كتاب الزهرة/الباب الثاني والستون ذكر من سود في حداثته وقدم في بلاغته

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الثاني والستون ذكر من سود في حداثته وقدم في بلاغته

أنشدني أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:

لعمرك إنِّي يوم فيد لمعتلٍ
بما ساء أعدائي علَى كثرةِ الدخرِ
أمارس عن نفسٍ عليَّ كريمةٍ
موطنةٍ عند النوائب للصبرِ
وما زلتُ أعلو القول حتَّى لو أنَّني
أجوّبه في الصَّخر لانجاب الصخرِ
وما زلت مذ كنت ابن عشرين حجة
أُواري عدوّي أوْ أقوم علَى ثغرِ
ويوم يودّ المرء لو غصَّ قبله
بمرأى المنايا قد شددت لها أزري

لابن بيض في هذا المعنى:

بلغتَ لعشر مضَتْ من سني
ك ما يبلغُ السيدُ الأشيبُ
فهمّك منها جسام الأمو
ر وهمُّ لداتك أن يلْعبوا
وجدت فقلت ألا سائلٌ
فيُعطى وهل راغبٌ يرغبُ
فمنك العطية للسائلين
وممَّن ينوبك أن يطلبُ
وأنك في أدبٍ ما نشأت
فنعم لعمرك ما أدَّبوا
أتيناك في حاجة فاقضها
وقُلْ مرحباً يجبُ المرحبُ
وألا تَكِلنا إلى معشرٍ
مَتَى يَعِدوا عِدةً يكذبوا

وقال البحتري:

لا تنظرَنَّ إلى الفيَّاض من صِغَرٍ
في السِّنِّ وانظر إلى المجد الَّذي شادا
إن النّجومَ نجومَ اللَّيل أصغرُها
في العين أذهبها في الجوِّ إصعادا

وقالت الخنساء:

أعينيَّ جودا ولا تجمُدا
أما تبكيان لصخر النَّدى
ألا تبكيان الجريءَ الجميلَ
ألا تبكيان الفَتَى السيّدا
رفيعَ العمادِ طويلَ النجا
دِ سادَ عشيرتَهُ أمْرَدا
إذا القومُ مدُّوا بأيديهمُ
إلى المجد مدَّ إليه يدا
فنالَ الَّذي فوق أيديهم
من المجد حتَّى نما مصعدا
يُكلّفُهُ القومُ ما عالهم
وإن كان أصغرهُمْ مولدا
ترى المجدَ يَهْوي إلى بيته
يرى أفضلَ الكسبِ أن يُحمدا

وقال آخر يرثي العديل بن الفرخ:

فما ولدت مثل العديل حليلةٌ
قديماً ولا مستحدثات الحلائلِ
وما زال مذ شدَّ الإزار بوسطه
يفتح للأبواب بكر بن وائلِ

وقال الفرزدق:

وتبكي علَى السيوب بكر بن وائلٍ
وينهى عن ابني مسمع من بكاهما
غلامان شبَّا في الحروب وأدركا
كرام المساعي قبل فصل لحاهما
ولو كان حيّاً مالك وابن مالك
إذاً أوقدوا نارين يعلو سناهما

وقال آخر:

ولو أن معشراً كبني صُريمٍ
تلفّهُمُ التهائمُ والنُّجودُ
أجلَّ جلالةً وأعزَّ فَقْداً
وأقضى للحُقوق وهم قُعودُ
وأكثرَ ناشِئاً مِخراقَ حربٍ
يُعينُ علَى السِّيادة أوْ يَسودُ

وقال آخر:

حديث السنّ عاب أبوه عنه
ففاض به الزلازل والحروبُ
جديرٌ أن يعادي الخيل منه
علَى حجباتها بدمٍ صبيبُ

وقال آخر:

رأيت أبا الوليد غداةَ جَمعٍ
به شيبٌ وما فقد الشَّبابا
ولكن تحت ذاكَ الشّيبِ حزمٌ
إذا ما ظَنَّ أعرض أوْ أصابا

وقال آخر:

بكى صاحبي لما رأى الموت فوقه
مُظلاً كإظلال السَّحاب إذا اكفَهر
فقلت له صبراً خليلي فإنَّما
يكونُ غداً حسنُ الثناءِ لمن صبر
فما أخَّر الإحجامُ يوماً معجِّلاً
ولا عجَّل الإقدامُ ما أخَّر القدر
فنبهته سهم الفؤاد كأنه
صفيحة هندي قضى حقه ذكر
وكرَّ حفاظاً خشية العار بعدما
رأى الموت معروفاً علَى منهج الفكر
غلامٌ رماه الله بالخير ناشئاً
له سَيمياء لا تَشُقّ علَى البصر
كأنَّ الثريَّا علقت في جبينه
وفي نحره الشِّعرى وفي خدّه القمر
إذا قيلت العوراء أغضى كأنَّه
ذليل بلا ذلٍّ ولو شاء لانتصر

ولبعضهم في عبد الله بن الزبير:

تُبيّنَ فيه ميسَمُ العزِّ والنُّهى
وَليداً يُفدّى بين أيدي القوابلِ
فلمّا تردَّى بالحمائل وانتحى
بَصُرتَ بأطراف الرّماح الذَّوابلِ
تيقَّنت الأعداءُ أن سِنانَهُ
يُطيلُ جنينَ الأمّهاتِ الثواكلِ

وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لكرّوس بن يزيد الطائي:

رأتنيَ من لُبْسي المشيب فأمَّلتْ
غَنائي فكوني آملاً خيرَ آملِ
لئن فرِحتْ بي معقل عند شَيبتي
لقد فرحتُ بي بين أيدي القوابلِ
أهلَّ به لما استهلَّ بصوته
حِسانُ الوجوه ليّناتُ الأناملِ

وقال أبو تمّام الطائي:

لهفي علَى تلك المشاهد فيهما
لو أُمْهِلتْ حتَّى تكون شمائِلا
إن الهلالَ إذا رأيتَ نُموَّهُ
أيقنتَ أنْ سيكونُ بدراً كاملا

وقال البحتري:

غريبُ السَّجايا ما تزالُ عُقولنا
مُدَلَّهة في خلةٍ من خلالِه
عناهُ الحِجى عن عُنْفوانِ شبابه
فأقبلَ كهلاً قبل حين اكتهالِه
وثقْتُ بنُعماهُ ولم تجتمع بها
يدي ورأيتُ النجحَ قبل سُؤالِه
وتعلَمُ أن السَّيف يكفيكَ حدُّهُ
مكاثرةَ الأقرانِ قبلَ استلالِه
أبا حسنٍ أنشأتَ في أُفق النَّدَى
لنا كرماً آمالُنا في ظلالِه
مضى منك وسميُّ فجُدْ بوليِّهِ
وعوّدَ من نُعماك فضلَ نوالِه

وقال أيضاً:

فتًى لم يُنكِّبهُ الشَّبابُ علَى الحجى
ولم ينس عهد اللَّهو والشيبُ شامله
إذا سؤددٌ أدنى له مدَّ هِمَّةً
إلى سؤددٍ نائي المحلّ يُزاوله
توقَّعُ أنْ يحْتلَّها درجَ العُلى
كما انتظرت أوْبَ الهلال منازله

وقال آخر:

فقدناك فِقدانَ الحياة وأقبلتْ
تُلاحظنا خُزراً إلينا والقبائلُ
ولو أنك المرجوُّ منا لأصبحتْ
أعالي الدّنا منها وهنَّ أسافلُ
ردَدنا إليه الأمرَ طوعاً ولم نَقُلْ
لهُ في الَّذي يأتيه ما أنت فاعلُ
به جُمعَ الشّملُ الشتيتُ وفُرِّقتْ
عباديدُ في القوم اللُّهى والنوافلُ
ومن يرَ جدوى يوسفَ بن محمدٍ
يرَ اليمَّ لم يجمعْ جناييه ساحلُ
أغرُّ إذا عُدَّتْ مناقبُ فعله
توهَّمتَ أنَّ الحقَ منهنَّ باطلُ
تطاطا حدود الزور تحت سكوته
وتنتظرُ الأسماعُ ما هو قائلُ
وقد حُقِّقَتْ فيه الظنون وصدقت
علَى ما حكت من قبل هذا الدلائلُ
ولا عجبُ أن رجّم الغيبَ عالمٌ
فقبل الغيوبِ ما تكون المخايلُ

وقال أبو تمام الطائي:

مقاماتُنا وقفٌ علَى الحلم والحِجى
وأمرَدُنا كهلٌ وأشيبُنا حَبْرُ
فأعجبْ به يهدي إلى الموتِ نحره
وأعجبُ منه كيف يبقى له نحرُ
يُشيِّعه أبناءُ موتٍ علَى الوغى
يُشيِّعهم صبرٌ يُشيِّعهم نصرُ
بخَيلٍ لزيدِ الخيل فيها فوارسٌ
إذا نطقوا في مجلسٍ خرس الدَّهرُ

وقال آخر:

تعلَّمْ فليس المرء يخلَق عالماً
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغيراً إذا التفَّت عليه المحافلُ

وقال قيس بن عاصم:

خُطباءُ حين يقوم قائلُهم
بيضُ الوجوه مَصاقِعٌ لُسْنُ
لا يَفْطنونَ لعيبِ جارِهمُ
وهُمُ بحسن جوارِهمْ فُطْنُ

ولبعضهم في عبد الله بن عباس رحمة الله عليه:

إذا قال لم يَتْرك مقالاً لقائلٍ
بملتقطاتٍ لا ترى بينها فَصْلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدَعْ
لذي أربٍ في القولِ جداً ولا هَزْلا

وقال آخر وهو حسان بن ثابت:

وقد كنا نقول إذا رأينا
لذي جسمٍ يُعدُّ وذي بَيانِ
كأنَّكَ أيُّها المُعْطى بياناً
وجِسْماً من بني عبدِ المَدانِ

وقال آخر:

وأحلام عادٍ لا نخاف جليسَهم
وإن نطق العوراءَ غَربُ لسانِ
إذا حُدِّثوا لم تخشَ سوءَ استماعهم
وإن حَدَّثوا لَذّوا بحسن بيانِ

وقال البحتري:

صارِمَ العزم حاضِرَ الحزم ساري ال
فِكْرِ ثبتَ المقامِ صلْبَ العودِ
دقَّ فهماً وجلَّ حلماً فأرضى ال
لَّهَ فينا والواثقَ بن الرشيدِ
واستوى النَّاسُ فالقريبُ قريبٌ
عنده والبعيدُ غيرُ بعيدِ
لا يميلُ الهَوَى به حين يُمضي ال
أمرَ بين المُقلِّ والمورودِ
في نظامٍ من الأمور جميلٍ ماش
كَّ امرؤ أنَّه نِظامُ فريدِ
مشرقٌ في جوانب السَّمعِ ما يُخْلِ
قُهُ عَوْدهُ علَى المُستعيدِ
ومعانٍ لو فصَّلتها القوافي
هجنتْ شعرَ جَرْوَلٍ ولبيدِ
جزن مُستعملَ الكلام اختياراً
وتجنَّبنَ ظُلمةَ التَّعقيدِ
وركبْنَ اللَّفظَ القريبَ فأدرك
نَ به غايةَ المُرادِ البعيدِ
وأَرَى الخلق مجمعين علَى فَضْ
لِكَ ما بين سيدٍ ومسودِ
عرفَ العاملون فضلكَ بالعل
م وقال الجُهَّال بالتَّقليدِ

وقال أيضاً:

حكمَ يسابحها خلال بنانِه
متدفقاً وقليبُه في قلبه
كالرّوض مؤتلقاً بحُمرةِ نَوْرهِ
وبياضِ زهْرتِه وخُضرةِ عشبِه

أنَّه قد خرج هذا الرَّجُل أعني محمد بن عبد الله بن الحسن فقال إنِّي قلت أبياتاً فاحفظها عنِّي:

أَرَى النَّاسَ في أمرٍ سحيلٍ فلا نزل
علَى حذر حتَّى ترى الأمر مُبرَما
فإنك لا تسطيعُ ردَّ الَّذي مضى
من القول عن زلاّته فارق الفما
وكائنْ ترى من وافر العِرض سالم
وآخرَ أردى نفسه فتكلَّما