كتاب الزهرة/الباب التاسع والسبعون ذكر ما يختار من القول في صفات الإبل والخيل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب التاسع والسبعون ذكر ما يختار من القول في صفات الإبل والخيل

أنشدني عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري لزهير بن أبي سلمى:

كأنَّ الرَّحْلَ منها فوق صَعْلٍ
من الظِّلمانِ جُؤجؤه هواءُ
أصكّ مُصلَّم الأذنينِ أجنًى
له بالسِّيِّ تنوم وآءُ
أذلكَ أم أقبُّ البطن جأبٌ
عليه من عقيقته عِفاءُ

وقال القطامي:

يمشين رهواً فلا الإعجاز خاذلةٌ
ولا الصدور علَى الإعجاز تتكلُ
فهُنَّ معتدلات والحصى رمضٌ
والريح ساكنةٌ والظل معتدلُ
يتبعن سامية العينين يحسبُها
مجنونة وترى ما لا ترى الإبلُ

وقال كعب بن زهير:

حرف أخوها أبوها من مُهجَّنةٍ
وعمُّها خالُها قَوْداء شِمْليلُ
تحفي التراب بأظلاف ثمانيةٍ
بأربع وقعها في الأرض تحليلُ

ولخلف الأحمر يصف الفرس:

رحبُ الفروج كأن قنطرةً
حيث التقى في الصُّلب أضلعُهُ
مستقبل وجه الشمال لها
زجلٌ علَى روقيه تقرعُهُ
وكأنما جهِدت أليَّتُهُ
ألا تمسَّ الأرض أربعُهُ

وهذا مأخوذ من قول الأعشى:

ما زلت أرمُقهمْ وآملُهمْ
حتَّى أجدّوا السير فامتنعوا
بجلالةٍ أُجدٍ مُداخلةٍ
ما إن تكادُ خفافها تقعُ

وللحطيئة:

ترى بين لحييها إذا ما ترغَّمتْ
لُعاباً كبيت العنكبوت المُمدَّدِ
وتشربُ في القعب الصَّغير وإن تُقد
بمشفرها يوماً إلى اللَّيل تنقدِ
وإن نظرتْ يوماً بمؤخر عينها
إلى عَلَم بالغور قالتْ لهُ ابعدِ

وللشماخ:

فَسَلِّ الهمَّ عنك بذات لوثٍ
عذافرةٍ مُضبَّرةٍ أمون
إذا بلغتني وحملت رحلي
عرابة فاشرقي بدم الوتين

فلعمري ما أنصفها ولا أحسن صحبتها إذ جعل مكافأتها على تبليغها إيَّاه لمنيته أن يفجعها بمهجتها. ولعمري لأحسن منه قول الحسن بن هانئ حيث يقول:

أقولُ لناقتي إذْ بلَّغتني
لقد أصبحت عندي باليمينِ
فلم أجعلك للغربان نهباً
ولم أقلْ اشرقي بدم الوتين

قال الراعي:

وذات هِبابٍ صموت السُّرى
بأعطافها العرقُ الأصفرُ
وهي إذا قام في غرزها
كمثل السَّفينة أوْ أوقرُ

قال ذو الرمة:

تُصغي إذا شدَّها بالرَّحل جانحةً
حتَّى إذا ما استوى في غَرْزها تَبَبُ
يعلو الحُزون بها عمداً ليتبعَها
شبهَ الضّرار فما يُزري بها التعبُ

لشامة بن الغدير:

كأنَّ يديها إذا أرقلتْ
وقد جُرْنَ ثمَّ اهتدينَ السَّبيلا
يدا سابحٍ خرَّ في غمرةٍ
قد أدركه الموت إلاَّ قليلا

ولآخر:

إذا بركتْ خوَّتْ علَى ثَفَناتها
مجافيةً صُلباً كقنطرةِ الجسرِ
كأنَّ يديها حين تجري صُفُورها
طريدان والرجلان طالبتا وترِ
تجوبُ بها الظّلماء عَين كأنَّها
زجاجةُ شرْبٍ غيرُ ملأى ولا صفرِ
تناسى طلاب السَّامريَّة إذْ نأتْ
بأسحج مرقال الضحى قلق الضفْرِ

ومن جيد ما قيل في جياد الخيل قول أبي دؤاد:

وقد أغتدي في بياض الصَّبا
ح وإعجاز ليلٍ موليِّ الذَّنَبْ
بطرف ينازعني مرسناً
سلوف المقادة مَحض النَّسبْ
إذا قيد قحّم من قاده
وولَّى علابيُّهُ واجلعبْ
كظهر الردينيّ بين الأكف جر
ى في الأنابيب ثم اضطربْ

ومن المختار قول امرئ القيس:

مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مُدبرٍ معاً
كجلمود صخرٍ حطَّه السيلُ من علِ
كُميت يزلُّ اللِّبدُ عن حال متنه
كما زلَّت الصَّفواء بالمتنزّلِ
علَى الذّيل جياش كأنَّ اهتزامَهُ
إذا جاشَ فيه حميمُهُ غَليُ مِرجلِ
مِسَحٍّ إذا ما السابحات علَى الونى
أثرْنَ الغبارَ بالكديد المُركلِ
يزل الغلام الخف عن صهواته
ويلوي بأثواب العنيف المثقلِ
دَريرٍ كخذروف الوليد أمرّهُ
تتابع كفَّيه بخيط مُوَصّلِ
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ
وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
ضليع إذا استدبرته سدّ فرجةً
بضاف فويق الأرض ليس بأعزلِ
كأنَّ سراته لدى البيتِ قائماً
مداك عروس أوْ صراية حنظلِ
كأنَّ دماء الهاديات بنحرِهِ
عصارة حِنَّاءٍ بشيبٍ مرجَّلِ

قال أُبي بن أبي سلمى بن ربيعة بن ريَّان:

سبوحٌ إذا اعترمت في العنا
ن مَروحٌ ململة كالحَجَرْ
ولو طار ذو حافر قبلها
لطارت ولكنَّه لم يطرْ

قال الرقاد بن المنذر الضبِّيّ:

إذا المُهرة الشَّقراء أركبُ ظهرُها
فشبَّ الإله الحربَ بين القبائلِ
وأوقد ناراً بينهم بضرامها
لها وَهَجٌ للمصطلي غيرُ طائلِ
فدًى لفتًى ألقى إليَّ برأسها
تلادي وأهلي من طريف وجامِلِ

قال أبو البيداء الأعرابي أوْ خلف أوْ ابن جهم المازني:

ألم ترني أغتدي في الصَّبا
ح بأجردَ كالسِّيد عبلِ الشّوى
كأنَّ بمنكبه إذْ جَرَى
جناحاً يقلِّبُهُ في الهَوَى
طويل الذّراعين أطمى الكعو
ب ناتي الحماتين عاري النسا
له كَفَلٌ أيّد مشرفٌ
وأعمدةٌ لا تشكَّى الوجى
له تسعة طُلنَ من بعد أن
قصُرْنَ له تسعة في الشّوى

يعني عنقه وخديه وبطنه وذراعيه وفخذيه وذنبه، هذه كلها يستحب طولها وممَّا يستحب قصره أربعة: أرساغه ووظيفا يديه وعسيبه وساقاه.

وسبع عَرينَ وسبع كُسين
وخمسٌ رِواء وخمس ظِما

سبعة عرين: الخدَّان والجبهة والوجه والقوائم، وسبع كسين: الفخذان وحماتاه ووركاه وحصيرا جنبه.

وسبعٌ غِلاظ وسبع رقا
ق وصهوةُ عَيْرٍ ومتنٌ خَظَا
وسبعٌ بعُدنَ وسبعٌ قرب
ن منَّا فما فيه عيبٌ يُرى
دقيق الثَّمان عريض الثَّما
ن شديد الصّفاق شديد المَطَا

الثمان الدقاق: عرقوباه وقلبه ومنكباه، وأذناه. والثمان العراض: الجبهة والمحزم والصدر والصهوة والفخذان والوظيفان.

وفيه من الطَّير خمس فمن
رأى فرساً مثله يُقتنى
غرابان فوق قطاة له
ونسرُ ويعسوبه قد بدا
جعلنا له من خيار اللّقا
حِ خمساً مجاليج كوم الذرى
ويؤثر بالزَّاد دون العيا
لِ فكلّ مسير به يقتفى
فقاظ صنيعاً فلمَّا شتا
أخذناه بالقَوْد حتَّى انطوى

قال أُنيف بن جبلة الضبّي:

أما إذا استقبلته فكأنه
في العين جذع من أُوالَ مُشذَّبُ
وإذا عرضت له استوت أقيادُهُ
وكأنه مُسْتَدْبرٌ مُتصوِّبُ

ولعلي بن جبلة:

وأذعرُ الربرب عن أطفاله
بأعوجيٍّ دُلفي المُنْتَهبْ
كأنه من مرحِ العدو به
مُستنفرٌ لروعةٍ أوْ مُلْتهبْ
مطرَّدٌ يرتج من أقطاره
كالماء جالت فيه ريحٌ فاضطربْ
تحسبهُ أقعدَ في استقبالهِ
حتَّى إذا استدبرته قلتُ أكبْ
وهو علَى إرهافه وطيِّه
يقصر عنه المحزمان واللببْ
تقول فيه جنبٌ إذا انتحى
وهو كمتن القدح ما فيه جَنَبْ
يخطو علَى عُوج تناهبن الثَّرى
لم تتواكل عن شظى ولا عَصَبْ
تحسبها بائنة إذا خطتْ
كأنَّما وظيفُهُ علَى نكبْ
يرتابهُ الصّيد فَرادينا به
أوابدَ الوحشِ فأجدى واكتسبْ
ينحط في الحربِ يباري ظلّه
ويعرق الأحقب في شوط الخببْ
إذا تبطَّنا به صَدَّفَه
وإنْ بطنّى فوقه العين كذبْ
لا يبلغ الجهدَ به راكبه
ويبلغ الرُّمحَ به حيث طلبْ

قال آخر:

في كلِّ منبت شَعرةٍ من جسمه
خطٌّ ينمّقهُ الحسامُ المخذم
ما يدرك الأبصار أدنى جريه
حتَّى يفوت الرُّمح وهو مُقدَّم
وكأنَّما عقد النُّجوم بطرفِهِ
وكأنَّه بعُرَى المجرَّةِ مُلجم

وللبحتري:

وأغرَّني الزَّمنُ البهيمُ مُحجَّلٌ
قد رحتُ منه علَى أغرَّ مُحجَّل
كالهيكل المبني إلاَّ أنَّه
في الحسنِ جاء كصورةٍ في هيكلِ
تتوهمُ الجوزاء في أرساغِهِ
والبدر غُرَّة وجهه المُتهلل
هزج الصَّهيل كأنَّ في نغماتِهِ
نبرات معبد في الثَّقيل الأوَّل
ملأ العيون فإن بدا أعطيتَه
نظر المحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ

وقال أيضاً:

وعريض أعلى المتن لو علّيتهُ
بالزِّئبق المُنهال لم يترجرجِ
جذلان تحسده الجياد إذا مشى
عَبَّا بأحسن حلَّةٍ لم تنسجِ
خفيت مواقع وطئه فلو أنَّه
يجري برملةِ عالجٍ لم يُرهجِ

وله أيضاً:

أما الجواد فقد بلونا يومُهُ
وكفى بيومٍ مخبراً عن عامه
جارى الجياد فطار عن أوهامه
سبقاً وكادَ يطيرُ عن أوهامه
جذلان تلطمه جوانب غرَّةٍ
جاءت مجيءَ البدر عند تمامه
واسودَّ ثمَّ صَفَت لعيني ناظرٍ
جنباتُهُ وأضاءَ في إظلامه
يختال في استعراضه ويكبُّ في
استدباره ويشبُّ في استقدامه
فكأنَّ فارسَهُ وراء قذاله
ردف فلست تراه من قُدَّامه
لانتْ معاطفه فخيّل أنَّه
للخيزران مناشب بعظامه
وكأنَّ صهلته إذا استغلى بها
رعدٌ تقعقع في ازدحام غمامه