كتاب جماع العلم/بيان فرائض الله تعالى
[أخبرنا الربيع بن سليمان] قال: [قال الشافعي]: فرض الله عز وجل في كتابه من وجهين: أحدهما أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر، والآخر أنه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه -ﷺ- ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله -ﷺ- في كتابه بقوله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وبقوله تبارك اسمه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} إلى تسليما وبقوله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} مع غير آية في القرآن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله -ﷺ- فبفرض الله عز وجل قبل.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه، ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل ثم رسوله -ﷺ- فنفرق بين ما فرق منها ونجمع بين ما جمع منها فلا يقاس فرع شريعة على غيرها وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم ساقطة عن الحيض أيام حيضهن، ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز الدخول في واحدة منهما إلا بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان موجودا أو التيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما وفي الحضر أو كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في العضو أو زيادة في العلة ونجدهما مجتمعتين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالأرض ونجدهما وإذا كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلي تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ إيماء ولا نجد ذلك للمصلي فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من الخوف ونجد المصلي صلاة تجب عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المتنفل يجوز له أن يصلي جالسا ونجد المصلي فريضة يؤديها في الوقت قائما، فإن لم يقدر أداها جالسا، فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن قدر وموميا إن لم يقدر. ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة تكون إلا ثابتة أو ساقطة فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أداؤها مما وجبت في جميع الحالات مستويا ليست تختلف بعذر كما اختلفت تأدية الصلاة قائما أو قاعدا ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان عليه دين مثله زالت عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شيء في تلك الحال والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها [قال الربيع]: وللشافعي قول آخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل أن الله عز وجل قال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فلما كانت هذه العشرون لو وهبها جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها مال من ماله وجبت عليه فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم} الآية.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها ولا تزول عنها الزكاة، وكذلك الصبي والمغلوب على عقله.