انتقل إلى المحتوى

مالي تطيح صروف الدهر أخياري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مالي تُطيحُ صُروفُ الدَّهر أخياري

​مالي تُطيحُ صُروفُ الدَّهر أخياري​ المؤلف الشريف المرتضى


مالي تُطيحُ صُروفُ الدَّهر أخياري
والمرءُ من كلِّ شيءٍ حازَه عارِ
يَزْهَى بجارٍ ودارٍ وهْيَ آهلةٌ
حتّى يصيرَ بلا جارٍ ولا دارِ
وسِيقَ سَوقاً عنيفاً غيرَ مُتَّئدٍ
إلى التي نبشتها كفُّ حفارِ
في قعرِ شاحطةِ الأعماقِ حالكةٍ
سدتْ مطالعها بأحجارِ
هَوَى إِليها بلا زادٍ سِوى أَرَجٍ
من مندلٍ عبقٍ أو سحقِ أطمارِ
ذاقَ الرَّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ بهِ
و ناعمٌ بين جناتٍ وأنهارِ
لم يُغنِ عنه وقد همَّ الحِمامُ بهِ
أنْ باتَ من دونِ أردامٍ وأستارِ
أمّا الزَّمانُ فغدَّارٌ بصاحبهِ
وما الشّقاوةُ إِلاّ حبُّ غدَّارِ
فبينما هو يُعطيني ويُوسِعُ لي
حتّى يكونَ بهِ فَقري وإِعساري
فليس يُنصفُني مَن عاد يظلمُني
و ليس ينفعني من كان ضراري
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ
ما كان إلاَّ به حرمانُ أوطاري؟
ندورُ في كلِّ مَخشاةٍ ومَرْغَبَةٍ
من تحتِ مُستعجل الوثباتِ دوَّارِ
كأنَّنا تَترامانا نوائبُهُ
عصفٌ ترامى به سوراتُ تيار
ظِلُّ وشيكٌ تَلاشِيهِ وأفنِيَةٌ
موضوعةٌ نصبَ إخرابٍ وإقفارِ
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مغمضةً
إِغماضَ ليثٍ منَ الأرواح مُمْتارِ
الدَّهرُ سالبُ ما أعطَى ومانِعُهُ
فما الصَّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ
تُقيمُ منه على عوجاءَ زائلةٍ
ومائلٍ مُزلِقِ الأرجاءِ مُنهارِ
والمرءُ مادامَ مأسوراً بشهوتِهِ
معذَّبٌ بينَ إِحلاءٍ وإمرارِ
طوراً جديباً وطوراً ذا بلهينةٍ
فمَن عَذيريَ من تاراتِ أطواري؟
من عائدي من جوى همٍّ يؤرقني
نَفى رقادي وجافَى بينَ أشفاري؟
أرعَى نجوم الدُّجَى أنَّى مسالكُها
ولانديمَ سِوى بثِّي وأفكاري
لحادثٍ في أخٍ ماكنتُ أحذرُه
وأينَ من حادثاتِ الدهرِ إحذاري؟
لما دعا باسمه الناعي فأسمعني
ضاقتْ عيّ هموماً كلُّ أوطاري
ولُذتُ عنه بإنكاري منيَّتَهُ
حتى تحقق شرادٌ بإنكاري
فالآن بين ضلوعي كلُّ لاذعةٍ
تدمى وحشو جفوني كلُّ عوارِ
رزئتهُ حاملاً ثقلي ومضطلعاً
شحاً عليها من الأقوام أسراري
فيا دموعي كوني فيه واكفةً
ويا فؤادي أحترقْ جرَّاهُ بالنّارِ
عرِّجْ على الدّارِ مُغبرّاً جوانبُها
فاسأل بها عجلاً عن ساكني الدارِ
كانتْ تَلألأُ كالمصباح وهْيَ بما
جنى عليها الردى ظلماءُ كالقارِ
وقلْ لها: أَين ماكنَّا نراهُ على
مرَّ الندى بكِ من نقضٍ وغمرار؟
وأينَ أوعيةُ الآدابِ فاهقةً
تجري خِلالَكِ جَريَ الجدول الجاري؟
وأينَ أبكارُ فضلٍ جئنَ فيكِ وقد
جاءَ الرِّجالُ بعُونٍ غيرِ أبكار؟
و أين طيبُ ليالٍ فيك ناعمةٍ
كأنهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ؟
يا أحمدُ بن عليٍّ والردى عرضٌ
يزورُ بالرُّغم منّا كلَّ زَوّارِ
نأى يشقُّ مداهُ أن تقربهُ
قلائصٌ طالما قربن أسفاري
علقتُ بحبلٍ غيرِ منتكثٍ
عند الحفاظِ وعودٍ غيرِ خوّارِ
فلم تفذنيَ إلا ما أضنُّ به
ولم تَزدنيَ إِلاَّ طيبَ أخبارِ
لاعارَ فيما شربتَ اليومَ غُصَّتَهُ
منَ المنونِ وهل بالموتِ مِن عارِ
ولم يَنلْكَ سِوى ما نال كلَّ فتىً
عالي المكانِ ولاقَى كلَّ جبّارِ
فلو وَقَتْكَ منَ الأقدار واقيةٌ
حماكَ كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ
إذا دعتهُ من الهيجاء داعيةٌ
سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكِب السَّاري
ما كان ثاري بناء عن منال يدي
لو كان في غير أثناء الردى ثاري
فاذهبْ كما ذهبتْ سراءُ أفئدةٍ
أو أمنُ خائفةٍ أو نيلُ أوطارِ
عريانَ من كلّ ما عيبَ الرجالُ به
صِفْرَ الحقيبةِ من شيءٍ من العارِ
و لا يزلْ خضلِ الهدابِ يقطره
على تُرابك سَحّاً ذاتُ إعصارِ
حتى يُرى بينَ أجداثٍ يحاورُها
ريانَ ملآنَ من زهرٍ ونوارِ