كتاب الزهرة/الباب الثمانون ذكر الوحوش التي تصاد والجوارح التي تصطاد
المظهر
الباب الثمانون ذكر الوحوش الَّتي تصاد والجوارح الَّتي تصطاد
قال امرؤ القيس:
وقد أغتدي والطَّير في وكراتها
لغيثٍ من الوسميِّ رائده خالِ
تحاماه أطراف الرِّماح تحامياً
وجاد عليه كلَّ أسحم هطَّالِ
بعجلزةٍ قد أترز الغزو لحمَهَا
كُميت كأنَّها هراوةُ منوالِ
ذعرتْ بها سرباً نقيّاً جلوده
وأكرعه وشي البرود من الخالِ
فخرَّ لروقيه وأمضيتُ مقدماً
طوال القرى والرّوق أخنسُ ذيالِ
وعاديت منه بين ثور ونعجةٍ
وكانَ عداء الوحش منِّي علَى بالِ
كأنِّي بفتخاء الجناحين لِقْوَةً
طلوب من العقبان طأطأت شملالِ
كأنَّ قلوب الطَّير رطباً ويابساً
لدى وكرها العُنّاب والحشف البالي
وله أيضاً:
فعنَّ لنا سرب كأنَّ نعاجَهُ
عذارى دُوار في مُلاءٍ مُذيَّلِ
فأدبرنَ كالجزع المفصَّل بينَهُ
بجيد مُعَمٍّ في العشيرةِ مخوَل
فألحقه بالهاديات ودونه
جواحرها في صرَّةٍ لم تزيَّلِ
فعادى عِداءً بين ثور ونعجةٍ
دِراكاً ولم يُنضحْ بماء فيغسلِ
فظلَّ طهاة اللَّحم من بين مُنضجٍ
صفيفٍ شِواءٍ أوْ قديرٍ معجَّلِ
ورُحنا يكاد الطَّرف يقصرُ دونه
مَتَى ما ترقُّ العين فيه تَسَهَّلِ
فباتَ عليه سرجُهُ ولجامهُ
وباتَ بعيني قائماً غير مرسلِ
قال الأخطل:
هل تعرف اليوم من ماويَّةَ الطللا
تحملت أنْسهُ منه وما احتملا
فما به غيرُ موشيّ أكارِعُهُ
إذا أحسَّ بشخص نابئٍ مثلا
ما زالَ في حِقْفِ أرطاةٍ يلوذُ بها
إذا أحسَّ مسيلاً تحته انتقلا
كأنَّما القطر مرجانٌ يُساقطه
إذا علا الرَّوق والمتنين والكفلا
يُشلي سلوقيَّةً غضفاً إذا اندفعتْ
حاكى جَديلةَ في الآثارِ أو ثُعلا
مُكَلبين إذا اصطادوا كأنَّهم
يسقونها بدماءِ الأيِّد العَسَلا
فانصاعَ كالكوكب الدُّريّ جرَّدهُ
غيث تقسّع عنه طالما هطلا
كأنَّهنَّ وقد سُربلنَ من عَلَقٍ
يَغشينَ مُوقدَ نارٍ يقذفُ الشُّعلا
إذا أتاهنَّ مظلومٌ عكفنَ به
عكف الفوارسِ خافوا الدَّارع البطلا
قال أبو البيداء الأعرابي:
مطوَّقةٍ كُسيتْ زينةً
بدعوةِ نوحٍ لها إذ دعَا
فلم أرَ باكيةً مثلَها
تُبكِّي ودمعتُها لا تُرى
أضلَّتْ فُريخاً فطافتْ به
وقد علِقتهُ حبالُ الرَّدى
فلمَّا بدا اليأسُ منهُ بكتْ
عليهِ وماذا يردُّ البُكا
وقدْ صادهُ ضرمٌ مُلجمٌ
خفوقُ الجناحِ حثيثُ النَّجا
وحتَّ بمخلبهِ قارتاً
على خطمهِ منْ دماءِ القطَا
فآنسن سربَ قطَا قاربٍ
جبَى منهلٍ لم تهجه الدَّلى
وصعَّدَ في الجوِّ ثم اسْتدا
رَ طار حثيثاً إذا ما انْصمى
يُبارينَ ورداً فلمْ يرعو
ينَ على ما تذكرَ أو ما دنا
بهِ رفقةٌ من قطاً واردٍ
وأُخرى صوادرَ عنهُ رِوا
فملأنَ أسقيةً لم تُشدْ
بخرزٍ وقد شُدَّ منها العرَا
فأقعصَ منهنَّ كدريَّةً
ومزَّقَ حيزومَها والحشَى
فطار وغادر أشباهها
تطيرُ الحتوف بها والضّنا
قال أبو نواس:
سودُ المآقي صفرُ الحمالق
كأنَّما يصْفرن في ملاعق
صرصرة الأقلام في المهارق
غاديتها قبل الصَّباح الفائق
وقال أيضاً:
أنعَتُ كلباً أهلُهُ في كدِّه
قد سعِدَتْ حدودهمْ بجدّه
فكلُّ خير عندهم من عندهِ
يظلّ مولاه له كعبده
يبيت أدنى صاحب من مَهده
وإن غدا جلَّله ببردِه
تلذُّ منه العين حسن قدّه
يا لك من كلبٍ نسيج وحدِه
وقال أيضاً:
لمَّا تبدَّى الصُّبحُ من حجابِهِ
كطلعة الأشمط من جلبابه
هِجْنا بكلبٍ طالَ ما هجنا به
ينتسفُ المِقودَ من جذَّابه
تراهُ في الحُضرِ إذا ماها به
يكادُ أن يخرجَ من إهابه
وقال أيضاً:
قد أغتدي والصُّبحُ مشهورُ
قد طلعتْ منهُ التَّباشيرُ
بمخطفِ الأيطل في خطمه
طوى وفي شدقيه تأخيرُ
كأنَّه سهمٌ إلى غايةٍ
أوْ كوكبٌ في الأرضِ محدودرُ
رُحنا به تنفخ أعطافه
وهو بما أولاه مشكورُ
وقال أيضاً:
قد أغتدي في فلقِ الصَّباحِ
بمُصعمٍ يرجُرُ في سراحِ
مؤيّد بالنَّصرِ والنَّجاحِ
فهو كميشٌ ذرب السّلاحِ
يفتِرُ عن مثل شَبَا الرِّماحِ
يطيرُ في الجوِّ بلا جناحِ
قال أيضاً:
قد أغتدي والشَّمسُ في حجابها
مستورةً لم تبدُ من جلبابها
بفهدةٍ بورك في حلاَّبها
شقياً لها وللَّذي غَدَا بها
كأنَّما النمرةُ في أقرابها
رقم ديابح علَى أثوابها
فخطفت الكشحين في اضطرابها
كأنَّها القناةُ في انتصابها
والحيَّة الرَّقطاء في انسكابها
وسرعة العقاب في انسيابها
فأبصرتُ من حيث يَممنا بها
عُفْر الظِّباء وهي في أسرابها
فأقبلت تمرحُ في جذابها
حتَّى إذا ما أكثرت رمى بها
فلو ترى الفهدة في التهابها
في نأيها عنهنَّ واقترابها
تكاد أن تخرج من إهابها
فالويل منهنَّ لمن يصلى بها
قال أيضاً:
وقانصٍ محتفزٍ دميم
كُدْريّ لونٍ أغبرٍ شيتمِ
فلا عن الحيلة بالسؤوم
أسرع من لحظةِ طرف بومِ
فلا عن الحيلة بالسؤوم
أسمع من ذي لبدة صميمِ
إذا اجتلا عالية النميم
كأنَّما يُلهب من جحيمِ