفسدها وان كان استأجره ليعمل لهما فاشتراط أجر أجيرهما على أحدهما خاصة يكون مفسدا للعقد وقد جعلا ذلك مشروطا في المعاملة فالخارج لصاحبي النخل وللعامل على الذى شرط له الثلث أجر مثله بالغا ما بلغ على صاحبي النخل لانهما استوفيا عمله بعقد فاسد وتسمية الثلث له بعد فساد العقد لا يكون معتبرا عند محمد رحمه الله فكان له أجر مثله بالفا ما بلغ وللعامل الاخر أجر مثله لا يجاوز به مائة درهم على الذى شرط له المائة لانه هو الذى عاقده عقد الاجارة والتزم البدل له بالتسمية ثم يرجع هو على شريكه بنصف ما لزمه من ذلك لانه عمل لها جميعا بحكم عقد فاسد وهو في نصيب صاحبه بمنزلة النائب عنه في الاستئجار فيرجع عليه بما يلحقه من الغرم في نصيبه ولو كانوا اشترطوا أن المائة على العامل الذي شرطوا له الثلث كانت المعاملة فاسدة وقد بينا هذا فيما إذا كان العامل واحدا انه يفسد العقد لاشتراط الاجارة في الاجارة فكذلك إذا كان العامل اثنين والخارج لصاحبي النخل وعليهما للذى شرط له الثلث أجر مثله وأجر مثل صاحبه بالغا ما بلغ لان صاحبه أجره وعمل أجيره يقع له فيكون كعمله بنفسه ولصاحبه عليه أجر مثله لا يجاوز به مائة درهم لانه استوفى عمله بعقد فاسد وقد صح رضاه بقدر المائة فلا يستحق الزيادة على ذلك وإذا دفع رجل إلى رجلين أرضا له هذه السنة يزرعانها ببذرهما وعملهما فما أخرج الله تعالى منها فنصفه لاحد العاملين بعينه وثلثه للآخر والسدس لرب الارض فهو فاسد لانهما استأجرا الارض وشرطا أن يكون جميع الاجر من نصيب أحدهما خاصة قان الآخر شرط لنفسه جميع الخارج من بذره ولو اشترطوا لاحدهما أربعة أعشار الخارج وللآخر الثلث ولرب الارض ما بقي فهو جائز لان كل واحد منهما استأجر الارض بجزء معلوم من نصيبه من الخارج أحدهما بخمسى نصيبه والآخر بثلث نصيبه وكما يجوز التفاوت في أجرة العاملين بالشرط فكذلك في اجارة الارض منهما ولو اشترطوا ان نصف الخارج لاحدهما بعينه ولرب الارض عليه مائة درهم وللآخر الثلث ولرب الارض السدس جاز على ما اشترطوا لان أحدهما استأجر نصف الارض باجر مسمى والآخر بجزء من الخارج وكل واحد منهما صحيح وبسبب اختلاف جنس الاجر أو منفعة العقد لا تتفرق

[ 115 ] الصفقة في حق صاحب الارض ولا يتمكن الشيوع ولو اشترطوا على أن ما خرجت الارض بينهما اثلاث ولرب الارض على أحدهما بعينه مائة درهم كان فاسدا لان الذي التزم المائة جمع لصاحب الارض من نصيبه بين أجر المسمى وبعض الخارج وذلك مفسد للعقد وكذلك لو اشترطوا المائة على رب الارض لهما كان فاسدا لان رب الارض التزم لهما مع منفعة الارض مائة درهم بمقابلة نصف الخارج ففيما يخص المائة من الخارج هو مشترى منهما وشراء المعدوم باطل ففسد العقد لذلك وان اشترطا المائة على رب الارض لاحدهما بعينه وقد اشترطوا ان الخارج بينهم اثلاث ففى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله على قول من أجاز المزارعة هذه مزارعة فاسدة والخارج لصاحبي البذر ولرب الارض عليهما أجر مثل الارض وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المزارعة بين رب الارض والمزارع الذى لم يشرط عليه المال جائزة فيأخذ هو الثلث ورب الارض السدس ويكون نصف الخارج للمزارع الآخر وعليه لرب الارض أجر مثل نصف أرضه لان رب الارض هنا انما صار مشتريا بعض نصيب أحدهما بما شرط له من المائة فانما تمكن المفسد فيما بينهما الا ان من أصل أبى حنيفة رحمه الله أن الصفقة الواحدة إذا فسد بعضها فسد كلها ومن أصلهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة وقد بينا نظائره في البيوع وقيل بل هذا ينبنى على اجارة المشاع فان العقد لما فسد بين رب الارض وبين الذي شرط عليه المائة فلو صح في حق العامل الآخر كان اجاره نصف الارض مشاعا وذلك لا يجوز عند أبى حنيفة رحمه لله خلافا لهما والاول أصح لان العقد مع الفساد منعقد عندنا فلا يتمكن بهذا المعنى الشيوع في أصل العقد والله أعلم (باب مشاركة العامل مع آخر) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل لرجل نخلا له معاملة هذه السنة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما خرج منه فهو نصفان ولم يأمره أن يعمل في ذلك برأيه فدفعه العامل إلى رجل آخر معاملة على أن للآخر ثلث الخارج فعمل على ذلك فالخارج كله لصاحب النخل وللعامل الآخر على الاول أجر مثله ولا أجر للاول على رب النخل لان العامل الاول خالف أمر رب النخل حين دفعه إلى غيره معاملة فان رب النخيل انما رضى بشركته في الخارج لا بشركة الثاني فهو حين أوجب الشركة في الخارج في للعامل الثاني صار مخالفا لرب النخل فيما

[ 116 ] أمره به بمنزلة الغاصب فلا يستوجب عليه الاجر بعد ما صار غاصبا سواء أقام العمل بنفسه أو بنائبه ثم العامل الاول استأجر الثاني بثلث الخارج وقد حصل الخارج ولم يسلم له لاستحقاق رب النخل ذلك عليه فانه متولد من نخله فلا يستوجب عليه بدون رضاه وهو ما رضى بان يستحق الثاني شيئا من الخارج ففسد العقد بينهما لاستحقاق الاجرة فيرجع على العامل الاول باجر مثله فان هلك الثمر في يد العامل الآخر من غير عمله وهو في رؤس النخل بأفة أصابته فلا ضمان عليه ولا على الاول لانهما بمنزلة الغاصبين والزيادة المتولدة من عين المغصوب إذا تلفت من غير صنع أحد لا تكون مضمونة وان هلك من عمل الاجير شئ فان كان ذلك عملا خالف فيه ما أمره به العامل الاول فالضمان فيه لصاحب النخل على العامل الآخر دون الاول لانه مباشر للاتلاف وانما أتلفه بفعل أنشأه من عنده ولم يكن مأمورا به من جهة العامل الاول فيقتصر حكم ذلك الفعل عليه كولد المغصوبة إذا أتلفه متلف في يد الغاصب كان الضمان على المتلف دون الغاصب وان هلك في يدي من عمل في شئ لم يخالف فيه ما أمره به الاول فلصاحب النخل أن يضمن أي العاملين شاء لان الثاني وان باشر الاتلاف ولكن كان عاملا ذلك العمل للاول حين استوجب بمعاملته الاجر عليه فيكون عمله كعمل الاول بنفسه فلصاحب العمل أن يضمن أيهما شاء فان ضمن الآخر رجع على الاول بما ضمن لانه مغرور من جهته حين عمل له بامره وان ضمن الاول لم يرجع على الآخر لانه حين ضمن صار كالمالك ولو كان رب النخل أمر الاول أن يعمل فيه برأيه والمسألة بحالها فدفعه إلى الآخر جاز لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم والاشراك والدفع إلى الغير معاملة من رأيه ثم نصف الخارج لرب النخل وثلثه للآخر كما أوجبه له الاول من نصيبه وبقى السدس للاول وهو طيب له لانه استحق ذلك بالتزام العمل بالعقد ولو قال رب النخل للاول ما رزقك الله فيه من شئ فهو بيننا نصفان أو ما أخرج الله لك أو قال له اعمل فيه برأيك فدفعه إلى آخر معاملة بالثلث أو النصف كان جائزا والباقى بعد المشروط للآخر بين الاول وصاحب النخل نصفين كما شرطا لان الذى رزق الله العامل الاول هو الباقي وقد شرطا المناصفة فيه ولو دفع إلى رجل أرضا وبذرا مزارعة على ان للمزارع من الخارج عشرين قفيزا ولرب الارض ما بقي وقال له اعمل برأيك فيه أو لم يقل فدفع المزارع الارض والبذر إلى رجل بالنصف مزارعة فعمل فالخارج لرب الارض لانه نماء بذره وقد كان

[ 117 ] العقد بينه وبين الاول فاسدا باشتراط مقدار معلوم له من الخارج بالعقدين فلا يصح منه ايجاب الشركة للثاني في الخارج سواء قال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل لانه أجيره لا شريكه في الخارج وإذا لم يصح منه اشراك الثاني في الخارج لم يصر مخالفا لصاحب الارض والبذر فيما فعله فيكون الخارج كله لرب الارض وللآخر على الاول أجر مثله لانه استأجره بثلث الخارج وقد حصل الخارج ثم استحقه رب الارض وللاول على رب الارض أجر مثل ذلك العمل لانه لما لم يصر مخالفا لرب الارض كان عمل أجيره كعمله بنفسه وقد سلم ذلك لرب الارض بعقد فاسد وكذلك ان لم تخرج الارض شيأ لان بفساد العقد الاول يفسد العقد الثاني فالثاني انما أقام العمل بحكم اجارة فاسدة فيستوجب أجر المثل على من استأجره وان لم تخرج الارض شيأ. كما لو استأجره رب الارض اجارة فاسدة ولو دفع إليه الارض والبذر مزارعة بالنصف وقال اعمل فيه برأيك أو لم يقل فدفعها إلى آخر مزارعة على أن للآخر منه عشرين قفيزا فالمزارعة بين الاول والثانى فاسدة وللثاني على الاول أجر مثله عمله والخارج بين الاول ورب الارض نصفان لان العقد بينهما صحيح وعمل أجيره كعمله بنفسه والاول لا يصير مخالفا وان لم يكن رب الارض قال له اعمل فيه برأيك لانه انما يصير مخالفا بايجاب الشركة للغير في الخارج ولم يوجد ذلك ولو دفع إليه أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله بعشرين قفيزا من الخارج والباقى للمزارع أو كان شرط أقفزة للمزارع والباقى لرب الارض فدفعها المزارع إلى آخر مزارعة بالنصف والبذر من عند الاول أو من عند الآخر فعمل فالخارج بين المزارعين نصفان لان الاول مستأجر للارض اجارة فاسدة فيصح منه استئجار العامل للعمل فيه أو اجارتها من غيره بالنصف إذا كان البذر من عند الآخر لان الفاسد من العقد معتبر بالجائز في حكم التصرف فالخارج بين المزارعين نصفان ولرب الارض أجر مثل أرضه على الاول ولو لم يعمل الآخر في الارض بعد ما تعاقدا المزارعة حتى أراد رب الارض أخذ الارض وبعض ما تعاقدا عليه كان له ذلك لان العقد بينه وبين الاول اجارة فاسدة والاجارة تنقض بالعذر فان كان البذر في العقد الثاني من عند الآخر ينقض العقد الثاني بينه وبين الآخر لاستحقاق نقض العقد الاول بسبب الفساد وان كان البذر من عند الاول ينقض استئجار الاول للثاني لفساد العقد أيضا فان كان الآخر قد زرع لم يكن لرب الارض أخذ أرضه حتى يستحصد الزرع لان المزارع الآخر محق في القاء البذر في

[ 118 ] الارض وفي القلع اضرار به من حيث ابطال حقه فيتأخر ذلك إلى أن يستحصد ولو كان رب الارض دفعها إلى الاول مزارعة بالنصف وقال له اعمل فيها برأيك أو لم يقل فدفعها الاول وبذرا معها إلى الثاني مزارعة بعشرين قفيزا من الخارج شرطاه للثاني أو للاول فالعقد الثاني فاسد وللآخر على الاول أجر عمله والخارج بين رب الارض وبين الاول نصفان لان اقامته العمل بأجيره كاقامته بنفسه واستئجار الارض بنصف الخارج كان صحيحا بينهما ولو كان البذر من الآخر كان الخارج كله له لان العقد بينه وبين الاول فاسد والخارج نماء بذره وعليه للاول اجر مثل الارض لان الاول أجر الارض منه اجارة فاسدة وقد استوفى منافعها وعلى الاول لرب الارض أجر مثل الارض لانه أجر الارض بنصف الخارج وقد حصل الخارج ثم استحقه الآخر فيرجع رب الارض على الاول باجر مثل أرضه ولو دفع إلى رجل نخلا له معاملة بالنصف وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل فدفعه العامل إلى آخر معاملة بعشرين قفيزا من الخارج فالخارج بين الاول وصاحب النخل نصفان وللآخر على الاول أجر مثله لفساد العقد الذى جرى بينه وبين الآخر ثم الاول هنا لم يصر مخالفا لرب النخل بالدفع إلى الثاني وانما يصير مخالفا بايجاب الشركة للغير في الخارج ولم يوجد حين وجد العقد الثاني وكان عمل أجيره كعمله بنفسه فلهذا كان الخارج بينه وبين صاحب النخل نصفين ولو كان الشرط في المعاملة الاولى عشرين قفيزا لاحدهما بعينه وفى الثانية النصف فالخارج لصاحب النخل لان العقد الاول فساد فيفسد به العقد الثاني إذ الاول ليس بشريك في الخارج فلا يكون له أن يوجب الشركة لغيره في الخارج وإذا لم تجز الشركة للثاني لم يصر الاول مخالفا فيكون الخارج كله لصاحب النخل وللآخر على الاول أجر عمله وللاول على صاحب النخل أجر ما عمل الآخر ولا ضمان عليهما في ذلك لانعدام سبب الضمان وهو الخلاف والله أعلم (باب مزارعة المرتد) (قال رحمه الله) وإذا دفع المرتد أرضه وبذره إلى رجل مزارعة بالنصف فعمل على ذلك وخرج الزرع فان أسلم فهو على ما اشترطا وان قتل على ردته فالخارج للعامل وعليه ضمان البذر ونقصان الارض للدافع في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله على قول من أجاز

[ 119 ] المزارعة أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج وعلى قولهما هذه المزارعة صحيحة والخارج بينهما على الشرط وهو بناء على اختلافهم في تصرفات المرتد عندهما تنفذ تصرفاته كما تنفذ من المسلم وعند أبى حنيفة يوقف لحق ورثته فان أسلم نفذ عقد المزارعة بينهما فكان الخارج على الشرط وان قتل على ردته بطل العقد وبطل أيضا اذنه للعامل في القاء البذر في الارض لان الحق في ماله لورثته ولم يوجد منهم الرضا بذلك فيصير العامل بمنزلة الغاصب للارض والبذر فيكون عليه ضمان البذر ونقصان الارض أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج والخارج كله له لانه ملك البذر بالضمان وان كان البذر على العامل وقتل المرتد على ردته فان كان في الارض نقصان غرم العامل نقصان الارض لان اجارة الارض بطلت حين قتل على ردته وكذلك الاذن الثابت في ضمنه فيكون صاحب الارض كالغاصب للارض والزرع كله له وان لم يكن في الارض نقصان فالقياس أن يكون الخارج له ولا شئ عليه لانه بمنزلة الغاصب والغاصب للارض لا يضمن شيأ الا إذا لم يتمكن فيها نقصان وفى الاستحسان يكون الخارج على الشرط بين العامل وورثة المرتد لان ابطال عقده كان لحق ورثته في ماله والنظر للورثة هنا في تنفيذ العقد لانه إذا نفذ العقد سلم لهم نصف الخارج وإذا بطل العقد لم يكن لهم شئ فنفذ عقده استحسانا بخلاف الاول فهناك لو نفذ العقد لم يجب لهم نقصان الارض وربما كان نقصان الارض أنفع لهم من نصف الخارج وهو نظير العبد المحجور عليه إذا أجر نفسه للعمل فان هلك في العمل كان المستأجر ضامنا قيمته ولا أجر عليه وان سلم وجب الاجر استحسانا لان ذلك أنفع للمولى وهذا القياس والاستحسان على قول أبى حنيفة رحمه الله وأما عندهما فالمزارعة صحيحة فان كان المرتد هو المزارع والبذر منه فالخارج له ولا شئ لرب الارض من نقصان الارض والبذر وغيره إذا قتل المرتد في قول أبى حنيفة رحمه الله لان رب الارض سلطه على عمل الزراعة وهو تسليط صحيح وشرط لنفسه عليه عوضا بمقابلته وقد بطل التزامه للعوض حين قتل على ردته لحق ورثته فلهذا كان الخارج لورثة المرتد لانه نماء بذر المرتد ولا شئ عليهم لرب الارض وان كان البذر من قبل الدافع فالخارج على الشرط في قولهم جميعا لان صاحب الارض مستأجر للمرتد بنصف الخارج وحق ورثته لا يتعلق بمنافعه (ألا ترى) أنه لو أعان غيره لم يكن لورثته عليه سبيل ولان المنفعة للورثة في تصحيح العقد هنا فانه لو لم تصح اجارته نفسه لم يكن لورثته من الخارج شئ والحجر بسبب الردة لا يكون فوق

[ 120 ] الحجر بسبب الرق ولو كانا جمعيا مرتدين والبذر من الدافع فالخارج للعامل وعليه غرم البذر ونقصان الارض لان العامل صار كالغاصب للارض والبذر حين لم يصح أمر الدافع اياه بالزراعة فيكون الخارج له وعليه غرم البذر ونقصان الارض لورثة الدافع ولو أسالما أو أسلم صاحب البذر كان الخارج بينهما على الشرط كما لو كان مسلما عند العقد وهذا لان العامل أجير له فاسلام من استاجره يكفى لفساد العقد سواء أسلم هو أو لم يسلم وان كان البذر من العامل وقد قتل على الردة كان الخارج له وعليه نقصان الارض لان اذن الدافع له في عمل الزارعة غير صحيح في حق ورثته فيغرم لهم نقصان الارض وان لم يكن فيها نقصان فلا شئ لورثة رب الارض لان استئجار العامل الارض بنصف الخارج من بذره باطل لحق ورثته وكذلك إذا أسلم رب الارض فهو بمنزلة ما لو كان مسلما في الابتداء وان أسلما أو أسلم المزارع وقتل الاخر على الردة ضمن المزارع نقصان الارض لورثة المقتول على الردة لان أمره اياه بالمزارعة غير صحيح في حق الورثة وان لم ينقصها شيأ فالقياس فيه ان الخارج للمزارع ولا شئ لرب الارض ولا لورثته لبطلان العقد حين قتل رب الارض على ردته وفى الاستحسان الخارج بينهما على الشرط لان معنى النظر لورثة المقتول في تنفيذ العقد هنا كما بينا وعند أبى يوسف ومحمد الخارج بينهما على الشرط ان قتلا أو أسلما أو لحقا بدار الحرب أو ماتا وكذلك قول أبى حنيفة رحمه لله في مزارعة المرتدة ومعاملتها لان تصرفها بعد الردة ينفذ كما ينفذ من المسلمة بخلاف المرتد وإذا دفع المرتد إلى مرتد أو مسلم نخيلا له معاملة بالنصف فعمل على ذلك ثم قتل صاحب النخيل على ردته فالخارج لورثته لانه تولد من نخل هم أحق به ولا شئ للعامل لان المرتد كان استأجره ببعض الخارج وقد بطل استئجاره حين قتل على ردته لحق ورثته ولو كان صاحب النخيل مسلما والعامل مرتدا فقتل على ردته بعد ما عمل أو مات أو لحق بدار الحرب أو أسلم فهو سواء والخارج بينها على الشرط لان المرتد أجر نفسه ببعض الخارج ولا حق لورثته في منافعه وفى تنفيذ هذا العقد منفعة ورثته ولو كانا عقدا المزارعة والمعاملة في جميع هذه الوجوه وهما مسلمان والبذر من الدافع أو العامل ثم ارتد أحدهما أيهما كان ثم عمل العامل وأدرك الزرع ثم قتل على الردة كان الخارج بينهما على الشرط عندهم جميعا لان ردته انما توجب التوقف في التصرفات التى ينشئها بعد الردة فاما ما نفذ من تصرفاته قبل الردة فلا يتغير حكمه بردته فوجود الردة في حكم تلك التصرفات كعدمها

[ 121 ] (باب مزارعة الحربى) (قال رحمه الله) وإذا دخل الحربى دار الاسلام بامان فدفع إليه رجل أرضا له وبذرا مزارعة هذه السنة بالنصف فهو جائز والخارج بينهما على ما اشترطا لانه التزم أحكامنا في والمعاملات ما دام في ديارنا والمزارعة اجازة أو شركة أو كل واحدة منهما معاملة تصح بين المسلم والحربي في هذه المدة لان الحول كامل لاستيفاء الجزية والكافر لا يمكن من المقام في دارنا تمام مدة استيفاء الجزية بغير جزية فيتقدم إليه في الخروج فان أقام سنة بعد ما تقدم إليه وضع عليه الخراج وجعله ذميا ولم يدعه يرجع إلى دار الحرب ولو اشترى الحربى المستأمن أرضا عشرية أو خراجية فدفعها إلى مسلم مزارعة جاز والخارج بينهما على ما اشترطا ويوضع عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله في أرضه الخراج ولا يترك أن يخرج إلى دار الحرب بل يجعله ذميا لان خراج الرؤس تبع لخراج الاراضي فإذا التزم خراج الارض كان ملتزما خراج الرأس أيضا والاختلاف بينه وبين صاحبيه رحمهم الله فيما إذا كانت الارض عشرية وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة فيما إذا كان المشترى ذميا فكذلك إذا كان المشترى مستأمنا ولو دخل المسلم دار الحرب بامان فاشترى أرضا من أهل الحرب فدفعها إلى حربى مزارعة أو أخذ المسلم أرض الحربى مزارعة بالنصف جاز لانه يعاملهم ما دام في دار الحرب بالشركة والاجارة والمزارعة لا يخرج منها * ولو كان اشترط لاحدهما عشرون قفيزا من الخارج جاز في قول أبى حنيفة ومحمد يأخذها من سميت له من الخارج والباقى للآخر ان بقى شئ وفي قول أبى يوسف المزارعة فاسدة والخارج لصاحب البذر وللآخر الاجر إذا أسلم وخرج الينا وهو بناء على ان العقود التى تفسد بين المسلمين كعقد الربا هل يجرى بين المسلم والحربي في دار الحرب وقد بيناه في كتاب الصرف والمزارعة بين المسلمين التاجرين في دار الحرب بمنزلتها في دار الاسلام لانهما مخاطبان باحكام الاسلام ومعنى الاحراز في مالهما قائم ومباشرتهما المزارعة في دار الحرب وفى دار الاسلام سواء فيما يصح ويفسد والمزارعة بين مسلم تاجر في دار الحرب وبين رجل أسلم هناك جائزة بالنصف وكذا بعشرين قفيزا من الخارج لاحدهما في قول أبى حنيفة خلافا لابي يوسف ومحمد بمنزلة عقد الربابين التاجر في دار الحرب والذى أسلم هناك وبين اللذين أسلما ولم يهاجرا وإذا اشترى المسلم أو التاجر أرضا في دار الحرب فدفعها إلى حربى مزارعة بالنصف فلما استحصد الزرع ظهر المسلمون على تلك الدار فالزرع

[ 122 ] والارض كلهما لمن افتتحها لان الارض وان كانت مملوكة للمسلم فهى بقعة من بقاع دار الحرب فتصير غنيمة لظهور المسلمين على الدار والزرع قبل الحصاد تبع للارض لاتصاله بها ولهذا يستحق بالشفعة ولو كان الزرع حصد ولم يحمل من الارض حتى ظهروا على الدار كانت الارض ونصيب الحربى من الزرع فيأ للمسلم نصيبه من الزرع لان التبعية زالت بالحصاد وصارت كسائر المنقولات فنصيب الحربى من ذلك يصير غنيمة كسائر أمواله ونصيب المسلم لا يصير غنيمة كسائر أمواله من المنقولات والدليل على زوال التبعية حكم الشفعة فان الزرع المحصود لا يستحق بالشفعة وان لم يحمل من الارض ومن أيهما كان البذر فالجواب سواء وكذلك لو كان صاحب الارض هو الحربى والزارع هو المسلم فان كان الزرع لم يحصد فترك الامام أهلها وتركة في أيديهم يؤدون الخراج كما فعل عمر رضى الله عنه باهل السواد كانت الارض لصاحبها أيهما كان والزرع بينهما على ما اشترطا لان الامام قرر ملكهما فيه بالمن وإذا جاز ذلك في حصة الحربى ففى حصة المسلم أولى ولو دخل مسلمان دار الحرب بامان فاشترى أحدهما أرضا فدفعها إلى صاحبه مزارعة بالنصف فاستحصد الزرع ولم يحصد حتى ظهر المسلمون على الدار فالارض والزرع فئ لما قلنا وان ظهروا علينا بعد ما حصد الزرع فالارض فئ والزرع بينهما على ما اشترطا لانه منقول مشترك بين مسلمين في دار الحرب فلا يصير غنيمة بالظهور على الدار وان دفعها المسلم إلى حربى مزارعة بالنصف والبذر من أحدهما بعينه والعمل عليهما جميعا فاخرجت الارض الزرع ثم أسلم أهل الدار وقد استحصد الزرع أو لم يحصد جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمها الله والخارج بينهما على الشرط وفى قول أبى يوسف رحمه الله الخراج لصاحب البذر وللآخر الاجر وهذا لان اشتراط عمل صاحب الارض مع المزارع في المزارعة انما يفسد العقد في دار الاسلام فاما في دار الحرب بين المسلم والحربي فهو على الخلاف الذى بينا ولو لم يسلم أهل الدار ولكن ظهر المسلمون على الدار كانت الارض وما فيها فيأ ولا شئ على صاحبه لاحدهما من أجر ولاغيره لان هذه المعاملة كانت في دار الحرب فلا يطالب أحدهما صاحبه بشئ منه بعد ما ظهر المسلمون على الدار لان الارض ان كانت للحربى فقد صارت غنيمة وكذلك ان كانت للمسلم فلا يكون له أن يطالب صاحبه باجرها ونفس الحربى تبدلت بالرق فلا تتوجه له المطالبة بالاجر على المسلم ولا للمسلم عليه وان تركهم الامام في أرضهم كما ترك عمر رضى الله عنه أهل السواد

[ 123 ] فهذا بمنزلة اسلامهم عليها لانه يقرر ملكهم في أراضيهم وحريتهم في رقابهم بالمن كما يتقرر ذلك بالاسلام لو أسلموا والمعاملة كالمزارعة في جميع ما ذكرنا وان كانت المزارعة ففى دار الحرب بين الحربيين بالنصف أو باقفزة مسماة من الخارج فاسلم أهل الدار قبل أن يحصد الزرع وقد استحصد أو بعد ما حصد جاز على ما اشترطا لانهما باشرا العقد حين لم يكونا ملتزمين لاحكام الاسلام وقد كان الخارج بينهما على ما اشترطا قبل اسلامهما فيتأكد ملكهما بالاسلام ولو أسلم أهل الدار قبل أن يزرع ثم زرع كانت المزارعة فاسدة على شرط الاقفزة المسماة والخارج لصاحب البذر لان العقد لا يتم من الجانبين قبل القاء البذر في الارض فالاسلام الطارئ قبل تمام العقد كالمقترن باصل العقد ولو كان زرع ثم أسلموا وهو بقل لم يسبل ثم عمل فيه بعد ذلك حتى استحصد كان فاسدا أيضا لان المقصود هو الحب والاسلام حصل قبل حصول ما هو المقصود وهو الشركة بينهما في الحب الذى هو مقصود بخلاف ما إذا أسلموا بعد الاستحصاد وهذا لان كل حال يجوز ابتداء عقد المزارعة فيها فاسلامهم في تلك الحالة يفسد المزارعة بشرط عشرين قفيزا وكل حالة لا يجوز ابتداء عقد المزارعة فيها فاسلامهم في تلك الحالة لا يؤثر في العقد اعتبار الحالة البقاء بحالة الابتداء وما دام الزرع بقلا فابتداء المزارعة فيه يصح فإذا أسلموا وكان العقد بشرط عشرين قفيزا فسد بخلاف ما بعد الاستحصاد والله أعلم (باب مزارعة الصبى والعبد) (قال رحمه الله) والعبد المأذون له في التجارة بمنزلة الحر في المزارعة وكذلك الصبي الحر المأذون له في التجارة لان عقد المزارعة من عقود التجارة فانه استئجار للارض أو للعامل أو هو عقد شركة في الخارج والتجار يتعاملون به فالمأذون فيه كالحر البالغ فان زارع العبد انسانا فلم يزرع حتى حجر عليه مولاه فحيث كان للحر أن يمتنع عن المضى في المزارعة فلمولى العبد أن يمتنع منه ويحجر عليه وحيث لم يكن للمولى منع العبد منه ولا يبطل العقد بحجر المولى عليه لان منع المولى اياه بالحجر كامتناعه بنفسه وله أن يمتنع إذا كان البذر من قبله وليس له أن يمتنع إذا كان البذر من قبل الآخر فكذلك منع المولى اياه بالحجر عليه وهذا لان الحجر لا يبطل العقد اللازم في حالة الاذن ولا يمكن المولى من ابطاله وما لم يكن لازما فللمولى أن

[ 124 ] يمتنع من التزامه بعد الحجر الا أنه إذا كان البذر والارض من العبد فحجر المولى عليه قبل الزراعة فله أن يمنع الزارع من الزراعة وإذا أخذ العبد أرض الغير مزارعة ليزرعها ببذره ثم حجر المولى عليه فنفس الحجر منع منه للمزارعة وينفسخ العقد به لان صاحب الارض والبذر إذا كان هو العبد ففى القاء البذر في الارض اتلاف له وللمولى أن لا يرضى بذلك فما لم يمتنع المزارع من القاء البذر في الارض لا ينفسخ العقد وإذا كان العبد هو المزارع ببذره فبنفس الحجر فات المعقود عليه فان العبد لا يملك البذر بعد ذلك بالقائه في الارض ولا في منافعه باقامة عمل الزراعة بدون أذن المولى فلهذا جعل نفس الحجر عليه فسخا للزراعة وكذلك الصبى الحر يحجر عليه أبوه أو وصيه وكذلك المعاملة في الاستئجار الا أن في المعاملة الحجر بعد العقد لا يبطل العقد أيهما كان العامل لان المعاملة تلزم بنفسها من الجانبين ولو لم يحجر عليه ولكنه نهاه أو نهى مزارعه عن العمل بعد العقد أو نهاه عن العقد قبل أن يعقد كان نهيه باطلا وله أن يعقد ويعمل وكذلك الصبي لان هذا حجر خاص في اذن عام وهو باطل (ألا ترى) أن عند ابتداء الاذن لو استثنى المزارعة لم يصح استثناؤه فكذلك بعد الاذن إذا نهاه عن العقد أو المضى عليه من غير أن يحجر عليه فإذا اشترى الصبي التاجر أرضا ثم حجر عليه أبوه فدفعها مزارعة إلى رجل بالنصف يزرعها ببذره وعمله فالخارج للعامل وعليه نقصان الارض لان اذن الصبى في زراعة الارض بعد الحجر باطل فكان العامل بمنزلة الغاصب فعليه نقصان الارض والخارج له وان لم يتمكن في الارض نقصان كان الخارج بينهما على الشرط استحسانا لان منفعة الصبي في تصحيح العقد هنا فانه لو بطل لم يسلم له شئ ولا يحجر الصبي عما يتمحض منفعته من العقود كقبول الهبة ولا يتصدق واحد منهما بشئ لان العقد لما صح منه كان هو في ذلك كالبالغ أو المأذون ولو كان البذر من قبل الدافع كان الخارج للعامل وعليه غرم البذر في الوجهين جميعا أو نقصان الارض ان كان فيها نقصان سواء أخرجت الارض شيأ أو لم تخرج لان اذن الصبي في الزراعة والقاء بذره في الارض باطل فيكون المزارع كالغاصب للارض والبذر منه فعليه غرم البذر ونقصان الارض والخارج له ويتصدق بالفضل لانه حصل له بسبب حرام شرعا وإذا دفع الحر إلى العبد المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة بالنصف سنته هذه فزرعها فحصل الخارج وسلم العامل فالخارج بينهما على الشرط لانه استأجر العبد للعمل بالنصف الخارج وقد بينا أن العبد المحجور

[ 125 ] عليه إذا أجر نفسه وسلم من العمل وجب له الاجر استحسانا وان مات في العمل فصاحب الارض والبذر ضمان لقيمته لانه غاصب له بالاستعمال والزرع كله له سواء مات قبل الاستحصاد أو بعده لانه يملك العبد بالضمان من حين دخل في ضمانه فانما أقام عمل الزراعة بعبد نفسه فالخارج كله له ويطيب له ذلك لانه ربى زرعه في أرض نفسه ولكونه غاصبا للعبد لا يتمكن الخبث في الزرع وان مات الصبي الحر من عمل الزراعة بعد ما استحصد الزرع فالزرع بينهما على ما اشترطا طيب لهما كما لو أسلم الصبي لان باستحصاد الزرع تأكدت الشركة بينهما في الخارج والصبي لا يملك بالضمان فان مات وجب على عاقلة صاحب الارض دية الصبي لكونه سببا لاتلافه على وجه هو متعد فيه لا يتغير حكم الشركة بينهما في الخارج بخلاف العبد وكذلك الحكم في المعاملة في النخيل والاشجار ولو كان البذر من العامل وهو حر كان الخارج كله للعامل لانه نماء بذره اكتسبه بعمله والعبد في الاكتساب كالحر وان كان محجورا فلا شئ لرب الارض من نقصان ولا غيره ما لم يعتق لانه شرط بعض الخارج لصاحب الارض بعقده وذلك لا يصح من المحجور عليه حال رقه وانما زرع الارض بتسليط صاحب الارض اياه على ذلك فلا يغرم نقصان الارض ما لم يعتق العبد فإذا عتق رجع عليه رب الارض باجر مثل أرضه لانه كان شرط له نصف الخارج بمقابلة منفعة الارض وقد استوفى المنفعة وحصل الخارج ثم استحقه المولى فيكون عليه أجر مثل أرضه بعد العتق ولا يرجع على الصبى بشئ وان كثر لان التزامه بالعقد غير صحيح في حقه في الحال ولا بعد البلوغ وان مات العبد أو الصبى في عمل الارض لم يضمنه رب الارض لانهما عملا لانفسهما فلا يكون صاحب الارض مستعملا للعبد ولا متسببا لاتلاف الصبي وان كانت الارض لم تخرج شيأ فلا شئ على رب الارض من ضمان بذرهما ولا غيره لانهما عملا لانفسهما في القاء البذر في الارض ولم يكن من صاحب الارض عمل في بذرهما تسببا ولا مباشرة وإذا حجر الرجل على عبده أو ابنه وفى يده نخل فدفعه إلى رجل معاملة بالنصف فالخارج كله لصاحب النخل ولا شئ للعامل لانهما شرطا للعامل نصف الخارج بمقابلة عمله وذلك باطل من الصبي ومن العبد المحجور ما لم يعتق فإذا عتق العبد كان عليه أجر مثل العامل لان التزام العبد في حق نفسه صحيح وقد استحق المولى الخارج بعد ما حصل الخارج وإذا دفع العبد المحجور عليه أرضا مما كان في يده أو أرضا أخذها من أراضي مولاه إلى رجل يزرعها ببذره

[ 126 ] وعمله هذه السنة بالنصف فزرعها العامل فأخرجت زرعا كثيرا ونقص الزرع الارض فالخارج للعامل وعليه نقصان الارض لرب الارض لانه في حق المولى بمنزلة الغاصب للارض فان عقد المزارعة من المحجور عليه صحيح في حق المولى فان عتق العبد رجع العامل عليه بما أدى إلى مولاه من نقصان الارض لانه صار مغرورا من جهة العبد بمباشرته عقد الضمان والعبد يؤاخذ بضمان الغرور بعد العتق بمنزلة الكفالة ثم يأخذ العبد من المزارع نصف ما أخرجت الارض لان العقد صح بينهما في حقهما فيكون الخارج بينهما على الشرط فإذا أخذ نصف الخارج باعه واستوفى من ثمنه ما غرمه للمزارع فان كان فيه فضل كان لمولاه لان ذلك كسب اكتسبه في حال رقه وما اكتسب العبد في حال رقه يقضى دينه منه فان فضل منه شئ فهو للمولى وان قال المولى قبل أن يعتق العبد أنا آخذ نصف ما أخرجت الارض ولا أضمن العامل نقصان الارض كان له ذلك ان عتق العبد أو لم يعتق لان العقد كان صحيحا بين العبد والمزارع وانما امتنع بعوده في حق المولى لدفع الضرر عنه أو لانعدام الرضا منه به فيكون رضاه به في الانتهاء بمنزلة الرضا به في الابتداء وان كانت الارض لم تنقصها الزراعة شيأ فالخارج بين المولى والمزارع نصفان لان في تصحيح هذا العقد منفعة للمولى وهو سلامة نصف الخارج له وانما كان يمتنع صحته في حقه لدفع الضرر ولاضرر هنا وإذا دفع العبد المحجور عليه إلى رجل أرضا من أرض مولاه وبذرا من بذر مولاه أو ما كان من تجارته قبل أن يحجر عليه مزارعة بالنصف فزرعها المزارع فأخرجت زرعا أو لم تخرج وقد نقص الارض الزرع أو لم ينقصها فللمولى أن يضمن المزارع بذره ونقصانه أرضه لان الزارع غاصب لذلك في حق المولى فان اذن العبد المحجور عليه بالقاء البذر في الارض في حق المولى باطل فان ضمنه ذلك ثم عتق العبد رجع عليه المزارع بما ضمن من ذلك لاجل الغرور وكان نصف الخارج للعبد يستوفى منه ما ضمن ويكون الفضل لمولاه وان شاء المولى أخذ نصف الزرع فكان له ولم يضمن الزارع من البذر والنقصان شيأ لان العقد صحيح فيما بين العبد والمزارع ونملا كان لا ينفذ في حق المولى لانعدام رضاه به فإذا رضى به تم العقد والله أعلم (باب الكفالة في المزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا له يزرعها هذه السنة بالنصف وضمن

[ 127 ] له رجل الزراعة من الزارع فالضمان باطل لان المزارع مستأجر للارض عامل والمزارعة لنفسه الا ان يكون العمل مستحقا لرب الارض عليه وانما يصح الضمان بما هو مستحق على الاصيل للمضمون له فإذا كان الضمان شرطا في المزارعة فالمزارعة فاسدة لانها استئجار للارض فتبطل بالشرط الفاسد وان لم يجعلاه شرطا في المزارعة صحت المزارعة والضمان باطل وان كان البذر من رب الارض جاز الضمان والمزارعة في الوجهين جميعا لان رب الارض متسأجر للعامل وقد صارت اقامة العمل مستحقة لرب الارض وهو مما تجري فيه النيابة في تسليمه فيصح التزامه بالكفالة شرطا في العقد أو مقصودا بعد عقد المزارعة بمنزلة الكفالة بالاجرة والثمن في البيع وان تعنت الزارع أخذ الكفيل بالعمل لانه التزم المطالبة بايفاء ماكان على الاصيل وهو عمل الزراعة فإذا عمل وبلغ الزرع ثم ظهر المزارع كان الخارج بينهما على ما اشترطا لان الكفيل كان نائبا عنه في اقامة العمل وللكفيل أجر مثل عمله ان كان كفل بأمره لانه التزم العمل بأمره وأوفاه فيرجع عليه بمثله ومثله أجر المثل كالكفيل بالدين إذا أدى وان كان الشرط على الزارع أن يعمل بنفسه لم يجز الضمان لان ما التزمه العامل هنا لا تجرى النيابة في ايفائه وهو عمل المزارع بنفسه إذ ليس في وسع الكفيل ابقاء ذلك فيبطل الضمان وتبطل المزارعة أيضا ان كان الضمان شرطا فيها والمعاملة في جميع ذلك بمنزلة المزارعة ولو كان الكفيل كفل لرب الارض بحصته مما تخرج الارض والبذر من صاحب الارض أو من العامل فالكفالة باطلة لان نصيب رب الارض من الزرع أمانة في يد المزارع سواء كان البذر من قبله أو من قبل رب الارض حتى لا يضمن ما يهلك منه بغير صنعه والكفالة بالامانة لا تصح بمنزلة الكفالة بالوديعة انما تصح الكفالة بما هو مضمون التسليم على الاصل ثم تبطل المزارعة ان كانت الكفالة شرطا فيها والمعاملة في هذا كالمزارعة ولو كفل رجل لاحدهما عن صاحبه بحصته مما تخرج الارض ان استهلكها صاحبها فان كان ذلك شرطا في أصل المزارعة فالمزارعة فاسدة وان لم يكن شرطا فيها فالمزارعة جائزة والكفالة جائزة لانها أضيفت إلى سبب وجوب الضمان وهو الاستهلاك واضافة الكفالة إلى سبب وجوب الضمان صحيحة الا أن هذا دين يجب لاحدهما على صاحبه لا بسبب عقد المزارعة وعقد المزارعة بين اثنين بشرط أن يعطى أحدهما صاحبه كفيلا بدين آخر وجب له عليه يكون صحيحا كعقد البيع على هذا الشرط فإذا شرطا الكفالة في المزارعة

[ 128 ] فسدت المزارعة لهذا وان لم يكن شرطا فيها جازت المزارعة والكفالة فان استهلك المضمون منه شيأ ضمنه الكفيل ويأخذ به الطالب أيهما شاء وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر من قبل العامل وضمن رجل لصاحب الارض حصته مما تخرج الارض فالضمان باطل لانه مع فساد المزارعة لا يستحق صاحب الارض شيأ من الخارج والكفالة بما ليس بمضمون على الاصل باطل ولا يؤخذ الكفيل باجر مثل الارض لانه لم يضمنه وانما ضمن الطعام وأجر مثل الارض دراهم فلا يجوز أن يجب عليه بالكفالة غير ما التزمه وإذا كان الاجر للعامل أو لرب الارض كر حنطة بعينها لم يكن لصاحبه أن يبيعه قبل القبض لان الاجرة في الاجارة بمنزلة العوض في البيع وما كان بعينه من العروض المستحق بالمبيع لا يجوز بيعه قبل القبض فان هلك بعد العمل أو استهلكه الذى في يديه كان عليه أجر المثل لان بهلاكه قبل التسليم فات القبض المستحق بالعقد فيفسد العقد ولزمه رد ما استوفى في تحكمه من المنفعة وقد تعذر عليه رده فليزمه أجر مثله وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة فاستحصد الزرع ولم يحصد أو بلغ التمر ولم يحرز ثم باع أحدهما حصته قبل أن يقبضها جاز بيعه لان حصته أمانة في يد الآخر كالوديعة فينفد تصرفه فيها قبل القبض وان هلك فلا ضمان على واحد منهما لان هلاك الامانة في يد الامين كهلاكها في يد صاحبها وان استهلكها أحدهما ضمن نصيب صاحبه لانه استهلك ملكا تاما مشتركا بينهما فيضمن نصيب صاحبه جبرانا لما أتلف من ملكه والله أعلم (باب مزارعة المريض ومعاملته) (قال رحمه الله) وإذا دفع المريض أرضه إلى رجل مزارعة يزرعها ببذره وعمله على أن الخارج بينهما على كذا فزرعها فاخرجت زرعا كثيرا واجر مثل الارض أكثر من نصيب صاحبه أضعافا وعليه دين يحيط بماله وأجر الارض ثم مات والمزارع أجنبي أو أحد ورثته ونقصان الارض أكثر من أجر مثلها فالخارج بينهما على ما اشترطا ولا شئ للعامل من الاجر والنقصان لان تصرف المريض حصل فيما لا حق فيه لغرمائه ولا لورثته وهى منفعة الارض التى توجد في حياته فان حق الورثة انما يتعلق بما يتصور بقاؤه بعد موته وحق الغرماء انما يتعلق بما يمكن ايفاء الدين منه (ألا ترى) أنه لو أعار المريض من صاحب البذر

[ 129 ] أرضه ولم يشترط عليه عوضا بمقابلة منافعها لم يعتبر ذلك من ثلثه وكان ذلك منه في مرضه وفي صحته سواء فكذلك إذا دفعها مزارعة بجزء يسير من الخارج وفى تصرفه محض منفعة للغرماء والورثة وهو سلامة مقدار المشروط بمقابلة الارض من الزرع لهم ولولا عقد المزارعة ما سلم لهم ذلك وإذا ثبت صحة تصرفه وكان عمل العامل في الارض باذن صحيح فلا يلزمه شئ من نقصان الارض ولو كان البذر من صاحب الارض وسمى للعامل تسعة أعشار الخارج ولا دين على المريض ولا مال غير الارض والطعام فانه ينظر إلى الزرع يوم خرج من الارض وصار له قيمة كم يساوى تسعة اعشاره فان كان مثل أجر الارض أو أقل منه فلما قام عليه وسقاه حتى استحصد صار أكثر من أجر مثله وأكثر من ثلث مال رب الارض فللمزارع تسعة اعشار الخارج فان كانت قيمة تسعة اعشاره حين خرج أكثر من أجر مثل المزارع فقام عليه وسقاه حتى استحصد صار أكثر من أجر مثله وأكثر من ثلث ما ترك الميت فأبى الورثة أن يجيزوا أخذ الزارع من حصته من الخارج أجر مثله وثلث ما ترك وصية له ان لم يكن من ورثته والباقى لورثة صاحب الارض لان صاحب الارض استأجر العامل بما جعل له من الخارج وانما يصير المزارع بايجابه شريكا في الخارج حين ثبت الخارج فإذا كانت قيمة ما نبت مثل أجر مثله أو أقل لم تمكن في تصرفه محاباة فيقدر ثم ملك المزارع في نصيبه بعقد صحيح ثم الزيادة بعد ذلك انما حدثت على ملك صحيح له فلا يعتبر ذلك من ثلث مال الميت فأما إذا كانت قيمته حين نبت أكثر من أجر مثله فالزيادة على مقدار أجر المثل محاباة له والمحاباة لا تسلم الا من الثلث بعد الدين فبقى الثابت كله موقوفا على حق المريض فيثبت حقه في الزيادة الحادثة فيه فلا يسلم للمزارع من جميع ذلك بعد ما استحصد الزرع الا مقدار أجر مثله وما زاد على ذلك إلى تمام المشروط له يكون وصية فيعتبر من ثلث ماله فيحتاج هنا إلى معرفة شيئين أحدهما ان عمل المزارع وان لم يكن مالا متقوما فبالعقد يتقوم بمقدار أجر المثل ولا وصية في ذلك القدر من المشروط له كما لو استأجر المريض أجير العمل آخر له بل أولى لان هناك استأجره بما كان حاصلا له لا بعمله وهنا استأجره بمال يحصل أو يزداد بعمله والثانى انه يعتبر قيمة حصته حين يصير للزرع قيمة لا حين نبت لانه يكون مملكا منه نصيبه بعوض والتمليك انما يجوز في الزرع بعد ما يصير متقوما كالتمليك بالبيع وهو وان صار شريكا فيما نبت ولكنه يحتاج إلى قيمة نصيبه ليقابل ذلك باجر مثله وما ليس بمتقوم

[ 130 ] لا يمكن معرفة قيمته فيعتبر أول أحوال امكان التقوم فيه كاحد الشريكين في الجنين إذا أعتق نصيبه وهو موسر يضمن لصاحبه قيمة نصيبه معتبرا بما بعد الانفصال قال وانما هذا مثل رجل استأجر في مرضه رجلا ليخدمه سنته بجارية له بعينها لامال له غيرها فدفعها إليه وخدمه الرجل السنة كلها وولدت الجارية وزادت في بدنها ثم صارت تساوى أكثر من أجر مثل الرجل ثم مات المريض فان كانت قيمتها يوم وقعت الاجارة وقبضها الاجير مثل أجر مثله أو أقل كانت له بزيادتها لانه لا محاباة فيها ولا وصيه وانما اعتبرت قيمتها وقت القبض لان الاجرة قبل استيفاء المنفعة لا تملك بنفس العقد وانما تملك بالقبض وان كانت قيمتها يومئذ أكثر من أجر مثله فانه يعطى الاخر منها مقدار أجر مثله وثلث ما ترك الميت بعد ذلك من الجارية وولدها وصية له ويرد قيمة البقية على الورثة لانه يمكن فيها معنى الوصية بطريق المحاباة فلا تكون سالمة للاجير وتبقى موقوفة على حق المريض فيثت حقه في الزيادة متصلة كانت أو منفصلة فلا يسلم للاجير منها الا مقدار أجر مثله وثلث التركة بعد ذلك منها ومن ولدها بطريق الوصية وفيما زاد على ذلك يلزمه رده الا أنه تعذر الرد لمكان الزيادة الحاصلة في يده بعد ما يملكها فرد قيمة الزيادة * فان قيل انما يملكها بالقبض بحكم سبب فاسد فينبغي ان يرد عينها مع الزيادة * قلنا لا كذلك بل كان السبب صحيحا يومئذ لان تصرف المريض فيما يحتمل النقص بعد نفوذه يكون محكوما بصحته ثم ينقض بعد موته ما يتعذر تنفيذه والمقصود من هذا النقص دفع الضرر عن الورثة وذلك يحصل برد قيمة الزيادة عليهم ولو لم يكن في رد العين الا ضرر التبعيض على الاجير لكان ذلك كافيا في تحول حقهم إلى القيمة وان كان المزارع وارث المريض كان الجواب كذلك الا أنه لاوصية له لقوله عليه الصلاة والسلام لاوصية لوارث فان كانت قيمة نصيبه أجر مثل المزارع أو أقل حين نبت الزرع وصارت له قيمة فجميع المشروط سالم له وان كان أكثر من أجر مثله فانما يسلم له من الخارج مقدار أجر مثله حين استحصد الزرع والباقى كله ميراث عن الميت وان كان المزارع أجنبيا وعلى الميت دين يحيط بماله كان المزارع أسوة الغرماء فانما يثبت له من الحصة في الزرع على ما تقدم ذكره حتى إذا لم يكن من قيمة حصته حين صار متقوما زيادة على أجر مثله فقد صح تسمية حصته له في الكل الزيادة الحادثة بعد ذلك تكون زيادة على ملكه الا أن عين ذلك لا تسلم له المريض لا يملك تخصيص بعض الغرماء بقضاء الدين

[ 131 ] الا بائعا اشترى منه ما تكون ماليته مثل ما أعطاه من الثمن لانه يدخل في ملكه ما يقوم مقام ما يخرجه في تعلق حق الغرماء به وذلك لا يوجد به فلهذا لا يختص العامل به ولكن لما ثبت حقه بسبب لا محاباة فيه ولا تهمة كان هو أسوة الغرماء في تركته وان كانت حصته أكثر من أجر مثل عمله فانما يضرب مع الغرماء في الخارج بمقدرا أجر مثل عمله حين استحصد الزرع لان ما زاد على ذلك كان وصية له ولا وصية مع الدين وكذلك مسألة الجارية هو أسوة الغرماء فيما ثبت له فيها على الوجه الذى بينا من الفرق بينما إذا كانت قيمتها حين قبضها مثل أجر مثله في خدمته أو أكثر من ذلك ولا تشبه المزارعة في هذا المضاربة فان المريض لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على ان للمضارب تسعة أعشار الربح وربح عشرة آلاف ثم مات المريض وأجر مثل المضارب في عمله مائة درهم فان الورثة يأخذون رأس المال والباقى بينهم وبين المضارب على الشرط ولا ينظر في هذا إلى أجر مثل لان هناك رأس المال قد رجع إلى ورثته والربح بمال لم يكن لرب المال ولا يتعلق به حق ورثته وغرمائه (ألا ترى) انه لو لم يشترط شيئا من الربح لنفسه بان أقرض المال منه كان صحيحا ففى اشتراطه بعض الربح لنفسه منفعة غرمائه وورثته والبذر في المزارعة ليس يرجع إلى رب الارض وانما يكون جميع الخارج بينهما فيكون تصرف المريض فيما تعلق به حق غرمائه وورثته ولو كان يرجع إلى صاحب البذر رأس ماله ويكون ما بقى بينهما لكنا نجوز ذلك أيضا كما نجوزه في المضاربة * فان قيل ينبغى أن ينظر إلى قيمة البذر ويقابل ذلك باجر مثله ولا ينظر إلى قيمة الخارج * قلنا انما ينظر إلى قيمة ما يوجبه للمزارع بمقابلة عمله وهو لا يوجب له شيئا من البذر انما يوجب له حصته من الخارج فلهذا ينظر إلى قيمة ما يوجبه له والى أجر مثله وإذا دفع الصحيح إلى مريض أرضا له على أن يزرعها هذه السنة ببذره فما خرج منها فهو بينهما نصفان فزرعها المريض ببذر من قبله ليس له مال غيره فأخرجت زرعا كثيرا ثم مات من مرضه فانه ينظر إلى حصة رب الارض مما أخرجت الارض يوم صار الزرع متقوما كم قيمته لان المريض استأجر الارض هنا بما أوجب لصاحبها من الحصة فان كانت حصته يومئذ مثل أجر مثل الارض أو أقل فان الخارج بينهما على الشرط لانه لا وصية فيها ولا محاباة وقد تم ملك رب الارض في نصيبه ثم الزيادة حادثة بعد ذلك على ملكه وهذا لانه قابض لنصيبه باتصاله بأرضه أو بكونه في يد أمينه لان المزارع أمين في نصيب رب

[ 132 ] الارض ولهذا لو أصاب الزرع آفة لم يغرم له شيئا وان كانت حصته يومئذ أكثر من أجر مثل الارض نظر إلى حصته يوم تقع القسمة لانه تمكن معنى الوصية هنا بطريق المحاباة فيثبت حق المريض فيما يحدث من الزيادة فانما يعطى رب الارض منها مقدار أجر مثل أرضه وثلث تركة الميت مما بقى بطريق الوصية وكذلك ان كان رب الارض أحد ورثته الا أنه لا وصية له فلا يأخذ الا قدر أجر مثله من الخارج يوم تقع القسمة في الموضع الذى تتمكن فيه الوصية ولو كان غير وارث وعلى الميت دين يحيط بماله كان الجواب كذلك الا انه أسوة الغرماء بما ثبت له من ذلك فان المريض لم يدخل في ملكه ما يقوم مقام ما أوجبه له في تعلق حق الغرماء به فيبطل تخصيصه اياه بذلك ويكون هو أسوة الغرماء بما ثبت له ولو كان الذى عليه دين أقر في مرضه بدئ بحق رب الارض لان حقه ثبت بسبب لا تهمة فيه فيكون هو بمنزلة غريم الصحة يقدم حقه على المقر في المرض الا أنه لا وصية له ما لم يقض الدين لان الدين مقدم على الوصية وان كان واجبا باقراره في المرض لكونه أقوى من الوصية (ألا ترى) أن الدين يعتبر من جميع المال والوصية من الثلث وإذا دفع المريض نخلا له معاملة بالنصف فقام عليه العامل ولقحه وسقاه حتى أثمر ثم مات رب النخيل ولا مال له غير النخيل وثمره فانه ينظر إلى الثمر يوم طلع من النخل وصار كفرى وصارت له قيمة فان كان نصف قيمته مثل أجر العامل أو أقل فللعامل نصف الثمر وان كان أكثر من أجر مثله نظر إلى مقدار أجر مثل العامل يوم تقع القسمة فيعطى العامل ذلك وثلث تركة الميت مما بقى من حصته وصية له الا أن يكون وارثا فلا وصية له وهذا لان المريض استأجر العامل بما شرط له من الثمر وانما يصير شريكا في الثمر بعد طلوعه وانما يمكن تقويمها حين تصير لها قيمة فلهذا يعتبر قيمة حصته عند ذلك وإذا كان على المريض دين يحيط بماله فان كانت قيمة النصف من الكفرى حين طلعت مثل أجره ضرب مع الغرماء بنصف جميع الثمر لانه لا محاباة هنا ولا وصية فتكون الزيادة حادثة على ملك تام له الا أن تخصيصه اياه بقضاء حقه يبطل فيكون هو أسوة الغرماء بنصف جميع الثمر وان كانت قيمة نصفه أكثر من أجر مثله ضرب معهم في التركة بمقدار أجر مثله لتمكن الوصية هنا بطريق المحاباة ولو دفع الصحيح إلى المريض نخلا له معاملة على ان للعامل جزأ من مائة جزء ومما يخرج منه فقام عليه المريض باجرائه وأعوانه وسقاه ولحقه حتى صار تمرا ثم مات ولا مال له غيره وعليه دين ورب النخل من ورثته وأجر مثل ذلك العمل

[ 133 ] أكثر من حصته فليس له الا ما شرط له لان المريض انما تصرف هنا فيما لاحق فيه لغرمائه ولورثته وهو منافع بدنه (ألا ترى) انه لو أعانه بهذه الاعمال ولم يشرط لنفسه شيئا من الخارج كان ذلك صحيحا منه ففى اشتراطه جزأ من الخارج بمقابلة عمله وان قل منفعة غرمائه وورثته ولو دفع المريض إلى رجل زرعا له في أرض لم يستحصد أو كفرى في رؤس النخيل أو ثمرا في شجر حين طلع ولكنه أخضر ولم يبلغ بعد على ان يقوم عليه حتى يبلغ بالنصف فقام عليه العامل حتى بلغ ثم مات صاحب الشجر والزرع ولم يدع مالا غيره فانه ينظر إلى حصة العامل يوم قام عليه فزاد في يده لانه انما يصير شريكا عند ذلك فان المعاملة ايجاب الشركة فيما يحصل بعمله وأول أحوال ذلك حين تظهر زيادة من عمله فان كانت قيمته أكثر من أجر مثله كان له من حصته مقدار أجر مثله وقت القسمة وثلث التركة بطريق الوصية وكذلك ان كان أحد ورثته الا أنه لا وصية له وان لم يكن من ورثته وكان على الميت دين يحيط بماله ضرب العامل بما ثبت له من ذلك على ما وصفنا مع الغرماء ولا وصية له وهذا في التخريج وما تقدم ذكره سواء وإذا استأجر المريض رجلا يخدمه هذه السنة بجارية بعينها فلما وقعت الاجارة لم يخدمه حتى زادت الامة وكانت قيمتها يوم وقعت الاجارة مثل أجر مثل الاجير فخدمه السنة كلها ودفع إليه الجارية فولدت عند الاجير ثم مات المريض ولا مال له غيرها فللاجير من الجارية وأولادها مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية لانه لم يملكها بنفس العقد قبل استيفاء المنفعة فما زاد يكون على ملك المريض وتجعل هذه الزيادة كالموجودة عند العقد فيتمكن معنى الوصية بهذا الطريق حين سلم الجارية إليه بعد استيفاء الخدمة وحدوث الزيادة فانما السالم له منها ومن أولادها مقدار أجر مثله عوضا عن الخدمة والثلث مما يبقي بطريق الوصية أعطى وصية من الجارية فان بقى شئ كان له من أولادها في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله ان في تنفيذ الوصية الجارية أصل والاولاد تبع على ما نبينه في الوصايا ان شاء الله تعالى ويقال له أد قيمة ما بقى دراهم أو دنانيرا ورد الجارية وولدها ويكون لك أجر مثلك في مال الميت لانه يلحقه عيب التبعيض ولم يكن هو راضيا بذلك فيكون له أن يردها بالعيب ولكن إذا ردها بطلت الوصية بالمحاباة له لان ذلك كان في ضمن العقد وقد بطل العقد بالرد وان أبى أن يردها أعطى الورثة قيمة ما بقى لازالة المحاباة ودفع الضرر عن الورثة ويرد القيمة يندفع الضرر عنهم وثبوت الخيار له في الرد لهذا المعنى أيضا وهو انه يلزمه زيادة لم

[ 134 ] يرض بالتزامها فيكون له أن يردها لذلك ولو كانت الجارية حين وقعت الاجارة دفعها المريض إلى الاجير فلم يخدم الاجير حتى زادت في يده وصارت قيمتها أكثر من أجر مثله ثم خدمه بعد ذلك حتى تمت السنة ومات المريض ولم يدع مالا غيرها وقد ولدت الجارية أولادا فالجارية وجميع أولادها للاجير لانه بالقبض قد ملكها وليس فيها فضل فتم ملكه في جميعها لانعدام المحاباة ثم الزيادة حدثت على ملك تام له فيكون سالما له وكذلك ان كان الاجير أحد ورثته الا أن يكون ولدا أو زوجة فرد الجارية وولدها فيكون بينهم ميراثا لان استئجار الولد والزوجة على الخدمة لا يجوز ولا يستوجبون الاجر بهذا العقد فتثبت هي في يد الاجير بسبب باطل فعليه أن يردها مع الزيادة بخلاف المزارعة والمعاملة لان الولد والزوجة في ذلك العمل كسائر الورثة فانه غير مستحق عليهما دينا بخلاف الخدمة وان لم يكن من ورثته وكان على الميت دين يحيط بماله فان كانت الجارية لا فضل فيها عن أجر مثله يوم قبضها الاجير قسمت هي وولدها بين الغرماء وبينه ويضرب في ذلك الاجير بقيمتها وقيمة ولدها لانه لا محاباة في تصرفه هنا ولكن فيه تخصيص الاجير بقضاء حقه من ماله وذلك يرد لحق الغرماء الا ان الولد حدث على ملك صحيح له فلهذا ضرب مع الغرماء بقيمتها وقيمة ولدها فما أصابه كان له في الجارية وما أصاب الغرماء قيل له أد قيمة ذلك إلى الغرماء دراهم أن دنانير لان حقهم في المالية لافى العين وباداء القيمة يصل إليهم كمال حقهم ويندفع عنه ضرر التبعيض فان أبى ذلك بيعت الجارية وولدها فقسم الثمن بينه وبين الغرماء يضرب الغرماء بدينهم ويضرب الاجير بأجر مثله لانه حين أبى ذلك تعذر ردها بسب عيب التبعيض أو بما لحقه من زيادة مال لم يرض بالتزامه بعقد المعاوضة والاجرة إذا كانت بعينها فردت بالعيب ينفسخ العقد وتبقى المنفعة مستوفاة بحكم عقد قد انفسخ فيكون رجوعه باجر مثله فلهذا يضرب باجر مثله وفى هذا نوع اشكال فان الزيادة المنفصلة المتولدة بعد تمام الملك تمنع الرد بالعيب فيبقى أن لا يكون له أن لا يردها ولكن يغرم للغرماء قيمة الزيادة دراهم أو دنانير ويمكن أن يقال الزيادة انما تمنع الرد إذا لم يجب ردها مع الاصل فانه لا يجوز أن يسلم بغير عوض بعد رد الاصل وهذا لا يوجد هنا فان حق الغرماء ثابت في الزيادة كما هو ثابت في الام لانه ان لم يثبت حقهم فيه باعتبار صحة السبب وخلوه عن المحاباة فقد ثبت حقهم فيه ببطلان تخصيص الاجير بايفاء حقه مراعاة لحقهم وان كان في قيمة الجارية يوم قبضها الاجير فضل عن أجر مثله وكانت قيمتها يوم وقعت

[ 135 ] الاجارة مثل أجر الاجير الا ان الاجير لم يخدم المريض حين قبض الجارية يضرب الاجير في الجارية وولدها بمقدار أجر مثله فما أصابه كان له في الجارية وولدها وقيل له اد قيمة ما أصاب الغرماء فان أبى بيعت الجارية وولدها واقتسموا الثمن يضرب فيه الاجير بأجر مثله لانه لم يملكها بنفس العقد وانما يملكها بالقبض وعند القبض لما كانت قيمتها أكثر من أجر مثله بقيت موقوفة على حق المريض لتمكن الوصية فيها بطريق المحاباة فلهذا كان التخريج على ما قال وإذا استأجر الرجل في مرضه رجلا يخدمه بجارية قيمتها ثلثمائة درهم وأجر مثل الاجير في خدمته مائة درهم فخدمة الاجير حتى أتم الخدمة وقبض الجارية ثم مات المريض ولا مال له غيرها فالاجير بالخيار ان شاء أخذ الجارية كلها وأعطي الورثة أربعة اتساع قيمتها وان شاء نقض الاجارة وردها على الورثة لان المريض جابى بقدر ثلثيها حين كان أجر مثله مثل قيمة ثلثها والمحاباة وصية فلا تنفذ الا في مقدار الثلث فاحتجنا إلى حساب لثلثيه ثلث وذلك تسعة فثلثها وهو ثلاثة يسلم له ومن الثلثين يسلم له الثلث بينهما وعليه ازالة المحاباة فيما وراء الثلث وذلك في أربعة اتساع قيمتها فإذا اختار ذلك فقد وصل إلى الورثة كمال حقهم وثبوت الخيار له في العقد لما لحقه من الزيادة وان نقض الاجارة وردها كان له في مال الميت أجر مثله مائة درهم وثباع الجارية حتى يستوفى دينه والباقى للورثة وقد بطلت الوصية بالمحاباة حين اختار نقض العقد ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من المزارعة والمعاملة إذا كان فيها محاباة فان هناك انما يسلم له مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية ويرد الفضل وإذا قال اعطى قيمة الفضل لم يكن له ذلك لان الخارج من الزرع والثمار يحتمل التبعيض فلا يتضرر هو برد الفضل على الورثة فلهذا لا يكون له أن ينقل حق الورثة من العين إلى القيمة ولو كان أجر مثل الاجير يوم وقعت الاجارة ثلثمائة درهم فدفع إليه المريض الجارية وخدمة الاجير جميع السنة ثم مات المريض وقد زادت الجارية في بدنها أو في السعر أو ولدت في يد الاجير قبل موت المريض بعد ما كملت السنة أو قبل أن تكمل وعلى المريض دين كثير فان الجارية بزيادتها وولدها بينهم يضرب الاجير في ذلك بقيمتها وقيمة ولدها يختصمون وتضرب الغرماء بدينهم لانه لا محاباة هنا فكانت الجارية وولدها للاجير الا أن تخصيص المريض اياه بقضاء حقه من ماله يرد بعد موته فلهذا ضرب هو بقيمتها وقيمة ولدها يوم يختصمون فما أصاب الاجير كان له من الجارية وولدها لان حقه في عينها وما أصاب الغرماء قيل للاجير أد قيمته

[ 136 ] دراهم أو دنانير إلى الغرماء لان حقهم في المالية فان أبى أخذت الجارية وولدها وبيعا فضرب الاجير في الثمن ياجر مثله والغرماء بدينهم لان العقد قد انفسخ حين أخذت من يده وانتقض قبضه فيها بسبب سابق على قبضه ولو كانت الجارية لم تزد ولم تلد ولكنها نقصت في السعر عند الاجير حتى صارت تساوى مائة والمسألة بحالها فلا ضمان على الاجير في نقصانها لان نقصان السعر فتور رغائب الناس فيها ولا معتبر بذلك في شئ من عقود المعاوضات وبضرب الغرماء في الجارية بدينهم والاجير بقيمتها وهى مائة درهم لان تخصيصه الاجير بقضاء حقه مردود بعد موته ثم ما أصاب الاجير فهو له من عينها وما أصاب الغرماء قيل للاجير اعطهم قيمة ذلك لان حقهم في المالية فان أبى بيعت الجارية وضرب الاجير في ثمنها باجر مثله ثلثمائة درهم لان العقد قد انفسخ بانتقاض قبضه فيها فانما يضرب هو باجر مثله والغرماء بدينهم بخلاف الاول فهناك لم ينتقض قبضه فيها فانما يضرب بقيمتها لذلك وان نقصت في البدن حتى صارت تساوي مائة درهم فان قيمة الجارية يوم قبضها الاجير وهى ثلثمائة بين الاجير وبين الغرماء فما أصاب الغرماء ضمنه لهم الاجير في ماله وتسلم له الجارية وليس له أن يردها لانها دخلت في ضمانه يوم قبضها على وجه التملك بعقد المعاوضة وقد تعيبت في يده بالنقصان الحاصل في بدنها فلا يملك أن يردها للعيب الحادث ولكن يغرم للغرماء حصتهم من ماليتها يوم دخلت في ضمانه ولو دفع المريض نخلا له معاملة إلى رجل بالنصف فاخرج النخل كفرى يكون نصفه مثل أجر العامل أو أقل فقام عليه وسقاه حتى صار تمرا يساوى مالا عظيما ثم صار حشفا قيمته أقل من قيمة الكفرى يوم خرج ثم مات المريض وعليه دين فان ماله يقسم بين الغرماء والعامل يضرب فيه العامل بقيمة نصف الحشف فقط فما أصابه كان له في حصته من الحشف وما أصاب الغرماء بيع لهم في دينهم ولا ضمان على العامل بالنقصان هنا لانه كان أمينا في الخارج فالزيادة انما حصلت في عين هي أمانة بغير صنعه وتلفت بغير صنعه فلا يضمن شيأ منها لاحد بخلاف ما سبق وانما هذا بمنزلة ولد الجارية في المسألة الاولى التى ولدت في يد الاجير أو مات أو حدث به عيب لم يضمنه الاجير لان الزيادة حدثت من غير صنعه وهلكت كذلك فلا تكون مضمونة عليه وان كان هو ضامنا للاصل ولو كان الميت لا دين عليه والمسألة بحالها كان للعامل نصف الحشف وللورثة نصفه ولا ضمان على العامل فيما

[ 137 ] صار من ذلك حشفا لانه لو تلف الكل من غير صنع العامل لم يضمن لهم شيأ فإذا صار حشفا أولى أن لا يضمن لهم النقصان والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في المزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل الرجل بأرض له على أن يدفعها مزارعة هذه السنة فدفعها مزارعة بالثلث أو أقل أو بأكثر فهو جائز لان الموكل حين لم ينص على مقدار من الخارج فقد فوض الامر فيه إلى رأيه فبأى مقدار دفعها مزارعة كان ممتثلا لامره محصلا لمقصوده الا أن يدفعها بشئ يعلم أنه حابى فيه بما لا يتغابن الناس في مثله فحينئذ لا يجوز ذلك في قول من يجيز المزارعة لان مطلق التوكيل عندهم يتقيد بالمتعارف فان زرعها المزارع فخرج الزرع فهو بين المزارع والوكيل على ما اشترطا لا شئ منه لرب الارض لانه صار غاصبا مخالفا وغاصب الارض إذا دفعها مزارعة كان الزرع بينه وبين المدفوع إليه على الشرط ولرب الارض أن يضمن نقصان الارض في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله ان شاء الوكيل وان شاء المزارع فان ضمن المزارع رجع على الوكيل به لانه مغرور من جهته وفى قول أبى يوسف الآخر يضمن المزارع خاصة لانه هو المتلف فأما الوكيل فغاصب والعقار عنده لا يضمن بالغصب ثم يرجع المزارع على الوكيل للغرور فان كان حابى فيه بما يتغابن الناس في مثله فالخارج بين المزارع ورب الارض على الشرط والوكيل هو الذى قبض نصيب الموكل لانه هو الذى أجر الارض وانما وجب نصيب رب الارض بعقده فهو الذى يلى قبضه وليس لرب الارض أن يقبضه الا بوكالة من الوكيل فان كان رب الارض أمر الوكيل أن يدفعها مزارعة ولم يسم سنة ولا غيرها جاز للوكيل أن يدفعها مزارعة سنته الاولى فان دفعها أكثر من ذلك أو بعد هذه السنة ولم يدفع هذه السنة لم يجز في الاستحسان وفى القياس يجوز لان التوكيل مطلق عن الوقت ففى أي سنة دفعها وفى أي مدة دفعها لم يكن فعله مخالفا لما أمره الموكل به فجاز كالوكيل باجارة الدور والرقيق ولكنه استحسن وقال دفع الارض مزارعة يكون في وقت مخصوص من السنة عادة والتقييد الثابت بالعرف في الوكالة كالثابت بالنص فإذا دخله التقييد من هذا الوجه يحمل على أخص الخصوص وهو وقت الزراعة من السنه الاولى كالوكيل يشترى الاضحية يتقيد بأيام الاضحية من السنة

[ 138 ] الاولى بخلاف اجارة الدور والرقيق فانها لا تختص بوقت عرفا فراعى فيها مطلق الوكالة انما المزارعة نظير التوكيل باكراء الابل إلى مكة للحج عليها فانها تختص بايام الموسم في السنة الاولى لان هذا يكون في وقت مخصوص من كل سنة عرفا فيحمل على أخص الخصوص وهو قت خروج القافلة من السنة الاولى خاصة ولو كان البذر من رب الارض كان هذا أيضا على أن يدفعه بما يتغابن الناس فيه لان هذا توكيل بالاستئجار فان صاحب الارض يكون مستأجرا للعامل والتوكيل بالاستئجار كالتوكيل بالشراء فانما ينفذ على الموكل إذا كان بغبن يسير ورب الارض هو الذى يلى قبض حصته وليس للوكيل قبضها الا باذنه لان رب الارض هنا ما استحق نصيبه بعقد الوكيل بل بكونه نماء بذره فان دفعه الوكيل بما لا يتغابن الناس فيه كان الخارج بين الوكيل والمزارع على الشرط لانه بالخلاف صار غاصبا للارض والبذر فيكون عليه ضمان مثل ذلك البذر للموكل فان تمكن في الارض نقصان بالزراعة فلرب الارض أن يضمن النقصان أيهما شاء في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد لان المزارع متلف والوكيل غاصب فان ضمن المزارع رجع به على الوكيل للغرور ولا يتصدق الزارع بشئ مما صار له في هذه المسألة ولا في المسألة الاولى ولكن الوكيل يأخذ مثل ما غرم من نقصان الارض وبذرا مثل الذى غرم ويتصدق بالفضل لان الخبث تمكن في تصرف الوكيل حين صار كالغاصب فعليه أن يتصدق بالفضل وانما يدفعها الوكيل مزارعة هنا أيضا في المسألة الاولى خاصة استحسانا فان دفعها بعد مضى تلك السنة فهو مخالف غاصب للارض والبذر والحكم فيه ما بينا في الفصل الاول وإذا وكل رجلا بان يأخذ له هذه الارض مزارعة هذه السنة على أن يكون له البذر من قبل الموكل فللوكيل أن يأخذها بما يتغابن الناس فيه وان أخذها بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز على الموكل الا أن يرضا به ويزرعها عليه لانه وكيل بالاستئجار فهو يمنزلة الوكيل بالشراء فلا ينفذ تصرفه بالغبن الفاحش على الموكل الا أن يرضا به وزراعة الموكل بعد العلم بما صنع الوكيل دليل الرضا به فهو كصريح الرضا فان زرعها الموكل فحصل الخارج كان الوكيل هو المأخود بحصة رب الارض يستوفيه منه الموكل فيسلمه إليه لان رب الارض استحق ذلك بالشرط والوكيل هو الذى شرط له ذلك فان أخذ ذلك رب الارض من الموكل بغير محضر من الوكيل برئ الوكيل لوصول الحق إلى مستحقه وان كان الوكيل أخذها بما لا يتغابن الناس فيه وهو لم يخبره بذلك حتى زرعها الموكل وقد

[ 139 ] أمره الوكيل بزراعتها كان الخارج للمزارع على الوكيل ولرب الارض أجر مثل أرضه مما أخرجت الارض لان الوكيل استأجرها بما سمى من الخارج وقد حصل الخارج ثم استحق الموكل فيكون لرب الارض على الوكيل اجر مثل الارض مما أخرجت الارض لان ذلك من ذوات الامثال ولا شئ للوكيل على الموكل لانه هو الذى أمره بزراعتها وقد كان استئجاره نافذا عليه فالتحقت هذه بأرض مملوكة له دفعها إلى غيره وأمره أن يزرعها من غير أن يشترط عليه شيأ وان كان الوكيل دفع إليه الارض ولم يأمره بزراعتها ولم يخبره بما أخذها به فالخارج للمزارع لانه نماء بذره وتصرف الوكيل بما لا يتغابن الناس فيه لم ينفذ عليه ولا شئ لرب الارض على الوكيل هنا لان الزارع بمنزلة الغاصب حين زرعها بغير أمر الوكيل ومن استأجر أرضا فغصبها غاصب وزرعها لم يكن لرب الارض على المستأجر أجرها بخلاف الاول فان هناك الوكيل أمر الزارع بزرعها فيجعل بمنزلة مالو زرعها بنفسه فيلزمه اجر مثلها لصاحبها ثم على الزارع هنا نقصان الارض لرب الارض لانه زرعها بغير اذن صاحب الارض على وجه الغصب ولا يرجع به على الوكيل لان الوكيل لم يغره بل هو الذى اغتر حين لم يسأل الوكيل ولم يستكشف حقيقة الحال ويتصدق الزارع بالفضل لانه ربى زرعه في أرض غيره بسب خبيث وإذا لم يبين الوقت للوكيل هنا فهو على أول سنة وأول زراعة استحسانا ولو كان وكله بان يأخذ له أرض فلان وبذرا من مزارعة فان أخذها بما يتغابن الناس فيه جاز ورب الارض هو الذى يقبض نصيبه من الزرع لانه يملك نصيبه بكونه نماء بذره لا بشرط الوكيل له ذلك بالعقد وان أخذ بما يتغابن الناس فيه لم يجز علي الموكل الا أن يرضي به لانه وكله بان يؤاجره وذلك يتقيد بما يتغابن الناس فيه عند من يجيز المزارعة فان عمل المزارع في جميع ما ذكرنا فحصل الخارج فهو بينهما على الشرط وان كان الوكيل أخذه بما لا يتغابن الناس فيه من قلة حصة المزارع وأمر المزارع فعمل ولم يبين ذلك له فالمزارع متطوع في عمله في القياس والخارج كله لرب الارض وفى الاستحسان الخارج بينهما على الشرط وجه القياس ان تصرف الوكيل بالغبن الفاحش لم ينفذ على الموكل معينا في اقامة العمل وجه الاستحسان انه انما لا ينفذ تصرف الوكيل على الموكل فبقى الموكل بالغبن لدفع الضرر عن الموكل والضرر هنا في امتناع نفوذ التصرف عليه لانه إذا نفذ تصرفه عليه استحق ما شرط له من الخارج وان قل ذلك وإذا لم ينفذ لم يستحق شيأ على أحد بمقابلة عمله وهو نظير القياس والاستحسان في العبد

[ 140 ] أذا أجر نفسه في عمل وسلم من ذلك العمل فان كان الموكل لم يسم للوكيل الوقت فهو على أول سنة وزراعة استحسانا فان مضت السنة قبل أن يأخذ ثم أخذ لم يجبر الموكل على العمل فان رضى به وعمل كان بينهما على الشرط بمنزلة ما لو أخذ أرضا وبذرا ليزرعها وإذا دفع الرجل إلى الرجل نخلا ووكله بأن يدفعها معاملة هذه السنة أو لم يسم له وقتا فهذا على أول سنة للعرف فان دفعه بما يتغابن الناس فيه جاز وصاحب النخل وهو الذى يلى قبض نصيبه لانه يملك التمر بملكه النخل لا بالعقد الذى باشره الوكيل فان دفعه بما لا يتغابن الناس فيه فالخارج لصاحب النخل لانه وكله باستئجار العامل فلا ينفذ تصرفه بالغبن الفاحش على الموكل وللعامل اجر مثله على الوكيل لانه استأجره ببعض الخارج وقد حصل الخارج واستحقه رب النخل فيستوجب الرجوع باجر مثله ولو وكله بأن يأخذ نخلا بعينه فأخذه بما يتغابن الناس فيه جاز على الشرط وصاحب النخل هو الذي يلى قبض نصيبه لانه يملكه بسبب تولده من نخله وان أخذه بما لا يتغابن الناس فيه من قلة نصيب العامل لم يلزم العامل ذلك الا أن يشاء فان عمله وقد علم نصيبه منه أو لم يعلم كان له نصيبه الذى سمى له أما إذا علم به فلوجود دلالة الرضا منه بالاقدام على العمل بعد العلم بحقيقة الحال وأما إذا لم يعلم به فهو استحسان لما فيه من المنفعة للعامل فانه لو لم ينفذ تصرفه عليه لم يستوجب شيأ وإذا أمره أن ياخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة أو أرضا وبذرا مزارعة ولم يعين شيأ من ذلك لم يجز لان الوكيل عاجز عن تحصيل مقصود الموكل مع هذه الجهالة المستتمة فان العمل يختلف باختلاف النخل والاراضي على وجه لا يمكن أن يوقف فيه على شئ معلوم وإذا أمره بأن يدفع أرضه مزارعة أو أن يدفع نخله معاملة إلى رجل ولم يعين الرجل جاز لان دفع الارض مزارعة بمنزلة اجارتها ومن وكل غيره بأن يؤاجر أرضه مدة معلومة جاز وان لم يبين من يؤاجرها منه لان المعقود عليه منفعة الاراضي وهى معلومة لا تختلف باختلاف المستوفى وكذلك في المعاملة مقدار العمل قد صار معلوما ببيان النخل على وجه لا يختلف باختلاف العامل ولو أمره بأن يدفع أرضه هذه مزارعة فأعطاها رجلا وشرط عليه أن يزرعها حنطة أو شعيرا أو سمسما أو ارزا فهو جائز لان دفع الارض مزارعة لهذه الاشياء متعارف فمطلق التوكيل ينصرف إلى هذه الاشياء كلها والوكيل يكون ممتثلا أمره في جميع ذلك وكذلك لو وكله أن يأخذ له هذه الارض وبذرا معها مزارعة فاخذها مع بذر حنطة أو شعيرا أو غير

[ 141 ] ذلك من الحبوب جاز ذلك على الموكل لانه وكله ليؤاجره في عمل الزراعة وهو في جميع ذلك متعارف فمطلق التوكيل ينصرف إلى جميع ذلك ولو وكله أن يأخذ له هذه الارض مزارعة فأخذها من صاحبها للموكل على أن يزرعها حنطة أو شرط عليه شعيرا أو غيره لم يكن له أن يزرع الا ما شرط عليه رب الارض لان الوكيل إذا امتثل أمره كان عقده كعقد الموكل بنفسه وهو لو أخذ أرضا مزارعة ليزرعها حنطة لم يكن له أن يزرعها غير الحنطة لان صاحب الارض انما رضى بان يكون أجر أرضه الحنطة فلا يملك المستأجر أن يحولها إلى غيره ولو وكله بان يدفع أرضا له مزارعة هذه السنة فأجرها ليزرع حنطة أو شعيرا بكر من حنطة وسط أو بكر من شعير وسط أو سمسم أو أرز أو غير ذلك مما تخرجه الارض فذلك جائز استحسانا وفى القياس هو مخالف لان الموكل انما رضى بالمزارعة ليكون شريكا في الخارج وقد أتى بغير ذلك حين أجرها باجرة مسماة ولكنه استحسن فقال قد حصل مقصود الآمر على وجه يكون أنفع له لانه لو دفعها مزارعة فلم يزرعها أو أصاب الزرع ان لم يكن لرب الارض شئ وهنا تقرر حق رب الارض دينا في ذمة المستأجر إذا تمكن من زراعتها وان لم يزرع أو أصاب الارض آفة ومتى أتى الوكيل بجنس ما أمر به وهو أنفع للامر مما نص عليه لم يكن مخالفا وإذا لم يكن مخالفا كان عقده كعقد الموكل بنفسه فللمستأجر أن يزرع ما بدا له والتقييد بالحنطة أو الشعير غير مفيد هنا في حق رب الارض فانه لا شركة له في الخارج بخلاف الدفع مزارعة وان أجرها بدراهم أو ثياب أو نحوها مما لا يزرع لم يجز ذلك على الموكل لانه خالف في الجنس فرب الارض نص على أن يدفعها مزارعة وذلك اجارة الارض بشئ تخرجه الارض فإذا أجرها أو كيل بشئ لا تخرجه الارض كان مخالفا في جنس ما نص عليه الموكل فهو بمنزلة الوكيل بالبيع بالف درهم إذا باع بالف دينار لا ينفذ على الموكل بخلاف ما إذا باعه بالفى درهم وكذلك ان أمره أن يدفعها هذه السنة مزارعة في الحنطة خاصة فأجرها بكر حنطة وسط جاز ويزرعها المزارع ما بدا له من الزراعات مما يكون ضرره على الارض مثل ضرر الحنطة أو أقل منها لان تسمية رب الارض الحنطة معتبرة في معرفة مقدار الضرر على الارض به وهو لم يخالفه في الجنس حين سمى الآخر كر حنطة وسط وان أجر بغير الحنطة صار مخالفا للموكل في جنس ما سمى له من أجر الارض فلا ينفذ تصرفه عليه ولو وكله أن يدفعها مزارعة بالثلث فدفعها على ان لرب الارض الثلث جاز لان حرف

[ 142 ] الباء يصحب الاعواض ورب الارض هو الذي يستحق الخارج عوضا عن منفعة أرضه فكان هذا بمنزلة التنصيص على اشتراط الثلث له فان قال رب الارض انما عنيت ان للمزارع الثلث لم يصدق لان ما يدعيه يخالف الظاهر الا أن يكون البذر من قبله فيكون القول قوله حينئذ لان المزارع هو الذي يستوجب الخارج عوضا عن عمله بالشرط ولو وكله أن يدفعها مزارعة بالثلث فأجرها من رجل بكر حنطة وسط مخالف لان رب الارض هنا نص على ما هو منافع أرض وهو ثلث الخارج وقد أجرها بغير ذلك ثم هنا نص على الشركة في الخارج والاجارة بكر من حنطة ليس فيها معنى الشركة فكان هذا مخالفة في الجنس في العقد الذي أمره به فان زرعها المستأجر كان الخارج للمزارع وعليه كر حنطة وسط للمؤاجر لان المؤاجر صار غاصبا للارض ولرب الارض أن يضمن نقصان الارض ان شاء المزارع وان شاء الوكيل في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله لان الوكيل غاصب والمزارع متلف فان ضمنها المزارع رجع بها على الوكيل لاجل الغرور ويأخذ المؤاجر من الكر الذى أخرجته الارض ما ضمن ويتصدق بالفضل لانه كسب خبيث وان وكله بان يؤجرها بكر حنطة وسط فدفعها مزارعة بالنصف على ان يزرعها حنطة فزرعها فهو مخالف لان ما أتى به أضر على الموكل مما أمره به لانه أمره بعقد يتقرر به حقه في الاجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع بها وان لم ينتفع ولانه نص على اجارة محضه وقد أتى بعقد الشركة فكان مخالفا وتفريع هذه كتفريع الاولى ولو وكله أن يأخذ هذه الارض مزارعة فاستأجرها الوكيل بكر حنطة لم يجز على الآمر لان ما أتى به أضر عليه لان ألزمه الكر دينا في ذمته عند تمكنه من الزراعة وان لم يزرع وهو ما أمره بذلك فلا ينفذ تصرفه عليه الا أن يرضي به ولو وكله بان يأخذها له مزارعة بالثلث فأخذها الوكيل على أن يزرعها المزارع ويكون للمزارع ثلث الخارج ولرب الارض ثلثاه لم يجز هذا على المزارع لان الكلام الذى قال المزارع انما يقع على ان لرب الارض الثلث لما بينا ان رب الارض هو الذي يستحق الخارج عوضا عن منفعة الارض فما يصحبه حرف الباء يكون حصته من الخارج وقد أتى بضده ولو كان أمره أن يأخذ الارض والبذر والمسألة بحالها جاز ذلك على المزارع لان المعقود عليه هنا هو عمل العامل وهو الذى يستحق الخارج بمقابلة عمله فإذا شرط الثلث له كان ممتثلا أمره ولو وكله أن يدفع نخله هذا معاملة بالثلث فدفعها على ان الثلثين للعامل لم يجز ذلك على رب

[ 143 ] النخيل لان العامل هو الدى يستحق الخارج بالشرط فانما ينصرف أمر رب النخل بهذا اللفظ إلى اشتراط الثلث له ولو وكله أن يأخذ له نخل فلان هذه السنة معاملة بالثلث فأخذه على ان الثلثين لرب النخل جاز عليه لما قلنا ولو وكله أن يأخذ هذه الارض هذه السنة وبذرا معها مزارعة فأخذ الوكيل البذر والارض على ان الخارج كله لرب الارض وعليه للمزارع كر حنطة وسط فهذا جائز كان البذر من حنطة أو من غيرها لان ما باشره من العقد أنفع للموكل فانه يستوجب الاجر بتسليم النفس وان لم يستعمله أو أصاب الزرع آفة وان شرط الآخر دراهم أو متاعا بعينه لم يجز وانما استحسن إذا شرط له شيئا مما تخرجه الارض ان أجره لما بينا في الفصل الاول ولو أمره أن يأخذها له بالثلث والمسألة بحالها لم يجز في شئ من ذلك لانه نص على عقد الشركة في الخارج هنا ولانه لا يدرى ان ثلث الخارج يكون مثل ما شرط له من الاجر أو أقل أو أكثر ولو وكله أن يأخذ هذا النخل معاملة فأخذه على ان الخارج لصاحب النخل وللعامل كر من تمر فارسي عليه جاز لانه اشترط له أفضل ما يخرج من النخل وهذا العقد أنفع له من الوجه الذى قلنا وان كان شرط له كرا من دقل جيد نظر في النخل فان كان ذلك دقلا جاز وان كان فارسيا لم يجز ذلك على العامل بمنزلة ما لو شرط له كرا من حنطة أو شعير أو درهما وذلك لا ينفذ عليه الا أن يرضى به لان تعيينه النخل في المعاملة يكون تنصيصا على أن يكون أجره من جنس ما يخرج ذلك النخل ولو وكله بان يأخذ له نخل فلان معاملة بالثلث فأخذه بكر تمر فارسي جيد لم يلزم العامل الا أن يشاء لانه لا يدرى لعل الثلث أكثر مما شرط له فان كان يعلم ان الثلث يكون أقل من ذلك فهو جائز لانه متيقن بتحصيل مقصوده فان قيل قد قلتم انه أمر بعقد الشركة بهذا اللفظ وما أتى به من الاجارة غير الشركة قلنا نعم ولكن الاسباب غير مطلوبة بعينها بل بمقاصدها فانما يعتبر اختلاف السبب إذا لم يعلم بانه حصل مقصوده الذي نص عليه على وجه هو أنفع له فاما إذا علمنا ذلك يقينا فلا معنى لاعتبار الاختلاف في السبب فلهذا ينفذ تصرفه عليه والله أعلم (باب الزيادة والحط في المزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) الاصل أن عقد المزارعة والمعاملة في حكم الزيادة في البدل والحط

[ 144 ] نظير البيع والاجارة وقد بينا أن الزيادة هناك تصح حال قيام المعقود عليه وعلى وجه يبطل ابتداء العقد ولا يصح بعد هلاك المعقود عليه والحط صحيح بعد هلاك المعقود عليه لان الحط اسقاط محض وفى الزيادة معنى التمليك فكذلك في المزارعة والمعاملة وإذا تعاقد الرجلان مزارعة أو معاملة بالنصف وعمل فيها العامل حتى حصل الخارج ثم زاد أحدهما الاخر من نصيبه السدس وحصل له الثلثين ورضى بذلك الآخر فان كان ذلك قبل استحصاد الزرع ولم يتناهى عظم البسر جاز لان ابتداء العقد بينهما في هذه الحالة يصح ما دام المعقود عليه بحيث يزداد بعمل العامل فتصح الزيادة أيضا من أيهما كان لصحابه وان كان بعد استحصاد الزرع وتناهى عظم البسر فان كان الزائد صاحب النخل وصاحب البذر في المعاملة فهو باطل لان ابتداء العقد بينهم في هذه الحالة لا يصح فكان بمعنى الزيادة في الثمن بعد هلاك المعقود عليه وهذا لان العقد قد انتهى فلا يمكن اسناد الزيادة على سبيل الالتحاق باصل العقد وهى في الحال هبة غير مقسوم فلا يكون صحيحا وان كان الآخر هو الزائد فهو جائز لانه يستوجب بالشرط فيكون هذا منه حطا لا زيادة فان كان شرط بمقابلة عمله نصف الخارج ثم حط ثلث هذا النصف واكتفى بثلث الخارج والحط بعد هلاك المعقود عليه صحيح وكذلك ان كان صاحب الارض الذى لا بذر من قبله هو الذى زاد صاحب البذر لانه يستوجب بالشرط بمقابلة منفعة أرضه فيكون هذا منه حطا لا زيادة وإذا اشترطا الخارج في المعاملة والزارعة نصفين واشترطا لاحدهما على صاحبه عشرين درهما فسدت المزارعة والمعاملة من أيهما كان البذر أو الشرط لتضمن هذا العقد شراء المعدوم أو الجمع بين الشركة في الخارج والاجرة دينا في الذمة بمقابلة عمل العامل أو منفعة الارض ثم الخارج كله لصاحب البذر في المزارعة ولصاحب النخل في المعاملة هذا هو حكم فاسد المزارعة والمعاملة وكذلك لو زاد أحدهما صاحبه عشرين قفيزا الا أن هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج مع حصول الخارج وهو مفسد للعقد والله أعلم (باب النكاح والصلح من الجناية والخلع والعتق والمكاتبة في المزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) وإذا تزوج الرجل امرأة بمزارعة أرضه هذه السنة على أن يزرعها ببذرها وعملها فما خرج فهو بينهما نصفان فالنكاح جائز والمزارعة فاسدة لاشتراط أحد العقدين

[ 145 ] في الاجر والمزارعة كالبيع تبطل بالشروط الفاسدة والنكاح لا يبطل هكذا قال إبراهيم النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع وعلى قول أبى يوسف التسمية صحيحة وصداقها أجر مثل نصف الارض وعلى قول محمد رحمه الله التسمية فاسدة ولها مهر مثلها الا أن يجاوز ذلك باجر مثل جميع الارض فحينئذ لها أجر مثل جميع الارض لان التزوج بذل منفعة الارض بمقابلة نصف الخارج وبمقابلة نصفها فان المشروط لها على الزوج ملك النكاح ونصف الخارج لان البذر من قبلها فانما تتوزع منفعة الارض عليهما باعتبار القيمة كما هو قضية المقابلة ونصف الخارج مجهول أصلا وجنسا وقدرا فكان ما يقابل البضع من منفعة الارض مجهولا أيضا جهالة التسمية ومثل هذه الجهالة تمنع صحة التسمية فيكون لها مهر مثلها كما لو تزوجها بثوب الا أن يتيقن بوجود الرضا منها يكون صداقها منفعة جميع الارض لانها لما رضيت به بمقابلة سنين كانت بمقابلة أحدهما أرضا فلهذا لا يجاوز بالصداق أجر مثل جميع الارض وأبو يوسف يقول الانقسام بين البضع ونصف الخارج باعتبار التسمية لا باعتبار القيمة فيتوزع نصفين كما هو قضية المقسامة بين المجهول والمعلوم بمنزلة ما لو أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين كان لفلان نصف الثلث فهنا أيضا يكون الصداق منفعة نصف الارض والمنفعة مال متقوم في حكم الصداق فتصح التسمية ويلزم تسليم منفعة نصف الارض إليها وقد عجز عن ذلك لفساد المزارعة فيكون لها اجر مثل نصف الارض فان طلقها قبل الدخول بها كان لها في قول أبى يوسف رحمه الله نصف المسمى وهو ربع اجر مثل الارض وفى قول محمد رحمه الله لها المنفعة لفساد التسمية وان زرعت المرأة زرعا فأخرجت الارض شيأ أو لم تخرج فجميع الخارج للمرأة لانه نماء بذرها وعليها في قياس قول أبى يوسف نصف أجر مثل الارض ولا صداق لها على الزواج لانها استوفت منفعة جميع الارض ونصف ذلك صداقها والنصف الآخر استوفته بحكم مزارعة فاسدة فعليها أجر مثل نصف الارض وعند محمد رحمه الله عليها أجر مثل جميع الارض فيتقاصان ويترادان فضلا ان كان وان كان البذر من قبل الزوج فتزوجها على أن دفع أرضا وبذرا مزارعة بالنصف والمسألة بحالها فالنكاح صحيح والمزارعة فاسدة وللمرأة مهر مثلها بالغا ما بلغ عندهم جميعا لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة البضع وبمقابلة العمل والخارج مجهول الجنس والقدر ووجود أصله على خطر فلم يصح تسميته صداقا فكان لها مهر مثلها بالغا ما بلغ وهو الاصل في هذا الجنس انه متى كان المشروط بمقابلة البضع بعض

[ 146 ] الخارج فالتسمية فاسدة عندهم جميعا ومتى كان المشروط منفعة الارض أو منفعة العامل بمقابلة البضع ففى صحة التسمية اختلاف كما بينا حتى لو تزوجها على أن يأخذ أرضها ليزرعها ببذره وعمله بالنصف فللمرأة مهر المثل بالاتفاق لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها ومنفعة الارض ولو تزوجها على أن يأخذ أرضها وبذرا معها مزارعة بالنصف فالمسألة على الاختلاف لانها شرطت عمل الزوج بمقابلة بضعها ونصف الخارج فيكون الصداق نصف عمل الزوج في قول أبى يوسف كما بينا ولو تزوجها على أن دفع إليها نخلا معاملة بالنصف فلها مهر مثلها لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها وعملها ولو تزوجها على ان دفعت إليه نخلا معاملة بالنصف فالمسألة على الخلاف لان الزوج التزم العمل بمقابلة بضعها ونصف الخارج فهذه ست مسائل في النكاح وست اخرى في الخلع على هذه الصورة فالمرأة في الخلع بمنزلة الزوج في النكاح لان بذل الخلع عليها له ففى كل موضع ذكرنا في النكاح أنه يكون لها صداق مثلها ففى الخلع يجب عليها رد المقبوض لان البضع لا يتقوم عند خروجه من ملك الزوج وانما يقوم باعتبار رد المقبوض وكذلك هذه المسائل الست في الصلح من جناية العهد الا أن في كل موضع كان الواجب في النكاح صداق مثلها ففى الصلح من دم العمد الواجب الدية لان بذل النفس هو الدية عند فساد التسمية في الصلح بمنزله مهر المثل في النكاح وأما كل جنايه ليس فيها قصاص أو جنايه خطا وقعت على الصلح عنها عقدة مزارعة أو معاملة نحو ما وصفنا فان العقد في جميع ذلك فاسد بالاتفاق وارش الجناية واجب لان هذا صلح عن مال علي مال فيكون بمنزلة البيع يبطل بالشرط الفاسد كما تبطل المزارعة فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسد كل واحد منهما فأما العتق على شرط المزارعة في جميع هذه الوجوه فعلى العبد فيه قيمة نفسه بالغا ما بلغت لان المولى انما يزيل عن ملكه في العتق مالا متقوما فعند فساد التسميه يكون رجوعه بقيمة العبد كما لو أعتق عبده على خمر ولا يدخل هنا الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله على قياس جعل العتق إذا كان شيأ بعينه فاستحق أو هلك قبل القبض لان هناك التسمية كانت صحيحة وهنا أصل التسمية فاسد فيكون هذا نظير العتق على الخمر وأما الكتابة على نحو ذلك فالكتابة فاسدة مع المزارعة والمعاملة لان الكتابة لا تصح الا بتسمية البدل وهو عقد محتمل للفسخ بمنزلة البيع فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسدهما جميعا فان عملها المكاتب عتق ان خرج

[ 147 ] شئ أو لم يخرج إذا كان محله محل آخر بان كان المولى صاحب النخل أو صاحب الارض والبذر لانه أو في العمل المشروط عليه بمقابلة رقبته ومع فساد التسمية يترك العتق بايفاء المشروط كما لو كاتبه على خمر فأدى الخمر ثم للمكاتب على مولاه أجر مثله وللمولى عليه رقبته فان كانت قيمة رقيته أكثر من أجر المثل فعليه أن يؤدى الفضل وان كان أجر مثله أكثر من قيمة رقبته لم يكن على مولاه شئ لانه نال العتق بمقابلة ما أوفى من العمل فلا يتمكن استرداد شئ منه واسترداد بدله كاسترداده ثم في الكتابة الفاسدة المولى أحق بمنافعه فلا يتقوم عليه منافعه الا بقدر ما يحتاج إليه المكاتب وذلك مقدار قيمة رقبته وإذا كان محل المكاتب محل المسأجر بان كان البذر من قبل المكاتب لم يعتق وان زرع الارض وحصل الخارج لان الجعل هنا بعض الخارج وهو مجهول اللون والجنس والقدر ومثل هذه الجهالة تمنع العتق وان أدى كما لو كاتبه على ثوب ثم الخارج كله في يد العبد هنا إلى ان يرده المولى رقيقا وإذا رده المولى رقيقا كان الخارج للمولى باعتبار انه كسب عبده لا باعتبار انه مشروط في الكتابة فلهذا لا يعتق العبد به والله أعلم (باب عمل صاحب الارض والنخل فيها بامر العامل أو بغير أمره) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا وبذرا على أن يزرعها هذه السنة بالنصف فبذره العامل وسقاه فلما نبت قام عليه رب الارض بنفسه وأجرائه وسقاه حتى استحصد بغير أمر المزارع فالخارج بينهما نصفان ورب الارض متطوع فيما صنع لان الشركة بينهما قد انعقدت في الخارج حين بذره العامل وسقاه وصار العقد بحيث لا يملك رب الارض فسخه فاقامة العمل بعد ذلك كاقامة أجنبي آخر ولو عمل أجنبي آخر فيها كان متطوعا فيما صنع والخارج بين رب الارض والمزارع على الشرط فكذلك إذا فعل رب الارض ذلك فان كان استأجر لذلك فعمل أجيره كعمله وأجر الاجير عليه لانه هو الذى استأجره ثم رب الارض انما عمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر على غيره ولو كان المزارع بذر البذر فلم ينبت ولم يسقه حتى سقاه رب الارض بغير أمره فنبت فلم يزل يقوم عليه ويسقيه حتى استحصد فالخارج لرب الارض والمزارع متطوع في عمله ولا أجر له وهو القياس ولكنا نستحسن أن يجعل بينهما على ما اشترطا ويجعل رب الارض متطوعا فيما عمل وجه القياس ان

[ 148 ] رب الارض استرد الارض والبذر قبل انعقاد الشركة بينهما لان الشركة بينهما في الخارج لا في البذر وبمجرد القاء البذر في الارض وكونه في الجوالق سواء ولو أخذ رب الارض البذر وزرع بنفسه كان الخارج كله إليه لانه صار مستردا في حال هو يملك فسخ المزارعة في تلك الحالة فكذلك إذا استرده بعد الالقاء في الارض قبل السقى وجه الاستحسان ان سبب الشركة في الخارج القاء البذر فيقام هذا السبب مقام حقيقة الشركة ببيان الزرع (ألا ترى) أنه يقام مقامه في لزوم العقد حتى لا يملك رب الارض فسخه بعد ذلك قصدا ومنع المزارع من العمل فيكون هذا منه اعانة للمزارع أو عمله فيما هو شريك فيه فيكون الخارج بينهما على الشرط كما في الفصل الاول وهو نظير ما استشهد به لو ان رجلا بذر أرضا له فلم ينبت حتى سقاه رجل فنبت كان الزرع الذى سقاه في القياس بمنزلة من غصب بذرا وزرعه وفى الاستحسان الزرع لصاحب الارض والذى سقاه معين له وهذا لانه بعد الزراعة يكون اذنا لكل واحد منهما في سقيه والقيام عليه مستعينا به دلالة فينزل ذلك منزلة أمره اياه بذلك نصا بخلاف ما قبل الزراعة فله تدبير في تقديم عمل الزراعة وتأخيره واختيار ما يزرعه في كل أرض فلا يكون هو آمر للغاصب بان يزرع بذره في أرضه فيكون الفاصب عاملا لنفسه فكذلك في مسألة المزارعة بعد ما بذره المزارع هو كالمستعين بصاحب الارض في سقيه والقيام عليه فكأنه أمره بذلك نصفا فيكون رب الارض عاملا له لا لنفسه ولو بذره رب الارض ولم يسقه ولم ينبت حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما على ما اشترطا أما إذا كان ذلك بامر المزارع فهو غير مشكل لانه لو بذره وسقاه كان معينا للمزارع فإذا بذره ولم يسقه أولى وأما إذا كان بغير أمره فلان بمجرد القاء البذر في الارض لم يحصل الخارج وانما حصل بالسقى والعمل بعد وقد باشره المزارع فيكون الخارج بينهما على الشرط وهذا الفعل من رب الارض محتمل يجوز أن يكون على طريق الفسخ منه لعقد المزارعة ويجوز أن يكون على وجه النظر لنفسه وللعامل كيلا يفوت الوقت لاشتغال المزارع بعمل آخر أو لمرض حل به وبالاحتمال لا ينفسخ العقد فلهذا كان الخارج بينهما على الشرط ولو أخذه رب الارض فبذره في الارض وسقاه فنبت ثم ان المزارع يقوم عليه ويسقيه حتى استحصد فالخارج لرب الارض والمزارع متطوع في عمله ولا أجر له لانه قد استحكم استرداد رب الارض حين بذره وسقاه حتى نبت من حيث ان بالنبات تحصل الشركة

[ 149 ] في الخارج ولم يوجد من جهة المزارع ليكون شريكا في الخارج فانما نبت الخارج كله على مالك رب الارض وانفسخ به عقد المزارعة فصار كان لم يكن ثم المزارع بالعمل بعد ذلك بغير أمره متطوع فلا يستوجب عليه الاجر وان كان البذر من قبل المزارع فبذره ولم يسقه حتى سقاه رب الارض وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما علي الشرط استحسانا وكذلك لو بذره رب الارض ولم يسقه حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما على الشرط ولو بذره رب الارض وسقاه حتى نبت ثم قام عليه المزارع وسقاه فالخارج كله لرب الارض وهو ضمان لمثل ما أخذ من البذر والمزارع متطوع في عمله لانه كان غاصبا لما أخذ من البذر وقد استحكم ذلك بنباب الخارج على ملكه فكانت زراعته في هذه الارض وفى أرض له أخرى سواء فيكون الخارج كله له والمزارع متطوع لانه عمل في زرع غيره بغير أمره وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة بالنصف فقام عليه العامل وسقاه وحفظه فلما خرج طلعه أخذه صاحب النخل بغير أمر العامل وقام عليه وسقاه ولقحه حتى أدرك الخارج فهو بينهما على ما اشترطا لان الشركة قد تأكدت بخروج الطلع فيكون رب النخل بعد ذلك معينا للعامل في النخل بمنزلة أجنبي آخر بعينه ولا أجر لصاحب النخل في تلقيحه وعمله لانه متبرع فيه لم يأمره العامل به ولو كان العامل حين قبض النخل أخذه صاحبه بغير أمره فسقاه وقام عليه حتى طلع طلعه ثم قبض منه العامل فلقحه وسقاه وقام عليه حتى صار تمرا فجميع ما خرج لصاحب النخل ولا شئ للعامل منه لان الشركة انما تنعقد بينهما بخروج الطلع وحين خرج لم يكن وجد من العامل عمل فيه لا حقيقة ولا حكما فيكون الخارج كله علي ملك صاحب النخل ثم لا يتغير ذلك بعمل العامل بل هو فيما عمل كاجنبي آخر ولو كان صاحب النخل قبضه وسقاه وقام عليه فلم يخرج طلعه حتى قبضه العامل بغير أمر صاحبه فسقاه وقام عليه حتى خرج طلعه ثم لقحه وقام عليه حتى صار تمرا فالخارج بينهما على الشرط لما بينا ان الشركة انما تنعقد عند حصول الطلع وقد وجد العمل من العامل عند ذلك على الوجه الذى اقتضته المعاملة فيصير الخارج مشتركا بينهما كما في مسألة المزارعة بل أولى لان هناك رب الارض والبذر يملك فسخ العقد قصدا قبل القاء البذر في الارض وهنا لا يملك ثم هناك لا يجعل رب الارض مستردا فيما أقام من العمل ويجعل الخارج بينهما على الشرط فهنا أولى وفى جميع هذه المسائل لو كان رب الارض والنخل فعل ما فعل بامر العامل والمزارع كان الخارج

[ 150 ] بينهما على الشرط لان المزارع استعان به في العمل وهو قصد اعانته لا اقامة العمل لنفسه فتكون الاستعانة به بمنزلة الاستعانة بغيره ولو كان استأجر رب الارض والبذر أو رب النخل على ذلك باجر معلوم فالخارج بينهما على الشرط ولا أجر له على المزارع لانه عمل فيما هو شريك فيه ولو أمره أن يستأجر لذلك أجراء ففعل فالخارج بينهما على الشرط وأجر الاجراء عليه ولو كانت المزارعة والمعاملة الاولى بالنصف ثم دفعها العامل إلى رب الارض والنخل ليعمل على أن له الثلثان من الخارج والثلث للعامل فالخارج بينهما نصفان على المزارعة الاولى لان العامل استأجر رب الارض والنخل للعمل بجزء من نصيبه ولو استأجره بدراهم لم يستوجب الاجر فكذلك إذا استأجره بجزء من نصيبه ولا يجعل هذا حطا منه لبعض نصيبه من الخارج لان هذا الحط في ضمن العقد الثاني لا مقصودا بنفسه وقد بطل العقد الثاني فيبطل ما في ضمنه والله أعلم (باب اشتراط بعض العمل على العامل) (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يلقحه فما خرج منه فهو بينهما نصفان ولم يشترط صاحب النخل على العامل من السقي والحفظ والعمل شيأ غير التلقيح نظرت فيه فان كان النخل يحتاج إلى الحفظ والسقى فالمعاملة فاسدة لان العمل انما يستحق على العامل بالشرط ولا يستق عليه الا المشروط وذا كان الثمن لا يحصل بالعمل المشروط عليه فما سواه من الاعمال يكون على رب النخل ولو شرط عليه ذلك فسد العقد لان موجب المعاملة التخلية بين العامل وبين النخيل فاشتراط بعض العمل على رب النخل بعدم التخلية يفسد به النقد فكذلك استحقاق ذلك عليه وانما قلنا ان ذلك استحق عليه لان المقصود هو على الشركة في الخارج فلا بد من اقامة العمل الذى به يحصل الخارج ولا يمكن ايجاب ذلك على العامل من غير شرط فيكون على رب النخل ذلك ليتمكن من تسليم نصيب العامل من الخارج إليه كما شرطه له فان لقحه العامل فله أجر مثله فيما عمل وقيمة ما لقحه به لانه صرف عين ماله ومنافعه إلى اصلاح ملك الغير بعقد فاسد فيستحق عليه أجر مثله بازاء منافعه وقيمة ما لقحه به بازاء العين الذى صرفه إلى ملك الغير فان ابتغى العوض عن جميع ذلك ولم ينل حين كان الخارج كله لصاحب النخل فكان له أجر مثله وقيمة ما لقحه به وان كان

[ 151 ] لا يحتاج إلى حفظ ولا إلى سقي ولا عمل غير التلقيح فالمعاملة جائزة لان العمل الذى يحصل به الخارج مستحق على العامل بالشرط وما وراء ذلك غير محتاج إليه فلا يكون مستحقا على رب النخل ما لا يحتاج إليه فذكره والسكوت عنه سواء وان كان لا يحتاج الي سقى ولكن لو سقى كان أجود لثمرته الا ان تركه لا يضره فالمعاملة جائزة لان المستحق بعقد المعاوضة صفة السلامة في العوض فأما صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد فلا يكون على رب النخل شئ من العمل هنا وان كان ترك السقي يضره ويفسد بعضه الا أنه لا يفسد كله فالمعاملة فاسدة لان بمطلق المعاوضة يستحق صفة السلامة عن العيب وذلك لا يحصل بالعمل المشروط على العامل فلابد من القول باستحقاق بعض العمل على رب النخل وهو ما يحصل به صفة السلامة وذلك مفسد للعقد وان كان ترك اشتراط التلقيح عليه وقد اشترط ما سواه لم يجز لان ترك التلقيح يضره على ما بينا أن النخيل إذا لم يلقح أحشفت التمر فقد بقي بعض العمل على صاحب النخل وهو ما يحصل به صفة السلامة وكذلك كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم يشترطه على العامل ولو كان النخل نخلا لا يحتاج إلى التلقيح وكان بحيث يحصل ثمره بغير تلقيح الا أن التلقيح أجود له فالمعاملة جائزة لان بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا صفة الجودة ولو دفع إليه النخل ملقحا واشترط عليه الحفظ والسقي جاز لان التخلية بين النخل والعامل انما تشترط بعد العقد وقد وجد بخلاف ما إذا دفع إليه غير ملقح واشترط التلقيح على رب النخل فان ذلك لا يجوز لان التخلية تنعدم عقيب العقد وما يلقحه صاحب النخل والمعاملة يلزم بنفسها من الجانبين فاشتراط ما يفوت موجبه يفسد العقد وفى الاول التلقيح من رب النخل كان قبل العقد فما هو موجب العقد وهو التخلية بين العامل والنخل عقيب العقد موجود وان اشترطا أن يلقحه صاحبه ثم يحفظه العامل ويسقيه لم يجز لان العقد انعقد بينهما في الحال فالشرط مفوت موجب العقد وان كان مضافا إلى ما بعد فراغ صاحب النخل من التلقيح فذلك مجهول لا يدرى يعجله صاحب النخل أو يؤخره والجهالة في ابتداء مدة المعاملة مفسدة للمعاملة الا أن يشترط أن يلقحه في هذا الشهر صاحب النخل على أن يحفظه العامل ويسقيه من غرة الشهر الداخل فيجوز لان ابتداء مدة المعاملة هنا في غرة الشهر الداخل وهو معلوم والمعاملة عقد اجارة فتجوز اضافتها إلى وقت في المستقبل ولو دفعه إليه واشترط التلقيح والسقى على العامل والحفظ على رب النخل لم يجز لان هذا الشرط يعدم التخلية في

[ 152 ] جميع مدة المعاملة فالحفظ محتاج إليها لآن لدرك الثمار الا ان يكون في موضع لا يحتاج إلى الحفظ فتجوز المعاملة والشرط باطل لانه انما يعتبر من الشروط ما يكون مفيدا فأما ما لا يفيد فالذكر والسكوت عنه سواء ولو اشترط التلقيح والحفظ على العامل والسقى على رب النخل لم يجز أيضا لان هذا الشرط يعدم التخلية فان كان قد يصلح بغير سقى الا ان السقي أفضل له لم يجز أيضا لان صفة الجودة تستحق بالشرط فإذا كانت هذه تحصل بما شرط على رب النخل لم يكن بد من اعتباره وان كان السقي لا يزيد فيه شيأ ولا يضره تركه فالمعاملة جائزة والشرط باطل لانه ليس في هذا الشرط فائدة فذكره والسكوت عنه سواء ولو دفع إلى رجل أرضا وبذرا على أن يزرعها هذه السنة فما خرج منه فهو بينهما نصفان ولم يشترط عليه سقيا ولا حفظا فان كانت أرضا يسقيها السماء لا يحتاج فيها إلى سقى ولا حفظ مثل أرض الجزيرة ونحوها فالمزارعة جائزة على شرطهما لان ما يحصل به الخارج قد شرط على المزارع وما سواه من العمل غير محتاج إليه فلا يكون مستحقا على واحد وان كان لا يستغنى عن الحفظ والسقي فالمزارعة فاسدة لانه لا يستحق على العامل الا العمل المشروط فما وراء ذلك مما يحصل به الخارج يكون على رب الارض فكأنه شرط ذلك عليه وهو مفسد للعقد لانعدام التخلية وان كان الزرع لا يحتاج إلى سقي ولكنه لو سقى كان أجود له فهو جائز على شرطهما لان بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا نهاية الجودة بخلاف ما إذا شرط ذلك على رب الارض في هذه الصورة لان صفة الجودة تستحق بالشرط وان كان إذا ترك السقى هلك بعضه وخرج بعضه حيا عامرا عطشانا فالمزارعة فاسدة لان بمطلق العقد يستحق صفة السلامة وذلك لا يكون الا بما لم يشترط على العامل فيكون ذلك مستحقا على رب الارض ولو اشترط جميع العمل على العامل لا الحفظ فانه اشترطه على رب الارض فالمزارعة فاسدة لان بهذا الشرط تنعدم التخلية وكذلك لو اشترط السقى على رب الارض ولو اشترط على رب الارض أن يبذره كان هذا فاسدا لان العقد ينعقد بينهما في الحال فالتخلية تنعدم إلى أن يفرع رب الارض من البذر فان كان اشترط على رب الارض السقى والسقي لو ترك لم يضره ولكنه أجود للمزرع ان سقى فالمزارعة فاسدة لان صفة الجودة تستحق بالشرط وان كان السقي لا يزيده خيرا فالمزارعة جائزة والشرط باطل لانه غير مفيد وان كان المطر ربما قل فزاد الزرع وربما كثر فلم يزده السقي خيرا لم يتجز المزارعة لان هذا الشرط معتبر مقيد من وجه والاصل في

[ 153 ] الشرائط في العقد انه يجب اعتبارها الا عند التيقن بخلوها عن الفائدة ويبقى هنا موجب اعتبار الشرط وباعباره يفسد العقد لانعدام التلخية وإذا بذر الرجل فلم ينبت شئ حتى دفعها إلى رجل على أن يسقيه ويحفظه فما خرج منه فهو بينهما نصفان فهو جائز لوجود التخلية بين الارض والمزارع عقيب العقد ولو دفعها إليه قبل أن يبذرها على أن يبذرها رب الارض ويسقيها المزارع ويحفظها فهذا فاسد لان العقد انعقد بينهما في الحال والتخلية تنعدم إلى أن يبذرها رب الارض وان كان رب الارض اشترط له أن يبذر على أن يحفظ الزرع بعد ذلك ويسقيه لم يجز أيضا لما بينا انهما أضافا العقد إلى وقت فراغ رب الارض من البذر وذلك غير معلوم فقد يعجل رب الارض البذر وقد يؤخر ذلك وجهالة مدة المزارعة تفسد العقد الا أن يشترط أن يزرع في هذا الشهر على أن يحفظه العامل ويسقيه من غرة الشهر الداخل فيجوز حينئذ لانهما أضافا العقد إلى وقت معلوم فانما ينعقد العقد بعد مجئ ذلك الوقت والتخلية توجد عقيب انعقاد العقد ولو ان البذر من المزارع على ان الذى يلى طرح البذر في الارض رب الارض واشترطا لذلك وقتا يكون السقي والحفظ بعده أو لم يشترطا فالمزارعة فاسدة لان رب الارض مؤاجر لارضه والعقد يلزم من جانبه بنفسه فيلزمه تسليم الارض فإذا شرط عليه طرح البذر في الارض فهذا شرط يعدم التخلية بخلاف الاول فهناك انما يلزم العقد من جهة صاحب البذر بعد القاء البذر في الارض فيكون اضافة المزارعة إلى وقت معلوم ولكن يدخل على هذا الحرف المعاملة فانها تلزم بنفسها وقد بينا ان الجواب فيها وفي المزارعة إذا كان البذر من قبل رب الارض سواء فالوجه أن يقول اشتراط طرح البذر على رب الارض بمنزلة اشتراط البقر عليه إذا كان البذر من قبله غير مفسد للعقد وإذا كان البذر من العامل مفسدا للعقد فكذلك إذا اشترطا طرح البذر في الارض عليه وكذلك لو اشترط الحفظ والسقى على رب الارض فهذا شرط يعدم التخلية ولو لم يشترط الحفظ والسقى على واحد منهما ودفعها إليه على أن يزرعها بالنصف جاز وكان السقى والحفظ على المزارع لان رب الارض انما أجر أرضه وليس عليه من العمل قليل ولا كثير وانما العمل الذى يحصل به الخارج على المزارع فالسكوت عنه بمنزلة الاشتراط على المزارع وذلك غير مفسد للعقد وإذا دفع إلى رجل أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله بالنصف فزرعها فلما صار الزرع بقلا باع رب الارض الارض بما فيها من الزرع أو لم يسم زرعها فالبيع موقوف لان المزارع مستأجر

[ 154 ] للارض ومع المؤاجر العين المستأجرة في مدة الاجارة تتوقف على اجارة المستأجر لان في نفوذ العقد ضرر عليه لان المؤاجر لا يقدر على التسليم الا باجارة المستأجر فيتوقف البيع على اجارته كالراهن إذا باع المرهون فان أجازه المزارع جاز لان اجازته في الانتهاء كالاذن في الابتداء والمانع من نفوذ العقد حقه وقد زال باجازته ثم للشفيع أن يأخذ الارض بما فيها من الزرع أو يدع إذا كان باعها بزرعها لان الزرع تبع الارض ما دام متصلا بها فيثبت للشفيع حق الشفعة فيه ولو أراد أخذ الارض دون الزرع أو الزرع دون الارض أو أخذ الارض وحصة رب الارض من الزرع دون حصة المزارع لم يكن له ذلك لانه تمكن من أخذ الكل فليس له أن يأخذ البعض لما فيه من تفريق الصفقة علي المشترى ثم يقسم الثمن على قيمة الارض والزرع فحصة الارض لرب الارض وحصة الزرع بينهما نصفان لان الملك في الزرع بينهما نصفان وكذلك لو كان البذر من رب الارض لان بعد القاء البذر في الارض العقد لازم من جهته فلا ينفذ بيعه الا باجازة المزارع وان لم يجزه حتى استحصد الزرع ومضت السنة وقد باعها مع الزرع فللمشترى أن يأخذ الارض ونصف الزرع بحصته من الثمن إذا قسم على قيمة الارض وقيمة الزرع يوم وقع البيع لان المزارعة قد انتهت باستحصاد الزرع فزال المانع من التسليم فيتم العقد فيما هو ملك البائع ألا ترى انه لو كان ابتداء البيع منه بعد استحصاد الزرع كان جائزا في الارض وحصته من الزرع فهذا مثله وهو بمنزلة ما لو باع الراهن المرهون ثم افتكه الراهن قبل أن يفسخ البيع ثم للشفيع أن يأخذ ما تم فيه العقد وهو الارض وحصة رب الارض من الزرع ما لم يحصد وليس له أن يأخذ بعض ذلك دون بعض والجواب في المعاملة قياس الجواب في المزارعة في جميع ما ذكرنا ان البيع قبل الادراك لا يجوز الا باجازة العامل وبعد الادراك يجوز في حصة رب النخل في التمر مع النخل وفى حصة العامل لا يجوز الا باجازته فان جد النخل وحصد الزرع في هذه المسائل قبل أن يأخذ الشفيع ذلك لم يكن للشفيع على الزرع ولا على التمر سبيل لزوال الاتصال ولكنه يأخذ الارض والنخل بحصتهما من الثمن ولو لم يذكر البائع التمر والزرع في البيع لم يدخل شئ من ذلك فيه سواء ذكر في البيع كل حق هو لها أو مرافقها أولم يذكر الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله فانه يقول بذكر الحقوق والمرافق يدخل التمر والزرع وان قال بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها دخل الزرع والتمر الا أن يكون

[ 155 ] قال من حقوقها وقد بينا هذا في كتاب الشفعة ولو اختصم البائع والمشترى في ذلك قبل أن يستحصد الزرع وتكمل السنة وأراد أحدهما نقض البيع وقد أبى المزارع أن يجيز البيع فالامر في نقض البيع إلى المشترى لان البائع عاجز عن التسليم إليه لما أبى المزارع الاجازة وفيه ضرر على المشترى فيكون له أن يفسخ البيع الا أن يسلم له البائع ما باعه وان كان البائع هو الذى أراد نقض البيع فليس له ذلك لان البيع نافذ من جهته لمصادفته ملكه ولا ضرر عليه في ابقائه فليس له أن ينقضه وهكذا في المرهون إذا أبى المرتهن أن يسلم فان أراد المشترى فسخ العقد فله ذلك وان أراد البائع ذلك ليس له ذلك إذا أبى المشترى ولم يذكر أن المزارع أو المرتهن إذا أراد نقض البيع هل له ذلك أم لا والصحيح انه ليس له ذلك لانه لا ضرر عليه في بقاء العقد بينهما انما الضرر عليه في الاخراج من يده وله أن يستديم اليد إلى أن تنتهى المدة وذلك لا ينافى بقاء العقد فلهذا لا يكون لواحد منهما فسخ العقد فان لم يرد واحد منهما نقض البيع وحضر الشفيع فأراد أخذ ذلك بالشفعة فله ذلك لان وجوب الشفعة يعتمد لزوم العقد وتمامه من جهة البائع وقد وجد ذلك ثم يكون هو بمنزلة المشترى ان سلم له المبيع والا نقضه فان قال البائع والمشترى لا يسلم لك البيع حتى يسلم للمشترى لم يكن لهما ذلك لان حق الشفيع سابق على ملك المشترى شرعا ولكن الامر فيه إلى الشفيع وهو بمنزلة المشترى في جميع ذلك حين قدمه الشرع عليه بعد ما طلب الشفعة وان علم الشفيع بهذا الشراء فلم يطلبه بطلت شفعته وان سلم الشراء بعد ذلك للمشترى فاراد الشفيع أن يطلب الشفعة فليس له ذلك لان سبب وجوب حقه قد تقرر فتركه الطلب بعد تقرر السبب يبطل شفعته وان لم يكن متمكنا من أخذه وان طلب الشفعة حين علم فقال له البائع هات الثمن وخذها بالشفعة والا فلا شفعة لك فان سلم البائع الارض للشفيع فعليه أن يعطيه الثمن وان لم يسلم الارض فللشفيع أن يمنع الثمن حتى يعطيه الارض لانه قام مقام المشترى في ذلك ولاحق للبائع في استيفاء الثمن ما لم يتمكن من تسليم المعقود عليه ولا يبطل ذلك شفعته لانه قد طلبها حين علم وكذلك لو كان البذر من رب الارض وكذلك هذا في معاملة النخيل في جميع ما ذكرنا والله أعلم (باب موت المزارع ولا يدرى ما صنع في الزرع واختلافهما في البذر والشرط) (قال رحمه الله) وإذا مات المزارع بعد ما استحصد الزرع ولم يوجد في الارض زرع

[ 156 ] ولا يدرى ما فعل فضمان حصة رب الارض في مال المزارع من أيهما كان البذر لان بصيب رب الارض كان أمانة في يد المزارع فإذا مات مجهلا له كان دينا في تركته كالوديعة يصير دينا بموت المودع في تركته إذا كان لا يعلم ما صنع بها وكذلك إذا مات العامل بعد ما طلع التمر فبلغ أو لم يبلغ فلم يوجد في النخيل شئ لان نصيب رب النخل كان أمانة في يد العامل وإذا مات رب الارض أو المزارع أو ماتا جميعا فاختلف ورثتهما أو اختلف الحي منهما مع ورثة الميت في شرط الانصباء فالقول قول صاحب البذر أو ورثته مع اليمين لان الاجر يستحق عليه بالشرط فإذا ادعى عليه زيادة في والمشروط أنكره هو كان القول قوله مع يمينه ان كان حيا وان كان ميتا فورثته يخلفونه فالقول قولهم مع ايمانهم بالله على علمهم والبينة بينة الآجر لانه يثبت الزيادة ببينته فان اختلفوا في صاحب البذر أيضا كان القول قول المزارع مع يمينه على الثباب ان كان حيا وان كان ميتا فالقول قول ورثته مع ايمانهم على العلم لان الخارج في يد المزارع أو في يد ورثته فالقول قول ذى اليد عند عدم البينة والبينة بينة رب الارض لانه خارج محتاج إلى الاثبات بالبينة ولو كانا حيين فاختلفا فأقام صاحب الارض البينة انه صاحب البذر وانه شرط للمزارع الثلث وأقام المزارع البينة انه صاحب البذر وانه شرط لرب الارض الثلث فالبينة بينة رب الارض لانه هو الخارج المحتاج إلى الاثبات بالبينة وان علم ان البذر من قبل رب الارض وأقاما البينة على الثلث والثلثين فالبينة بينة المزارع لانه يثبت الزيادة ببينته وإذا مرض رجل وفى يده أرض لرجل قد أخذها مزارعة وعليه دين في الصحة والبذر من قبله فأقرانه شرط لصاحب الارض الثلثين ثم مات وأنكر ذلك الغرماء فان كان أقر بعد ما استحصد الزرع بدئ بدين الغرماء لان هذا بمنزلة الاقرار بالعين والمريض أذا أقر بدين أو عين لم يصدق في حق غرماء الصحة فيبدأ بدينهم فيقضى فان بقى شئ كان لصاحب الارض مقدار أجر مثلها من الثلثين الذى أقر له به ولان في مقدار أجر المثل أقر بسبب موجب للاستحقاق وهو يملك مباشرة ذلك السبب في حق ورثته فيصح اقراره بذلك القدر من جميع ماله فان بقى من الثلثين بعد ذلك شى كان له من الثلث لان الزيادة على مقدار أجر المثل محاباة منه والمريض لو أنشأ المحاباة في مرض موته اعتبرت من ثلثه فكذلك إذا أقر به وان كان أقر بذلك حين طلع الزرع وفى ثلثى الزرع فضل عن أجر المثل يوم أقر بذلك فلم يثبت حتى استحصد الزرع ثم مات فان صاحب الارض يضرب مع غرماء الصحة بمقدرا أجر مثل

[ 157 ] الارض من الثلثين فيتحاصون في ذلك لانه أقر بما يملك انشاءه فان ابتداء عقد المزارعة قبل ادراك الزرع صحيح فتنفى التهمة على اقراره في مقدار أجر المثل ويجعل كما لو أنشأ العقد ابتداء فتثبت المزاحمة بين غرماء الصحة وبين صاحب الارض في ذلك بخلاف الاول فان بعد استحصاد الزرع لا يجوز ابتداء عقد المزارعة بينهما فيتمكن في اقراره تهمة في حق غرماء الصحة وان كان الدين عليه باقراره في المرض ففى الفصل الاول يتحاصون في ذلك لانه أقر بدين ثم تعين وقد جمع بين الاقرارين حالة المرض فكأنهما وجدا معا وفى الفصل الثاني بدئ باجر المثل لانه لا تهمة في اقراره حال يتمكن من انشاء العقد ولهذا كان مزاحما لغرماء الصحة ومن يزاحم غرماء الصحة يكون مقدما على المقر له في المرض ولو كان البذر من قبل رب الارض كان المريض مصدقا فيما أقر له به لان القول قول رب البذر هنا في مقدار ما شرط له ولو أن المريض أقر انه كان معينا له كان القول قوله في ذلك فإذا أقر انه كان مزارعة بجزء يسير أولى أن يقبل قوله في ذلك وان كان عليه دين الصحة لان اقراره هنا تصرف منه في منافعة ولا حق للغرماء والورثة في ذلك ولو كان المريض رب الارض وعليه دين الصحة فأقر في مرضه بعد ما استحصد الزرع انه شرط للمزارع الثلثين ثم مات بدئ بدين الصحة لان هذا اقرار منه بالعين في مرضه فان بقى شى كان للمزارع مقدار أجر مثله من ثلثى الزرع لان اقرراه بذلك القدر صحيح في حق الورثة فانه يقر بالعين بسبب لا محاباة فيه ولو أقر بالدين بعد اقراره في حق الورثة ثم الباقي من الثلثين وصية له من الثلث لان الباقي محاباة فيكون وصية تعتبر من الثلث أقر بها أو أنشأها وان كان أقر بذلك حين زرع المزارع وفى ثلثى الزرع يومئذ فضل عن أجر مثله ثم مات بعد ما استحصد الزرع يحاص المزارع غرماء الصحة بمقدار أجر مثله من ثلثى ما أخرجت الارض بمنزلة ما لو أنشا العقد لان وجوب هذا القدر بسبب لا تهمة فيه ثم الباقي وصية له وان كان الدين على المريض باقراره في مرضه ففى الوجه الاول يتحاصون وفى الوجه الثاني بدئ باجر مثل المزارع وحال رب الارض في هذه المسألة كحال المزارع في المسألة الاولى وكذلك الحكم في المعاملة إذا مرض صاحب النخل وأقر بشئ من ذلك فهو نظير الفصل الاول فيما ذكرنا من التخريج وان كان المريض هو العامل فقال شرط لى صاحب النخل السدس فالقول قوله إذا صدقه صاحب النخل لان الذى من جهته مجرد العمل ولو قال كنت معينا له كان القول

[ 158 ] قوله فهنا أولى ولا يقبل بينة غرماء العامل وورثته على دعوى الزيادة لانه مكذب لهم في ذلك والشهود انما يثبتون الحق له فبعد ما أكذبهم لا تقبل شهادتهم له والورثة يقومون مقامه ولو ادعى هو ذلك قبل موته وأقام البينة لا تقبل بينته فكذلك غرماؤه وورثته بعد موته ولا يمين على رب النخل أيضا لان اليمين ينبنى على دعوى صحيحة وان كان المريض صاحب النخل والعامل أحد ورثته فأقر له بشرط النصف بعد ما بلغ التمر فاقراره باطل لانه أقر بالعين له واقرار المريض لوارثه بالعين باطل وان كان أقر حين بدأ بالعمل وطلع الكفري ثم مات بعد ما بلغ التمر أخذ العامل مقدار أجر مثله من نصف التمر لان اقراره هنا بمنزلة انشاء العقد فلا تتمكن فيه التهمة بقدر أجر المثل ويحاص أصحاب دين الصحة به ويبدأ به قبل الدين الذي أقر به في مرضه ولا حق له في الزيادة على ذلك لان الزيادة على ذلك وصية للوارث ولاوصية لوارث وان أراد الوارث العامل أن يستحلف بقية الورثة على ما بقى له مما أقر له به المريض بعد ما أخذ أجر مثله فان اقرار المعاملة كان في المرض فلا يمين عليهم لانهم لو أقروا بما أدعى لم يلزمهم شئ وان ادعى انها كانت في الصحة وانه أقر له بها في المرض استحلفوا على عملهم لانهم لو أقروا بما ادعي لزمهم فان أنكروا استحلفوا على عملهم لرجاء نكولهم وان كان المريض هو العامل ورب النخل من ورثته صدق فيما أقر به من قلة نصيبه كما لو زعم انه كان معينا له وهذا لان تصرفه في منافعه وللمريض أن يتبرع بمنافعه على وارثه الا ان بينة غرمائه وورثته على الزيادة مقبولة في هذا الوجه ولهم أن يستحلفوه ان لم يكن لهم بينة لان اقرار المريض فيما يكون فيه منفعة للورثة باطل ولو لم يقر بذلك كانت البينة منهم على دعوى الزيادة مقبولة ويستحلف الخصم إذا أنكر فكذلك إذا طلب اقراره بما أقر به والله أعلم (باب المزارعة والمعاملة في الرهن) (قال رحمه الله) رجل رهن عند رجل أرضا ونخلا بدين عليه له فلما قبضه المرتهن قال له الراهن احفظه واسقه ولقحه على أن الخارج بيننا نصفان ففعل ذلك فالخارج والارض والنخيل كله رهن والمعاملة فاسدة لان حفط المرهون مستحق على المرتهن فلا يجوز أن يستوجب شيأ بمقابلته على الراهن (ألا تري) انه لو استأجر على الحفظ لم يجز الاستئجار فكان هذا بمنزلة ما لو شرط عليه ما سوى الحفظ من الاعمال فتكون المعاملة فاسدة والخارج

[ 159 ] كله لرب النخل الا انه مرهون لانه تولد من عين رهن وللمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقى دون الحفظ لان الحفظ مستحق عليه بحكم الرهن فأما التلقيح والسقي فقد أوفاه بعقد فاسد ولايقال ينبغى أن يبطل عقد الرهن يعقد المعاملة لان المرهون هو النخل والارض وعقد المعاملة يتناول منفعة العامل والعقد في محل لا يرفع عقدا آخر في محل آخر وكذلك لو كان الرهن أرضا مزروعة وقد صار الزرع فيها بقلا ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف والبذر من المرتهن جاز والخارج على الشرط لان صاحب البذر مستأجر للارض والمرتهن إذا استأجر المرهون من الراهن يبطل عقد الرهن لان الاجارة ألزم من الرهن وقد طرأ العقدان في محل واحد فكان الثاني رافعا للاول فلهذا كان الخارج على الشرط وليس للمرتهن أن يعيدها رهنا وان مات الراهن وعليه دين لم يكن المرتهن أحق بها من غرمائه لبطلان عقد الرهن وان كان البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن أن يعيد الارض في الرهن بعد الفراغ من الزرع لان العقد هنا يرد على عمل المزارع فلا يبطل به عقد الرهن الا أن المرتهن صار كالمعير للارض من رب الارض (ألا ترى) انه لو دفعها إلى غيره مزارعة برضا المرتهن والبذر من قبل الراهن كان المرتهن كالمعير للارض لانه رضى بان ينتفع هو بالارض وذلك باعارة فيخرج به من ضمان الرهن ولكن لا يبطل به عقد الرهن لان الاعارة أضعف من الرهن فيكون له أن يعيد الارض في الرهن وان كان الرهن أرضا بيضاء وفيها محل فأمره الراهن بان يزرع الارض ببذره وعمله بالنصف ويقوم على النخل ويسقيه ويلقحه ويحفظه بالنصف أيضا ففعل ذلك كله فقد خرجت الارض من الرهن وليس للمرتهن أن يعيدها فيه والخارج بينهما على الشرط لان المرتهن صار مستأجرا للارض وأما النخل والتمر فلا تصح المعاملة فيها لان العقد في النخل يرد على منفعة العامل فلا يبطل به عقد الرهن وببقاء عقد الرهن الحفظ مستحق عليه ثم النخل والتمر لا يفتكهما الا باداء جميع الدين وان هلك النخل والتمر هلك بحصة قيمة النخل من الدين مع قيمة الارض لانه صار مضمونا بذلك القدر حين رهنه والتمر الذى هلك صار كان لم يكن وللعامل أجر مثل عمله في النخل لا في الحفظ وكذلك ان كان البذر من رب الارض الا ان الارض تعود رهنا هنا إذا انقضت المزارعة لان المرتهن هنا في معنى المعير لها من الراهن فان مات الراهن كان المرتهن أحق بها من غرمائه سواء مات بعد ما أنقضت المزارعة أو قبلها لبقاء عقد الرهن واختصاص المرتهن

[ 160 ] بالمرهون بحكم عقد الرهن وان نقصها الزرع شيئا ذهب من مال الراهن لما بينا انه من ضمان الرهن حين كان المرتهن معيرا من الراهن والله أعلم (باب الشروط الفاسدة التى تبطل وتجوز المزارعة) (قال رحمه الله) وإذا شرط المزارع على رب الارض مع حصته من الزرع دراهم معلومة أو شيأ من العمل فسدت المزارعة لان باشتراط شئ من العمل عليه تنعدم التخلية وباشتراط الدراهم علية يجتمع الاجارة مع الشركة في الخارج وذلك مفسد للمزارعة فان قال ابطل الشرط لتجوز المزارعة لم يجز ولم يبطل بابطاله لان هذا شرط تمكن فيها هو من صلب العقد ومن موجباته فباسقاطه لا ينقلب العقد صحيحا كاشتراط الخمر مع الالف في ثمن المبيع وكذلك لو اشترط أحدهما على صاحبه الحصاد أو الدياس أو التنقية وقد بينا فساد العقد في هذا الشرط وما فيه من اختلاف الروايات ثم هذا الشرط من صلب العقد فلا ينقلب العقد صحيحا إذا أسقطه من شرط له ولو اشترطا لاحدهما خيارا معلوما في المزارعة جاز على ما اشترطا لان عقد المزارعة يتعلق به اللزوم فيجوز اشتراط الخيار فيه مدة معولمة كالبيع والاجارة وان كان خيارا غير مؤقت أو إلى وقت مجهول فالمزارعة فاسدة فان أبطل صاحب الخيار خياره وأجاز المزارعة جازت كما في البيع والاجارة وهذا لان هذا الشرط زائد على ما تم به العقد فهو غير متمكن فيما هو موجب العقد والمعاملة قياس المزارعة في ذلك وان اشترط أحدهما على صاحبه ان ما صار له لم يبعه ولم يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل لانه لا منفعة فيه لواحد منهما والشرط الذى لا منفعة فيه ليس له مطالب فيلغوا ويبقي العقد صحيحا وذكر في بعض نسخ الاصل ان على قول أبى يوسف الآخر تبطل المزارعة بهذا الشرط لان فيه ضررا على أحدهما والشرط الذى فيه الضرر كالشرط الذى فيه المنفعة لاحدهما فكما ان ذلك مفسد للعقد فكذا هذا قال لو شرط عليه أن يبيع نصيبه فيه بمائة درهم فسدت المزارعة لان في هذا الشرط منفعة ولكن الفرق بينهما بما ذكرنا ان الشرط الذى فيه منفعة يطالب به المنتفع والشرط الذى فيه الضرر لا تتوجه المطالبة من أحد فان أبطل صاحب الشرط شرطه في الفصل الثاني لم تجز المزارعة أيضا لان في البيع منفعة لكل واحد منهما فلا يبطل الشرط بابطال أحدهما الا أن يجتمعا على ابطاله فحينئذ يجوز العقد وان كان اشترط عليه أن يهب له

[ 161 ] نصيبه فسدت المزارعة للمنفعة في هذا الشرط لاحدهما فان أبطله صاحبه جازت المزارعة لان المنفعة في هذا الشرط للموهوب له خاصة فتسقط باسقاطه وهو شرط وراء ما تم به العقد فإذا سقط صار كان لم يكن فبقى العقد صحيحا والله أعلم (كتاب الشرب) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله أملاء * اعلم بان الشرب هو النصيب من الماء للاراضي كانت أو لغيرها قال الله تعالى لها شرب ولكن شرب يوم معلوم وقال تعالى ونبئهم ان الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر وقسمة الماء بين الشركاء جائزة بعث رسول الله والناس يفعلون ذلك فاقرهم عليه والناس تعاملوه من لدن رسول الله إلى يومنا هذا من غير نكير منكر وهو قسمة تجرى باعتبار الحق دون الملك إذا الماء في النهر غير مملوك لاحد والقسمة تجرى تارة باعتبار الملك كقسمة الميراث والمشترى وتارة باعتبار الحق كقسمة الغنيمة بين الغانمين ثم بدأ الكتاب بحديث رواه عن الحسن البصري رحمه الله ان رسول الله قال من حفر بئرا فلهم ما حوله أربعين ذراعا عطنا لما شقه والمراد الحفر في الموات من الارض عند أبى حنيفة رحمه الله باذن الامام وعندهما لا يشترط اذن الامام على ما نبينه وظاهر الحديث يشهد لهما لان النبي ذكر الحفر فقط ومثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان السبب لقوله عليه الصلاة والسلام من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر ولكن أبو الحسن رحمه الله يقول اتفقنا على ان الاستحقاق لا يثبت بنفس الحفر ما لم يكن ذلك في الموات من الارض وهذا اللفظ لا يمكن العمل بظاهره الا بزيادة لا يدل اللفظ عليها فلا يقوى الاستدلال بها ثم فيه دليل على ان البئر لها حريم مستحق من قبل أن حافر البئر لا يتمكن من الانتفاع ببئره الا بما حوله فانه يحتاج أن يقف على شفير البئر يسقى الماء والى أن يبنى على شفير البئر ما يركب عليه البكرة والى أن ينبنى حوضا يجمع فيه الماء والى موضع تقف فيه مواشيه عند الشرب وربما يحتاج أيضا إلى موضع تنام فيه مواشيه بعد الشرب فاستحق الحريم لذلك وقدر الشرع ذلك باربعين ذراعا وطريق معرفة المقادير النص دون الرأى الا أن من العلماء رحمهم الله من يقول أربعين ذراعا من الجوانب الاربعة من كل جانب

[ 162 ] عشرة أذرع لان ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الاربع والاصح ان المراد التقدير باربعين ذراعا من كل جانب لان المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر الاول لكيلا يحفر أحد في حريمه بئرا أخرى فيتحول إليها ما ببئره وهذا الضرر ربما لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فان الاراضي تختلف بالصلابة والرخاوة وفى مقدار أربعين ذراعا من كل جانب يتيقن بدفع هذا الضرر ويستوى في مقدار الحريم بئر العطن وبئر الناضح عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما حريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح سبعون ذراعا واستدلا بحديث الزهري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا ولان استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب البئر الناضح إلى الحريم أكثر لانه يحتاج إلى موضع يسير فيه الناضح ليستقى فيه الماء من البئر بذلك وفى بئر العطن انما يستقى بيده فلا يحتاج إلى هذا الموضع واستحقاق الحريم بقدر الحاجة (ألا ترى) أن صاحب العين يستحق من الحريم أكثر مما يستحق صاحب البئر لان ماء العين يفيض على الارض ويحتاج صاحبه إلى اتخاذ المزارع حول ذلك لينتفع بما يفيض من الماء والى أن ينبنى غديرا يجتمع فيه الماء فاستحق لذلك زيادة الحريم واستدل أبو حنيفة رحمه الله بالحديث الاول فانه عليه الصلاة والسلام قال من حفر بئرا فله ما حولها أربعون ذراعا وليس فيه فصل بين بئر العطن والناضح ومن أصله أن العام المتفق علي قبوله والعمل به يترجح على الخاص المختلف في قبوله والعمل به ولهذا رجح قوله عليه الصلاة والسلام ما أخرجت الارض ففيه العشر على قوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وعلى قوله عليه الصلاة والسلام ليس في الخضراوات صدقة ورجح أصحابنا رحمهم الله قوله عليه الصلاة والسلام التمر بالتمر مثلا بمثل على خبر العرايا ولان استحقاق الحريم حكم ثبت بالنص بخلاف القياس لان الاستحقاق باعتبار عمله وعمله في موضع البئر خاصة فكان ينبغى أن لا يستحق شيأ من الحريم ولكنا تركنا القياس بالنص فبقدر ما أنفق عليه الآثار ثبت الاستحقاق وما زاد على ذلك مما اختلف فيه الاثر لا يثبت استحقاقه بالشك هذا أصل أبى حنيفة رحمه الله في مسائل الحريم ولهذا لم يجعل للنهر حريما وكذلك في غير هذا الموضع فانه قال لا يستحق الغازى لفرسه الا سهما واحدا لان استحقاقه ثبت بخلاف القياس بالنص فلا يثبت الا القدر المتيقن به فأما حريم العين خمسمائة ذراع كما ورد به الحديث لان الآثار اتفقت عليه

[ 163 ] ولكن عند بعضهم الخمسمائة في الجوانب الاربعة من كل جانب مائة وخمسة وعشرون ذراعا والاصح أن له خمسمائة ذراع من كل جانب وقد ذكر أبو يوسف في الامالى هذا مفسرا في بئر الناضح قال يتقدر حريمه بستين ذراعا من كل جانب الا أن يكون الرشا أطول من ذلك فهذا دليل على أن المذهب التقدير من كل جانب بما سمى من الذرعان ثم الاستحقاق من كل جانب في الموات من الارض بما لا حق لاحد فيه أما فيما هو حق الغير فلا حتى لو حفر انسان بئرا فجاء آخر وحفر على منتهى حد حريمه بئرا فانه لا يستحق الحريم من الجانب الذي هو حريم صاحب البئر الاول وانما يستحقه من الجوانب الاخر فيما لا حق فيه لان في ذلك الجانب الاول قد سبق إليه وقد ثبت استحقاقه كما قال عليه الصلاة والسلام منا مباح من سبق فلا يكون لاحد أن يبطل عليه حقه ويشاركه فيه وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال أسفل النهر آمر على أهل أعلاه حتى يرووا وفيه دليل انه ليس لاهل الا على أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء عن أهل الاسفل لان حقهم جميعا ثابت فلا يكون لبعضهم ان يمنع حق الباقين ويختص بذلك وفيه دليل على انه إذا كان الماء في النهر بحيث لا يجرى في أرض كل واحد منهم الا بالسكر فانه يبدأ باهل الاسفل حتى يرووا ثم بعد ذلك لاهل الاعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم وهذا لان في السكر احداث شئ في وسط النهر المشترك ولا يجوز ذلك مع حق جميع الشركاء وحق أهل الاسفل ثابت ما لم يرووا فكان لهم أن يمنعوا أهل الاعلى من السكر ولهذا سماهم آمرا لان لهم أن يمنعوا أهل الاعلى من السكر وعليهم طاعتهم في ذلك ومن تلزمك طاعته فهو أميرك بيانه في قوله عليه الصلاة والسلام صاحب الدابة العطوف أمير على الراكب لانه يأمرهم بانتظاره وعليهم طاعته بحق الصحبة في السفر وفيه حكاية أبى يوسف رحمه الله حين ركب مع الخليفة يوما فتقدمه الخليفة لجوده ابنه فناداه أيها القاضى الحق بى فقال أبو يوسف ان دابتك إذا حركت طارت وان دابتي إذا حركت قطعت وإذا تركت وقفت فانتطرنى فان النبي عليه الصلاة والسلام قال صاحب الدابة العطوف أمير على الراكب فامر بان يحمل أبو يوسف رحمه الله عل جنبة له وقال احمل أباك على هذا أهون من تأميرك على وعن محمد بن اسحق يرفعه إلى النبي قال إذا بلغ الوادي الكعبين لم يكن لاهل الا على أن يحبسوه عن الاسفل والمراد به الماء في الوادي والوادى اسم لموضع في أسفل الجبل ينحدر الماء من كل جانب من الجبل فيجتمع

[ 164 ] فيه ويجرى إلى الموضع الذى ينتفع به الناس فقوله إذا بلغ الوادي الكعبين ليس بتقدير لازم بالكعبين بل الاشارة إلى كثرة الماء لان في موضع الوادي سعة فذا بلغ الماء فيه هذه المقدار فهو كثير يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع به بقدر حاجته عادة فإذا أراد أهل الاعلى أن يحبسوه عن أهل الاسفل فانما قصدوا بذلك الاضررا باهل الاسفل فكانوا متعنتين في اذلك لا منتفعين بالماء وإذا كان الماء دون ذلك فربما لا يفضل عن حاجة أهل الاعلى فهم منتفعون بهذا الحبس والماء الذى ينحدر من الجبل إلى الوادي على أصل الاباحة فمن يسبق إليه فهو أحق بالانتفاع به بمنزلة النزول في الموضع المباح كل من سبق إلى موضع فهو أحق به ولكن ليس له أن يتعنت ويقصد الاضرار بالغير في منعه عما وراء موضع الحاجة فعند قلة الماء بدئ أهل الاعلى أسبق إلى الماء فلهم ان يحبسوه عن أهل الاسفل به قضى رسول الله للزبير بن العوام رضى الله في حادثة معروفة وعند كثرة الماء يتم انتفاع صاحب الاعلى من غير حبس فليس له أن يتعنت بحبسه عن أهل الاسفل وعن رسول الله قال المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلا والنار وفى الروايات الناس شركاء في ثلاث وهذا أعم من الاول ففيه اثبات الشركة للناس كافة المسلمين والكفار في هذه الاشياء الثلاثة وهو كذلك وتفسير هذه الشركة في المياه التى تجرى في الاودية والانهار العظام كجيحون وسيحون وفرات ودجلة ونيل فان الانتفاع بها بمنزلة الانتفاع بالشمس والهواء ويستوى في ذلك المسلمون وغيرهم وليس لاحد أن يمنع أحدا من ذلك وهو بمنزلة الانتفاع بالطرق العامة من حيث التطرق فيها ومرادهم من لفظة الشركة بين الناس بيان أصل الاباحة والمساواة بين الناس في الانتفاع لا انه مملوك لهم فالماء في هذه الاودية ليس بملك لاحد فأما ما يجري في نهر خاص لاهل قرية ففيه نوع شركة لغيرهم وهو حق السعة من حيث الشرب وسقى الدواب فانهم لا يمنعون أحدا من ذلك ولكن هذه الشركة أخص من الاول فليس لغير أهل القرية أن يسقوا نحيلهم وزروعهم من هذا النهر وكذلك الماء في البئر فيه لغير صاحب البئر شركة لهذا القدر وهو السعة وكذلك الحوض فان من جمع الماء في حوضه وكرمه فهو أخص بذلك الماء مع بقاء حق السقى فيه للناس حتى إذا أخذ انسان من حوضه ماء للشرب فليس له أن يسترده منه وإذا أتى إلى باب كرمه ليأخذ الماء من حوضه للشرب فله أن يمنعه من أن يدخل كرمه لان هذا ملك خاص له ولكن ان كان يجد الماء قريبا

[ 165 ] من ذلك الموضع في غير ملك أحد يقول له اذهب إلى ذلك الموضع وخذ حاجتك من الماء لانه لا يتضرر بذلك وان كان لا يجد ذلك فاما أن يخرج الماء إليه أو يمكنه من أن يدخل فيأخذ بقدر حاجته لان له حق السعة في الماء الذى في حوضه عند الحاجة فأما إذا أحرز الماء في جب أو جرة أو قربة فهو مملوك له حتى يجوز بيعه فيه وليس لاحد أن يأخذ شيئا منه الا برضاه ولكن فيه شبهة الشركة من وجه ولهذا لا يجب القطع لسرقته وعلى هذا حكم الشركة في الكلا في المواضع التى لا حق لاحد فيها بين الناس فيه شركة عامة فلا يكون لاحد أن يمنع أحدا من الانتفاع به فاما ما نبت من الكلا في أرضه مما لم ينبته أحد فهو مشترك بين الناس أيضا حتى إذا أخذه انسان فليس لصاحب الارض أن يسترده منه وإذا أراد أن يدخل أرضه ليأخذ ذلك فلصاحب الارض أن يمنعه من الدخول في أرضه ولكن ان كان يجد ذلك في موضع آخر يأمره بالذهاب إلى ذلك الموضع وان كان لا يجد وكان بحيث يخاف على ظهره فاما أن يخرج إليه مقدار حاجته أو يمكنه من أن يدخل أرضه فيأخذ مقدار حاجته فاما ما أنبته صاحب الارض بان سقى أرضه وكربها لنبت الحشيش فيها لدوابه فهو أحق بذلك وليس لاحد أن ينتفع بشئ منه الا برضاه لانه حصل بكسبه والكسب للمكتسب وهذا الجواب فيما لم ينبته صاحب الارض من الحشيش دون الاشجار فاما في الاشجار فهو أحق بالاشجار النابتة في أرضه من غيره لان الاشجار تحرز عادة وقد صار محرزا له من يده الثابتة على أرضه فأما الحشيش فلا يحرز عادة وتفسير الحشيش ما تيسر على الارض مما ليس له ساق والشجر ما ينبت على ساق وبيان ذلك في قوله تعالى والنجم والشجر يسجدان والنجم ما ينجم فتيسر على الارض والشجر ما له ساق وبيان الشركة في النار ان من أوقد نارا في صخر لا حق لاحد فيه فلكل واحد أن ينتفع بناره من حيث الاصطلاء بها وتجفيف الثياب والعمل بضوءها فاما إذا أراد أن يأخذ من ذلك الجمر فليس له ذلك إذا منعه صاحب النار لان ذلك حطب أو فحم قد أحرزه الذي أوقد النار وانما الشركة التى أثبتها رسول الله في النار والنار جوهر الحر دون الحطب والفحم فان أخذ شيئا يسيرا من ذلك الجمر نظر فان كان ذلك ما له قيمة إذا جعله صاحبه فحما كان له أن يسترده منه وان كان يسيرا لا قيمة له فليس له أن يسترده منه وله منه أن يأخذه من غير استئذان لان الناس لا يمنعون هذا القدر عادة والمانع يكون متعنتا لا منتفعا وقد بينا ان المتعنت ممنوع

[ 166 ] من التعنت شرعا وعن عائشة رضى الله عنها قالت نهى رسول الله عن بيع بقع الماء يعنى المستنقع في الحوض وبه نأخذ فان البيع تمليك فيستدعى محلا مملوكا والماء في الحوض ليس بمملوك لصاحب الحوض فلا يجوز بيعه فلظاهر الحديث لا يجوز بيع الشرب وحده لان ما يجرى في النهر الخاص ليس بمملوك للشركاء والبيع لا يسبق الملك وانما الثابت للشركاء في النهر الخاص حق الاختصاص بالماء من حيث سقي النخيل والزرع ولصاحب المستنقع مثل ذلك وبيع الحق لا يجوز وعن الهيثم ان قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فأبوا فسألوهم أن يعطوهم دلوا فابوا أن يعطوهم فقالوا لهم ان أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت تقطع فابوا أن يعطوهم فذكروا ذلك لعمر رضى الله عنه فقال لهم عمر فهلا وضعتم فيهم السلاح وفيه دليل انهم إذا منعوهم ليستقوا الماء من البئر فلهم أن يقاتلوهم بالسلاح فإذا خافوا على أنفسهم أو على ظهورهم من العطش كان لهم في البئر حق السعة فإذا منعوا حقهم وقصدوا اتلافهم كان لهم أن يقاتلوهم عن أنفسهم وعن ظهورهم كما لو قصدوا قتلهم بالسلاح فاما إذا كان الماء محرزا في اناء فليس للذى يخاف الهلاك من العطش أن يقاتل صاحب الماء بالسلاح على المنع ولكن يأخذ منه فيقاتله على ذلك بغير سلاح وكذلك في الطعام لانه ملك محرز لصاحبه ولهذا كان الاخذ ضامنا له فإذا جاز له أخذه لحاجته فالمانع يكون دافعا عن ماله وقال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد فكيف يقاتل من إذا قتله كان شهيدا على لسان رسول الله فاما البئر مباح غير مملوك لصاحب البئر فلا يكون هو في المنع دافعا عن ملكه ولكنه مانع عن المضطر حقه فكان له أن يقاتله بالسلاح وللاول أن يقاتل بما دون السلاح لان صاحب الماء مأمور بأن يدفع إليه بقدر ما يدفع به الضرورة عنه فهو في المنع مرتكب ما لا يحل فيؤد به على ذلك بغير سلاح وليس مراد عمر رضى الله عنه المقاتلة بالسلاح على منع الدلو فان الدلو كان ملكا لهم ولو كان المراد ذلك فتأويل قوله فهلا وضعتم فيهم السلاح أي برهنتم عندهم ما معكم من السلاح ليطمئنوا اليكم فيعطونكم الدلو لا أن يكون المراد الامر بالقتال وعن عروة عن النبي قال من أحيا أرضا ميتة فهى له وليس لعرف ظالم حق وفيه دليل على ان الموات من الاراضي يملك بالاحياء وأصح ما قيل في حد الموات أن يقف الرجل في طرف العمران فينادى باعلى صوته فالى أي موضع ينتهى صوته يكون من فناء العمران لان سكان ذلك الموضع يحتاجون إلى ذلك

[ 167 ] لرعى المواشى وما أشبه ذلك وما وراء ذلك من الموات ثم عند أبى حنيفة رحمه الله انما يملكها بالاحياء بعد اذن الامام وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا حاجة فيه إلى اذن الامام لان النبي قد أذن في ذلك وملكها ممن أحياها أو لانه لا حق لاحد فيها فكل من سبقت يده إليها وتم احرازه لها فهو أحق بها كمن أخذ صيدا أو حطبا أو حشيشا أو وجد معدنا أو ركازا في موضع لا حق لاحد فيه وأبو حنيفة استدل بقوله عليه الصلاة والسلام ليس للمرإ الا ما طابت به نفس امامه وهذا وان كان عاما فمن أصله ان العام المتفق فعى قبوله يترجح على الخاص وقال الا ان عادى الارض هي لله ورسوله ثم هي لكم من بعد فما كان مضافا إلى الله تعالى والرسول فالتدبير فيه إلى الامام فلا يستبد أحد به بغير اذن الامام كخمس الغنيمة فرسول الله في هذا الحديث أشار إلى ان هذه الاراضي كانت في يد المشركين ثم صارت في يد المسلمين بايجاف الخيل فكان ذلك لهم من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وما كان بهذه الصفة لم يختص أحد بشئ منه دون اذن الامام كالغنائم وقوله من أحيأ أرضا ميتة لبيان السبب وبه نقول ان سبب الملك بعد اذن الامام هو الاحياء ولكن اذن الامام شرط وليس في هذا اللفظ ما ينفى هذا الشرط بل في قوله عليه الصلاة والسلام وليس لعرف ظالم حق إشارة إلى هذا الشرط فالانسان على رأى الامام والاخذ بطريق التغالب في معنى عرق ظالم وقيل معنى قوله عليه الصلاة والسلام وليس لعرق ظالم حق ان الرجل إذا غرس أشجارا في ملكه فخرجت عروقها إلى أرض جاره أو خرجت أغصانها إلى أرض جاره فانه لا يستحق ذلك الموضع من أرض جاره بتلك الاغصان والعروق الظالمة فالظلم عبارة عن تحصيل الشئ في غير موضعه قيل المراد بعرق الظالم أن يتعدى في الاحياء ما وراء أحد الموات فيدخل في حق الغير ولا يستحق بذلك شيئا من حق الغير وعن عمر رضى الله عنه قال من أحيا أرضا ميتة فهى له وليس بعد ثلاث سنين حق والمراد بالمحجر المعلم بعلامة في موضع واشتقاق الكلمة من الحجر وهو المنع فان من أعلم في موضع من الموات علامة فكأنه منع الغير من احياء ذلك الموضع فسمى فعله تحجيرا وبيان ذلك ان الرجل إذا مر بموضع من الموات فقصد احياء ذلك الموضع فوضع حول ذلك الموضع احجارا أو حصد ما فيها من الحشيش والشوك وجعلها حول ذلك فمنع الداخل من الدخول فيها فهذا تحجير ولا يكون أحياء انما الاحياء أن يجعلها صالحة للزراعة بان

[ 168 ] كربها أو ضرب عليها المسناة أو شق لها نهرا ثم بعد التحجير له من المدة ثلاث سنين كما أشار إليه عمر رضي الله عنه لانه يحتاج إلى أن يرجع إلى وطنه ويهيئ أسبابه ثم يرجع إلى ذلك الموضع فيحييه فيجعل له من المدة للرجوع إلى وطنه سنة واصلاح أموره في وطنه سنة والرجوع إلى ذلك الموضع سنة فالى ثلاثة سنين لا ينبغى أن يشتغل باحياء ذلك الموضع غيره ولكن ينتظره ليرجع وبعد مضى هذه المدة الظاهر أنه قد بدا له وانه لا يريد الرجوع إليها فيجوز لغيره احياؤها هذا من طريق الديانة فاما في الحكم إذا أحياها انسان باذن الامام فهى له لان بالتحجير لم تصر مملوكة للاول فسبب الملك هو الاحياء دون التحجير وعن طاوس قال قال رسول الله ان عادى الارض لله ورسوله فمن أحيا أرضا ميتة فهى له والمراد الموات من الاراضي سماه عاديا على معنى ان ما خربت على عهد عاد وفى العادات الظاهرة ما يوصف بطوله مضى الزمان عليه ينسب إلى عاد فمعناه ما تقدم خرابه مما يعلم انه لا حق لاحد فيه وعن أبى معسر عن أشياخه رفعوه إلى النبي انه قضى في السراج من ماء المطر إذا بلغ الماء الكعبين أن لا يحبسه الا على جاره قال أبوه معسر السراج السواقى وهى الجداول التى عند سفح الجبل يجتمع ماء السيل فيها ثم ينحدر منها إلى الوادي وقد بينا أن مراده من هذا اللفظ العبارة عن كثرة الماء وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال قال رسول الله من أخذ شبرا من أرض بغير حق طوقه الله من سبع أرضين قيل معناه من تطوق في أرض الغير فالموضع الذى يضع عليه القدم بمنزلة شبر من الارض وقيل معناه من نقص من المسنات في جانب أرضه بان حول ذلك إلى أرض جاره فذلك قدر شبر من الارض أخذه أو كان أرضه بجنب الطريق فجعل المسناة على الطريق لتتسع به أرضه فهو في معنى شبر من الارض أخذه بغير حق وهو معنى الحديث الذى روى لعن الله من غير منار الطريق يعنى العلامة بين الارضين وقيل انما ذكر رسول الله الشبر على طريق التمثيل للمبالغة في المنع من غصب الاراضي وليس المراد به التحقيق ثم في الحديث بيان عظم الماء ثم في غصب الاراضي وهو دليل أبى حنيفة رحمه الله في أنه لا ضمان على غاصب الاراضي في الدنيا لان النبي عليه الصلاة والسلام بين جزاء الآخذ بالوعيد الذى ذكره في القيامة ولو كان حكم الضمان ثابتا لكان الاولى أن يبينه لان الحاجة إلى معرفته أمس ثم جعل المذكور من الوعيد جميع جزائه فلو أوجبنا الضمان مع ذلك لم يكن الوعد جميع جزائه

[ 169 ] وللفقهاء في معنى مثل هذه الالفاظ طريقين أحدهما الحمل على حقيقته انه يطوق ذلك الموضع في القيامة ليعرف به ما فعله ويكون ذلك عقوبة له كما قال عليه الصلاة والسلام لكل غادر لواء يوم القيامة يركز عند باب استه تعرف به غدرته والمراد به بيان شدة العقوبة لا حقيقة ما ذكر من أنه يطوق ذلك الموضع من الارض يوم القيامة فقد قال الله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تمنعوا الماء مخافة الكلا يريد به أن صاحب البئر إذا كان له مرعي حول بئره فلا ينبغى له أن يمنع من يستقى الماء من بئره لنفسه أو لظهوره مخافة أن يصيب ظهره من ذلك الكلا لان له في حق الشقة في ماء البئر فلا يمنعه حقه ولكن يحفظ جانب أرضه وما فيه من الكلا حتى لا يدخل دابة المستقي في ذلك الموضع وان شق عليه ذلك أخرج إليه من الماء مقدار حاجته وحاجة ظهره وعن نافع رفع حديثه إلى النبي قال لا تمنعوا أحدا ماء ولا كلا ولا نارا فانه متاع للمقوين وقوة للمستعينين والمقوي هو الذى فنى زاده والمستعين هو المضطر المحتاج وقد بينا أن صاحب الشرع عليه الصلاه والسلام أثبت بين الناس في هذه الاشياء الثلاثة شركة عامة بطريق الاباحة فلا ينبغى لاحد أن يمنع أحدا مما جعله الشرع حقا له وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع ابن السبيل أن يسقى منها فيشرب ويسقى دابته وبعيره وشياهه فان ذلك من الشقة والشقة عندنا الشرب لبنى آدم والبهائم وهذا لان الحاجة إلى الماء تتجدد في كل وقت ومن سافر لا يمكنه أن يستحصب الماء من وطنه لذهابه ورجوعه فيحتاج إلى أخذ الماء من الابار والانهار التى تكون على طريقه وفي المنع من ذلك حرج وكما يحتاج إلى ذلك لنفسه فكذلك يحتاج إليه لظهره لانه في العادة يعجز عن السفر بغير مركب وكذلك يحتاج الي ذلك للطبخ والخبز وغسل الثياب وأحد لا يمنع أحدا من ذلك فان كان له جدول يجرى فيه الماء الي أرضه وبجنب ذلك الموضع صاحب ماشية إذا شربت الماشية منها انقطع الماء لكثرة المواشي وقلة ماء الجدول فقد اختلف المتأخرون رحمهم الله في هذا الفصل منهم من يقول هذا من الشقة وليس لصاحب الجدول ان يمنع ذلك وأكثرهم على أن له أن يمنع في مثل هذه الصورة لان الشقه ما لا يضر بصاحب النهر والبئر فاما ما يضر به ويقطع حقه فله أن يمنع ذلك اعتبارا بسقي الاراضي والنخيل والشجر والزرع فله أن يمنع من يريد سقي نخله وشجره وزرعه من نهره أو قناته أو بئره

[ 170 ] أو عينه وليس لاحد أن يفعل ذلك الا باذنه إما لانه يريد ان يسوى نفسه بصاحب الحق فيما هو المقصود فالنهر والقناة انما يشق لهذا المقصود وليس لغير المستحق أن يسوى نفسه بالمستحق فيما هو المقصود بخلاف الشقة فذلك بيع غير مقصود لان النهر والقناة لا يشق في العادة لاجله أو لانه يحتاج إلى أن يحفر نهرا من هذا النهر إلى أرضه فيكسر به ضفة النهر وليس له أن يكسر ضفة نهر الغير وكذلك في البئر يحتاج إلى أن يشق نهرامن رأس البئر إلى أرضه وما حول البئر حق صاحب البئر حريما له فليس لغيره أن يحدث فيه شيأ من ذلك بغير اذنه وكذلك ان كان يريد أن يجرى ماءه في هذا النهر مع صاحب النهر ليسقى به أرضه لان النهر ملك خاص لاهل النهر فلا يجوز له أن ينتفع بملك الغير الا باذنه فان كان قد اتخذ شجره أو خضره في داره فاراد أن يسقي ذلك الموضع بحمل الماء إليه بالجرة فقد استقضى فيه بعض المتأخرين من أئمة بلخ رحمهم الله وقالوا ليس له ذلك الا باذن صاحب النهر والاصح انه لا يمنع من هذا المقدار لان الناس يتوسعون فيه والمنع منه يعد من الدناءة قال عليه الصلاة والسلام ان الله يحب معالى الامور ويبغض سفسافها فان أذن له صاحب النهر في سقى أرضه أو عادة ذلك الموضع فلا بأس بذلك لان المنع كان لمراعاة حقه فإذا رضى به فقد زال المانع وان باعه شرب يوم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يجز لان ذلك الماء في النهر غير مملوك انما هو حق صاحب النهر وبيع الحق لا يجوز لانه مجهول لا يدرى مقدار ما يسلم له من الماء في المدة المذكورة وبيع المجهول لا يجوز وهو غرر فلا تدرى أن الماء يجرى في ذلك الوقت في النهر أو لا يجرى وإذا انقطع الماء فليس للبائع تمكن اجرائه ونهى رسول الله عن بيع الغرر وكذلك لو استأجره لانه يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه أو تسليم ما لا يعرف مقداره ثم المقصود من هذا الاستئجار الماء وهو عين والاستئجار المقصود لاستهلاك العين لا يجوز كاستئجار المرعى للرعى واستئجار البقرة لمنفعة اللبن بخلاف استئجار الظئر فان لبن الآدمية في حكم المنفعة لان منفعة كل عضو بحسب ما يليق به فمنفعة الثدى اللبن ولهذا لا يجوز بيع لبن الآدمية ولان العقد هناك يرد على منفعة التربية واللبن آلة في ذلك بمنزلة الاستئجار على غسل الثياب فالحرض والصابون آلة في ذلك والاستئجار لعمل الصناعة فان الصنع بمنزلة الآلة في ذلك فاما هنا لا مقصود في هذا الاستئجار سوى الماء وهو عين وكذلك لو شرط في اجارته أو شرابه شرب هذه الارض وهذا الشجر وهذا

[ 171 ] الزرع أو قال حتى يكتفى فهذا كله باطل لمعنى الجهالة والغرر وإذا اشترى الرجل شرب ماء ومعه أرض فهو جائز لان الارض عين مملوكة مقدورة التسليم فالعقد يرد عليها والشرب يستحق بيعا وقد يدخل في البيع بيع ما لا يجوز افراده بالبيع كالاطراف من الحيوانات لا يجوز افرادها بالبيع ثم يدخل بيعا في بيع الاصل وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله أفتى أن يبيع الشرب وان لم يكن معه أرض للعادة الظاهرة فيه في بعض البلدان وهذه عادة معروفة بنسف قالوا المأجور الاستصناع للتعامل وان كان القياس يأباه فكذلك بيع الشرب بدون الارض وإذا استأجر أرضا مع شربها جاز كما يجوز الشراء وهذا لان المقصود الانتفاع بالارض من حيث الزراعة والغراسة وانما يحصل هذا المقصود بالشرب فذكر الشرب مع الارض في الاستئجار التحقيق ما هو المقصود بالاستئجار فلا يفسد به العقد وإذا اشترى الرجل أرضا لم يكن له شربها ولا مسك ما بها لان العقد يتناول عين الارض بذكر حدودها فما يكون خارجا من حدودها لا يدخل تحت العقد الا بالتسمية والشرب والمسيل خارج من الحدود المذكورة فان اشترط شربها فله الشرب وليس له المسيل لان الشرب غير المسيل فالمسيل الموضع الذى يسيل فيه الماء والشرب الماء الذى يسيل في المسيل فباشتراط أحدهما لا يثبت له استحقاق الاجر وانما يستحق المشروط خاصة ويجعل فيما لم يذكر كأنه لم يشترط شيأ ولو اشترط مسيل الماء مع الشرب يستحق ذلك كله بالشرط ولو اشتراها بكل حق هو لها كان له المسيل والشرب لانهما من حقوقها فالمقصود بالأراضي الانتفاع بها وانما يتأتى ذلك بالمسيل والشرب فكانت من حقوقها كالطريق للدار وكذلك لو اشترط مرافقها لان المرافق ما يترفق به فانما يتأتى الترفق بالارض بالشرب والمسيل وكذلك لو اشترط كل قليل وكثير هو فيها أو منها كان له الشرب والمسيل لانه من القليل والكثير ثم المراد بقوله منها أي من حقوقها ولكنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ومثل هذا الحذف عرف أهل اللسان وإذا أستأجر أرضا فليس له مسيل ماء ولا شرب في القياس إذا أطلق العقد كما في الشراء فالمستأجر يستحق بالعقد بذكر الحدود كالمشترى فكما أن الشرب والمسيل الذى هو خارج عن الحدود المذكورة لا يستحق بالشراء فكذلك بالاستئجار ولكنه استحسن فجعل للمستأجر مسيل الماء والشرب هنا بخلاف الشراء لان جواز الاستئجار باعتبار التمكن من الانتفاع (ألا ترى) أن ما لا ينتفع به لا يجوز استئجاره كالمهر

[ 172 ] الصغير والارض السبخه والانتفاع بالارض لا يتأتى الا بالشرب والمسيل فلو لم يدخلهما يفسخ العقد والمتعاقدان قصدا تصحيح العقد فكان هنا ذكر الشرب والمسيل بخلاف الشراء فموجبه ملك العين (ألا ترى) أن شراء ما لا يملك الانتفاع به جائز نحو الارض السبخة والمهر الصغير فلا يدخل في الشراء ما وراء المسمى بذكر الحدود وفى الكتاب ذكر حرفا آخر فقال لان الارض لم تخرج من يد صاحبها يعنى أن بعقد الاجارة لا يتملك المستأجر شيأ من العين وانما يملك الانتفاع به في المدة المذكورة فلو أدخلنا الشرب والمسيل لم يتضرر صاحب الارض بازالة ملكه عنها وفى ادخالهما تصحيح العقد فأما البيع يزيل ملك العين عن البائع ففى ادخال الشرب والمسيل في البيع ازالة ملكه عما لم يظهر رضاه به وذلك لا يجوز وهذا نظير ما تقدم أن الثمار والزرع يدخل في رهن الاشجار والارض من غير ذكر ولا يدخل في الهبة وإذا ثبت أن بدون الشرط يدخل الشرب والمسيل في الاشجار فمع الشرط أولى وكذلك ان شرط كل حق هو لها أو مرافقها أو كل قليل وكثير هو فيها أو منها فعند ذكر هذه الالفاط يدخل الشرب والمسيل في الشراء ففى الاجارة أولى وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون ولا يعرف كيف كان أصله بينهم فاختلفوا فيه واختصموا في الشرب فان الشرب بينهم على قدر أراضيهم لان المقصود بالشرب سقي الاراضي والحاجة إلى ذلك تختلف بقلة الاراضي وكثرتها فالظاهر ان حق كل واحد منهم من الشرب بقدر أرضه وقدر حاجته والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه فان قيل فقد استووا في اثبات اليد على المال في النهر والمساواة في اليد توجب المساواة في الاستحقاق عند الاشتباه قلنا لا كذلك فاليد لا تثبت على الماء في النهر لاحد حقيقة وانما ذلك الانتفاع بالماء والظاهر أن انتفاع من له عشر قطاع لا يكون مثل انتفاع من له قطعة واحدة ثم الماء لا يمكن احرازه باثبات اليد عليه وانما احرازه بسقي الاراضي فانما ثبت اليد عليه بحسب ذلك وهذا بخلاف الطريق إذا اختصم فيه الشركاء فانهم يستوون في ملك رقبة الطريق ولا يعتبر في ذلك سعة الدار وضيقها لان الطريق عين تثبت اليد عليه والمقصود التطرق فيه والتطرق فيه إلى الدار الواسعة والى الدار الضيقة بصفة واحدة بخلاف الشرب على ما ذكرنا فان كان الاعلى لا يشرب حتى يسكر النهر على الاسفل ولكنه يشرب بحصته لان في السكر قطع منفعة الماء عن أهل الاسفل في بعض المدة وليس لبعض الشركاء هذه الولاية في نصيب شركائه يوضحه أن في السكر

[ 173 ] احداث شئ في وسط النهر ورقبة النهر مشتركة بينهم فليس لبعض الشركاء أن يحدث فيها شيأ بدون اذن الشركاء وربما ينكسر النهر بما يحدث فيها عند السكر فان تراضوا على أن الاعلى يسكر النهر حتى تشرب حصته أجزت ذلك بينهم لان المانع حقهم وقد انعدم بتراضيهم فان أصطلحوا على أن يسكر كل واحد منهم في يومه أجزته أيضا فان قسمة الماء في النهر تكون بالاجر تارة وبالايام أخرى فان تراضوا على القسمة بالايام جاز لهم ذلك وهذا لحاجتهم إلى ذلك فقد يقل الماء في النهر بحيث لا يتمكن كل واحد منهم أن ينتفع بحصته من ذلك الا بالسكر ولكنه إن تمكن من أن يسكر بلوح أو باب فليس له أن يسكر بالطين والتراب لان به ينكسر النهر عادة وفيه اضرارا بالشركاء الا أن يظهروا التراضي على ذلك فان اختلفوا لم يكن لاحد منهم أن يسكره على صاحبه وان أراد أحد منهم أن يكترى منه نهرا لم يكن له ذلك الا برضاه من أصحابه لان في كرى النهر كسر ضفة النهر المشترك بقدر فوهة النهر الذى يكريه وفى الملك المشترك ليس لبعض الشركاء أن يفعل ذلك الا برضاء أصحابه كما لو أراد هدم الحائط المشترك أو احداث باب فيه وكذلك ان أراد أن ينصب عليه رحا لم يكن له ذلك الا برضى من أصحابه لان ما ينصب من الرحا انما يضعه في ملك مشترك الا أن تكون رحا لا تضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض خاص له فان كان هكذا فهو جائز يعنى إذا لم يكن يغير الماء عن سنته ولا يمنع جريان الماء بسبب الرحا بل يجرى كما كان يجرى قبل ذلك وانما يضع الرحا في ملك خاص له فإذا كان بهذه الصفة فله أن يفعل ذلك بغير رضا الشركاء لانه انما يحدث ما يحدثه من الابنية في خالص ملكه وبسبب الرحا لا ينتقص الماء بل ينتفع صاحب الرحا بالماء مع بقاء الماء على حاله فمن يمنعه عن ذلك يكون متعنتا قاصدا إلى الاضرار به لا دافعا الضرر عن نفسه فلا يلتفت إلى تعنته وان أراد أن ينصب عليها دالية أو سانية وكان ذلك لا يضر بالنهر ولا بالشرب وكان بناء ذلك في ملكه خاصة كان له أن يفعل لما بينا انه يتصرف في خالص ملكه ولا يلحق الضرر بغيره وان أراد هؤلاء القوم أن يكروا هذا النهر فان أبا حنيفة رحمه الله قال عليهم مؤنة الكراء من أعلاه فإذا جاوز أرض رجل دفع عنه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الكراء عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والاراضي وبيان ذلك أن الشركاء في النهر إذا كانوا عشرة فمؤنة الكراء من أول النهر على كل واحد منهم عشرة إلى أن يجاوز أرض أحدهم فحينئذ تكون مؤنة الكراء على الباقين اتساعا إلى أن يجاوز أرضا

[ 174 ] أخرى ثم يكون على الباقين أثمان على هذا التفصيل إلى آخر النهر وعندهما المؤنة عليهم اعتبارا من أول النهر إلى آخره لان لصاحب الاعلى حقا في أسفل النهر وهو تسييل الفاضل عن حاجته من الماء فيه فإذا سد ذلك فاض الماء على أرضه فأفسد زرعه فبهذا تبين أن كل واحد منهم ينتفع بالنهر من أوله إلى آخر والدليل عليه أنه يستحق الشفعة بمثل هذا النهر وحق أهل الاعلى وأهل الاسفل في ذلك سواء فإذا استووا في الغنم يستوون في الغرم أيضا وهو مؤنة الكراء وأبو حنيفة رحمه الله يقول مؤنة الكراء على من ينتفع بالنهر بسقي الارض منه (ألا ترى) أنه ليس على أصحاب الشقة من مؤنة الكراء شئ وإذا جاوز الكراء أرض رجل فليس له في كراء ما بقى منفعة سقي الارض فلا يلزمه شى من مؤنة الكراء ثم منفعته في أسفل النهر من حيث أجراء فضل الماء فيه وصاحب المسيل لا يلزمه شئ من عمارة ذلك الموضع باعتبار تسييل الماء فيه (ألا ترى) أن من له حق تسييل ماء سطحه على سطح جاره لا يلزمه شئ من عمارة سطح جاره بهذا الحق ثم هو يتمكن من دفع الضرر عن نفسه بدون كرى أسفل النهر بأن يسد فوهة النهر من أعلاه إذا استغنى عن الماء فعرفنا أن الحاجة المعتبرة في التزام مؤنة الكراء الحاجة إلى سقى الارض فرع بعض مشايخنا رحمهم الله أن الكراء إذا انتهى إلى فوهة أرضه من النهر فليس عليه شئ من المؤنة بعد ذلك والاصح أن عليه مؤنة الكراء إلى أن يجاوز حد أرضه كما أشار إليه في الكتاب لان له رأيا في اتحاد فوهة الارض من أعلاها وأسفلها فهو منتفع بالكراء منفعة سقي الارض ما لم يجاوز أرضه ويختلفون فيما إذا جاوز الكراء أرض رجل فسقط عنه مؤنه الكراء هل له أن يفتح الماء لسقى أرضه منهم من يقول له ذلك لان الكراء قد انتهى في حقه حين سقطت مؤنته ومنهم من يقول ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه من الكرى كما ليس له أن يسكر على شركائه فيختص بالانتفاع بالمأذون شركاؤه ولاجل التحرز عن هذا الخلاف جري الرسم بأن يوجد في الكراء من أسفل النهر أو يترك بعض النهر من أعلاه حتى يفرغ من أسفله قال وقال أبو حنيفة رحمه الله فيما أعلم ليس على أهل الشقه من الكراء شئ لانهم لا يحصون فمؤنة الكراء لا تستحق على قوم لا يحصون ولانهم لا يستحقون الشفعة لحق الشفعة ولانهم اتباع والمؤنة على الاصول دون الاتباع (ألا ترى) أن الدية في القتيل الموجود في المحلة على عاقلة أصحاب الحطة دون المشتريين والسكان قال والمسلمون جميعا شركاء في الفرات وفي كل نهر عظيم أو واد يستقون منه ويسقون منه

[ 175 ] الشقه والخف والحافر ليس لاحد أن يمنع أحدا من ذلك لان الانتفاع بمثل هذه الانهار كالانتفاع بالطرق العامة فكما لا يمنع أحد أحدا من التطرق في الطريق العام فكذلك لا يمنعه من الانتفاع بهذا النهر العظيم وهذا لان الماء في هذه الانهار على أصل الاباحة ليس لاحد فيه حق على الخصوص فان ذلك الموضع لا يدخل تحت قهر أحد لان قهر الماء يمنع قهر غيره فالانتفاع به كالانتفاع بالشمس ولكل قوم شرب أرضهم ونخلهم وشجرهم لا يحبس عن أحد دون أحد وان أراد رجل ان يكرى منه نهرا في أرضه فان كان ذلك يضر بالنهر الاعظم لم يكن له ذلك وان كان لا يضر به فله ذلك بمنزلة من أراد الجلوس في الطريق فان كان لم يضر بالمارة لم يمنع من ذلك وان كان يضربهم في المنع من التطرق يمنع من ذلك لكل واحد منعه من ذلك الامام وغيره في ذلك سواء فكذلك في النهر الاعظم فان كسر ضفة النهر الاعظم ربما يضر بالناس ضررا عاما من حيث أن الماء يفيض عليهم وقال عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وعند خوف الضرر يمنع من ذلك لدفع الضرر وعلى السلطان كراء هذا النهر الاعظم ان احتاج إلى الكراء لان ذلك من حاجة عامة المسلمين ومال بيت المال معد لذلك فانه مال المسلمين أعد للصرف إلى مصالحهم (ألا ترى) أن مال القناطر والجسور والرباطات على الامام من مال بيت المال فكذا كراء هذا النهر الاعظم وكذلك اصلاح مسناته ان خاف منه غرقا فان لم يكن في بيت المال مال فله أن يجبر المسلمين على ذلك ويحرجهم لان المنفعة فيه للعامة ففى تركه ضرر عام والامام نصب ناظرا فيثبت له ولاية الاجبار فيما كان الضرر فيه عاما لان العامة قل ما ينفقون على ذلك من غير اجبار وفى نظيره قال عمر رضى الله لو تركتم لبعتم أولادكم وليس هذا النهر خاص لقوم ليس لاحد أن يدخل عليهم فيه ولهم أن يمنعوا من أراد ان يسقى من نهرهم أرضه وشجره وزرعه لان ذلك شركة خاصة (ألا ترى) انهم يستحقون به الشفعة بخلاف الشركة في الوادي والانهار العظام فانه لا تستحق به الشفعة ثم في الشركة الخاصة التدبير في الكراء إليهم ومؤنة الكراء عليهم في مالهم وان طلب بعض الشركاء فللامام أن يجبر الباقين على ذلك لدفع الضرر فأما إذا اتفقوا على ترك الكراء ففى ظاهر الرواية لا يجبرهم الامام على ذلك كما لو امتنعوا من عمارة اراضيهم ودورهم وقال بعض المتأخرين من أصحابنا رحمهم الله يجبرهم على ذلك لحق أصحاب الشقه في النهر قال أبو يوسف وسألت أبا حنيفة رحمه الله عن الرجل استأجر النهر يصيد فيه السمك أو استأجر جهة يصيد

[ 176 ] فيها السمك قال لا يجوز لان المقصود بهذا الاستئجار ما هو عين وهو السمك ولان السمك في النهر والاجمة على أصل الاباحة لا اختصاص به لصاحب النهر والاجمة فلا يكون له أن يأخذ العوض عنهم بطريق الاجارة والبيع ثم استئجار النهر لصيد السمك كاستئجار المقابض للاصطياد فيها وذلك كله من باب الغرر ولو اشترى عشر نهر أو عشر قناة أو بئر أو عين ماء بأرضه جاز لان الارض أصلها مملوكة فقد اشترى جزأ مملوكا معلوما من عين مملوكة مقدور التسليم بخلاف ما لو اشترى الشرب بغير أرضه وهو بمنزلة ما لو باع عشر الطريق يجوز بخلاف مالو باع حق التطرق فيه ولو استأجر حوضا أو بركة أو بئرا يستقى منه الماء كل شهر باجر مسمى لم يجز لان المقصود الماء وهو عين لا يستحق اتلافه بالاجارة * نهر جار لرجل في أرض رجل فادعى كل واحد منهما المسناة ولا يعرف في يد من هي قال أبو حنيفة رحمه الله هي لرب الارض يغرس فيها ما بدا له وليس له أن يهدمها وقال أبو يوسف ومحمد المسناة لصاحب النهر وأصل المسألة أن من حفر نهرا باذن الامام في موضع لا حق لاحد فيه عند أبى حنيفة لا يستحق له حريما وعندهما يستحق له حريما من الجانبين لملقى طينه والمشي عليه لاجراء الماء في النهر وحريم النهر عندهما بقدر عرض النهر حتى إذا كان قدر عرض النهر بقدر ثلاثة أذرع فله من الحريم بقدر ثلاثة أذرع من الجانبين جميعا وفى اختيار الطحاوي رحمه الله من كل جانب ذراع ونصف وفيما نقل عن الكرخي رحمه الله انه يستحق من كل جانب بقدر عرض النهر عندهما فاستحقاق الحريم لاجل الحاجة وصاحب النهر محتاج إلى ذلك كصاحب البئر والعين ومتى كان المعنى في المنصوص عليه معلوما تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع وحاجة صاحب النهر إلى المشى على حافتى النهر ليجرى الماء في النهر إذا احتبس بشئ وقع في النهر فانه لا يمكنه ان يمشى في وسط النهر وكذلك يحتاج إلى موضع يلقى فيه الطين من الجانبين عند الكراء لما في النقل إلى أسفله من الحرج ما لا يخفى وأبو حنيفة رحمه الله يقول استحقاق الحريم ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه والنهر ليس في معنى البئر والعين لان الحاجة إلى الحريم هناك متحققة في الحال وهنا الحاجة موهومة باعتبار الكراء وقد يحتاج إلى ذلك وقد لا يحتاج ثم هناك الانتفاع لا يتأتى بالبئر بدون الحريم وهنا يتأتى الا في أن يلحقه ذلك بعض الحرج في نقل الطين أو المشي في وسط النهر فإذا لم يكن هذا في معنى المنصوص يؤخذ فيه باصل القياس (ألا ترى) ان من بنى قصرا في مغارة لا يستحق لذلك

[ 177 ] حريما وان كان قد يحتاج إلى ذلك لالقاء الكناسة فيه وهذا لان استحقاق الحريم لا يكون بدون التقدير فيه ونصب المقادير بالرأي لا يكون فإذا ثبت ان من أصلهما ان صاحب النهر يستحق الحريم قلنا عند المنازعة الظاهر شاهد له وعند أبى حنيفة لما كان لا يستحق للنهر حريما فالظاهر شاهد لصاحب الارض وعلى سبيل الابتداء في هذه المسألة هما يقولان عند المنازعة القول قول ذى اليد وصاحب النهر مستعمل لحريم النهر لاستمساك الماء في النهر والقاء الطين عليه والاستعمال يدفعها فباعتبار انه في يده جعل القول قوله كما لو اختصما في ثوب وأحدهما لابسه وأبو حنيفة يقول الحريم من جنس الارض صالح لما تصلح له الارض وليس من جنس النهر ومن حيث الانتفاع كما ان صاحب النهر يمسك الماء بالحريم في نهره فصاحب الارض يدفع الماء بالحريم عن أرضه فقد استويا في استعمال الحريم ويترجح جانب صاحب الارض من الوجه الذى قررنا فكان الظاهر شاهدا له فله أن يغرس فيه ما بدا له من الاشجار ولكن ليس له أن يهدمه لان لصاحب النهر حق استمساك الماء في نهره فلا يكون لصاحب الارض أن يبطل حقه بهدمه بمنزلة حائط لرجل ولآخر عليه جذوع لا يكون لصاحب الحائط أن يهدم الحائط وان كان مملوكا له لمراعاة حص صاحب الجذوع وإذا قال الرجل لرجل اسقني يوما من نهرك على أن أسقيك يوما من نهرى الذى في مكان كذا لم يجز لان معاوضة الماء بالماء لا تجوز وان كان البدل معلوما لجهالة الشرب ومعنى الغرر فلان لا تجوز معاوضة الشرب بالشرب ومعنى الغرر والجهالة فيه اظهر وأولى وكذا لو قال اسقنى يوما نخدمك عبدى هذا شهرا أو برقبته أو بركوب دابتي هذه شهرا أو بركوبها كذا كذا يوما وما أشبه ذلك فهو كله باطل لمعنى الغرر والجهالة وعلى الذى أخذ العبد رده ان كان قائما بعينه وقيمته ان كان مستهلكا وان كان شرط خدمته شهرا وقد استوفاها فعليه أجر المثل لان خدمة العبد ورقبته محل للعقد فإذا استوفاه بحكم عقد فساد كان عليه عوضه وليس له بما أخذ الآخر من شربه قيمة ولاعوض لان الشرب ليس بمحل للعقد فلا يتناوله العقد فاسدا ولا جائزا وكل عقد لا جواز له بحال فهو كالاذن فكما انه لو سقى أرضه باذنه لم يكن عليه من عوض الماضي فكذا بحكم العقد الباطل فيه لا يتقوم فلا يلزمه شئ وسئل أبو يوسف عن نهر مرو وهو نهر عظيم قريب من الفرات إذا دخل مرو كان ماؤه قسمة بين أهله بالحصص لكل قوم كوى معروفة فأخذ رجل أرضا كانت مواتا ولم يكن لها من ذلك

[ 178 ] النهر شرب ثم كري لها نهرا من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد فساق الماء إليها من ذلك النهر العظيم قال ان كان هذا النهر يضر بأهل مرو ضررا بينا في مائهم فليس له ذلك ويمنعه السلطان منه وان كان لا يضر بهم فله ذلك ولم يكن لهم ان يمنعوه لان الماء في هذا الوادي على أصل الاباحة ولكل واحد من المسلمين حق الانتفاع به إذا كان لا يضر بغيره وهذا لانه ما لم يدخل في المقاسم لا يصير الحق فيه خالصا للشركاء ولهذا وضع المسألة فيما إذا اكرى نهرا من فوق مرو فإذا كان لا يضربهم فبصرفه لا يمس حقوقهم ولا يلحق الضرر بهم فلا يمنعوه من ذلك وإذا كان يضر بهم فكل أحد ممنوع من أن يلحق الضرر بغيره فكيف لا يمنع من الحاق الضرر بالعامة والسلطان نائب عنهم في النظر لهم فيمنعه من ذلك لا بطريق انه يختص به بل لانه إلى تسكين الفتنة أقرب فاما لكل أحد أن يمنعه من ذلك والضرر يتوهم من وجهين أحدهما من حيث كسر ضفة الوادي والثانى أنه يكثر دخول الماء في هذا النهر وربما يتحول أكثر الماء إلى هذا الماء ليضر باهل مرو وقيل له فان كان رجل له كوي معروفه أله أن يزيد فيها قال ان كانت الكوى في النهر الاعظم فزاد في ملكه كوة أو كوتين ولا يضر ذلك باهل النهر فله ذلك لان الماء في النهر الاعظم لم يقع في المقاسم بعد فهو على أصل الاباحة كمان كان قبل أن يدخل مرو فزيادة كوة أو كوتين خالص ملكه لا يكون أقوى من سبق نهر ابتداء من هذا النهر الاعظم وهو غير ممنوع من ذلك كما بينا فهذا مثله فان كان نهر خاص لقوم فأخد من هذه النهر الاعظم لكل رجل منهم في هذا النهر كوى مسماة لشربه لم يكن لاحد منهم أن يزيد كوة وان كان لا يضر باهل النهر الخاص لان الماء في هذا النهر الخاص قد وقع في المقاسمة والشركة في هذا النهر شركة خاصة حتى يستحق فيها الشفعة وليس لبعض الشركاء أن يزيد فيما يستوفى على مقدار حقه سواء أضر ذلك بالشركاء أو لم يضر فزيادة كوة في فوهة أرضه يكون ليزداد فيه دخول الماء على مقدار حقه وهو كالشركاء في الطريق ليس لاحدهم أن يحدث فيه طريقا لدار لم يكن لها طريقا في هذه السكة الخاصة بفتح باب حادث فان قيل كيف يمنع من احداث الكوة في لوح هو خالص ملكه قلنا لان الكوى منهم سبب لبيان مقدار كل واحد منهم فلو لم يمنع من ذلك لكان إذا تقادم العهد ادعى لنفسه زيادة حق واستدل بالكوى ان كان الماء يدخل في هذه الكوى في الحال فسبب المنع ظاهر فان ما يدخل في هذه الكوى زيادة على حقه في النهر وكان هذه المسائل

[ 179 ] سأل عنها إبراهيم بن رستم وأبو عصمة سعد بن معاذ المرويان أبا يوسف أو ابن المبارك رضي الله عنهم ثم فرع محمد رحمه الله على ذلك فقال فسألته هل لاحد من أهل هذا النهر الخاص أن يتخذ عليه رحا ماء يكرى لها نهرا منه في أرضه يسيل فيه ماء النهر ثم يعيده إليه وذلك لا يضر بأهل الشرب قال ليس له ذلك لانه من أعلاه إلى أسفله مشترك بينهم فليس لاحد منهم أن يحدث فيه حدثا ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة الا برضاهم بمنزلة طريق خاص بين قوم والجسر اسم لما يوضع ويرفع مما يتخذ من الخشب والالواح والقنطرة ما يتخذ من الآجر والحجر ويكون موضوعا ولا يرفع وكل ذلك يحدثه من يتخذه في ملك مشترك فلا يملكه الا برضاهم سواء كان منهم أو من غيرهم ثم من يتخذه إذا كرى له نهرا منه ففيه كسر ضفة النهر وتغيير الماء عن سننه فلا بد أن ينتقص الماء منه فانه إذا كان يجرى على سننه لا يتبين فيه نقصان وإذا انفرج يتبين فيه النقصان وان عاد إلى النهر وكذلك العين أو البركة يكون بين قوم فالشركة فيهما خاصة كما بينا وسألته عن نهر بين رجلين له خمس كوى من هذا النهر الاعظم وأحد الرجلين أرضه في أعلى هذا النهر والآخر أرضه في أسفل هذا النهر فقال صاحب الاعلى أنى أريد أن أشد بعض هذه الكوى لان ماء النهر يكثر فيفيض في أرضى واتأذى منه ولا يبلغك حتى يقل فيأتيك منه ما ينفعه قال ليس له ذلك لانه يقصد الاضرار بشريكه ثم ضرر النزلاء يلحق صاحب الاعلى بفعل صاحب الاسفل بل تكون أرضه في أعلى النهر وبمقابلة هذا الضرر منفعة إذا قل الماء ولو سد بعض الكوى يلحق صاحب الاسفل ضرر لنقصان صاحب الاعلى وهو ممنوع من ذلك كما لو أراد أن يسكر النهر وكذلك لو قال اجعل لى نصف هذا النهر ولك نصفه فإذا كان في حصة سددت منها ما بدا لى وانت في حصتك تفتحها كلها فليس له ذلك لان القسمة قدتمت بينهما مرة بالكوى فلا يكون لاحد أن يطالب بقسمة أخرى وفى القسمة الاولى الانتفاع بالماء لكل واحد منهما مستدام وفيما يطالب هذا به يكون انتفاع كل واحد واحد منهما بالماء في بعض المدة وربما يضر ذلك بصاحب الاسفل فان تراضيا على ذلك فلهما ما تراضيا عليه فان أقاما على هذا التراضي زمانا ثم بدا لصاحب الاسفل أن ينقض فله ذلك لان كل واحد منهما معير لصاحبه نصيبه من الشرب في نوبته من الشهر وللمعير أن يرجع متى شاء وكذلك لورثته بعد موته لانهم خلفاؤه في ذلك وهذا لانه لا يمكن أن يجعل ما تراضيا عليه مبادلة فان بيع الشرب بالشرب واجارة الشرب

[ 180 ] بالشرب باطل وسألته عن نهر بين رجلين لهما أربع كوى فاضاف إليها رجل أجنبي كوتين في نهرهما برضاهما حتى إذا انتهى إلى أسفل النهر كرى منه نهرا إلى أرضه ثم بدا لاحدهما أن ينقضه بعد زمان أو بدا لورثته أو لبعضهم بعد موته نقضه فله ذلك لانهم أعاروا الاجنبي النهر ليجرى ماءه فيه إلى نهره خاصة فلهم أن يستردوا العارية متى شاؤا لكل واحد منهم ذلك في نصيبه (ألا ترى) أن لاحدهم أن يأبى ذلك في الابتداء فله أن ينقضه أيضا في الانتهاء وهذا لان رضا بعض الشركاء معتبر في حقه لافى حق بقية الشركاء (ألا ترى) أن من أراد أن يتطرق في طريق مشترك شركة خاصة فيرضى به بعض الشركاء دون البعض لم يكن له أن يتطرق فيه وهذا لانه لا يتصور انتفاعه بنصيب التراضي على الخصوص بل يكون انتفاعه بنصيب جميع الشركاء فليس له أن ينتفع بنصيب المانع الا برضاه وسألته عن نهر خاص من النهر الاعظم بين قوم لكل واحد منهم نهر منه فمنهم من يكون له كوتان ومنهم من يكون له ثلاث فقال صاحب الاسفل لصاحب الاعلى انكم تأخذون أكثر من نصيبكم لان دفقة الماء وكثرته وفى رواية لان دفعة الماء وكثرته من أعلى النهر فدخل في كواكم شئ كثير ولا ماء هنا الا وهو قليل غائر فنحن نريد ان ننقصكم بقدر ذلك ونجعل لكم أيام معلومة ونسد فيها كوانا ولنا أياما معلومة تسدون فيها كواكم قال ليس لهم ذلك ويترك على حاله كما كان قبل اليوم لانها قسمت مرة فلا يكون لبعضهم أن يطالب بقسمة أخرى ثم الاصل ان ما وجد قديما فانه يترك على حاله ولا يغير الا بحجة وقد ذكرنا هذا في أول الوكالة في حديث عثمان رضى الله عنه حيث قال أرأيت هذا الضفير أكان على عهد عمر رضى الله عنه ولو كان جور الماء تركه عمر رضى الله عنه وكذلك ان قال أهل الاسفل نحن نريد أن نوسع رأس النهر ونزيد في كواه وقال أهل الاعلى ان فعلتم ذلك كثر الماء حتى يفيض في أرضنا وينز لم يكن لاهل الاسفل ان يحدثوا فيه شيأ لم يكن لانهم يتصرفون فيما هو مشترك على وجه بضر ببعض الشركاء فيمنعون من ذلك وان باع رجل منهم كوة له فيه كل يوم بشئ معلوم أو أجرة لم يجز لانه غرر لا يعرف وهو ليس بملك وبيع مجرد الحق باطل وسألته عن هذا النهر إذا خافوا أن ينبثق وأرادوا أن يحصنوه فامتنع بعضهم من الدخول معهم قال ان كان فيه ضرر عام أجبرتهم جميعا على تحصينه بالحصص لان في ترك الاجبار هنا تهييج الفتنة وتسكين الفتنة لازم شرعا فلاجل التسكين يجبرهم الامام على تحصينه بالحصص فان لم يكن

[ 181 ] فيه ضرر عام لم أجبرهم عليه وأمرت كل انسان أن يحصن نصيب نفسه يعني بطريق الفتوى لان التدبير في الملك يكون إلى المالك فإذا لم يكن فيه ضرر عام كان له رأى في ذلك من التعجيل والتأجيل وربما لا يتمكن منه في كل وقت ولا يتفرغ لذلك بخلاف الكرى فان بعض الشركاء في هذا النهر الخاص إذا امتنع من الكرى أجبر عليه إذا طلبه بعض الشركاء لان ذلك شئ قد التزموه عادة فحاجة النهر إلى الكرى في كل وقت معلوم بطريق العادة فالذي يأبى الكرى يريد قطع منفعة الماء عن نفسه وشركائة وليس له ذلك فلهذا أجبر عليه فأما البثق فموهوم غير معلوم الوقوع عادة فإذا لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر الممتنع من ذلك لحق موهوم لشريكه وسألته عن رجل اتخذ في أرض له رحا ماء على هذا النهر الاعظم الذى للعامة مفتحة في أرضه ومصبه في أرضه لا يضر بأحذ فأراد بعض جيرانه أن يمنعوه من ذلك قال ليس له أن يمنعه لان تصرفه في خالص ملكه وشق نهر من هذا النهر الاعظم لمنفعة الرحا كشق نهر من هذا النهر الاعظم ليسقي به أرضا أحياها وقد بينا انه لا يمنع من ذلك لانه لم يدخل الماء في المقاسم بعد فهذا مثله قال وسألته عن هذا النهر الاعظم إذا كانت عليه أرض لرجل خدهاالماء فنقص الماء وجرز عن أرض فاتخذها هذا الرجل وجرها إلى أرضه قال ليس له ذلك لان الارض جرز عنها الماء من النهر الاعظم وهو حق العامة قد يحتاجون إليه إذا كثر الماء في النهر الاعظم أو تحول إلى هذا الجانب فليس له أن يجعلها لنفسه بأن يضمها إلى أرضه إذا كان ذلك يضر بالنهر ومنهم من يروى جرز وهو صحيح قال الله تعالى أو لم يروا اناز نسوق الماء إلى الارض الجرز وسأتله فقلت بلغني أن الفرات بأرض الجزيرة يجرز عن أرض عظيمة فيتخذها الرجل مزرعة وهى في حد أرضه قال ليس له ذلك إذا كان يضر بالفرات لان هذا حق عامة المسلمين وان كان لا يضر بالفرات فله ذلك عندهما بغير اذن الامام وعند أبى حنيفة رحمه الله اذن الامام بمنزلة إيحاء الموات قال وإذا حصنها من الماء فقد أحياها لان هذه الارض صالحة للزراعة وان كان لا يتمكن من زراعتها لاجل الماء فإذا حصنها منه فقد أحياها فأما سائر الاراضي فبمجرد التحصين لا يتم الاحياء بل ذلك تحجر فانها انما تصير صالحة للزارعة إذا أحرق الحصائد فيها وبقى الحشيش منها وكربها فبذلك يتم احياؤها وسألته عن نهر بين قوم يأخذ من هذا النهر الاعظم له فيه كوى مسماة ولكل رجل منهم نهر من هذا النهر الخاص فأراد رجل أن يسد كوة له ويفتح كوة أعلى من تلك في ذلك النهر قال

[ 182 ] ليس له ذلك لانه يكسر ضفة النهر المشترك ويريد أن يزيد في حقه لان دخول الماء في أعلى النهر من كوة يكون أكثر من دخوله في أسفل النهر في مثل تلك الكوة وهذا بخلاف الطريق فمن يكون طريقه في أعلى السكة الخاصة إذا أراد أن يجعله في أسفل السكة لا يمنع منه لان هناك هو بتصرفه لا يزيد في حقه فهو الذى يتطرق في ذلك الطريق سواء كان باب داره في أعلى السكة أو في أسفلها ثم هناك انما يتصرف في حائط هو ملكه بفتح باب في أسفله (ألا ترى) انه لو أراد أن يفتح بابين أو ثلاثة أو يرفع جميع الحائط لم يمنعه أحد من ذلك بخلاف الكوي فانه ان أراد أن يزيد كوة أخرى منع من ذلك فكذلك إذا أراد أن يحولها من جانب إلى جانب وسألته عن هذه الكوى لو أراد صاحبها أن يكريها فيسفلها عن موضعها ليكون أكثر لاخذها من الماء قال له ذلك لانه بالكرى يتصرف في خالص ملكه (ألا ترى) ان له أن يكرى جميع النهر فكذلك له أن يكري هذا الموضع قال رضى الله عنه وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذا إذا علم انها في الاصل كانت مسفلة فارتفعت بانكباس ذلك الموضع من الماء فانه بالكري يعيدها إلى الحالة الاولى وذلك حقه فاما إذا علم انها كانت بهذه الصفة فاراد أن يسفلها منع من ذلك لانه يريد أن يزيد على مقدار حقه من الماء وكذلك ان أراد أن يرفع الكوى وكانت متسفلة ليكون أقل للماء في أرضه فله ذلك وعلى ما قال شيخنا الامام رحمه الله هذا إذا كان هو بالرفع يعيدها إلى ما كانت عليه في الاصل فأما إذا أراد أن يغيرها عما كانت عليه في الاصل فيمنع عنه (قال الشيخ الامام رحمه الله) والاصح عندي انه لا يمنع على كل حال لان القسمة في الاصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار السفل والترفع هو العادة بين أهل مرو فانما يمنع من يوسع الكوة ويضيقها ولا يمنع من أن يسفلها أو أن يرفعها لانه ليس فيه تغيير ما وقعت القسمة عليه وسألته عن نهر خاص لرجل من هذا النهر الخاص أراد أن يقنطر فيه ويستوثق منه قال له ذلك لانه يتصرف في خالص ملكه وان كان مقنطرا أو مستوثقا منه فأراد أن ينقص ذلك لعلة أو غير فان كان ذلك لا يزيد في أخذ الماء فله ذلك لانه يرفع بناء هو خالص ملكه وان كان يزيد في أخذه الماء منع منه لحق الشركاء فان أراد أن يوسع فم النهر منع من ذلك لانه بهذا التوسع يرفع ضفة النهر المشترك من الجانبين وهو ممنوع من ذلك ثم يزيد على هذا مقدار حصة في أصل الماء أما في الموضع الذي لا تكون القسمة بالكوى فغير مشكل أو في الموضع الذى تكون القسمة بالكوى إذا وسع

[ 183 ] فم النهر احتبس الماء في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا لم يوسع فم النهر وكذلك إذا أراد أن يؤخر الكوى عن فم النهر فجعلها في أربعة اذرع من فم النهر إلى أسفله فليس له ذلك لان الماء يحتبس في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا كانت الكوى في فم النهر وسألته عن رجل مات ممن له هذا الشرب قال الشرب ميراث بين ورثته لانهم خلفاؤه يقومون مقامه في املاكه وحقوقه وقد تملك بالميراث ما لا يملك بسائر أسباب الملك كالقصاص والدين والخمر يملك بالارث فكذلك الشرب وان أوصى فيه بوصية جاز لان الوصية أخت الميراث ثم ما امتنع البيع والهبة والصدقة في الشرب للغرور والجهالة أو لعدم الملك فيه في الحال والوصية بهذه الاسباب لا تبطل (ألا ترى) أن الوصية بما يثمر نخيله العام يصح فكذلك الوصية بالشرب وسألته عن أمير خراسان إذا جعل لرجل شربا في هذا النهر الاعظم وذلك الشرب لم يكن فيما مضى أو كان له شرب كوتين فزاد مثل ذلك وأقطعه اياه وجعل مفتحه في أرض يملكها الرجل أو في أرض لا يملكها قال ان كان ذلك يضر بالعامة لم يجز فان كان لا يضر بهم فهو جائز إذا كان ذلك في غير ملك أحد لان للسلطان ولاية النظر دون الاضرار بالعامة ففيما لا يضر بالعامة يكون هذا الاقطاع منه نظرا لمن أقطعه اياه وفيما يضر بهم يكون هذا الاقطاع اضرارا بالعامة وليس له ذلك يوضحه ان فيما يضر بهم لكل واحد منهم أن يمنع من ذلك فالامام في الاقطاع يكون مبطلا حقه وله ولاية استيفاء حق العامة لا ولاية الابطال وفيما لا يضر بهم قد كان له أن يحدث ذلك بغير اقطاع من الامام فبعد الاقطاع أولى وإذا أصفى أمير خراسان شرب رجل وأرضه وأقطعها لرجل آخر لم يجز ويرد إلى صاحبها الاول والى ورثته والمراد بالاصفاء الغصب ولكن حفظ لسانه ولم يذكر لفظ الغصب في افعال السلاطين لما فيه من بعض الوحشة واختار لفظ الاصفاء ليكون أقرب إلى توقير السلطان وكان أبو حنيفة رحمه الله يوصى أصحابه بذلك فينبغي للمرء أن يكون مقبلا على شأنه حافظا للسانه موقرا لسلطانه ثم في هذا الفعل السلطان كغيره شرعا قال النبي على اليد ما أخذت حتى ترد وتمليك ملك غيره من غير المالك يكون لغوا فيجب رد ذلك على صاحبه ان كان حيا وعلى ورثته بعد موته وهكذا فيما حازه لنفسه من أملاك الناس (ألا ترى) ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما استخلف أمر برد أموال بيت المال على أربابها لان من كان قبله من بنى أمية كانوا أخذوها طلما وإذا تزوج الرجل المرأة على شرب بغير

[ 184 ] أرض فالنكاح جائز وليس لها من الشرب شئ لان الشرب بدون الارض لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة ولانه ليس بمال متقوم ولهذا لا يضمن بالاتلاف بعقد ولا بغيره ثم هو مجهول جهالة متفاحشة فلا يصح تسميته ولكن بطلان التسمية لا يمنع جواز النكاح بمنزلة ترك التسمية فيكون لها مهر مثلها ان دخل بها والمتعة ان طلقها قبل الدخول بها ولو أن امرأة اختلعت من زوجها على شرب بغير أرض كان باطلا ولا يكون له من الشرب شئ ولكن الخلع صحيح وعليها أن ترد المهر الذى أخذت لانها أطمعت الزوج بهذه التسمية فيما هو مرغوب فيه فتكون غارة له بهذه التسمية والغرور في الخلع يلزمها رد ما قبضت كما لو اختلعت بما في بيتها من المتاع فإذا ليس في بيتها شئ والصلح في الدعوى على الشرب باطل لان المصالح عليه مما لا يملك بشئ من المعقود وقد بينا أن ما لا يستحق بشئ من المعقود فالصلح عليه باطل وصاحب الدعوى على دعواه وحقه فان كان قد شرب من ذلك الشرب مدة طويلة فلا ضمان عليه فيه لان الشرب ليس بمحل للعقد أصلا فكان العقد فيه كالاذن المطلق فان كان الصلح عليه من قصاص في نفس أو فيما دونه فالصلح باطل وجاز العفو وعلى القاطع الدية وأرش الجراحة لان الصلح من القود على شرب نظير الخلع على معنى ان جهالة البدل وان تفاحشت في كل واحد منهما فالخلع والصلح صحيح باعتبار انه اسقاط ليس فيه تمليك الا ان في الصلح عن القود إذا لم يثبت المسمى وتمكن في التسمية معني الغرور يجب رد الدية وفى الخلع يجب رد المقبوض لان النفس تتقوم بالدية والبضع عند خروجه من ملك الزوج لا يتقوم فيجب رد المقبوض لدفع الضرر والغرور ولو مات صاحب الشرب وعليه ديون لم يبع في دينه الا أن يكون معه أرض فيباع مع أرضه لان في حال حياته كان لا يجوز منه بيع الشرب بدون الارض فكذا بعد موته وقد تكلم مشايخنا رحمهم الله في أن الامام ماذا يصنع بهذا الشرب فمنهم من يقول يتخذ حوضا ويجمع فيه ذلك الماء في كل يومه ثم يبيع الماء الذى جمعه في الحوض بثمن معلوم فيقضي به الدين (قال الشيخ الامام الاجل) رحمه الله والاصح عندي انه ينظر صاحب أرض ليس له شرب فيضم ذلك الشرب إلى أرضه ويبيعهما برضاه ثم ينظر إلى قيمة الارض بدون الشرب ومع الشرب فيجعل تفاوت ما بينهما من الثمن مصروفا إلى قضاء دين الميت وما وراء ذلك لصاحب الارض وان لم يجد ذلك اشترى على تركة هذا الميت أرضا بغير شرب ثم ضم هذا الشرب إليها وباعها فيصرف الثمن إلى قضاء ثمن الارض المشتراة وما يفضل

[ 185 ] من ذلك للغرماء وكذلك لو أوصي أن يباع من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه كان ذلك باطلا لانه لو باعه بنفسه في حياته لم يجز فكذلك إذا أوصى أن يباع منه بعد موته قال الا أن يكون معه أرض فيجوز من ثلثه يريد الهبة أو الصدقة أو المحاباة في البيع فان ذلك يجوز من ثلثه قال وان أوصى أن يسقي أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة من شربه أجزت ذلك من ثلثه لما بينا أن الوصية بالشرب كالوصية بالغلة المجهولة وذلك ينفذ من ثلثه وان مات الذى له الوصية بطلت وصيته في الشرب قال وهى بمنزلة الخدمة يعنى إذا أوصي بخدمة عبده لانسان فمات الموصى له بطلت الوصية وهذا لان الشرب كالمنفعة الا أنها مجهولة جهالة لا تقبل الاعلام والخدمة تقبل الاعلام ببيان المدة فيجوز استحقاقها بالاجارة إذا كانت معلومة فيجوز استحقاقها بالوصية من الثلث وان لم يكن معلوما ببيان المدة فكذلك استحقاق الشرب بالوصية يجوز وان كانت مجهولة ولكن الاستحقاق للموصى له باعتبار حاجته فيبطل بموته لان الورثة يخلفونه فيما كان ملكا أو حقا متأكدا له وذلك غير موجود في الشرب كما في الخدمة فان أوصى أن يتصدق بشربه على المساكين فهذا باطل لان حاجة المساكين إلى الطعام دون الماء وانما يحتاج إلى الشرب من له أرض وليس للمساكين ذلك ولا بدل للشرب حتى يصرف بدله إلى المساكين فانه لا يحتمل البيع والاجارة فكان باطلا وكذلك لو قال في حياته هو صدقة في المساكين ان فعلت كذا ففعله لم يلزمه شئ لانه لا طريق لتنفيذ هذه الوصية في عين الشرب ولا في بدله الا أن يكون معه أرض فحينئذ تصح وصيته ونذره فتنعقد يمينه فإذا حنث يجب تنفيذه في التصدق بعينه أو بقيمته بعد البيع ولو أوصى بان يسقى مسكينا بعينه في حياته فذلك جائز فيه باعتبار عينه كما لو أوصى له بعين بخلاف ما أوصي به في المساكين فتصحيح تلك الوصية باعتبار التقرب إلى الله تعالى يجعل شئ من ماله خالصا لله تعالى ليكون مصروفا إلى سد خلة المحتاجين وذلك لا يتأتى في الشرب بدون الارض ولو باع الشرب بعبد وقبض العبد وأعتقه جاز عتقه ويضمن قيمته لان العقد في العبد فاسد فان شراء العبد من غير تسمية الثمن يكون فاسدا فكذلك عند تسمية الشرب والمشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ العتق فيه وعلى المشتري ضمان القيمة وكذلك لو كانت أمة فوطئها فولدت منه كانت أم ولد وعليه قيمتها وعقرها وذكر هذه المسألة في موضع آخر من هذا الكتاب ولم يذكر العقد وهو الاصح وقد قال في البيوع في المشتراة

[ 186 ] شراء فاسدا وليس عليه عقر في وطئها وقد بينا في البيوع وجه الروايتين والتوفيق بينهما وكذلك لو أجره بعبد فاعتقه لان البدل في الاجارة إذا كان عينا فهو كالمبيع فيصير مملوكا بالقبض وينفذ العتق فيه ويجب رد قيمته ولو ادعى شربا في يدى رجل انه بغير أرض فانه ينبغى في القياس أن لا يقبل منه ذلك لان شرط صحة الدعوى اعلام المدعى في الدعوى والشهادة والشرب مجهول جهالة لا تقبل الاعلام ولانه يطلب من القاضي أن يقضى له بالملك في المدعى إذا أثبت دعواه بالبينة والشرب لا يحتمل التمليك بغير أرض فلا يسمع القاضى فيه الدعوى والخصومة كالخمر في حق المسلمين ولكن في الاستحسان يقبل ببينة ويقضي له به لان الشرب مرغوب فيه ومنتفع به وقد يكون الاستحقاق فيه للانسان منفردا عن الارض بالميراث والوصية وقد يبيع الارض بدون الشرب فيبقى له الشرب وحده فإذا استولى عليه غيره كان له أن يدفع الظلم عن نفسه باثبات حقه بالبينة ثم القاضى لا يملكه بالقضاء شيأ ابتداء ولهذا لا ينفذ قضاؤه باطنا في الاملاك المرسلة وانما يظفر بقضاء حقه أو ملكه والشرب يحتمل ذلك (ألا ترى) انه يقضى له بالدين بالحجة والدين في ذمة الغير لا يحتمل التميلك ابتداء وإذا كانت لرجل أرض ولرجل فيها نهر يجرى فاراد رب الارض أن لا يجرى النهر في أرضه لم يكن له ذلك بل يترك على حاله لانه وجد كذلك لان موضع النهر في يد صاحب النهر لانه مستعمل له باجراء مائة فيه فعند الاختلاف القول قوله في انه ملكه فان لم يكن في يده ولم يكن جاريا سألته البينة على أن هذا النهر له فان جاء ببينة قضيت به له لاثباته حق نفسه بالحجة وان لم يكن له بينة على أصل النهر وجاء ببينة انه كان مجراه في هذا النهر يسوقه إلى أرضه حتى يسقيها منه أجزت ذلك لانهم شهدوا له بحق مستحق في النهر وهو المجرى وقد بينا نظائر هذا في الطريق والمسيل وبينا أن الجهالة هناك لا تمنع قبول الشهادة فكذا المجرى هنا وكذلك المصب إذا كان نهره ذلك يصب في أرض اخرى فمنعه صاحب الارض السفلى المجرى وأقام بينة على أصل النهر أنه له وأقام البينة على أن له فيه مصبا أجزت ذلك لان المصب كالمسيل ولو أقام البينة ان له مسيل ماء على سطح جاره كانت البينة مقبولة فهذا مثله ولو سقى الرجل أرضه أو شجرها أو ملاها ماء فسال من مائها في أرض رجل فغرقها لم يكن عليه ضمانها لانه في هذا التسبيب غير متعد بل هو متصرف في ملك نفسه وللانسان أن يتصرف في ملك نفسه مطلقا والمتسبب إذا لم يكن متعديا في تسببه لا يكون ضامنا كحافر البئر وواضع الحجر في

[ 187 ] ملكه وهو نظير ما لو أوقد النار في أرضه فوقع الحريق بسبب ذلك فانه لا يكون ضامنا لكونه متصرفا في خالص ملكه وكذلك لو نزت أرض جاره من هذا الماء ولو اجتمع في هذا الماء سمك فصاده رجل كان للصياد لقوله عليه الصلاة والسلام الصيد لمن أخذه وهو نظير ما لو اصطاد من أرض رجل ظبيا فان يكون له دون صاحب الارض وان كان لصاحب الارض أن يمنعه من الدخول في أرضه وإذا كانت لرجل أرض فيها مراعى فاجر مراعيها أو باعها كل سنة بشئ مسمى ترعي فيها غنم مسماة فان ذلك لا يجوز لان المقصود هو الكلا وهو على أصل شركة الاباحة لا اختصاص لصاحب المرعى به ثم هذا استئجار المقصود به استهلاك العين وشراء ما هو مجهول لا يعرف فيكون باطلا كبيع الشرب واجارته ولو أخذ صاحب الارض شيأ من هذا فاحرزه ثم باعه كان جائزا بمنزلة الماء الذى أحرزه في الاواني وهذا لان ملكه بالاحراز فيه قد تم وهو متقوم لكونه منتفعا به ولو كان زرع رجل قصيلا في أرضه ثم أجره من رجل يرعي فيه غنمه كان باطلا لان المقصود بهذا الاستئجار استهلاك العين ولانه انما يستحق بالاجارة ما لا يجوز بيعه والقصيل عين يجوز بيعه فلا يستحق بالاجارة على المستأجر قيمة ما رعت غنمه من ذلك لانه صار مستوفيا مستهلكا له بحكم عقد فاسد وهذا بخلاف الكلا في المرعى فقد نبت ذاك من غير انبات أحد فكان على أصل الاباحة المشترى والبائع في الانتفاع به سواء وهذا مما استنبته صاحب الارض فيكون مملوكا له حتى لو باعه جاز بيعه وانما لم تجز اجارته لما قلنا ولمعنى الغرر فيه فإذا أتلف ملكا متقوما لغيره بسبب عقد فاسد كان مضمونا عليه بقيمته ولو أستأجر مرعى لعبد بعينه فرعاه في تلك السنة لم يضمن ما رعي ويأخذ عبده لان العقد كان فاسدا فيسترد عبده بحكم العقد الفاسد فان كان المؤاجر قد أعتقه أو باعه جاز ذلك ويضمن قيمته لانه ملكه بالقبض بحكم عقد فاسد فينفذ عتقه فيه وهذا لان البيع محل للملك فينفذ العقد مقيدا بحكمه وهو نظير ما إذا اشترى عبدا بشرب بخلاف العبد بالربح فهناك وان قبض المشترى لا يملكه ولا ينفذ عتقه فيه بمنزلة البيع بالميتة والدم لان الربح لا يتقوم بالعبد بحال ولا يدخل في العقد أصلا فبتسميته يخرج السبب من أن يكون تمليك مال بمال فاما الشرب والكلا فمما يجوز أن يستحق بالعقد تبعا للارض وهو منتفع به شرعا (ألا ترى) انه يتصور فيه الاحراز الموجب للملك وبعد الاحراز يكون مالا متقوما فقبل الاحراز ينعقد العقد بتسميته على

[ 188 ] ما هو محل للتمليك بالعقد فينفذ عتقه فيه بعد القبض ولو تزوج امرأة على أن يرعي غنمها في أرضه سنة كان لها مهر مثلها لان شرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالا متقوما في نفسه أو يستحق بذكره تسليم مال والكلاء والشرب قبل الاحراز ليس بمال فلا تصح تسميته في النكاح ولو أوصى بكلا في أرضه سنين أو وهبه أو صالح عليه من قصاص أو مال كان القول فيه كالقول في الشرب لاستوائهما في المعنى فكل واحد منهما مبقى على شركه الاباحة قبل الاحراز ولو أحرق كلاء أو حصائد في أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت شيأ لغيره لم يضمنه لانه غير متعد في هذا التسبب فان له أن يوقد النار في ملك نفسه مطلقا وتصرف المالك في ملكه لا يتقيد بشرط السلامة قال بعض مشايخنا رحمهم الله وهذا إذا كانت الرياح هادية حين أوقد النار فاما إذا أوقد النار في يوم ريح على وجه يعلم أن الريح يذهب بالنار إلى ملك غيره فانه يكون ضامنا بمنزلة ما لو أوقد النار في ملك غيره (ألا ترى) أن من صب في ميزاب مائعا وهو يعلم أن ما تحت الميزاب انسان جالس فافسد ذلك المائع ثيابه كان الذى صبه ضامنا وان كان صبه في ملك نفسه ولو أن رجلا أتى طائفة من البطيحة مما ليس لاحد فيه ملك مما قد غلب عليه الماء فضرب عليه المسناة واستخرجه وأحياه وقطع ما فيه من القصب رأيتها له بمنزلة أرض الميتة وكذلك ما عالج من أجمة أو جزيرة في بحر بعد أن لا يكون لاحد فيه ملك لان هذا كله من جملة الموات وقد بينا حد الموات فاعاد ذلك هنا وذكر أن كل أرض من السواد والجبال التى لا يبلغها الماء من أرض العرب مما لم يكن لاحد فيها ملك فهو كله من الموات ومراده ما كان من فناء العمران وقد بينا أن ذلك من حق السكان في العمران ولو أحياه وكان له مالك قبل ذلك رددته إلى مالكه الاول ولم أجعل للثاني فيه حقا ولكنه ضامن لما قطع من قضبها لان ملك الغير محترم لحرمة المالك فلا يكون له أن يتملك عليه بالاحياء بغير رضاه ولكنه أتلف ما قطع من قضبها وكانت مملوكة لصاحبها فعليه ضمانها وان كان الثاني قد زرعها فالزرع له وهو ضامن لما نقص من الارض بمنزلة من غصب أرضا فزرعها وان احتفر الرجل بئرا في مفازة باذن الامام فجاء رجل آخر واحتفر في حريمها المذكورة بئرا كان للاول أن يسد ما احتفره الثاني لان حريم البئر صار مملوكا لصاحب البئر إذا حفر باذن الامام والثانى متعد في تصرفه في ملكه فلا يستحق بهذا التصرف شيأ ولانه ضامن للنقصان وللاول أن يأخذه بسد ما احتفر وهو عرق ظالم

[ 189 ] ولا حق له بظاهر الحديث وكذلك لو بني أو زرع أو أحدث فيه شيأ للاول أن يمنعه من ذلك لمكله ذلك الموضع وما عطب في بئر الاول فلا ضمان عليه فيه لانه غير متعد في حفره وما عطب في بئر الثاني فهو مضمون على الثاني لانه متعد في تسببه ولو ان الثاني حفر بئرا بامر الامام في غير حريم الاول وهى قريبة منه فذهب ماء البئر الاول وعرف ان ذهاب ذلك من حفر الثاني فلا شئ له عليه لانه غير متعد فيما صنع بل هو محق في الحفر في غير حريم الاول والماء تحت الارض غير مملوك لاحد فليس له أن يخاصمه في تحويل ماء بئره إلى بئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت فاتخذ آخر جنبه حانوتا لمثل تلك التجارة فكسدت تجارة الاول بذلك لم يكن له أن يخاصم الثاني ولو أحتفر قناة بغير اذن الامام في مفازه ثم ساق الماء حتى أتى به أرضا فاحياها فانه يجعل لقتاته ومخرج مائة حريما على قدر ما يصلحه وهذا بناء على قولهما فاما عند أبى حنيفة رحمه الله إذا فعل ذلك باذن الامام يستحق الحريم للموضع الذى يقع الماء فيه على وجه الارض فأما إذا كان بغير إذا الامام فلا وهذا بمنزلة ما لو أخرج عينا الا انه تحرز عن بيان المقدار فيه بالرأى ولم يجد في القناة نصا بعينه فقال حريمه بقدر ما يصلحه فاما في الموضع الذى لا يقع ماؤه على الارض من القناة فبمنزلة النهر الا أنه يجرى تحت الارض وقد بينا الكلام في الحريم للنهر فكذلك القناة وإذا كانت القناة على هذا الوجه بين رجلين والارض بينهما ثم استحيا أحدهما أرضا أخرى فأراد أن يسقيها لم يكن له ذلك بمنزلة نهر مشترك بين رجلين وهذا لانه يريد أن يستوفى أكثر من حقه ويثبت لهذه الارض الاخرى شربا من هذه القناة فلا يملك ذلك الا برضا شريكه ولو كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لكل رجل منهم أرض معلومة فأراد بعضهم أن يسوق شربه إلى أرض أخرى لم يكن لها في ذلك النهر شرب فيما مضى فليس له ذلك لانه يستوجب بذلك في النهر غير ما لم يكن له قبل ذلك أما إذا كان يسقى أرضه التى لها شرب من هذا النهر مع ذلك فهو يستوفى أكثر من حقه وان كان يريد أن يسوق شربه الاول إلى هذه الارض الاخرى لم يكن له ذلك أيضا لانه إذا فعل ذلك وتقادم العهد ادعى للارض شربا من هذا النهر مع الاول واستدل على ذلك بالنهر المعد لاجراء الماء فيه من ذلك النهر إلى هذه الارض فهذا معنى قوله يستوجب بذلك في النهر شربا لم يكن له قبل ذلك وكذلك لو أراد أن يسوق شربه في أرضه الاولى حتى ينتهى إلى هذه الاخرى فليس له ذلك لانه يستوفى فوق حقه فالارض تنشف بعض

[ 190 ] الماء قبل أن ينتهى إلى هذه الارض الاخرى ثم هذا بمنزلة طريق بين قوم إذا أراد أحدهم أن يفتح فيه طريقا من دار أخرى وساكن تلك الدار غير ساكن هذه الدار فهو ممنوع من ذلك وقد بينا الفرق في كتاب القسمة بين هذا وبين ما إذا كان ساكن الدارين واحد وإذا أراد هذا الرجل أن يسقي من هذا النهر نخيلا في أرض أخرى ليس لها في هذا النهر شرب فليس له ذلك كما لو أراد أن يسقي زرعا من هذه الارض الاخرى وإذا استأجر أصحاب النهر رجلا يقسم بينهم الشرب كل شهر بشئ معلوم ويقوم على نهرهم فذلك جائز لان العقد يتناول منافعه التي توجد في المدة وهى معلومة ببيان المدة والبدل الذى بمقابلتها معلوم وان استأجروه بشرب من النهر مكان الآخر لم يجز لان الاجرة إذا كانت معنية فهى كالمبيع والشرب لا يجوز أن يكون مبيعا مقصودا ويكون له أجر مثله لانه أوفاه منافعه بعقد فاسد ولو أعطوه كفيلا بذلك لم يجز ولو لم يكن على الكفيل شئ لان الكفيل انما التزم المطالبة بما هو مستحق على الاصيل وليس على الاصيل من تسليم الشرب شئ فكذلك لا يجب على الكفيل وإذا احتفر القوم بينهم نهرا على أن يكون بينهم على مساحة أراضيهم وتكون نفقته بينهم على قدر ذلك ووضعوا على رجل منهم أكثر مما عليه غلطا رجع بذلك عليهم لانهم استوفوا ذلك منه بغير حق فعليهم رده ولو وضعوا عليه أقل من نصيبه رجعوا عليه بالفضل لانه تبين انه ما أوفاهم بعض ما كان مستحقا عليه ولم يوجد منهم اسقاط شئ من حقهم عنه فيكون لهم أن يرجعوا عليه بالفضل وإذا كان نهر بين قوم فاصطلحوا على أن يسموا لكل رجل منهم شربا مسمى وفيهم الغائب والشاهد فقدم الغائب فله أن ينقض لان قسمتهم لم تكن بحضرته ولا بحضرة نائبه ولا ولاية لهم عليه في تمييز نصيبه بالقسمة فيكون له أن يبطلها ليستوفى حقه فان كانوا أوفوه حقه وحازوه وقسموه وأبانوه فليس له أن ينقض لانه لو نقض احتاج إلى اعادته من ساعته ولا يمكن من النقض لدفع الضرر عن نفسه ولا ضرر عليه في هذا الموضع فكان في النقض متعنتا ولا تجوز الكفالة بثمن الشرب ولا بالاجرة بمقابلة الشرب لان ذلك ليس بمستحق على المطلوب فلا يصح التزام المطالبة بالكفالة فان نقد الكفيل الثمن رجع به على البائع الذى نقده ان شاء لانه استوفى منه ما لم يكن مستحقا له وان شاء رجع به على المشترى لانه أدى عنه بامره ثم يرجع به المشترى على البائع لانه ملك المؤدى بالضمان فكان بمنزلة ما لو أداه بنفسه وإذا وكل رجل وكيلا بشربه يسوقه إلى أرضه ويقوم

[ 191 ] عليه فهو جائز لان جهة الانتفاع بالشرب تتعين وقد أناب الوكيل فيه مناب نفسه فلا يحتاج بيانه لصحة التوكيل لان الحاجة إلى البيان لتمكن الوكيل من تحصيل مقصود الموكل وذلك فيما لا تكون الجهة متعينة فيه وليس له أن يبيع شرب أرضه كما ليس لصاحب الشرب أن يبيعه بنفسه ولا أن يسقى أرض غيره لان ذلك تبرع وبمطلق التوكيل لا يملك التبرع كمن وكل غيره بماله ملك الحفظ بهذا اللفظ دون التبرع وإذا اتخذ الرجل مشرعة على شاطئ الفرات ليستقى منها السقاؤن ويأخذ منهم الاجر لم يجز ذلك لانه لم يبتعهم شيأ ولم يؤاجرهم أرضا معناه انهم يأخذون الماء من الفرات في أوانيهم والماء في الفرات غير مملوك لصاحب المشرعة ثم الموضع الذى اتخذ فيه المشرعة من الارض غير مملوك له ولو كان مملوكا فهو لم يؤاجرهم ذلك الموضع (ألا ترى) انه في يده على حاله وشرط اجارة الارض تسليمها إلى المستأجر ولانهم لا ينتفعون بالارض وانما ينتفعون بالماء فما يعطونه من الماء لا يكون عوضا عن منفعة الارض بل هو أكل مال الغير بالباطل ولو تقبل هذه المشرعة كل شهر بشئ مسمى تقوم فيه الدواب أجزت ذلك لانه التزم الاجر بمقابلة منفعة الارض فان ايقاف الدواب في موضع من الارض انتفاع بها ويد المستأجر تثبت عليه بايقاف الدواب فيها وهى معلومة ببيان المدة فصحت الاجارة لذلك وكذلك لو أستأجر رجل قطعة منها يوما يقيم فيها بغير آلة جاز وهذا بخلاف الاول فان السقائين ما أستأجروا موضعا معلوما ولا بينوا لوقوفهم مدة معلومة فبطلت الاجارة هناك للغرر والجهالة وان كانت هذه المشرعة لا يملكها الذى اتخذها فلا ينبغى له هذا ولا يصلح له بمنزلة من أراد أن يبنى دكانا في الطريق ليؤاجره من الناس منع من ذلك وهذا لان في الطريق حق عامة المسلمين فكذلك في موضع المشرعة من شط الفرات حق جميع المسلمين فلا ينبغى له أن يحول بينهم وبين حقهم باتخاذ المشرعة فيه ليؤاجره فيكتسب لنفسه ولو كانت في موضع لا حق فيه لاحد فاتخذ مشرعة في ذلك المكان كان للمسلمين أن يستقوا من ذلك المكان بغير أجر كما كان لهم ذلك قبل أن تتخذ فيه مشرعة وهذا لان بتصرفه لا يملك ابطال حق المسلمين ولا أن يحول بينهم وبين حوائجهم وانما أرخص له في ذلك إذا كانت الارض له يملك رقبتها فحينئذ لا حق لاحد فيه خصوصا في غير وقت الضرورة ولو أراد المسلمون أن يمروا في تلك الارض ليسقوا من ذلك الماء فمنعهم منه فان لم يكن له طريق غيره لم يكن له أن يمنعهم وان كان يملك رقبتها

[ 192 ] ولكنهم يمرون في أرضه ومشرعته بغير اذنه لان الموضع موضع الحاجة والضرورة فالماء سبب لحياة العالم قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حى فإذا لم يجدوا طريقا آخر كان هذا الطريق متعينا لوصولهم منه إلى حاجتهم فليس له أن يمنعهم من ذلك فان كان لهم طريق غير ذلك كان له أن يمنعهم من ذلك لانه لا ضرورة إلى التطرق في ملكه وهو نظير من أصابته مخمصة يباح له أن يتناول من طعام الغير فان كان عنده مثل ذلك الطعام لم يكن له أن يتناول من طعام الغير بغير اذنه الا أن هناك عند الضرورة يجب الضمان لما في التناول من اتلاف مال متقوم على صاحبه وهنا ليس في المرور بين أرضه اتلاف شئ عليه وإذا كان لرجل نهر في أرض رجل فأراد أن يدخل في أرضه ليعالج من النهر شيأ فمنعه رب الارض من ذلك فليس له أن يدخل أرضه الا أن يمضى في بطن النهر وكذلك القناة والبئر والعين لانه لا حق له في أرضه ولا نفع للحاجة إلى التطرق في أرضه لتمكنه من تحصيل مقصوده بان يمضى في أرض النهر مع أن هذا فيه ضرر خاص وفى الاول ضرر عام وقد يتحمل عند الحاجة إلى دفع الضرر العام ما لا يتحمل عند الحاجة إلى دفع الضرر الخاص فان كان له طريق في الارض فله أن يمر في طريقه إلى النهر والعين والقناة لانه يستوفى ما هو مستحق له وإذا اصطلح الرجلان على أن يخرجا نفقة يحفران بها بئرا في أرض موات على أن يكون البئر لاحدهما والحريم للآخر لم يجز لانهما قصدا التفرق بين شيئين ثبت الجمع بينهما شرعا وهو البئر والحريم ثم استحقاق الحريم على طريق التبع لتمكن الانتفاع به من البئر فلا يجوز أن يستحق بالشرط مقصودا منفصلا عن البئر ثم في هذا الشرط اضرار بصاحب الارض لانه لا يتمكن من الانتفاع ببئره من غير حريم واعتبار الشرط للمنفعة لا للضرر وسواء كانت المنفعة بينهما مختلفة أو متفقة وان اشترطا أن يكون الحريم والبئر بينهما نصفين على أن ينفق أحدها أكثر مما ينفق الآخر لم يجز لان النفقة عليهما بقدر الملك فشرط المناصفة في الملك يوجب أن تكون النفقة بينهما نصفين شرعا فيكون اشتراط زيادة النفقة على أحدهما مخالفا لحكم الشرع فان فعلا كذلك رجع صاحب الاكثر بنصف الفضل على صاحبه لانه أنفق بامر صاحبه فلا يكون متبرعا في حصة صاحبه وإذا كانت بئر في أرض بين رجلين فباع أحدهما نصيبه من البئر بطريقه في الارض فان ذلك لا يجوز لانه ببيع طريقا بينه وبين آخر وأحد الشريكين في الارض لا يملك أن يبيع طريقا فيها لا برضا شريكه ولو باع نصف البئر بغير طريق جاز

[ 193 ] ولم يكن له طريق في الارض لما بينا أن بتسمية البئر في البيع مطلقا لا يدخل الطريق الخاص في ملك الغير كما أن بتسمية الدار والبيت في البيع لا يدخل الطريق وان باع نصيبه من الارض مع البئر ونصيبه نصف الارض جاز كله لان البيع معلوم والمشترى يقوم مقام البائع في ملكه ولا ضرر على الشريك في صحة هذا البيع والله أعلم (باب الشهادة في الشرب) (قال رحمه الله) وإذا كان لرجل نهر في أرض رجل فادعى رجل فيه شرب يوم في الشهر وأقام البينة على ذلك قضى له به وكذلك مسيل الماء لان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين عليه وقد بينا أن الجهالة في الشرب والمسيل لا تمنع اثباته بالبينة ولو ادعى يومين في الشهر فجاء بشاهد على يوم في رقبة النهر وشاهد آخر على يومين ففى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لا يقضي بشئ وفى قولهما يقضى بيوم وهو نظير ما تقدم من اختلاف الشاهدين في التطليقة والتطليقتين والالف والالفين وان كان المدعى يدعى شرب يوم في الشهر لم تقبل الشهادة لانه كذب أحد شاهديه وان شهدوا أن له شرب يوم ولم يسموا عددا ولم يشهدوا ان له في رقبة النهر شيأ لم تجز شهادتهم لان المشهود به مجهول جهالة يتعذر على القاضى القضاء معها وان ادعى عشر نهر أو قناة فشهد له أحدهما بالعشر والآخر باقل من ذلك ففى قول أبى حنيفة رحمه الله الشهادة باطلة وان شهدوا بالاقرار لاختلاف الشاهدين لفظا ومعنى وعلى قولهما تقبل على الاقل استحسانا وان شهد أحدهما بالخمس بطلت الشهادة لانه قد شهد له باكثر مما ادعى وإذا ادعى رجل أرضا على نهر شربها منه فاقام شاهدين انها له ولم يذكر الشرب سببا فانى أقضي له بها وبحصته من الشرب لان الشرب تبع الارض واستحقاق التبع باستحقاق الاصل وان شهدوا له بالشرب دون الارض لم نقض له من الارض بشئ لان المشهود به تبع ولا يستحق الاصل باستحقاق التبع (ألا ترى) انهم لو شهدوا له بالبناء لا يستحق موضعه من الارض ولو شهدوا له بالارض استحق البناء تبعا وكذلك الاشجار مع الثمار وإذا ادعى أرضا في يد رجل فشهد له شاهد أنها له وشهد آخر على اقرار ذى اليد بذلك لم تقبل الشهادة لاختلافهما في المشهود به فان أحدهما شهد باقرار هو كلام محتمل للصدق والكذب والاخر شهد له بملك الارض وهما متغايران ولو كاتب رجل عبده

[ 194 ] على شرب بغير أرض أو على أرض وشرب لم يجز أما الشرب بغير أرض فلا يستحق بالتسمية في شئ من عقود المعاوضات في الارض مع الشرب إذا لم تكن بعينها فهى مما لا يستحق دينا بشئ من عقود المعاوضات وان كانت أرضا بعينها لغيره لم يجز أيضا لان عقد الكتابة يستدعى تسمية البدل فتسمية عين هو مملوك لغير العاقد لا يكون صحيحا كالبيع ولا يتصور أن يكون مملوكا لان كسبه عند الكتابة مملوك للمولى فانما يصير هو أحق بكسبه بعد الكتابة فيكون هذا من المولى مبادلة ملكه بملكه وقد بينا اختلاف الروايات في الكتابة على الاعيان في كتاب العتاق وان شهد شاهد أن فلانا أوصى له بثلث أرضه وثلث شربه وشهد آخر بثلث شربه دون أرضه فان يقضى بثلث الشرب له لاتفاق الشاهدين عليه لفظا ومعنى وليس له في ثلث الارض الا شاهد واحد ولو أوصى بثلث شربه بغير أرضه في سبيل الله تعالى أو في الحج أو الفقراء أو في الرقاب كان باطلا لان صرف الموصى به إلى هذه الجهات يكون بتمليك العين أو بالبيع وصرف الثمن إليها والشرب لا يحتمل شيأ من ذلك فان كان أوصى بثلث حقه في النهر في كل شئ من ذلك جاز لانه أوصى معه بشئ من الارض يعنى أرض النهر وهو مما يحتمل التمليك مع الارض وإذا كان لرجل أرض وشرب فادعى الرجل انه اشترى ذلك منه بالف فشهد له شاهد انه اشترى الشرب والارض بالف وشهد الآخر انه اشترى الارض وحدها بغير شرب أو لم يذكر شربا فهذه الشهادة لا تجوز لان المشترى يكذب أحد شاهديه ولان القاضى لا يتمكن من القضاء بالشرب له لان الشاهد على شراء الشرب مع الارض واحد والمدعى غير راض بالتزام الالف بمقابلة الارض بدون الشرب فان كان هذا الثاني شهد أنه أشتراها بكل حق هو لها أو بمرافقها أو بكل قليل وكثير هو فيها أو منها جازت الشهادة لان الشرب يدخل في شراء الارض بذكر هذه الالفاظ وانما اختلف الشاهدان في العبارة بعد اتفاقهما في المعنى وذلك لا يمنع العمل بشهادتهما كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالنحلة ولو جحد المشترى البيع وادعي رب الارض انه باعها بالف بغير شرب فزاد أحد شاهديه الشرب أو الحقوق أو المرافق لم تجز الشهادة لان البائع مكذب أحد شاهديه وإذا باع الرجل شربا بأمة وقبضها فوطئها فولدت منه فهى أم لود له لانه ملكها بالقبض بحكم عقد فاسد وهو ضامن لقيمتها ولم يذكر العقر هنا وقد بينا أن هذا هو الاصح خصوصا فيما إذا تعذر ردها بان صارت أم ولد له ولو وطئها رجل بشبهة وأخذ بائع الشرب المهر أو قطع رجل يدها

[ 195 ] أو فقأ عينها فاخذ المشترى ارش ذلك ثم ماتت الجارية عنده ضمن قيمتها والارش والمهر له لانه انما يضمن قيمتها من وقت القبض فيتقرر ملكه فيها من ذلك الوقت فكان الارش والعقر حاصلا بعد ملكه فيكون له وهذا بخلاف الولد فانها لو ولدت ثم ماتت فالمشترى ضامن لقيمتها وعليه رد الولد مع رد القيمة لان الولد ليس بعوض عن جزء مضمون منها وانما يتقرر له الملك بالضمان فيتقرر الملك في المضمون أو فيما هو عوض عن المضمون أو فيما هو تبع للمضمون لان التبع يملك بملك الاصل والولد بعد الانفصال ليس بمضمون ولا هو عوض عن المضمون ولا هو تبع للمضمون فلا يسقط عنه وجوب رد الولد بتقرر الضمان عليه في الام فاما الارش فبدل جزء مضمون وقد سلم بدل هذا الجزء لمشترى الشرب حين ضمنه قيمتها صحيحة فلا يجوز أن يسلم له بدل آخر إذ لا يسلم للمرء بدلان عن شئ واحد وكذلك المهر فانه عوض عن المستوفى بالوطئ والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين وقد ضمن قيمة جميع العين فيسلم له ما كان بدل جزء من العين * فان قيل المستوفى بالوطئ في حكم جزء ولكنه جزء غير مضمون (ألا ترى) انه إذا لم يتمكن بالوطئ نقصان فيها وتعذر استيفاء العقر من الواطئ ردها المشترى ولم يضمن شيأ * قلنا نعم المستوفي بالوطئ جزء غير مضمون حقيقة ولكنه في حكم جزء من العين الذي هو مضمون ولهذا قلنا ان وطئ المشترى يمنع الرد بالعيب أو بمنزلة جزء هو ثمره كالكسب فالكسب تبع للمضمون في حكم الملك فكذلك العقر المستوفى من الواطئ * فان قيل فالولد أيضا خلف عن جزء هو مضمون وهو النقصان المتمكن بالولادة ولهذا ينجبر به * قلنا الخلافة بحكم اتحاد السبب لا لانه عوض عن ذلك الجزء وانما يمتنع رد العوض لوصول مثله إلى بائع الجارية وذلك غير موجود في الولد ولو كانت حية فأخذ البائع الجارية تبعها الارش والمهر لانه لم يتقرر ملك المشترى فيها بل انعدم من الاصل بردها ولانه كان يلزمه رد هذا الجزء حال قيامه فكذلك يلزمه رد بدله مع رد الاصل والله أعلم (باب الخيار في الشرب) (قال رحمه الله) وإذا اشترى أرضا بشربها وهو بالخيار ثلاثة أيام وفى الارض زرع قد اشترطه معها ثم سقى الزرع من ذلك الشرب أو من غيره أو سقي بذلك الشرب زرعا في أرض أخرى أو نخلا أو شجرا فهذا رضا وقطع للخيار لانه تصرف في المشترى تصرفا

[ 196 ] بصفة المالك وهو لا يملكه شرعا الا باعتبار الملك ويقصد بمباشرته اصلاح الملك واحرازه فكان دليل الرضا بتقرر ملكه ودليل الرضا في اسقاط الخيار كصريح الرضا ولو كان الخيار للبائع وصنع شيأ من ذلك فهو قطع للخيار وفسخ للعقد لانه مقرر لملكه بما باشر من التصرف فيه وكذلك لو كانت نخيلا فلقحها أو أرضا فكربها أو سرقنها فهو قطع للخيار وفسخ للعقد لانه مقرر لملكه وكذلك لوجد النخيل أو قطف الكرم فهذا كله تصرف باعتبار الملك ويقصد به أحراز الملك واصلاحه وإذا اشترى عشر نهر أو بئر على انه بالخيار ثلاثة أيام ثم سقى أرضا له من ذلك فهذا قطع للخيار بخلاف مالو سقي منه بقرا أو غنما له أو استقى للشقة من البئر أو للوضوء فهذا لا يكون رضا لان سقى الارض هو المقصود بالبئر والنهر ولا يملكه شرعا الا باعتبار ملكه فاقدامه عليه يكون تقريرا لملكه وأما الاستقاء للشقة فغير مقصود بالنهر والبئر ولا يختص ذلك بالملك شرعا فاقدامه عليه لا يكون دليل الرضا بملكه * يوضحه أن قبل البيع كان يملك الاستقاء من هذا البئر للشقة فكذلك بعد فسخ البيع يملكه فعرفنا انه لا أثر للبيع فيه وان اقدامه عليه لا يوجب تنفيذ البيع فأما سقى الارض فما كان يملكه قبل البيع ولا بعد فسخ البيع بل انما يمكن منه باعتبار البيع فاقدامه عليه تقرير للبيع وكذلك لو كان الخيار للبائع فالاستقاء للشقة لا يكون قطعا لخياره لان تمكنه منه ليس باعتبار قيام ملكه شرعا (ألا ترى) انه يتمكن منه بعد تمام البيع بالاجارة بخلاف سقى الارض منه وإذا اشترى نهرا وهو بالخيار ثلاثة أيام فسقى أجنبي أرضا له من ذلك النهر والمشترى لا يعلم به فليس هذا بقطع للخيار لانه لم يتمكن بفعل الاجنبي نقصان في العين ولا وجد من المشترى دليل الرضا به بخلاف ما لو عيبه أجنبي في يد المشترى فان خياره انما يسقط هناك لتمكن النقصان في العين وعجزه عن رده كما قبض وإذا اشترى نهرا بقناة وأسقط الخيار ثلاثة أيام فان سقى أرضه مما اشترى فهو اجازة للبيع وان سقاها مما باع فهو نقض للبيع لان خياره فيما باع خيار للبائع فسقيه فسقيه للارض مما باع دليل تقرر ملكه فيما باع وفيما اشترى دليل الرضا بتملكه ولو أن الآخر هو الذى سقي أرضه منهما أو من أحدهما لم يكن هذا نقضا للبيع ولا اجارة لان البيع في جانبه لازم وهو غير متمكن من اسقاط خيار صاحبه وهو نطير ما لو اشترى عبدا لجاريته وشرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام فان أعتق ما باع فهو نقض منه للبيع وان أعتق ما اشترى فهو اجازة وان فعل ذلك صاحبه لم يكن نقضا ولا اجازة لان عتق صاحبه فيما باع لم ينفذ

[ 197 ] لزوال ملكه وفيما اشترى لا ينفذ لانه لم يملكه فان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه ولو اشترى بئرا وهو بالخيار ثلاثة أيام وقبضها فانخسفت أو انهدمت أو ذهب ماؤها أو نقص نقصانا فاحشا لزمه البيع لتغير المبيع في يد المشترى فانه باختياره يملك الرد كما قبض ولا يملك الحاق الضرر بالبائع بالرد عليه متغيرا وقد عجز عن رده كما قبض ولو كان الخيار للبائع فذهب ماؤها عند المشترى فالبائع على خياره ان شاء أمضى البيع وأخذ الثمن وان شاء رد المبيع وأخذ قيمة النقصان لانها تعينت في ضمان المشترى وذلك لا يمنع البائع من التصرف بحكم خياره وإذا فسخ البيع بقيت مضمونة عند المشترى بالقبض والعقار يضمن بالقبض بجهه العقد فلهذا ضمنه النقصان ولو كان الخيار للمشترى فبناها وطواها حتى عادت كما كانت لم يكن له أن يردها لان هذا تصرف بحكم الملك وهو مسقط للخيار فكيف يعود به خياره الذى سقط وإذا اشترى بئرا وحريمها بشرط الخيار وفى حريمها كلا فارعاها الغنم وأبابها في عطن البئر لم يكن هذا رضا بمنزلة ما لو سقى منها غما له أو أباتها في العطن لان تمكنه من الكلا شرعا ليس باعتبار الملك فقد كان متمكنا منه قبل البيع وبعد فسخ البيع بخلاف ما لو حفر بئرا في حريمها أو بنى فيها فان هذا التصرف لا يملكه الا باعتبار ملكه فيكون اقدامه عليه دليل الرضا ولو كان فيه شجر مما تنبته الناس فافسدته الغنم أو قلعته كان هذا ملزما له لانه بمنزلة العيب الحادث في يد المشترى وذلك مسقط لخياره وكذلك لو فعل ذلك أجنبي ولو هدم البئر انسان فضمنه المشترى قيمة الهدم كان ذلك منه قطعا للخيار لان قبل التضمين سقط خياره للتعنيت والتضمين تصرف باعتبار الملك فلا يجوز أن يعود به ما سقط من الخيار وكرى النهر وكسر البئر رضا بالبيع لان هذا التصرف لا يفعل الا في الملك على قصد الاصلاح فهو كالبناء والحفر في القناة وان وقع في البئر ما ينجسه من عذرة أو شاة أو عصفور أو فارة فماتت فذلك يلزمه البيع سواء وجب نزح جميع الماء أو نزح بعض الدلاء لان الماء قد تنجس بما وقع في البئر قبل النزح منه فالنجاسة في الماء عيب في العرف والتعيب في ضمان المشترى مسقط لخياره وإذا استعار من رجل نهرا ليسقى منه به أرضه ثم اشتراه على انه بالخيار ثم سقى به أرضه فهذا قطع للخيار لانه بعد الشراء انما سقى به بحكم البيع لا بحكم الاستعارة فان الاعارة تنقطع بزوال ملك البائع بالبيع الثابت في حقه فتقدم الاستعارة وجودا وعدما بمنزلة وذلك لو باع المشترى الشرب بغير أرض أو ساوم به أو أجره اجارة صحيحة

[ 198 ] أو أجر الشرب اجارة فاسدة أو رهن واحدا منهما أو تزوج عليه أو أعاره واحد منهما فزرع المستعير الارض أو سقى بالشرب أو لم يفعل فهذا كله قطع للخيار لان ما باشر من التصرف لا يفعله الا المالك عادة فاقدامه عليه دليل الرضا بملكه ولو اشترى رحاما بنهرها والبيت الذى هو فيه ومتاعها على انه بالخيار ثلاثا فان طحن بها لم يكن رضا بها لان الطحن للاختبار لا للاختيار فان مقصوده من اشتراط الخيار انه ينظر هل يتم مقصوده بها أو لا يتم ولا يعرف ذلك الا بالطحن فهو نظير الاستخدام في المماليك وركوب الدابة للنظر إلى سيرها فان نقصها الطحن أو انكسرت فهذا رضا منه بسبب التعيب في ضمانه لا بسبب الطحن ولو اشترى أرضا وشربا وقال لى الرضا إلى ثلاثة أيام ان رضيت أجزت وان كرهت تركت أو قال لى الخيار ثلاثة أيام فهذا جائز لان المقصود بهذة الالفاظ اشتراط الخيار لنفسه ثلاثة أيام وانما يبني الحكم على ما هو المقصود وإذا باع أرضا وشربا بجارية واشترط الخيار ثلاثة أيام وكان مع الجارية مائة درهم فانفقها لم يكن هذا رضا بخلاف ما إذا قبل الجارية أو جامعها أو عرضها على البيع لان الجارية متعينة في العقد فاقدامه على تصرف فيها هو دليل الرضا بملكها ويكون اسقاطا للخيار فأما المائة التى قبضها فغير متعينة في العقد (ألا ترى) أنه كان لمشترى الارض أن يعطي غيرها وانه بعد الفسخ لا يجب على البائع رد المقبوض من الدراهم بعينه فلا يكون تصرفه فيها دليل الرضا بحكم البيع فكان على خياره بعد انفاقها ولو اشترى أرضا وشربا وشرط الخيار في الارض دون الشرب أو في الشرب دون الارض فهذا بيع فاسد لان الصفقة واحدة والثمن جملة والذى لم يشترط الخيار فيه يتم البيع فيه وثمنه مجهول بمنزلة ما لو اشترى ثوبين بثمن واحد على انه بالخيار في أحدهما بعينه وإذا اشترى العبد التاجر أرضا وشربا بشرط الخيار ونقض مولاه البيع أو أجازه فنقضه باطل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لانه حجر خاص في اذن عام واجازته تصح ان لم يكن عليه دين لان كسبه ملكه (ألا ترى) انه يتمكن من التصرف فيه بالبيع والهبة ويسقط به خيار العبد لا محالة فكذلك يصح منه اسقاط خياره وان كان عليه دين لم يجز لانه أجنبي من كسبه لا يتمكن فيه من التصرف المسقط لخياره فكذلك لا يملك اسقاط خياره فيه قصدا وان كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون ولبعض أرضهم سوانى في ذلك النهر لبعضها دوالى وبعضها ليست لها ساقية ولا دالية وليس لها شرب معروف من هذا النهر ولا من غيره فاختصموا في هذا النهر وادعي

[ 199 ] صاحب الارض ان لها فيه شربا وهى على شاطئ النهر فانه ينبغى في القياس أن يكون النهر بين أصحاب السوانى والدوالى دون أهل الارض لان يد أصحاب السوانى والدوالى ثابتة عليه بالاستعمال وليس لصاحب الارض مثل ذلك اليد فهو نظير ما لو تنازع اثنان في ثوب وأحدهما لابسه والآخر متعلق بذيله أو تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها ولكنه استحسن فقال النهر بينهم جميعا على قدر أراضيهم التى على شط النهر لان المقصود بحفر النهر سقى الاراضي لا اتخاذ السوانى والدوالى ففيما هو المقصود على حالهم على السواء في اثبات اليد فهو بمنزلة ما لو تنازعا في حائط ولاحدهما عليه جرادى أو بوارى أو تنازعا في دابة ولاحدهما عليها مخلاة أو منديل فانه لا يترجح بذلك لانه تحمل ليس بمقصود فوجوده كعدمه فكذلك اتخاذ السوانى والدوالى على النهر تبع غير مقصود فلا يترجح بذلك صاحبه فان كان يعرف لهم شرب قبل ذلك فهو على ذلك المعروف والا فهو بينهم على قدر أراضيهم لان الشرب لحاجة الاراضي فيتقدر بقدر الارض وان كان لهذا الارض شرب معروف من غير هذا النهر فلها شربها من ذلك النهر وليس لها من هذا النهر شئ لان الارض الواحدة لا يجعل شربها من نهرين عادة فكون شرب معروف لها من نهر آخر دليل ظاهر على أنه لا شرب لها في هذا النهر وان كانت على شطه ولان صاحب هذه الارض انما كان يستحق لها شربا من هذا النهر لحاجة الارض إلى الشرب وقد انعدم ذلك بالشرب المعروف لها من نهر آخر فان لم يكن لها شرب من غيره قضيت لها فيه بشرب ولو كان لصاحبها أرض أخرى إلى جنبها ليس لها شرب معلوم فانى أستحسن أن أجعل لاراضيه كلها ان كانت متصلة الشرب من هذا النهر وفى القياس لا يستحق الشرب من هذا النهر للارض الاخرى الا بحجة لان هذه الاخرى غير متصلة بالنهر بل الارض الاولى حائلة بين النهر وبينها ولكنه استحسن فقال لابد للارض من شرب لان الانتفاع بها لا يتأتى الا بالشرب والظاهر عند اتصال أراضيه بعضها ببعض ان تشرب كلها من هذا النهر فيجب البناء على هذا الظاهر ما لم يتبين خلافه فان قيل الظاهر يعتبر في دفع الاستحقاق لا في اثبات الاستحقاق والحاجة هنا إلى اثبات الاستحقاق قلنا نعم ولكن استحقاق المتنازعين له في هذا النهر غير ثابت الا بمثل هذا الظاهر فيصلح هذا الظاهر له معارضا ومزاحما لخصمائه وان كان إلى جانب أرضه أرض لآخر وأرض الاول بين النهر وبينها وليس لهذه الارض شرب معروف ولا يدرى من أين كان شربها فانى أجعل لها شربا

[ 200 ] من هذا النهر أيضا لان ما قررنا من الظاهر لا يختلف باتحاد مالك الارضين واختلاف المالك الا أن يكون النهر معروفا لقوم خاصا بهم فلا أجعل لغيرهم فيه شربا الا ببينة لان المنازعين هنا دليل لاستحقاق سوى الظاهر وهو اضافة النهر إليهم وهذه الاضافة اضافة ملك أو اضافة احداث أنهم هم الذين حفروا هذا النهر وهو مملوك لهم فلا يستحق غيرهم فيه شيأ الا ببينة فان كان هذا النهر يصب في أجمة وعليه أرض لقوم مختلفين ولا يدرى كيف كانت حاله ولا لمن كان أصله فتنازع أهل الارض وأهل الاجمة فيه فانى أقضى به بين أصحاب الارض بالحصص وليس لهم أن يقطعوه عن أهل الاجمة وليس لاهل الاجمة أن يمنعوه من المسيل في أجمتهم لان النهر انما يحفر لسقى الاراضي في العادة فالظاهر فيه شاهد لاصحاب الاراضي وهم المنتفعون بالنهر في سقى أراضيهم منه ولكن لاهل الاجمة نوع منفعة أيضا وهو فضل الماء الذى يقع في أجمتهم فلا يكون لاصحاب الاراضي قطع ذلك عنهم بالظاهر ولاصحاب الاراضي منفعة في مسيل فضل الماء في الاجمة فلا يكون لاصحاب الاجمة أن يمنعوهم ذلك بمنزلة حائط تنازع فيه رجلان ولاحدهما فيه اتصال تربيع ولآخر عليه جذوع فالحائط لصاحب الاتصال وليس له ان يكلف الآخر رفع حذوعه وهذا لان ما وجد على صفة لا يغير عنها الا بحجة ملزمة والظاهر لا يكفى لذلك ولو ان رجلا بني حائطا من حجارة في الفرات واتخذ عليه رحا يطحن بالماء لم يجز له ذلك في القضاء ومن خاصمه من الناس فيه هدمه لان موضع الفرات حق العامة بمنزلة الطريق العام ولو بنى رجل في الطريق العام كان لكل واحد ان يخاصمه في ذلك ويهدمه فأما بينه وبين الله تعالى فان كان هذا الحائط الذى بناه في الفرات يضر بمجرى السفن أو الماء بان لم يسعه وهو فيه أثم وان كان لا يضر باحد فهو في سعة من الانتفاع بمنزلة الطريق العام إذا بنى فيه بناء فان كان يضر بالمارة فهو آثم في ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وان كان لا يضر بهم فهو في سعة من ذلك ومن خاصمه من مسلم أو ذمى قضى عليه بهدمه لان الحق فيه للناس كافة فالمسلم والذمى في هذه الخصومة سواء (ألا ترى) أن للذمي حق المرور في الطريق كما للمسلم فكان له في هذه الخصومة من المنفعة مثل ما للمسلم وكذلك النساء والمكاتبون وأما العبد فلا خصومة له في ذلك لان العبد تبع لمولاه فلا حق له في الانتفاع بالطريق والفرات مقصود بنفسه بخلاف المكاتب والمرأة فهما في ذلك كالحر والصبي بمنزلة العبد تبع لا خصومة له في ذلك والمغلوب والمعتوه كذلك الا أن يخاصم عنه أبوه أو

[ 201 ] وصيه ولا فائدة في هذا الجواب الذى قاله انه يخاصم عن الصبي والمجنون أبوه أو وصيه لانهما يخاصمان في ذلك عن أنفسهما وان كانا قد أسقطا حقهما فهذا مما لا يسقط بالاسقاط فلا معنى لخصومتهما على وجه النيابة وهما يملكان ذلك عن أنفسهما وان كان نهر بين رجلين لاحدهما ثلثاه وللآخر ثلثه فاصطلحا على أن يسقى صاحب الثلث منه يوما وصاحب الثلثين يومين فهو جائز لانهما اقتسما ماء النهر بينهما على تراض والمناوبة بالايام في هذا كالقسمة قال الله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر وقال تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم وإذا كانت الارض في يد المشترى وهو بالخيار ثلاثة أيام فهدم البائع بناءها أو أفسد نهرها أو بئرها لم يكن للمشترى أن يرد بخياره وقد لزمه البيع ويضمن البائع قيمة ذلك لانها تعيبت في ضمان المشترى والبائع صار كالاجنبي لان البيع من جهته تم بالتسليم وكذلك لو كان المبيع عبدا فقتله البائع في يد المشترى كان البيع لازما للمشترى بالثمن وعلى البائع قيمته وكذلك لو اشترى ثوبا وقبضه ولم يره فحرقه البائع في يد المشترى لزم البيع للمشترى وهذا كله قول أبى حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الاول ثم رجع فقال لا يسقط خيار المشترى بما أحدث البائع في المبيع وليس البائع في ذلك كغيره من الاجانب لان تعذر الرد عند التعيب في ضمان المشترى لدفع الضرر عن البائع وقد وجد منه الرضا بهذا الضرر حين عيبه بخلاف ما إذا عيبه أجنبي والصحيح أن هذا الخلاف في خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار العيب سواء وقد بينا المسألة في كتاب البيوع ثلاثة نفر بينهم حرث حصدوه وجمعوه وفى يد أحدهم وضعوه ليحفظ لهم فزعم انه قد دفع نصيب الرجلين إلى أحدهما والمدفوع إليه ينكر ذلك والآخر ينكر أن يكون دفع إليه حقه أو يقول دفع إليه بغير أمرى أو بقي الثلث في يد الثالث وقال الدافع دفعت إلى صاحبي ثلثه أو حقه ثم قال دفعت إليه أيضا بعد ذلك ثلث صاحبه بامره وهما ينكران ذلك قال يقتسمون الثلث الذى بقي في يده بينهم أثلاثا ويضمن ثلث ما دفع فيكون للآخرين بينهما نصفين وهذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة حكم الاختصاص وحكم أداء الامانة وحكم الخلاف فاما بيان حكم الاختصاص فنقول جميع الزرع كان مشتركا بين ثلاثتهم وكان الحافظ أمينا في نصيب الآخرين ودعواه الدفع إلى أحدهما بامر صاحبه بمنزلة دعواه دفع نصيب كل واحد منهما إليه والقول قول الامين في براءته عن الضمان ولكن قوله في استحقاق شئ على صاحبه والثلث الذى بقي في يده مشترك بين ثلاثتهم

[ 202 ] باعتبار الاصل لانه جزء من ذلك المشترك فهو يدعي استحقاق نصيب الآخرين من هذا الثلث عليهما فلا يقبل قوله في ذلك ويقسم هذا الثلث بينهم أثلاثا باعتبار شركة الاصل (الا ترى) أن المكيل لو كان مشتركا بين اثنين فظهر نصفه في يد أحدهما وزعم ان صاحبه قد استوفى النصف الآخر وجحد صاحبه وحلف يجعل هذا النصف مشتركا بينهما والنصف الآخر كالتاوي فكذلك هنا إذا حلف الآخر ان على دعواه يجعل هذا الثلث بينهم أثلاثا وأما حكم الامانة فقد زعم انه دفع نصيب المدفوع إليه من الثلثين إليه فالقول فيه قوله مع اليمين لانه أمين ادعي رد الامانة على صاحبه ولكن بيمينه ثبتت براءته عن الضمان ولا يثبت الوصول إلى من زعم أنه دفع إليه كالمودع إذا ادعى رد الوديعة على الوصي فان الوصي لا يكون ضامنا للصبى شيأ بيمين المودع وأما حكم الخلاف فقد زعم أنه قد دفع نصيب الآخر إلى شريكه ودفع الامين الامانة إلى غير صاحبها موجب الضمان عليه الا أن يكون الدفع بامر صاحبها فقد أقر بالسبب الموجب للضمان في نصيبه وهو ثلث الثلثين وادعي المسقط وهو أمره اياه بالدفع إليه فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة وعلى المنكر اليمين فإذا حلف غرم له ثلث الثلثين ثم هذا الثلث بين الآخرين نصفان لانهما متفقان على انه لم يدفع إليه شيأ وان هذا المقبوض جزء من المشترك بينهما أو بدل جزء مشترك فيكون بينهما نصفين باعتبار زعمهما * رجل عمد إلى نهر المسلمين عامة أو نهر خاص عليه طريق العامة أو لقوم خاص فاتخذ عليه قنطرة واستوثق من العمل ولم يزل الناس والدواب يمرون عليه حتى انكسر أو وهى فوقع انسان فيه أو دابة فمات أو عبر به انسان وهو يراه متعمدا يريد المشي عليه فلا ضمان عليه في شئ من هذا لان ما فعله حسبة وقد وجد الرضا من عامة المسلمين باتخاذهم ذلك الموضع ممرا فكأنه فعله باذن الامام فلهذا لا يضمن ما تلف بسببه وان وضع عارضة أو بابا في طريق المسلمين فمشى عليه انسان متعمدا لذلك فانكسر الباب وعطب الماشي فضمان الباب الذي كسره ولا ضمان على واضع الباب الذى عطب به لان الماشي متعمد المشى على الباب مباشر كسره (ألا ترى) أن من أوطأ انسانا فقتله كان مباشرا لقتله حتى تلزمه الكفارة وواضع الباب وان كان قد تسببه متعديا ولكن الماشي تعمد المشي عليه ولا يعتبر التسبب إذا طرأت المباشرة عليه كمن حفر بئرا في الطريق فتعمد انسان القاء نفسه في البئر أو ألقاه فيه غيره لا يكون على الحافر شئ وعلى هذا من رش الطريق فتعمد انسان المشى في ذلك الموضع وزلقت رجله وعطب لم يكن على

[ 203 ] الذى رش ضمان بخلاف من مشى على ذلك الموضع وكان لا يبصره بان كان أعمى أو كان ليلا فحينئذ يجب الضمان على الذى رش الطريق إذا عطب به الماشي وتمام بيان هذه الفصول في الديات واصلاح النهر العام على بيت المال لانه من تمام نوائب المسلمين ومال بيت المال معد لذلك ولو أن الوالى أذن لرجل أن ينصب طاحونة على ماء لقوم خاصة في أرض لرجل ولا يضر أهل النهر شئ وأهل النهر يكرهون ذلك أو يضرهم والوالى يرى في ذلك صلاحا للعامة فانه لا ينبغى أن يضع ذلك الا باذن صاحب الارض وصاحب النهر لانه ملك خاص وليس للامام ولاية النظر في الملك الخاص لانسان بتقديم غيره فيه عليه بل هو في ذلك كسائر الرعايا وانما يثبت له حق الاخذ من المالك عند تحقق الضرورة وخوف الهلاك على المسلمين بشرط العوض كما يكون لصاحب المخمصة فلهذا لم يعتبر اذن الامام هنا * أهل مدينة بنوها بعد قسمة الوالي بينهم وترك فيها طريقا للعامة فرأى الوالى بعد ذلك أن يعطى بعض الطريق أحدا ينتفع به ولا يضر ذلك باهل الطريق فان كانت المدينة للوالي فهو جائز وان كانت للمسلمين فلا ينبغى له أن يعطى منها شيأ ولا بنبغى للذى يعطى أن يأخذ من ذلك شيأ لان الحق في ذلك الموضع ثابت للمسلمين وللامام ولاية استيفاء حقهم دون الاسقاط وايثار غيرهم عليهم في ذلك (ألا ترى) أن الرجل لما جاء بكبة من شعر إلى رسول الله وقال أخذتها من الفئ لاخيط بها برذعة بعير لى فقال عليه الصلاة والسلام اما نصيبي منها فهو لك فلما تحرز رسول الله من تخصيصه بتلك الكبة دون سائر الغانمين عرفنا أن على كل والى ان يتحرز من مثل ذلك أيضا * قوم اقتسموا أرضا لهم بينهم بالسوية ثم اختلفوا في مقدار الطريق فان كانوا قد اختلفوا بعد تمام القسمة فالقول قول المدعي عليه لانكاره حق الغير فيما في يده وان كانوا لم يفرغوا من القسمة جعلوا الطريق بينهم على ما شاؤا وقد بينا الكلام في الطريق في كتاب القسمة وان الاثر المروى فيه بالتقدير بسبعة أذرع غير مأخوذ به والى ذلك أشار هنا فقال بلغنا في ذلك عن عكرمة أثر يرفعه إذا اشتجر القوم في الطريق جعل سبعة أذرع ولا نأخذ به لانا لا ندرى أحق هذا الحديث أم لا ولو علمنا انه حق أخذنا به ومعنى هذا انه أثر شاذ فيما يحتاج الخاص والعام إلى معرفته وقد ظهر عمل الناس بخلافه فان الصحابة رضى الله عنهم فتحوا البلاد ولم ينقل عن أحد انه أخذ بهذا الحديث في تقدير الطريق المنسوب إلى الناس بسبعة أذرع فعرفنا ان الحديث غير صحيح ولو علم انه حق

[ 204 ] وجب الاخذ به لان ما قدره صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام بتقدير يجب العمل به ولا يجوز الاعراض عنه بالرأي قولهم عشر بستات من ماء يجرى لهم جميعا في نهر ومنهم من يرى عشر منتات وهو صحيح أيضا وكل واحد من اللفظين مستعمل في قسمة الماء وكل منت ست بستات وكل بست ست شعرات وهو معروف بين أهل مرو ومقصوده ما قال إذا اصفى منها من رجل منهم وقطع ذلك من نهرهم بحق الذى أصفى عنه من غير قسمة فهو شريكهم فيما بقي والذى أصفى من حقهم جميعا فالاصفاء هو الغصب فمعناه إذا غصب الوالي نصيب أحد الشركاء من الشرب وجعل ذلك لنفسه أو لغيره فهذا المغصوب يكون من حق الشركاء كلهم وما بقى مشترك بينهم على أصل حقهم لان المغصوب كالمستهلك وما توى من المشترك يتوى على الشركة وما يبقي يبقي على الشركة فهذا مثله رجل له مجرى ماء يجرى إلى بستانه أو يجرى إلى دار قوم ميزاب له أو كان له ممشى في داره قوم قد كان يمشي فيه الي منزله فاختلفوا في ذلك من أين يعلم أنه للمدعى قال إذا شهدوا ان له طريقا فيها أو مجرى ماء أو مسيل ماء قبلت الشهادة وقضى له بذلك لانه يدعى لنفسه حقا في ملك الغير فلا تسمع دعواه الا بحجة وما غاب عن القاضى علمه فالحجة فيه شهادة شاهدين ولا حاجة بالشاهدين إلى بيان صفة الطريق والمجري والمسيل وان كانوا بينوا ذلك كان أحسن وقد بينا هذا في كتاب الدعوى والله أعلم بالصواب (تم الجزء الثالث والعشرون من كتاب المبسوط للامام السرخسى الحنفي رحمه الله) (ويليه الجزء الرابع والعشرون وأوله كتاب الاشربة)