انتقل إلى المحتوى

كتاب الزهرة/الباب الثامن والسبعون ذكر ما جاء في صفات البحر والفلوات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الثامن والسبعون ذكر ما جاء في صفات البحر والفلوات

قال:

ألا هل للهموم من انفراجِ
وهل لي من ركوبِ البحر ناجِ
أكُلَّ عشية زوراء تهوي
بنا في مُظلم الغمرات ساجي
كأنَّ قواذفَ التيار منها
نعاجٌ ترتمين إلى نعاجِ
يشُقُّ الماء كلكلها مُلِحّاً
علَى سحِّ من الملح الأجاجِ

قال أعرابيّ أغراه الأسود بن بلال في البحر:

أقول وقد راح السفين مُلجَّماً
وقد بعدت بعد التقرّبِ صورُ
وقد عصفت للموج ريح اضطرابه
وللبحر من تحت السفين هديرُ
ألا ليت أنِّي والعطاء صعالك
وحظي حظوظ في الزمام وكورُ
فلله رأيٌ قادني لسفينةٍ
وأخضر موّار السراب يمورُ
ترى متنه سهلاً إذا الريح أقلعت
وإن عصفَتْ فالسهل منه وعورُ
فيابن بلالٍ للضلال دعوتني
وما كان مثلي في الضلال يسيرُ
لئن وقعت رجلاي في الأرض مرة
وكان لأصحاب السفين كرورُ
وسُلّمت من موج كأن متونه
حراءٌ بدت أركانه وثبيرُ
ليعرض اسمي عند ذي العرض خلفة
وذلك إن حاض الإياب يسيرُ

وقال أبو الشيص:

وبحر يحار الطرف فيه قطعتهُ
بمهنوءةٍ في غير عرّ ولا حربْ
مُقيلةٍ لا تشتكي الأين والوجا
ولا تشتكي عضَّ النُسوع ولا الدأبْ
يشقُّ حبابَ الماء سُرعةُ جريها
إذا ما تفرّى عن مناكبها الحبَبْ
إذا اعتلجت والريح في بطن لجةٍ
رأيت عجاج الموت من خوفها يثبْ
ترامى بها الخُلجانُ من كل جانبٍ
إلى متن مُغبرِّ المسافة منجذب

قال أحمد بن أبي طاهر:

إلى أبي أحمد أعملتُ راحلتي
لا تشتكي الأين من حلٍّ ولا رحلِ
تسري بمُلتطم الأمواج تحسبُه
من هوله جبلاً يعلو علَى جبلِ
كأن راكبها إذْ جدَّ مُرْتحلاً
بالسير منها مقيمٌ غيرُ مرتحلِ
لجامُها في يد النوتيِّ من دُبُرٍ
مُقوّم زَيْغُها والميلُ من قُبلِ
ما زال سائقها يجري علَى مهلٍ
جرياً يفوتُ اجتهادَ الخيل والإبلِ
حتَّى تناهت إلى حيثُ انتهى شرف
الدُّنيا وأشرف باغيها علَى الأمل

وله أيضاً:

مخضرمة الجنبين صادقة السُّرى
يُراقب فيها الركب من لا يراقبُهْ
تكادُ نفوسُ القوم تجري بجريها
إذا غالبت من موجها ما تغالبُه
نصفُّ حُبابَ الماءِ عن جنباتها
إذا البحر جاشت بالسفين غواربه

قال أبو بكر: هذه بُلغة فيما جاء في الشعر من صفات المراكب والبحار، ولم نمل في ذلك إلى الإطالة لئلا يضيق الباب عما يحتاج إليه وإلى ذكره من صفات المفاوز، لأن شعر العرب بصفات البوادي والقفار أحذق منهم بوصف البحار والسفائن. إذْ بالفلوات يولدون، وفي طرقها يسلكون ثمَّ نحن الآن مبتدئون بإتمام الباب بما يُحضر من صفات البوادي والفلوات يتهيأ ذلك إذا لم نتجاوز العدد الَّذي شرطناه إلاَّ قليلاً من كثير، ومن كان مقصده في هذا الباب التذكرة قنع بالسير.

قال المتلمس الضبعي:

كم دونَ ميَّة من داويّة قَذفٍ
ومن فلاة بها تُستودعُ العيسُ
ومن ذُرى علمٍ ناءٍ مسافتهُ
كأنهُ في حَبابِ الماء مَغْموسُ
جاوزتهُ بأمونٍ ذات مَعْجمةٍ
تنجو بكلكلها والرأسُ معكوسُ

وقال امرؤ القيس:

وداويّة لا يُهتدى لفلاتها
بعرفان أعلام ولا ضوء كوكبِ
تلافيتها والبومُ يدعو بها الصدى
وقد أُلبستْ إفراطها ثنيَ غيهبِ
بمجفرةٍ جسرٍ كأن قتودَها
علَى أبلقِ الكشحين ليس بمغربِ

وله أيضاً:

فدعها وسلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ
ذمولٍ إذا صام النَّهارُ وهجّرا
تُقطَّعُ غيطاناً كأن متونها
إذا أظهرت تُكسى مُلاءً منشرا

قال الأعشى:

رُبَّ خرق من دونها يُخرسُ السَّف
رُ وميلٍ يُفضي إلى أميالِ
وسقاءٍ يوَلي علَى تأقِ المل
ءِ وسيرٍ ومُستقى أوشالِ
وادّلاجٍ بعد المنام وتهجي
رٍ وقُفٍّ وسبسب ورمالِ
وقليب آجنٍ كأنَّ من الري
شِ بأرجائهِ سقوط نِصالِ
قد تعاللتُها علَى نَكظِ المي
طِ وقد خَبَّ لامعات الآلِ
فوق ديمومةٍ تميّلُ بالسف
ر قفار إلاَّ من الآجالِ
وإذا ما الضلال خيف وكان ال
ورَدُ خِمساً يرجونه عن ليالِ
واستحثَّ المغيرون من القو
مِ وكان النطافُ ما في العزالي
مرحَتْ حرَّةٌ كقنطرة الرُّوم
يِّ تَفْري الهجيرَ بالإرقالِ
تقطع الأمعز المكوكبَ وخداً
بنواجٍ سريعة الإيغالِ

وله أيضاً:

وجَزور أيْسارٍ دعوتُ إلى النَّدَى
ونياط مُقْفرةٍ أخافُ ضِلالَها
يهماء مقفرةٍ رفعتُ لعرضها
طرفي لأقدرَ بينها أميالها
بجُلالةٍ سُرُحٍ كأن بغَرْزِها
هِرّاً إذا انتعلَ المطيُّ ظِلالَها

وله أيضاً:

ويهماءَ قَفْرٍ تخرجُ العينُ وسطها
وتلقى بها بيضَ النَّعام ترائكا
يقولُ بها ذو قوَّة القوم إذْ دنا
لصاحبه إذْ خاف منها المهالكا
لك الويلُ أفش الطرف بالعين حولنا
علَى حذرٍ واستبقِ ما في سقائكا
وخرق مخوفٍ قد قطعتُ بجسرةٍ
إذا الجبس أعيي أن يرومَ المسالكا

قال المرار الفقعسي:

إذا نظر القوم ما ميلُها
رأى القومُ دويَّةً كالسَّماءِ
كأن قلوب أدلائها
معلَّقة بقرون الظِّباءِ
يظلّ الشجاع الشديد الجنان
محافظةً معصماً بالدُّعاءِ
إذا هو أنكر أسماءها
وغنّى وحقّ له بالغناءِ
وخلَّى الركابَ وأهوالها
وأسلمهن بتيهٍ مواءِ
له نظرتان فمرفوعة
وأخرى تلاحظ ما في السقاءِ
وثالثة بعد طول الصُّ
مات إليَّ وفي صوته كالبكاءِ
فقلتُ التزم عند ظهر القعود
جزى الله مثلك شرُّ الجزاءِ

قال الرّاعي:

وكم جشمنا إليكم من مُؤدِّيةٍ
كأنَّ أعلامها في آلها القَزَعُ
حمّاء غبراء يخشى المدلجون بها
زيغ الهُداة بأرض أهلها شِيَعُ
فإن تجودوا فقد حاولت جودكم
وإنْ تضنوا فلا لوم ولا قذعُ

قال ذو الرُّمَّة:

كم دون ميَّة من خرقٍ ومن عَلَمٍ
كأنه لامع عريانُ مسلوبُ
ومن مُلمعة غبراء مظلمةٍ
سرابُها بالشِّعاف الغُبْر معصوبُ
كأنَّ حرباءها في كلّ هاجرةٍ
ذو شيبةٍ من رجال الهند مصلوبُ

قال ابن هرمة:

وهاجرة تنجي عن الصب جاره
قطعتُ حشاها بالمغربدة الصهبِ
إليك ومسودُّ من اللَّيل دامسٌ
إذا انتزع النوم العميِّ من الركبِ

وممَّا يشاكل هذا في وصف غلبة النوم على السفار قول أبي نواس:

قوم تساقوا علَى الأكوار بينهم
كأسَ الكرى فانتشى المشفيّ والساقي
كأنَّ هامهمُ والنَّوم واضعها
علَى المناكب لم يعقد بأعناقِ

قال عمر بن أبي ربيعة:

وماءٍ بموماة دليل أنيسه
بسابس لم يحدث بها الصيف محضرُ
به مبتنى للعنكبوت كأنَّه
علَى شرف الأرحام خامٌ مُنشّرُ
وردت وما أدري وما بعد موردي
من اللَّيل أوْ ما قد مضى منه أكثرُ
وطافت به مُقلاةُ أرضٍ كأنها
إذا التفتت مجنونة حين تنظرُ
تنازعُني حرصاً علَى الماء رأسها
ومن دون ما تهوى قليبٌ مُعوّرُ
محاولة للورد لولا زمامُها
وجذبي لها كادت مراراً تكسَّرُ
فلما رأيت الصبر منها وأنَّني
ببلدة أرض ليس فيها مُقصَّرُ
قصرتُ لها من جانب الحوض مستقى
صغيراً كقيد الشبر بل هو أصغر
ولا دلو إلاَّ القعب كان رشاؤه
إلى الماء نسعٌ والجديل المضفرُ
فسافت دماً عافت وما صدّ شربُها
عن الريّ مطروق من الماء أكدرُ

قال:

نأتْ دار ليلَى فشط المزا
رُ فعيناك لا تطعمان الكرى
وأضحت ببغداد في منزلٍ
له شُرفاتٌ دوين السّما
ومن دونها بلدٌ نازحٌ
يجيب بها البوم رجع الصدى
ومن منهل آجن ماؤه
شدى لا يُعاج به قد طمى
وكم دون بيتك من صفصف
ومن أسد خادر في وغى
ومن حنشِ لا يجيب الرُّقا
ة أرقشَ ذي حِمَّةٍ كالرّشا