كتاب الخزري/المقالة الثالثة
<1> قال الحبر: صفة المتعبد عندنا ليس بمنقطع عن الدنيا كي لا يصير كلّا عليها وتصير كلّا عليه، فيبغض حياته التي هي من نعم الله عليه ويمتن بها عليه كقوله את מספר ימיך אמלא، بل يحب الدنيا وطول العمر، لأنها تكسبه الآخرة، وكل ما زاد حسنةً رقي درجةً في الآخرة، نعم أنه يود لو يصير في رتبة חנוך الذي قيل فيه ויתהלך חנוך، أو رتبة אליהו ليتفرغ حتى يتفرد لصحبة الملائكة فلا يتسوحش في الوحدة والخلوة، بل هي أنسه. ويستوحش في الملأ لفقده مشاهدة ملكوت السماء التي تغنيه عن الأكل والشرب. فلمثل هؤلاء يحق بالتفرد التام، بل يتمنون الموت إذ قد بلغوا النهاية التي ليس بعدها درجة ترجي زيادتها. وللعلماء المتفلسفة حب في التفرد لتصفو أفكارهم لينتجوا من قياساتهم نتائج حق، حتى يحصل لهم اليقين في ما تبقى عليهم من الشكوك. ويريدون مع هذا لقاء تلاميذ يدعونهم إلى البحث والتذكر كمن ولع بجمع المال، فهو يكره الاشتغال إلا مع من يتاجره فيربح معه. وهذه درجة سقراط ومن أشبهه. وهؤلاء أفراد لا مطمع في درجتهم اليوم. نعم إن بحضرة الـשכינה في الأرض المقدسة في الأمة المهيأة للنبوة كان خلق يتزهدون ويسكنون القفار مجتمعين مع من شاكلهم لا متفردين بالجملة، بل يتعاونون على علوم الشريعة وأعمالها المقربة إلى تلك الدرجة بـקדושה وبـטהרה وهم בני הנביאים وأما في هذا الزمان وهذا المكان وهذا الخلق ואין חזון נפרץ، مع قلة العلم المكتسب وعدم ذلك العلم المطبوع. من حصل نفسه في الانقطاع بالزهادة فقد حصل نفسه في عذاب ومرض نفسي وجسمي فيرى عليه تذلل الأمراض فيظن أنه تذلل بالخشوع والخضوع ويحصل مسجونًا يكفر بالحياة ملالًا لسجنه وآلامه، لا التذاذًا بالتفرد. وكيف لا؟ وهو لم يتصل بنور إلهي يأنس إليه كالأنباء، ولا حصل علومًا ما تفي بأشغاله وتلذيذه بقية عمره كالفلاسفة. وهب أنه ورع خير محب في مناجاة ربه في الخلوة والقيام والتضرع والتحنن ما عساه أن يحفظ من الـתחנונים والـבקשות وهذه المبتدعات إنما لها لذة أيام مهما تطرأ، وكل ما تكررت على اللسان لم تنفعل لها النفس، ولا وجد لها شجًّا وتحنينًا، فيبقى الليل والنهار ونفسه تطلبه بقواها التي طبعت عليها من النظر والسمع والكلام والتصرف والأكل والشرب والنكاح والربح في الأموال والإصلاح على الأهل ومشاركه، الضعفاء ومعاونة الشريعة بالمال إذا رأى اختلالًا، أليس يبقى منتشبًا نادمًا على ما ربط نفسه إليه، فيزيد بندامته بُعدًا من الأمر الإلهي الذي رام قربه.
<2> قال الخزري: فلتصف لي أعمال خيركم الآن.
<3> قال الحبر: إن الخير هو المحافظ على مدينته، يقسط ويقدر على أهلها أرزاقهم وجميع حاجتهم، ويعدل فيهم بحيث لا يغبِن أحدهم ولا يعطيه فوق حقه الذي يستحقه، ثم يجدهم في وقت حاجته إليهم مطيعين سريعي الإجابة لدعوته يأمرهم فيأتمرون وينهيهم وينتهون.
<4> قال الخزري: عن خير سألتك لا عن رئيس.
<5> قال الحبر: الخير هو من كان ريسًا مطاعًا على حواسه وقواه النفسانية والبدنية وسوسها السياسة المدنية كما قيل ומושל ברוחו מלוכד עיר وهو المهيا للرياسة لأنه لو رأس مدينة لعدل فيها كما عدل في بدنه ونفسه، فقمع القوى الشهوانية ومنعها عن الانهمال بعد انصافها واعطائها ما يسد خللها بالطعام القصد والشراب القصد والاسحمام وأسبابه بقصد أيضًا، وقمع أيضًا القوى الغضبية الطالبة لظهور الغلبة، بعد انصافها وإعطائها حظًا في الغلبة النافعة من مناظرات العلوم والآراء وزجر أهل الشر وأعطى الحواس حظها فيما يعود نفعه عليه، فيصرف اليدين والقدمين واللسان في الأمر الضروري وفي الاختيار الأنفع. وكذلك السمع والبصر والحس المشترك تابع لهما. ثم التخيل والوهم والفكر والذكر، ثم القوة الإرادية المصرفة لجميع هذا وهي مصرفة خادمة لاختيار العقل، ولا يدع أحدًا من هذه الأعضاء والقوى أن ينهمل في ما يخصه وحده، فيبخس الباقية.
ولما قضى حاجة كل واحدة منها وأعطى الطبيعية ما يكفيها من السكون والنوم، والحيوانية ما يقوتها من اليقظة والحركة في أعمال الدنيا، دعا حينئذ جماعته كالريس المطاع يدعو عسكره المطيع إلى ما يعينه على الإتصال بالرتبة التي فوقها، أعني الرتبة الإلهية التي فوق الرتبة العقلية، فيرتب جماعته وينظمها يحاكي ترتيب משה רבינו ע"ה جماعته حول הר סיני، ويوصي القوة الإرادية أن تكون قابلة مطيعة لما يرد من عنده من أمر، فتمتثله من حينها، فتصرف القوى والأعضاء على ما يأمر دون خلاف، ويوصيها إلا تلتفت إلى شياطين الوهمية والمتخيلة، ولا تقبلهما ولا تصدقهما حتى تشار العقل، فإن جوز ما عندهما قبلته، وإلا عصتهما، فتقبل الإرادية ذلك منه تصمم على امتثاله، فتسدد آلات الفكر وتخلية من كل ما تقدم من الأفكار الدنيائية وتكلف المتخيلة إحضار أبهج الصور الموجودات عندها بمعونة الذكر لتحاكي به الأمر الإلهي المطلوب مثل מעמד הר סיני، وמעמד אברהם وיצחק בהר מוריה ومثل משכן משה ע"ה وסדר העבודה وحلول الـכבוד في البيت، وغير ذلك كثير ويأمر الحافظة أن تودع ذلك ولا تنساع ويزجر الوهمية وشياطينها من تشويش الحق وتشكيكه، ويزجر الغضبية الشهوانية عن تمييل الإرادية وتحريفها وإشغالها بما عندهما من غضب وشهوة.
وبعد هذه التوطئة تنهض القوة الإرادية جميع الأعضاء المتصرفة لها بنشاط وحرص وفرح، فتقف في وقت وقوف من غير كسل، وتسجد عند ما يأمرها بالسجود، وتقعد حين القعود، وتشخص الأعين شخوص العبد إلى مولاه، وتقف اليدان عن عبثهما ولا تجتمع الواحدة بالأخرى. وتستوي القدمان للوقوف، وتقف جميع الأعضاء كالباهتة الخائفة لطاعتها لسائسها، لا يهمها إن بها المًا أو كلالًا، ويكون اللسان مطابقًا للفكر إلا يفضل عنه، ولا ينطق في صلاته على سبيل الاعتياد والملكة كالزرزور والببغاء، بل مع كل كلمة فكرة ورؤية فيها، فيصير وقته ذاك لباب زمانه وثمرته، وتصير سائر أوقاته كالطرق الموصلة إلى ذلك، يتمنى قربه إذ فيه يتشبه بالروحانيين ويبعد عن البهيميين، فصارت ثمرة يومه وليلته تلك الثلاثة أوقات الصلاة، وثمرة الأسبوع يوم السبت، إذ كان موقوفًا للاتصال بالأمر الإلهي وعبادته בשמחה لا بخشوع كما تبين. وترتيب هذا من النفس تتكدر كل ما بعد وقت الصلاة عنها كما يرد عليها من اشغال الدنيا، لا سيما أن دعت الضرورة إلى صحبة صبيان ونساء وأشرار فيسمع ما يكدر صفاء نفسه من كلمات فاحشة وأعاني تطرب إليها النفس ولا يقدر على ملكها. وعند الصلاة يطهر نفسه مما سلف ويهييها للمستأنف، ثم لا يمر أسبوع على هذا الترتيب إلا وقت سيمت النفس والبدن وقد اجتمعت فضول مكدرة مع طول الأسبوع لا يمكن تطهيرها وتنظيفها إلا باتصال عبادة يوم مع راحة البدن، فيستوفي البدن في السبت ما فاته الستة أيام، ويستعد للمستأنف. والنفس أيضًا تتذكر ما فاتها مع شغل البدن، وكأنها ذلك اليوم متعالجة متداوية من مرض متقدم ومستعدة بما يدفع عنها المرض في المستأنف، شبيهًا بما كان يفعل أيوب في كل أسبوع بأولاده كما قال אולי חטאו בני. ثم يستأنف العلاج الشهري الذي هو זמן כפרה לכל תולדותם، يعني תולדות החדשים، حوادث الأيام كقوله כי לא תדע מה ילד יום ثم يستأنف שלש רגלים، ثم يوم الصوم المعظم الذي فيه التبري عن خطأ سلف، ويستدرك فيه كل ما فاته في أيام الأسابيع الشهور، وتتبرأ النفس من الوساوس الوهمية والغضبية والشهوانية، وتتوب عن مساعدتها بتةً فكرًا أو فعلًا. وإن لم تمكن التوبة عن الفكر لغلبة الخواطر عليها بما سلف لها من حفظ ما سمعت منذ الصبا من اشعار واخبار وغير ذلك تبرأت من الفعل، واعتذرت من الخواطر والتزمت ألا تذكرها باللسان فضلًا عن أن تفعلها، وكما قيل זמותי בל יעבר פי. وصيامه ذلك اليوم صيامًا يقارب به التشبه بالملائكة، لأنه يقطعه بالخشوع والخضوع والوقوف والركوع والتسبيح والتهليل. وجميع قواه البدنية صائمة عن الأمور الطبيعية مشغولة بالشريعة كأنه ليس فيه طبع بهيمي. وكذلك يكون صوم فاضل متى صام، أن يصوم فيه البصر والسمع واللسان فلا يشغلها بغير ما يقرب إلى الله تعالى. وكذلك القوى الباطنة من خيال وفكر وغير ذلك، ويقترن بذلك الأعمال الصالحة.
<6> قال الخزري: الأعمال معلومة.
<7> قال الحبر: الأعمال السياسية والنواميس العقلية هي المعلومة. وأما الإلهية المزيدة على تلك لتحصل في ملة אל חי يدبرها فليست معلومة حتى تأتي من عنده مفسرة مفصلة. نعم ولا تلك السياسية العقلية وإن عرفت ذواتها فليس يعرف تقديرها. لأنا نعرف أن المواساة والمشاركة واجبة، ورياضة النفس بالصوم والخضوع واجب، والجبن قبيح، والإنهمال مع النساء قبيح، وإتيان بعض القرابة قبيح. وبر الوالدين واجب، وما أشبه ذلك. لكن تحديد ذلك وتقديره بحيث يصلح للكل فإنما هو لله تعالى. وأما الأعمال الإلهية فلا مجال فيها لعقولنا وليست مدفوعة عند العقل، لكن العقل مقلد فيها كما يقلد العليل بالطبيب في أدويته وتدابيره. ألا ترى الـמילה ما أبعدها عن القياس، ولا مدخل لها في السياسة؟ وقد امتثلها אברהם على صعوبة الأمر عند الطبيعة وهو بن مائة عام، في نفسه وفي ولده. وصارت אות ברית ليتصل به وبنسله الأمر الإلهي، كما قال והקימותי את בריתי ביני ובינך ובין זרעך אחריך לדורותם לברית עולם להיות לך אלהים וגו'.
<8> قال الخزري: وبحق التزمتم هذه الشريعة على ما ينبغي وامتثلتموها بغاية الاهتبال في الحفل والتهيؤ لها والتسبيح عليها وذكر أصلها وعلتها في البركة. وغيركم رام التشبه بكم فحصل على الألم وحده دون اللذة التي يحصل عليها من يتخيل السبب الذي من أجله يحتمل هذا الألم.
<9> قال الحبر: وهكذا سائر التشبيهات لم تقدر أمة من الأمم أن تتشبه بنا في شيء، أترى الذين اتخذوا يومًا للراحة مقام السبت، أقدروا أن يحكوه إلا كما تحكي صور الأصنام صور الناس الأحياء.
<10> قال الخزري، قد تفكرت في أمركم ورأيت أن لله سرًا في إبقائكم وأنه قد صير الأسبات والأعياد من أقوى الأسباب في إبقاء رمقكم ورونقكم فإن الأمم كانت تقتسمكم وتتخذكم خدمة لفطانتكم وذكائكم ولتصيركم محاربين أيضًا، لولا هذه الفصول التي تراعونها هذه الرعاية لأنها من قبل الإله ولعلل قوية مثل זכר למעשה בראשית، זכר ליציאת מצרים، זכר למתן תורה. وكلها أمور إلهية مؤكدة عليكم محافظتها، ولولاها ما لبس أحدكم ثوبًا نظيفًا، ولا كان لكم اجتماع لتذكر شريعتكم لخمول هممكم بتوالي الذلة عليكم، ولولاها ما تنعمتم يومًا واحدًا في طول اعماركم. وقد حصل لكم بها سدس العمر في راحة جسم وراحة نفس لا يقدر الملوك عليها، إذ نفوسهم لو تتودع في يوم راحتهم لأنهم إن دعتهم أقل ضرورة في ذلك اليوم للتعب والحركة تحركوا وتعبوا، فليست نفوسهم في دعة تامة ولولاها لكان كسبكم لغيركم، إذ هو معرض للنهب فإنفاقكم فيها ربح لكم دنيا وآخرة، إذ النفقة فيها لذات الله.
<11> قال الحبر: فالخير منا يراعي من الشرائع الإلهية هذه، أعني الـמילה والأسبات والأعياد ولوازمها المشروعة من عند الله، والتحفظ بالـעריות والـכלאים في النبات والثياب والحيوان، والـשמטה والـיובל، والتحفظ من עבודה זרה وما يتعلق بها من طلب علم غيب من غير النبوة أو الـאורים والـתומים أو الـחלומות، فلا يسمع من زاجر أو منجم أو قراع أو متفاول أو متطائر. والتحفظ من الـזבות والـנדות، والتحفظ من الحيوان النجس في أكله ومسه، ومن الـצרעת، والتحفظ بالدم والشحم لأنها نصيب אש ה' ومراعاة من يلزمه على كل עבירה בשוגג ומזיד من קרבן، حاشى ما يلزمه من פדיון בכור والـבכורים والـבכורות، وعلى كل والدة تلد عنده קרבן، وما يتطهر من זיבות وצרעת קרבן وמנחה، حاشى ما يلزمه من מעשר ראשון وשני وמעשר עני، والـראיון שלש פעמים בשנה، والـפסח ولوازمه الذي هو קרבן ה' لازم لكل אזרח מישראל والـסוכה والـלולב والـשופר، وما يحتاج من الآلات والأواني المقدسة المطهرة لهذه الـמנחות والقرابين وما يحتاج هو من التطهير والتقديس، ومراعاة الـפאה والـערלה وקדש הלולים، وبالجملة فيراعي من الأوامر الإلهية ما يمكنه أن يكون صادقًا في قوله לא עברתי ממצותיך ולא שכחתי. سوى الـנדרים والـנדבות والـשלמים وما يلزم نفسه من الـנזירות. هذه وأمثالها الشرائع الإلهية وتمام أكثرها بـעבודת כהנים. وأما الشرائع السياسية فمثل לא תרצח، وלא תנאף، وלא תגנוב، وלא תענה ברעך، وכבוד אב ואם، ואהבת לרעך כמוך، ואהבתם את הגר، وלא תכחשו ולא תשקרו. وتجنب الـנשך والـתרבית، وتحرى מאזני צדק אבני צדק איפת צדק והין צדק، وترك الـלקט والـעוללות والـפאות وما أشبه هذا. وأما الشرائع النفسانية كـאנכי ה' אלהיך، وלא יהיה לך، وלא תשא، مع زيادة ما صح في هذه الشريعة أنه تعالى مشاهد مطلع على ضمائر العباد فضلًا عن أعمالهم وأقوالهم. وأنه يجازي على خيرها وشرها وأن עיני ה' משוטטות בכל הארץ. فلا يتحرف الخير ولا يتكلم ولا يفكر إلا ويعتقد أن بحضرته أعينًا تراه وتراقبه، وتثيبه وتعاقبه، وتنقد عليه كل معوج من قوله وفعله، فهو يمشي ويجلس كالخائف الخجل المستحي من أعماله أوقاتًا، كما أنه يفرح ويبتهج وتعظم نفسه عنده إذا أتى بحسنه، وكأنه يمتن على ربه إذا احتمل مشقه في طاعته. وبالجملة فهو يعتقد ويلتزم ما قيل הסתכל בשלושה דברים ואין אתה בא לידי עברה، דע מה למעלה ממך، עין רואה، ואוזן שומעת، וכל מעשיך בספר נכתבים. ويرى ما قال דוד أصدق حجه הנוטע אזן הלא ישמע אם יוצר עין הלא יביט. وكل ما قال في ה' חקרתני ותדע. ويتفكر في أن جميع أعضائه موضوعة بحكمة وتدبير ونظام وتقدير، ويراها مطيعة لإرادته وهو لا يدري ما الذي ينبغي أن يتحرك منها، مثل أن يريد القيام فيجد جماعة الأعضاء كالأعوان المطيعين قد أقامت جسده وهو لا يدري تلك الأعضاء. وكذلك إذا أراد الجلوس والمشي وسائر النصب. وإلى هذا أشار بقوله אתה ידעת שבתי וקומי ארחי ורעי זרית וכל דרכי הסכנת. وأكثر من ذلك وأدق وألطف أعضاء النطق. ترى الطفل يحكي كل ما يسمعه وهو لا يدري بأي عضو وبأي عضلة وبأي عصبة ينبغي أن يحكي ذلك. وكذلك آلات الصدر في ألحان الغناء يحكيها ويحكمها وهو لا يدري بأي شيء كان خالقها يحضرها ويصرفها له مع الأحيان في حاجته. والأمر كذلك أو قريبًا من ذلك، لأنه لا يتصور أمر الخلقة، مثل أمر الصناعة، لأن الصانع يصنع رحي مثلًا ويغيب عنها، والرحي تفعل ما له صنعت، والخالق يخلق الأعضاء ويعطيها القوى ويمدها مع اللحظات، ولو توهم عنايته وتدبيره آنًا واحدًا لفسد العالم بأسره. فإذا كان الخير يتصور جميع هذا في حركاته كلها، فكيف لا تكون حركاته كلها قد أعطي فيها نصيبًا للخالق الذي خلقها أولًا ويمدها بمعونة دائمة في تمامها، فهو أبدًا كان الـשכינה معه والملائكة تصحبه بالقوة وأن تقوي في الخير وكان في المواضع المؤهلة للـשכינה صحبته بالفعل ورآها عيانًا دون درجة النبوءة ، كما كان أخيار الـחכמים في בית שני يرون صورة ويسمعون בת קול وهي درجة الأولياء، وفوقها درجة الأنبياء، فيلتزم الخير من توقير الأمر الإلهي الحاضر معه، ما ينبغي أن يلتزم العبد لمولى خلقه وأنعم عليه، وهو مراقبة ليثيبه أو يعاقبه، فلا يستبرد قول الخير قبل دخوله الخلا התכבדו מכובדים، تأدبًا مع الـשכינה، واعتذاره بعد الخروج بـبركة אשר יצר את האדם בחכמה. فما أجل هذه الـبركة في معناها وما أحكم لفظها لمن تثبتها بعين الحقيقة إذ قدم أولًا بحكمة، وختمها بـרופא כל בשר ומפליא לעשות، دليل على غريب ما خلقه في الحيوان من القوى الدافعة والماسكة، وشمل جميع الحيوان بقوله כל בשר. ويربط نيته بالأمر الإلهي بحيل، منها فرائض منصوصة ومنها منقولة، فيحمل الـתפלין على موضع الفكر والذكر من الرأس، ويبت منها شركة تصل إلى يده ليراها مع الساعات. وתפלין של יד على ينبوع القوى أعني القلب. ويحمل الـציצית كي لا تشغله حواسه بالدنيا، وكما قال ולא תתורו אחרי לבבכם ואחרי עיניכם، والمكتوب في الـתפלין التوحيد، والوعد والوعيد، وזכר ליציאת מצרים، لأنها الحجة لا مدفع فيها أن للأمر الإلهي اتصالًا بالخلق وعناية بهم، وعلمًا بأعمالهم. ثم يطرق في جميع محسوساته إلى إعطاء نصيب الله فيها. وقد نقل أن أقل المقادير التي يتخلص الإنسان به في التسابيح هو מאה ברכות لا أقل منها المشهورة. ثم يروم مع طول الأيام استتمامها بمشمومات ومأكولات ومسموعات ومرائيات يبارك عليهم. وكل ما زاد كان نافلة مقربة إلى الله، وكما قال דוד: פי יספר צדקתך כל היום תהלתך כי לא דעתי ספורות، يعني أن تسبيحك لا أحصره إلى عدد، بل ألزمه طول عمري ولا أخلي عنه دائمًا. والـאהבה والـיראה لا محالة حاصلة في النفس مع هذه القرائن، ومقدرة بتقدير شرعي كي لا تفرط الـשמחה في שבתות وימים טובים إلى حد يخرج إلى اللهو والشهوات والبطالة وتعطيل الصلوات في أوقاتها على ما يجب. وكي لا تفرط الـיראה إلى حد يوئس من الغفران والصفاح، فيبقى كئيبًا طول عمره ويتجاوز ما أمر به من الـשמחה برزقه كقوله ושמחת בכל הטוב، فيقل شكره على نعم الله لأن الشكر يتبع الـשמחה، فيصير كما قال תחת אשר לא עבדת את ה' אלהיך בשמחה וגו' ועבדת את אויביך. وكي لا تفرط في الـקנאה في הוכח תוכיח וגו' ومناظرة العلم فيخرجه إلى الغضب والحقد، وتشتغل نفسه عن الصفاء في أوقات الصلوات، ويمكن من نفسه צדוק הדין تمكينًا يكون له جنة وحجابًا دون الرزايا والخطوب الجارية في الدنيا إذا تمكن في نفسه عدل خالق الحيوان ورازقه ومدبره بحكمه لا تدرك الأذهان تفصيلها، لكن تدرك جملتها بما ترى من اتقان الخلقة في الحيوان، وما تتضمن من العجائب والغرائب الدالة على قصد حكيم وإرادة عالم قادر، حتى جعل لما دق منها وما جل كل ما احتاج إليه من حواس باطنة وظاهرة وأعضاء، وجعل آلات مطابقة موافقة للأرواح، فصير للأرنب والـأيل آلات الهرب وأخلاق الجبن، وصير للسباع أخلاق الجرأة وآلات الخلب والافتراس، فإن تفكر في خلقه الأعضاء ومنافعها ونسبتها من الأرواح رأى في ذلك من العدل والنظام الحكمي ما لا يبقى في نفسه شكاء ولا ريبة في عدل الخالق. فإذا تعرض شيطان الوهم ليعرض عليه الغور على الأرانب إذ هي طعمة للسباع، والذباب للعنكبوت. رد عليه العقل وزجره قائلًا كيف أنسب الغور إلى حكيم قد تقرر عندي عدله واستغناءه عن الغور، ولو كان صيد السباع للأرانب وصيد العناكب للذباب بالاتفاق لقلت بحجة الاتفاق، لكني أرى ذلك الحكيم العدل المدبر هو الذي يصير آلات الصيد للأسد من جرأة وقدرة وأنياب ومخاليب، وصير العنكبوت ملهمًا للحيلة وصير له النسج ملكه دون تعلم ينسج الشباك، وصير له الآلات المشاكلة لهذه الصناعة، وأعد له الذباب معاشًا وقوتًا كما أعد لكثير من حوت البحر قوتًا من حوت آخر، فهل أقول في هذا إنه إلا لحكمة لا أدركها، وأسلم لمن تسمى הצור תמים פעלו. فمن تمكن من نفسه هذا صار كما يقال عن נחום איש גם זו كلما نابته نائبة، قال גם זו לטובה. فيعيش عيشًا لذيذًا دائمًا وتخف عليه الأحزان، بل ربما فرح لها إذا تفطن لذنب كان عليه فتمحص بذلك كمن قُضي دينه وفرح بخفيف ظهره منه، ويفرح للذخر والأجر المرفوع له، ويفرح لما يكسب الناس من الهداية للصبر والتسليم لله تعالى، ويفرح لما له في ذلك من الثناء والفخر. هذا في الرزايا الخاصة به. وهكذا يفعل في الرزايا العامة إذا أخطرت وساوس الوهم على باله طول الـגלות وتشتت الملة وما وصل إليها من القلة والذلة تعزي أولًا بـצדוק הדין كما قلت، ثم بتمحيص الذنوب، ثم بالذخر والأجر المنتظر לעולם הבא، والاتصال بالأمر الإلهي בעולם הזה. فإن أيأسه شيطانه من ذلك بقوله התחיינה העצמות האלה لعظيم ما دثر أثرنا وجبر خبرنا كما قيل הנה אומרים יבשו עצמותינו וגו'. فيتفكر في كيفية יציאת מצרים وكل ما يقال في כמה מעלות טובות למקום עלינו. فليس يصعب عليه كيف ننجبر، ولو لم يبق منا إلا واحد وكما قيل תולעת יעקב، ما عسى أن يبقى من الإنسان إذا صار תועלת في قبره.
<12> قال الخزري: مثل هذا يعيش في الـגלות عيشًا لذيذًا ويغني ثمرة دينه في الدنيا الآخرة ومن حمل الـגלות متسخطًا فكاد أن يفسد أولاه وآخرته.
<13> قال الحبر: وما يؤكد لذته ويمكنها ويزيده لذة على لذة التزام الـברכות على كل ما يصيب من الدنيا وعلى كل ما يصيبه منها.
<14> قال الخزري: وكيف ذلك والـברכות كلفة زائدة؟
<15> قال الحبر: أليس الإنسان الكامل أحق أن يوصف بالالتذاذ بما يأكل ويشرب من الطفل والبهيمة؟ كما أن البهيمة أحق باللذة من النبات، وإن كان النبات في اغتذاء دائم.
<16> قال الخزري: نعم لفضل الحس والشعور باللذة، فإنه لو سيق إلى سكران كل ما يشتهيه وهو بحال السكر فيأكل ويشرب ويسمع الأغاني ويجتمع مع من يحب وتعانقه معشوقته ثم يوصف له جميع هذا إذا صحا، لتأسف لذلك وحسب جميعه خسرًا لا ربحًا لما لم تجيه تلك اللذات في حال تحصيل وإحساس تام.
<17> قال الحبر: فالتهيؤ للذة والشعور بها وتخيل عدمها قبل ذلك يضاعف اللذات بها وهذا من فوائد الـברכות لمن التزمها بنية وتحصيل لأنها تصور نوع اللذة في النفس والشكر عليها لمن وهبها وقد كان معرضًا لعدمها فتعظم المسرة بها كقولك שהחינו וקימנו وقد كنت معرضًا للموت فتشكر على حيوتك وتراها ربحًا ويهون عليك المرض والموت إذ حل لأنك إذا حاسبت نفسك ورأيت أنك مربح مع ربك لأنك أهل للعدم من كل نعمة بطبعك لأنك تراب، ثم أنعم عليك بالحياة واللذة فتشكر. ومتى صرفها عند تحمد وتقول ה' נתן ה' לקח וגו' فتبقى ملتذًا طول عمرك. ومن لم يلتزم هذه الطريقة فلا تظن لذته لذة إنسانية لكن لذة بهيمية لا يحصلها كما قلنا في السكران.
وهكذا يحصل الفاضل في نفسه معنى كل ברכה ويتصور غرضها وما يتعلق بها. فيتصور في יוצר המאורות نظام العالم العلوى وعظم تلك الأشخاص وعظيم فائدتها وأنها عند بارئها كأقل الحشرات وإن عظمت في أعيننا لعظيم انتفاعنا بها. والدليل أنها عند بارئها كما قلت إن حكمته وتدبيره في خلقة النملة والنحلة ليست مقصرة عن حكمته وتدبيره للشمس وفلكها بل أثر العناية والحكمة ألطف وأغرب في النملة والنحلة لما وضع فيها من القوة والآلات على صغرها يتفكر في هذا كي لا تعظم في عينه الأنوار فيخدعه الشيطان ببعض آراء أصحاب الروحانيات فيوهمه أنها تضر وتنفع بذواتها وليس كذلك. بل بكيفياتها كالريح والنار. فيكون كما قيل אם אראה אור כי יהל וגו' ויפת בסתר לבי וגו' وكذلك يتصور في אהבת עולם اتصال الأمر الإلهي بالجماعة المتهيئة لقبوله كاتصال النور بالمرآة الصقلة. وأن الشريعة من عنده ابتداء إرادة منه لإظهار ملكوته في الأرض كظهورها في السماء. ولم تقتض الحكمة أن يخلق ملائكة في الأرض بل آدميين من منى ودم وتتغالب فيها الطبائع وتتجاذب الأخلاق بحكم تضاد الإقبال والإدبار كما تبين في ספר יצירה فمتى صفا منهم فراد أو جماعة حلة النور الإلهي ودبره بلطائف وغرائب خارجة عن نظام العالم الطبيعي وتسمى ذلك منه אהבה وשמחה ولم يجد الأمر الإلهي قابلًا طائعًا لأمره لازمًا للنظام الذي أمره به بعد الأنوار والأفلاك إلا أفاضل الناس كانوا أفرادًا من لدن آدم إلى יעקב ثم صاروا جماعة فحلهم الأمر الإلهي محبة להיות להם לאלהים ونظمهم في الـמדבר نظام الفلك ארבעה דגלים نحو أربعة أرباع الفلك، وשנים עשר שבט نحو שנים עשר מזלות، وמחנה לוים בתוך המחנות كما في ספר יצירה והיכל קדש מכוון באמצע והאלהים נושא את כלם وهذا كله دل على אהבה فيسبح عليها ويتلو ذلك قبوله الشريعة بـקרית שמע ثم بما تضمنه אמת ויציב من وكيد المعاني لالتزام الـתורה كأنه لما تبين له كل ما تقدم وحصله وميزه عقد على نفسه عقدًا وأشهد شهادةً أنه قد التزمه كما التزمه الآباء قبله وكذلك يلتزمه البنون إلى جابر الدهر كما يقول על אבותינו ועלינו ועל בנינו ועל דורותינו דבר טוב וקיים חוק ולא יעבור ثم يسرد تلك العقائد التي بها تتم عقيدة اليهودية وهي الإقرار بربوبيته تعلى وبأزليته وبعنايته بآبائنا. وبأن الشريعة من عنده وبالبرهان على جميع ذلك وهي الخاتمة وهي יציאת מצרים بقول אמת שאתה ה' אלהינו אמת מעולם הוא שמך ועזרת אבותינו ואמת ממצרים גאלתנו، فمن جمع هذه بنية خالصة كان إسرائيليًا حقيقةً وحق له أن يطمع بالاتصال بالأمر الإلهي المتصل بـבני ישראל دون سائر الأمم وكان مستأهلًا للوقوف بين يدي الـשכינה وأن يسأل فيجاب فوجب أن יסמוך גאולה לתפילה بغاية الحرص والنشاط كما تقدم، فيقف للصلاة بالشروط التي قدم ذكرها بالـברכות التي تعم ישראל لأن الرغبة والدعاء فيما يخص إنما هو من النوافل التي لا تلزم، وقد كان لها موضع في שומע תפילה لمن شاء. فيتصور من الـ.ברכה الأولى المسماة אבות فضل الـאבות وثبات الـברית من الله لهم للدهر لا يحول، بقول ומביא גואל לבני בניהם، ومن الـברכה الثانية المسماة גבורות أن له في هذا العالم حكمًا مستمرًا وليس كما يظن الطبيعيون أنه على الطبائع التي جربوها، فيتصور أنه מחיה מתים متى شاء على بعد ذلك عن قياس الطبيعيين، وكذلك משיב הרוח ומוריד הגשם وغير ذلك، وفي الإراديات מתיר אסורים وغير ذلك. وقد تحقق ذلك من آثار بني إسرائيل. فبعد التأمين بـאבות وגבורות التي تخيل أنه تعالى يتعلق بهذا العالم الجسماني ينزهه ويقدسه ويرفعه عن أن يلحقه أو يتعلق به شيء من أوصاف الجسمانيات بـקדושת השם وهو אתה קדוש فيتصور من هذه الـברכה كل ما وصفته به الفلاسفة من التنزيه والتقديس بعد تصريح ربوبيته وملكه بـאבות وגבורות فإن بها تحقق عندنا أن لنا مالكًا وشارعًا، ولولاها لتشككنا في كلام الفلاسفة مع الدهريين، فوجب تقديم אבות وגבורות على קדושת השם، وبعد هذا التعضيم يبدأ بطلب حاجته مشتملًا مع جميع ישראל ولا يجوز غير ذلك إلا في النوافل، فالدعاء المجاب إنما هو لجماعة أو في جماعة أو لواحد يقوم مقام جماعة وهو معدوم في وقتنا.
<18> قال الخزري: ولمَ ذلك؟ أوليس الانفراد للإنسان أفضل وأصفى لنفسه وأخلى لفكره؟
<19> قال الحبر: بل الفضل للجماعة من ودوه، أحدها أن الجماعة لا تدعو في ما به فساد الأفراد. والفراد ربما دعا في ما فيه فساد أفراد آخرين، وربما كان في أولئك الأفراد من دعا في ما فيه فساده هو. ومن شروط الدعاء المجاب، أن يكون في ما ينفع العالم ولا يضره بوجه. ومنها أن قليلًا ما تتم صلاة الفراد دون سهو وغفلة. وذلك رسم لنا أن يصلي الفراد صلاة الجماعة، نعم وإن تكون صلاته ما أمكن في جماعة لا أقل من عشرة، كي يتم في البعض ما نقص من البعض بسهو أو غفلة، فينتظم من الجميع صلاة جماعة بنية خالصة، وتحل البركة الجميع، وينال كل واحد من الأفراد نصيبة منها، فإن الأمر الإلهي إنما هو كالمطر يعم قطرًا ما إذا استحقه ذلك القطر جملة وربما انطوي فيه كم لا يستحقه من الأفراد وسعدوا بشفاعة الأكثر. وبعكس ذلك يحرم قطر المطر لأن القطر لا يستحقه جملة وربما انطوى فيه أفراد كانوا يستحقونه وحرموا بحرمان الأكثر. هذه أحكامه تعالى الدنيائية، وعنده تعالى الجزاء لأولئك الأفراد في الآخرة، نعم وفي الدنيا وقد يعوضهم بخير عوض وينجيهم بعض النجاة يتميزون به عن جيرانهم، لكن قليلًا ما يسلمون من العقاب الشامل سلامة بتة. ومثل من دعا لنفسه مثل من رام أن يصلح على منزلة وحدة، ولم يرد أن يدخل مع أهل المدينة في تعاونهم على أسوارهم، فهو ينفق الكثير ويبقى على الجرر. والذي يدخل مدخل الجماعة ينفق القليل ويبق في أمن، لأن ما قصر عنه الواحد وفي به الآخر، وتقوم المدينة على أكمل ما يمكن، ويصير أهلها قد نالوا كلهم بركتها بنفقه يسيره مع الأنصاف والائتلاف. ومثل هذا يسمي أفلاطون ما ينفق في جانب الشريعة نصيب الكل، فمهما أغفل الفراد نصيب الكل. وهو الذي تصلح به جماعته الذي هو جزء منها، وظن أن يتوفر عليه فقد أخطأ على الكل وأخطأ على نفسه أكثر. فإن الفراد في جماعته كالعضو الواحد في جملة الجسد لو شح الذراع بدمه إذا احتاج إلى الفصاد لفسد الجسد وفسد الذراع بفساده، لكن ينبغي للفراد احتمال المشقة بل الموت بجنب مصالح الكل فأوكد ما ينظر فيه الفراد هو نصيب الكل أن يعطيه ولا يتغافل عنه ولما لم يكن يدركه القياس فرضه الله بالـמעשרות والـמתנות والـקרבנות وغير ذلك. وهو نصيب الكل من الأموال.
وأما في الأعمال فالأسبات والأعياد والـשמטות والـיובלים وما جرى مجراها. وأما إن الأقوال فالصلوات والبركات والتسابيح. ومن الأخلاق الـאהבה والـיראה والـשמחה وأولى الطلبات بالتقديم طلبة العقل والإلهام إذ به يصل الإنسان إلى التقرب إلى ربه. فقدم אתה חונך לאדם דעת مقرونًا بما بعده أعني הרוצה בתשובה ليكون تلك الـחכמה والـדעת والـבינה في طريق الـתורה والـעבודה كقوله השיבנו אבינו לתורתך. ولما لم يكن للآدمي بد من الزلل وجب الدعاء في الصفح عن الخطأ في علمه وعمله في ברכת חנון ומרבה לסלוח. ويصل بهذا الدعاء نتيجة الصفح وعلامته وهو الفرج مما نحن فيه فيبدأ ראה נא בעניינו וריבה ריבנו ويختم بـגואל ישראל. ثم يدعو في صحة الأبدان والنفوس ويقرن بهذا الدعاء حضور قوتها لحفظ قوتها في ברכת השנים. ثم يدعو في جمع الشمل في מקבץ נדחי עמו בית ישראל ويقرن به ظهور العدل وانتظام الحال بقول ומלוך עלינו אתה לבדך، ثم يدعو في نفي الخبث وقطع الشرك في ברכת המינים، ويقترن به الحوطة على الصفوة الخالصة في قوله על הצדיקים. ثم يدعو في إعادة ירושלם وتصييرها محلًا للأمر الإلهي. ويقترن به الدعاء في משיח בן דוד وفرج من الحاجات الدنيائية. ثم الدعاء في قبول الدعاء بـשומע תפלה. ويقترن به الدعاء في حضور الـשכינה مرئية بالعين كما كانت للأنبياء وللأولياء وللمخرجين من مصر فيدعو ותחזינה עינינו ويختم המחזיר שכינתו לציון. ويتخيل الـשכינה متمثلة أمامه ويسجد نحوها كما كان يسجدون ישראל عند رؤيتهم الـשכינה ويركع ركعة מודים في ברכת הודיה التي تتضمن الإقرار بفضله تعالى والشكر عليه معًا. ويقرنها بـעושה שלום التي هي الخاتمة ليكون التوديع والانفصال عن حضرة الـשכינה בשלום.
<20> قال الخزري: لم يبق لي موضع اعتراض إذ أرى جميع الأغراض مضبوطة محكمة والذي كنت أنقده وهو قلة ما أرى في أدعيتكم من ذكر الآخرة قد حججتني فيه بأن من يدعو في الاتصال بالنور الإلهي في حياته حتى يدعو أن يراه بعينه ويدعو في درجة النبوة ولا أقرب للإنسان إلى الله منها، فلا محالة أنه قد دعا في أكثر من الآخرة أن حصل له فالآخرة حاصلة له، لأن من اتصلت نفسه بالأمر الإلهي وهي مشغولة بأعراض الجسم والأمة فأحرى وأغدر أن تتصل به إذا انفردت وتركت هذه الآلات الدنسة.
<21> قال الحبر: أزيدك في ذلك بيانًا بمثال، رجل قدم على سلطان فقربه السلطان تقريبًا كثيرًا ومكنه من الدخول إليه متى شاء وكان هو يدل على السلطان حتى يكلفه النزول عنده في منزلة وحضور ضيافته فيحضر ويرسل أخص وزراية إليه ويفعل معه ما لا يفعله مع غيره، ومتى سها هذا الرجل أو أخطأ وانقطع عنه السلطان فإنما يدعو ويرغب في العودة إلى العادة لينزل عنده ولا يقطع وزراه من زيارته، وكان أهل البلد كلهم إنما يدعون ويرغبون أن يكون السلطان إذا سافروا أن يصحبهم في الطريق من يسلمهم من اللصوص والحيات وآفات الطريق، وكانوا يثقون بأن السلطان يسعفهم في هذا وأنه يعني بهم في سفرهم وأن لم يعن به في حضرهم وكان يتفاخر بعضهم على بعض أن السلطان يعني به أكثر من غيره قياسًا منه بأنه يعظم السلطان أكثر من غيره. وكان هذا الرجل الغريب قليلًا ما يذكر السفر ولا يدعو من يشيئعه. فلما حان سفر هذا الرجل قال له أهل البلد أنك لهالك في هذا الطريق المغرور إذ ليس لك من يشيعك. فقال لهم ومن ذا الذي يشيعكم أنتم، قالوا له السلطان الذي دعونا ورغبنا في تشييعه لنا منذ حصولنا في هذه المدينة ولم نرك أنت تدعو في مثل هذا أبدًا. فقال لهم يا مجانين ومن يدعوه في وقت الأمن، أليس أحرى أن يرجوه في وقت الحذر ولولم يفه بذلك وهو الذي يجيبه في وقت الرفاهية أليس حقيقًا أن يجيبه أكثر في وقت الضرورة وأن أدعيتم عنايته بكم لتعظيمكم له، هل فيكم من التزم له التزامي، وعظمه تعظيمي، وحمل من المشقة من أجل التزام أوامره حملي، وتحفظ من الدنس عند ذكره تحفظي، والتزم من توقير اسمه وكتابه ما التزمته. وكل ما فعلته بأمره وتعليمه وأنتم عظمتموه قياسًا وتخرصًا ولن يضيع لكم، فكيف يفردني أنا في سفري لما لم أفصح بذلك افصاحكم وثقت بعدله. وهذا المثل إنما هو لمن تعسف ولم يقبل من الأحبار وإلا فأدعيتنا مملوءة من ذكر העולם הבא وكلام الأحبار المنقول عن الأنبياء معمور بتحديد גן עדן وגיהנם كما بينت لك.
فقد وصفت لك أعمال الفاضل في وقتنا هذا فكيف تتخيله في ذلك الزمان السعيد وفي ذلك المكان الإلهي وفيما بين أولئك القوم الذين عنصرهم אברהם وיצחק وיעקב وهم صفوتهم مطبوعين على الـצניעות رجالًا ونساء لا كراهة في ألسنتهم في تصرف الفاضل بينهم فلا تتدنس نفسه بكلمات فاحشة يسمعها منهم، ولا تتعلق بثيابه وجسمه نجاسة זיבות وנדות وשרצים وأموات وצרעת وغيرها لالتزامهم الـקדושה والـטהרה، لا سيما لمن كان ساكن مدينة السكينة، فلا يلقى إلا طوائف متدرجين في الـקדושה من כהנים وלוים وנזירים وחברים وנביאים وחכמים وשופטים وשוטרים. أو يرى من الجمهور המון חוגג בקול רנה ותודה في الـשלש רגלים בשנה، فلا يسمع إلا שיר ייי، ولا يرى إلا מלאכת ייי. لا سيما أن كان כהן أو לוי يعيش من לחם ייי، ويلازم بيت בית ייי من طفوليته مثل שמואל، وقد كفى طلب المعاش، فيلتزم עבודת ייי طول عمره، ما الذي تظن بعمله وبصفاء نفسه وبصلاح عمله.
<22> قال الخزري: هذه درجة النهاية ليس بعدها إلا درجة الملائكة وبحق يطمع في النبوة بمثل هذا الالتزام، لا سيما مع حضور الـשכינה، ومثل هذه تكون العبادة التي تغني عن الزهادة والانقطاع، وأريد منك الآن بعض شفاء فيما عندك في القرائين فإني أراهم مجتهدين في التعبد أكثر من الربانيين وأسمع حججهم أرجح وأكثر مطابقة لنصوص الـתורה.
<23> قال الحبر: ألم نتقدم بالقول إن التحكم والتعقل والتخرص في الشريعة لا يؤدي إلى رضا الله وإلا فالثنوية والدهريون وأصحاب الروحانيات والمنقطعون في الجبال ومحرقي أولادهم بالنار كلهم مجتهدون في التقرب إلى الله. وقد قلنا إنه لا يتقرب إلى الله إلا بأوامر الله نفسها، لأنه تعالى يدري تقديرها وتقسيمها وأزمنتها وأمكنتها، وما يتبع هذه اللوازم التي بتمامها يكون الرضا والاتصال بالأمر الإلهي، كما كان في מעשה המשכן الذي قال في كل صناعة منها ויעש בצלאל את הארון، ויעש כפרת، ויעש יריעות. وفي كل واحدة منها כאשר צוה ייי את משה. يعني بلا زيادة ولا نقصان. وليس في شيء من تلك الأعمال ما يطابق عقولنا وقياساتنا، وختمها بقول וירא משה את כל המלאכה והנה עשו אותה כאשר צוה ייי כן עשו ויברך אותם משה. واقترن بتمامها حلول الـשכינה لما تمت الأمران اللذان هما عمد الشريعة. أولهما أن تكون الشريعة من الله. والثاني أن تمتثل بالنية الخالصة من الجماعة، فقد كان الـמשכן من أمر الله، وكان عمله من قبل جميع الجماعة كقوله מאת כל איש אשר ידבנו לבו תקחו את תרומתי بغاية الحرص والرضا فوجب تمام التنتيج التي هي الـשכינה كما قال ושכנתי בתוכם. وقد مثلت لك بخلقة النبات والحيوان وقلت أن الصورة التي بها يتجوهر نبات دون نبات وحيوان دون حيوان ليست من الطبائع بل أثر من الله تعلى يسمونه العلماء طبيعة. نعم أن الطبيعة تستعد بقبول ذلك الأثر بحسب نسبها من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فيصير هذا نخلة وهذا دالية وهذا فرسًا وهذا أسدًا. وتلك النسب لا نقدر نحن على تقديرها. ولو قدرنا على ذلك لقدرنا على عمل دم ولبن مثلًا ومني من رطوبات نقدر مزاجاتها حتى نقدر على خلق حيوانات تحلها الروح، أو كنا نقدر أن نعمل ما يقوم مقام الخبز من أشياء ليست غاذية بتقديرنا الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، لا سيما أن عرفنا النسب الفلكية وتأثيرها المعينة بزعم أهل النجوم في كل ما يراد أظهاره في هذا العالم. وقد رأينا خزي كل من رام شيئًا من هذه الطرق من الكيمياويين وأهل الروحانيات. ولا تعترضني بما يقتدر الناس عليه من خلق الحيوانات مثل اتخاذ النحل من لحم البقر والبعوض من الخمر، فإن ذلك ليس من تقديرهم وعلمهم، وإنما هو من تجاريب وجدوها كما وجدوا الجماع يكون عنه الولد وليس للإنسان في تلك أكثر من وضع البزر في أرض مهياة لقبوله ونجابته فيها. وتقدير النسب التي تستحقه الصورة الإنسانية إنما هو لمن خلقها. وكذلك تقدير الملة الحية المستحقة لحلول الأمر الإلهي بينها إنما هو لله وحده. فليسمع ذلك التقدير والتقسيط منه ولا يتعقل على قوله كما قال אין חכמה ואין תבונה ואין עצה לנגד ייי. فكيف ترى الحيلة في التشبه بآبائنا حتى نقتدي بهم ولا نتعقل نحن في الشريعة؟
<24> قال الخزري: لا سبيل إلى ذلك إلا بنقل أخبارهم وأسناد آثارهم أن يوجد من يوثق بذلك من جماعة أثر جماعة لا يجوز على مثلهم الاصطلاح.
<25> قال الحبر: بهلة الطريق كان تحمل الـתורה وفروعها وشروحها من لدن משה مصححة في الصدور أو في المصاحف.
<26> قال الخزري: فكيف ترى أن يوجد خلاف من مصحف أو في مصحفين أو ثلاثة؟
<27> قال الحبر: ينظر إلى أكثر المصاحف، فإن الكثرة لا يجوز عليها الكذب، ويترك الافراد، وكذلك يفعل في الناقلين إذا اختلف، الأقل يرجع إلى رأي الأكثر.
<28> قال الخزري: فما تقول في حرف يوجد في المصاحف يخالف القياس مثل צדו צעדינו؟ أترى أن يرد צרו؟ ואשר לא נשא לשוא נפשי ويرد נפשו. وغير ذلك كثير لا يعد ولا يحد.
<29> قال الحبر: إن أحللت القياس على هذا وأشباهه فقد غيرت الكتب كلها، في الحروف أولًا، ثم في الكلمات، ثم في الصلات، ثم في التنقيط، ثم في الألحان، وتتغير المعاني. وكم פסוק يقدر الإنسان أن ينقل معناه إلى الضد بنقل أحد هذه التوابع، فكيف كلها؟
<30> قال الخزري: فكيف تظن أنه أودع משה كتابه عند בני ישראל؟
<31> قال الحبر: لا محالة أنه سفر ساذج خلو من التنقيط والالحان كما نرى الـספרים اليوم. إذ لا يجوز الاصطلاح عليها في الجمهور كما لا يجوز الاصطلاح على الفطير في פסח وسائر شرائعه التي هي זכר ליציאת מצרים، التي تستقر في نفوس ישראל حقيقة יציאת מצרים بتلك الأعمال المستمرة التي لا يجوز أن يتواطأ عليها في سنة من السنين، فلا يكون عليها متعرض.
ولا محالة أنه كان محفوظًا في الصدور بالفتحة والضمة والكسرة والإمالة والـשבא والألحان، في صدور الـכהנים لحاجتهم إلى الـעבודה وלהורות את בני ישראל، وفي صدور الملوك لما ورد عليهم והיתה עמו וקרא בו כל ימי חייו، وفي صدور الـשופטים لحاجتهم إلى الأحكام، وفي صدور الـסנהדרין لحاجتهم إليها فيما قيل ושמרתם ועשיתם כי היא חכמתכם ובינתכם، وفي صدور الأتقياء כדי לקבל שכר. وفي صدور أهل الرأي لطلب الاستظهار فوضعوا الـשבעה מלכים والـטעמים علامات لتلك الهيآت التي حملوها نقلًا عن משה ע"ה فما الذي تظن بالذين ضبطوا الـמקרא بالـפסוקים أولًا، ثم بالتنقيط، ثم بالألحان، ثم بالـמסורת مع تحصيل الـמלא والـחסר، حتى عدوا حروفها وصححوا أن ו' דגחון قاسمة الـתורה، وتحصيل كل ما شذ من קמץ وפתח وצרי وסגל خارجًا عن القياس. أترى في عملهم فضول وبطالة أم اجتهاد في واجب؟
<32> قال الخزري: بل اجتهاد في واجب مع الحياطة على الشريعة كي لا يتطرق إلى تغييرها مع العلم البارع إذ يظهر من وضع التنقيط والـטעמים نظام لا يصدر إلا عن علم مؤيد لا يناسب علومنا بوجه وليس يمكن أن يصير مقبولًا من الجمهور إلا عن جملة مرتضين أو واحد مرتضي وليس يمكن أن يقبل جمهور من واحد أن لم يكن نبيًا أو مؤيدًا بأمر إلهي لأن العالم الغير مؤيد يدعي من قاربه في علمه أن يعمل مثل عمله.
<33> قال الحبر: فالتقليد إذا واجب علينا وعلى القرائين وعلى كل من يقر أن هذه الـתורה الموجودة المقرة على هذه الهيئة هي תורת משה ע"ה.
<34> قال الخزري: هكذا يقول القرئيون. وأما بعد حصول الـתורה تامة فهم في غنى عن التقليد.
<35> قال الحبر: فسبحان الله فهذا ספר משה ע"ה الساذج احتيج في ألفاظه والنطق به من التقليد إلى كم طائفة من منقط وملحن ومفسق وممسر فكم بالحرى احتيج في معانيه، إذ المعنى أكثر اتساعًا من الألفاظ. أترى إذ قال لهم החדש הזה לכם ראש חדשים مثلًا، لم يتشكك الناس هل أراد شهور القبط وهم المصريون الذين كانوا بينهم، أم أراد شهور السوريانيين الذين كانوا قوم אברהם في אור כשדים وهم الكسدانيون، أم شهورًا شمسية، أم قمرية، أم شهورًا قمرية بحيث يوفقها مع السنين الشمسية كما جاء في علم الـעבור، وددت أن يقنعني القرائيون في الجواب على هذا ومثاله فأرجع إلى مذهبهم فإني محب في الاجتهاد، وأن يقنعوني إذا سألتهم عما يحل به الحيوان ما معنى الزبحية، ولعله نحر وقتل كيف ما اتفق ولما ذا حرمت זבחי גוים وما الذي بين ذباحه وسلاخه وسائر صنعته. ووددت أن يبين لي الشحم المحرم وهو متصل بالحلال في الماسريقا والمبعر وغير ذلك من تنقية اللحم، ويعطيني الحد الذي بين الحلال والحرام بحيث لا اختلف فيه مع صاحبي. وكذلك الـאליה المحرمة عندهم هل لها حد. ولعل واحدًا يعزل طرف الذنب وحده وآخر يعزل القطنة بأسرها، ووددت أن يبين لي الطائر الحلال من الحرام، حاشى المشهورين أعني יונה وתור، ومن أين له ألا تكون الدجاجة والأوزة والبراكة والحجلة من الـטמאים ووددت أن يعطيني حدود אל יצא איש ממקומו إن كان بيته أو داره أو ملكه إن كانت له دور كثيرة أو دربه أو ربضه أو مدينته أو تخم مدينته، إذ لفظة מקום يشترك بهذه وأكثر منها. ووددت أن يرسم لي حد الـמלאכה المحظورة في السبت، وما الذي يمنع من القلم والمحبرة لتصحيح الـתורה، ويبيح رفع السفر الثقيل والمائدة وسائر المطاعم وإطعام الضياف وتكلف كل ما يتكلف المضيف لضيافه وهم في راحة وهو في عذاب، وأكثر من ذلك خدمه ونساءه وقد قيل למען ינוח עבדך ואמתך כמוך. وبما ذا يحرم ركوب خيل الـגוים في السبت، وبما ذا تحرم التجارة. ووددت أن يحكم بين خصمين من סדר ואלה המשפטים وכי תצא למלחמה وأجلى ما في الـתורה مشكل فضلًا عن المشكل لأن التعويل إنما كان على תורה שבעל פה. ووددت أن أرى فتاواه وأحكامه في جميع المواريث من פרשת בנות צלפחד، بل كيفية الـמילה والـציצית والـסוכה. ويبين لي من أين لزمته صلاة الله. ومن أين اعتقد أن ثم ميعادًا ووعيدًا وثوابًا وعقابًا بعد الموت، وكيف يقضون في الشرائع المتنافية، كالـמילה مع الـשבת، والـפסח مع الـשבת، מי נדחה מפני מי، وغير هذا مما يطول ذكره جملة فكيف تفصيله. هل سمعت يا ملك الخزر عن تأليف للقرائين في شيء مما ذكرت مسندًا مقبولًا مقلدًا لا اختلاف فيه بينهم من מסורת أو من تنقيط أو من ألحان أو من אסור והתר أو من أحكام؟
<36> قال الخزري: لم أر ولا سمعت عنهم لكني أراهم مجتهدين.
<37> قال الحبر: ذلك مما قلته لك من التعقل والتحكم والمتعقلون في العبادة لـמלאכת השמים أكثر اجتهادًا من עושה מלאכת ייי المأمور بها. لأن هؤلاء قد استراحوا بتقليدهم واطمأنت نفوسهم كالمتصرف في المدينة فلم يتأهبوا لمناقضة مناقض. وهؤلاء كالماشي في القفار لا يدري ما يلقي، فهو مستعد بسلاح متأهب لقتال معلم للحرب مدرب فيها فلا يعجبك ما تراه من حزمهم ولا يكسلك ما ترى من تراخي المقلدين أعني الربانيين فإن أولئك طلبوا حصنُا يتحصنون فيه، وهؤلاء راقدون متعودون في فرشهم في مدينة حصينة قديمة.
<38> قال الخزري: كل ما قلته لازم.
<39> قال الحبر: إن الشريعة حثت أن تكون תורה אחת ומשפט אחד. وبحسب قياساتهم تكثر الشرائع بحسب قياس كل واحد منهم. نعم الواحد لا يبقى على شرع واحد لأنه يظهر إليه في كل يوم رأي جديد ويزيد علمه ويلقي من يرده بحجة فيجب أن ينتقل بانتقال الرأي فإن وجدناهم متفقين فلنعلم أنهم مقلدون لواحد أو لجماعة تقدمتهم فيجب أن ننكر عليهم الاتفاق فنقول لهم كيف اتفقتم في شريعة كذا والرأي يترجح في كلام الله إلى وجوه كثيرة. فإن قالوا إن هكذا كان يعتقد ענן أو בנימין أو שאול أو غيرهم لزمتهم حجة التقليد لمن هو أقدم وأولى بالتقليد أعني الـחכמים، لأنهم جماعات وأولئك أفراد وقياس الـחכמים مسند إلى نقل عن الأنبياء. وأولئك قياس مجرد فقط، والـחכמים متفقون، وأولئك مختلفون، والـחכמים أقوالهم من המקום אשר יבחר ייי. ولو كان حكمهم من مجرد قياسهم لوجب قبوله. وأولئك ليسوا هكذا. ويا ليت شعري ما ذا جوابهم في مسألة החודש הזה، وأرى عملهم تابعًا للربانيين في עיבור אדר באדר. ثم يتعرضون عليهم عند رؤية هلال תשרי كيف صمتم صوم כפור في תשיעי בתשרי. إلا يختزون وهم لا يدرون هل ذلك الشهر אלול أم תשרי إذا كبسوا. وهل هو תשרי أو מרחשון إذا لم يكبسوا، فهلا قالوا إنا الغريق فما خوفي من البلل نحن لا ندري هل الشهر תשרי أو מרחשון أو אלול، فكيف نتعرض على من نتبع آثارهم ونتعلم منهم هل تصومون في التاسع أو العاشر من أيام الشهر؟
إن شريعتنا مربوطة بـהלכה למשה מסיני، أو מן המקום אשר יבחר ייי، כי מציון תצא תורה ודבר ייי מירושלים. بحضرة שופטים وשוטרים وכהנים وסנהדרין، ونحن مأمورون بالطاعة للـשופט المفوض في كل جيل كما قال ואל השופט אשר יהיה בימים ההם ודרשת והגידו לך את דבר המשפט ועשית על פי הדבר אשר יגידו לך מן המקום ההוא אשר יבחר ייי ושמת לעשות ככל אשר יורוך. ثم והאיש אשר יעשה בזדון לבלתי שמע אל הכהן וגו' ומת האיש ההוא ובערת הרע מקרבך. قرن عصيان الـכהן والـשופט بأعظم الجنايات في قوله ובערת הרע מקרבך. واتبعه וכל העם ישמעו וייראו ולא יזידון עוד، مهما النظام باق من الـעבודה والـסנהדרין وسائر الطواف التي بهم يتم النظام ويتصل بهم الأمر الإلهي لا محالة، إما بنبوة وإما بتأييد وإلهام كما كان في בית שני. ولا يجوز على مثل أولئك تواطؤ ولا اصطلاح. وبذلك لزمت شريعة الـמגלה والـפורים وشريعة الـחנוכה. وجاز أن نقول וצונו על מקרא מגלה وלהדליק נר חנוכה وלגמור את ההלל وעל נטילת ידים وמצות ערוב وغير ذلك ولو كانت سننًا خرجت بعد الـגלות لما تسمت فرضًا ولا لزمتنا ברכה، لكن يقال فيها أنها תקנה أو מנהג. فأكثر شرائعنا مسنده إلى משה הלכה למשה מסיני. وهكذا ينبغي أن يكون قوم كفوا مؤنة المعاش أربعين عامًا ومؤنة اللباس والـمسكن وهم من الكثرة حيث هم، وמשה حاضر معهم، والـשכינה لا تبارحهم. وقد أمرهم بجمل شرائع، أليس من المحال ألا يسألوا في جزئياتها مع الأحيان وينقلوا تفسيرها وتفصيلها؟ وقد نرى והודעתי את חוקי האלהים ואת תורותיו. وهو قد قال لهم آخرًا כי היא חכמתכם ובינתכם לעיני העמים אשר ישמעון את כל החקים האלה ואמרו רק עם חכם ונבון הגוי הגדול הזה. فمن شاء أن يكذب هذا الـפסוק فينظر إلى القرائيين، ومن شاء أن يصدقه فينظر علوم الـמשנה والتلمود، وهي قليل من كثير من العلوم الطبيعية والإلهية والرياضية والفلكية، فيرى أنه يحق لهم الفخر على جميع الأمم، بعلومهم، وبعض شرائعنا מן המקום אשר יבחר ייי بالشروط المذكورة. وقد صحبت النبوة בית שני نحو أربعين عامًا وقد أثنى ירמיהו ع.س. في نبوته على أهل בית שני وعلى خيرهم وعلمهم ودينهم، فإن لم نقلد أولئك فمن نقلد. وقد نرى ما شرع بعد משה وصارت شريعة مثل שלמה إذ قدس את תוך החצר، وعمل الـעולות في غير الـמזבח، وعمل الـחג שבעת ימים ושבעת ימים. وما رتب דוד وשמואל من نظام الـמשוררים في البيت وصار شرعًا مستمرًا، وما عمل משה في الـמדבר، وما كتب עזרא لجماعته في בית שני من שלישית השקל، وما أقاموا مقام الـארון وعلقوا أمامها الـפרכת لما علموا أن الـארון مدفون هناك.
<40> قال الخزري: كيف يستقيم هذا مع לא תוסף עליו ולא תגרע ממנו؟
<41> قال الحبر: إنما قيل هذا للجمهور كي لا يتعقلوا ويتحكموا ويضعوا لأنفسهم شرائع من قياساتهم كفعل القرائيين، ويحث على القبول من الأنبياء بعد משה ע"ה ومن הכהנים والـשופטים، كما يقول في الـנביא: נביא אקים להם וגו' ודבר אליהם את כל אשר אצונו، وقال في الـכהנים والـשופטים أن يكون حكمهم مطاعًا، فصار قول לא תוסיפו על הדבר אשר אנכי מצוה אתכם ולא תגרעו ממנו וגו'، يعني ما أمرتكم به על ידי משה وما أمرتكم على يد נביא מקרבך מאחיך على الشروط المثبتة للنبوة، أو ما اتفق عليه الـכהנים والـשופטים מן המקום אשר יבחר ייי فإنهم مؤيدون بالـשכינה، ولا يجوز عليهم اصطلاح على ما يخالف الشريعة لكثرتهم، ولا يجوز عليهم الوهم لعلمهم الواسع الموروث والطبيعي والمكتسب لما نقلوا عن الـסנהדרין مكلفون تحصيل جميع العلوم ولا سيما وقليلًا ما فارقتهم النبوة ما يقوم مقامها من בת קול وغير ذلك.
فهب إنا نسلم للقرائيين في ما يعترضون علينا من مفهوم لفظ ממחרת השבת وעד ממחרת השבת أنه من الأحد ثم نقول أن أحد الـשופטים أو الـכהנים أو الملوك المرضيين مع رأي الـסנהדרין وجميع الـחכמים رأى أن الغرض من ذلك العدد إنما هو تصيير خمسين يومًا بين בכורי קציר שעורים وבכורי קציר חטים، ومراعاة שבעת שבועות التي هي שבע שבתות תמימות، فأعطانا مثلًا بأول يوم من الجمعة قائلًا إن كان الابتداء מהחל חרמש בקמה من يوم الأحد فتنتهون إلى يوم الأحد لنقيس منه أنه إن كان الابتداء من يوم الاثنين فإلى يوم الإثنين وהחל חרמש مخلي إلينا متى رأينا أنه يصلح ابتداءنا به وعددنا به، فرتب ذلك أن يكون ثاني يوم الـפסח ولا يكون في ذلك نقض للـתורה ووجب التزامه شريعة، إذ كان מן המקום אשר יבחר ייי بالشروط المذكورة. وعساه كان بوحي من الله تعالى والأمر ممكن. ونتبرأ من تشجيب المشجبين.
<42> قال الخزري: لقد قطعت يا حبر بهذه الكليات التي لا أقدر أن أنكرها عن جزئيات كانت في نفسي من حجج القرائيين كنت أظن أن أفحمك بها.
<43> قال الحبر: إذا صحت الكليات فلا تبال بالجزئيات فكثيرًا ما يدخلها الوهم، ثم لا نهاية لها لأنها تتشعب ولا ينفك المتناظران من شجبها وهذا كمن تقرر عنده عدل الخالق وإن حكمته شاكلة فلا يلتفت إلى ما يظهر في الدنيا من الغور. وكما قال אם עושק רש וגזל משפט וצדק תראה במדינה אל תתמה על החפץ. وكمن صح عنده بالبرهان بقاء النفس بعد فناء الجسد وإنها ليست جسمية لكن جوهر مفارق للجسد كالملائكة فلا يلتفت إلى ما يعترضه الوهم من عدم أفعال النفس عند النوم وعند المرض المستغرق للفكر ومن اتباعها لمزاج البدن وغير ذلك من الأفكار المشجبة.
<44> قال الخزري: مع هذا لست أقنع حتى أتشفى من مناظرتك بالجزئيات وإن كان علي في ذلك نقد بعد إقراري بالكليات التي أوردتها.
<45> قال الحبر: قل ما شئت.
<46> قال الخزري: أليس القصاص بيّنًا في الـתורה في قوله עין תחת עין שן תחת שן כאשר יתן מום באדם כן ינתן בו؟
<47> قال الحبر: ألم يقل أثر ذلك ומכה נפש בהמה ישלמנה נפש תחת נפש؟ أليس هذا الدية؟ وهلا قال من قتل فرسك أقتل فرسه، لكن قال خذ فرسه إذ لا منفعة لك في قتل فرسه، وكذلك من قطع يدك وخذ دية يده إذ لا منفعة لك في قطع يده. لا سيما وينطوي في هذه الأحكام ما يناقضه العقل من פצע תחת פצע חבורה תחת חבורה. كيف لنا تقدير ذلك؟ وربما مات أحدهما من جرحه ولم يمت الآخر من مثلها. وكيف لنا حتى تخرص مثلها؟ وكيف نقلع عين أعور في حق من كانت له عينان فيبقى الواحد أعمى والآخر أعور والـתורה تقول כאשר יתן מום באדם כן ינתן בו؟ وما ضرورتي أن أناظرك في هذه الجزئيات بعد تقديمي ضرورة التقليد مع صدق المقلدين وجلالتهم وعلمهم واجتهادهم.
<48> قال الخزري: مع هذا لقد يعجبني تحفظهم من النجاسات.
<49> قال الحبر: الـטומאה والـקדושה معنيان متضايفان لا يوجد أحدهما إلا بوجود الآخر فحيث لا קדושה لا טומאה. لأن معنى الـטומאה إنما هو أمر يحرم على صاحبه الدنو بشيء من أمور الـקדושה مما يؤهل لله كالـכהנים ومأكلهم وملابسهم والـתרומות والقرابين وבית המקדש وغير ذلك كثير. وكذلك معنى الـקדושה أمر يحرم على صاحبه الدنو بأمور كثيرة مشهورة. وأكثر ذلك متعلق بحضرة الـשכינה وقد عدمناها. وما عندنا من تحريم مباشرة الـנדה والـיולדת ليس من قبل الـטומאה، لكن شريعة مجردة من الله. وكذلك ما عندنا من إبعاد مؤاكلتها والاسترهاب من قربها إنما هي تحظيرات وسياجات كي لا تكون طرقة لمباشرتها. وأما فرائض الـטמאות فساقطة عنا لأنا في ארץ טמאה وאויר טמא فضلًا عن كل ما نتصرف فيه من القبور والـשרצים والـמצורעים والـזבים والأموات وغير ذلك. وكذلك تحرم علينا الـנבלה وليس من قبل نجاستها، لكن شريعة مجردة في تحريم الـנבלה. وشوط الـטומאה زائد. ولولا قولهم עזרא תקן טבילה לבעלי קראין لما لزم لزومًا شرعيًا لكن لزوم טהרה وتنظيف. فإن كان التزامهم هذا لمعنى النتظيف فلا بأس بذلك، من غير أن يلزموا شرعًا، وإلا فقد حصلوا متحكمين عن جهل منهم ومغيرين في الشرع ومسببين للـמינות أعني شتات المذاهب الذي هو أصل فساد الملة، وخروجها عن תורה אחת ומשפט אחד. فإن كل ما نسهل نحن من الـמגעות وإن كان سمجًا يسهل وبجنب ما يسبب رأيهم من الـמינות، حتى يكون في دار عشرة أناس بعشرة مذاهب، فإن لم تكن الشرائع عنده مضبوطة إلى حدود لا تتجاوزها لم يثق أن يدخل فيها ما ليس منها ويخرج عنها بعض ما فيها، لأنه يأخذ بقياسه وذوقه فيسهل على الـקראי הנאת עבודה זרה من ذهب وفضة وبخور وخمر، وفي الحقيقة إن الموت دون ذلك أجود. ويصعب عليه أن ينال من الخنزير ولى في دواء وهو في الحقيقة من الـעברות الخفيفة يلزم فيها מלקות. وكذلك كان يسهل على الـנזיר أكل الزبيب والعنب أكثر من السكر من نبيذ العسل أو نبيذ التفاح. وفي الحق ضد هذا إذ التحريم إنما هو لما خرج من الدالية فقط، وليس الغرض تحريم السكر كما يقع في الظن، بل السر هو في علم الله وعلم أنبيائه وأوليائه، ولا يمكن تجهيل الناقلين والقياسيين في هذا، لأن لفظه שכר مشهورة معلومة. ونقلوا أن יין ושכר المقول في الـכהנים يقتضي أنواع المسكر كلها. وإن יין ושכר المقول في الـנזיר إنما هو عن عصارة العنب فقط، فللشرائع حدود مستقصاه في العلم وإن سمجت عند العمل. والمتحري يتجنبها من غير أن يحرمها مثل בשר כס כס الذي هو مباح لأنا لسنا على ثقة من موت ذلك الحيوان. ولقائل أن يقول أنه سيبرأ فيحل. والـטרפה من حيوان ظاهر الصحة محرم لأن به علة قاتلة ولا بد لا يمكن أن يعيش بها، ولا أن يبرأ منها فحرم. وعند اللذة والتعقل تأتي هذه الأحكام بالعكس، فلا تتبع ذوقك وقياسك في فروع الشرائع فتوقعك في شكوك تدعو إلى الـמינות. ولن تتفق مع صاحبك في شيء منها فإن لكل واحد من الناس ذوقًا وقياسًا. وإنما ينبغي أن تنظر إلى الأصل من المنقول والمكتوب والقياسات المستعملة بالقانون المنقول لرد الفروع إلى الأصول. فما أخرجتك إليه فأعتقده ولو نافره وهمك وظنك كمو ينافر الظن والوهم عدم الخلاء، والقياسات العقلية قد نفت الخلاء، وكما ينافر الظن إمكان التقسم للجسد إلى ما لا نهاية والقياس العقلي يوجب ذلك، وكما ينافر الوهم كرية الأرض وكونها جزء من مائة وستين من قرصة الشمس. وكل ما في براهين إلهية من ما ينافره الوهم، فكل ما أحل العلماء لم يكن لذوق ولا لما يظهر إليهم ببادئ الرأي بل بنتائج العلم الموروث والمنقول عندهم وكل ما حرموا كذلك. فمن أجز عن علمهم يأخذ كلامهم بالذوق أنكر عليهم كما تنكر العامة أقوال الطبيعيين والفلكيين، وهم إذًا تقصو حدود الفقه وأعطوا الحلال والحرام محض الفقه عرضوا عليك ما يسمج من تلك الحدود، كما يسمجون أكل בשר כס כס وأخذ مال بحيل فقهية واستعمال السفر في السبت بحيل من الـערוב، واستحلال النساء بحيل يحل بها الزواج وحل الإيمان والنذور بأصناف الـערמות التي يجوزها النظر الفقهي مجردًا عن الاجتهاد الديني والأمران يحتاج إليهما معًا، لأنك إن أفردت النضر الفقهي جاز في حدوده أنواع من التحيل لا يمكن ضبطها. وإن تركت الحدود الفقهية التي هي سياج الشريعة وعولت إلى الاجتهاد كان سببًا للـמינות وتلف الكل.
<50> قال الخزري: أما هكذا فإني أقر للرباني الذي يجمع هذين الوجهين بفضله على القرئي في الظاهر والباطن ويحصل مع هذا طيب النفس على شريعته لأنها منقولة عن أسناد موثوقين بأن علمهم من عند الله تعالى فإن القرئي لو بلغ اجتهاده ما بلغ فإنه لا تطيب نفسه إذ يدري أن اجتهاده تقايس وتحكم فلا يثق أن عمله ذاك هو المرضى عند الله تعالى ويدري أن في الأمم كثيرًا من يجتهد أكثر من اجتهاده. لكن بقي على مسائلتك في الـערוב وهي رخصة في شريعة السبت، كيف يستحل ما حظره الله تعالى بتلك الحيلة الهينة الهجينة.
<51> قال الحبر: وعياذنا بالله تعالى إن يتفق جماهير فضلًا وعلمًا على ما يحل عروة من عرى شريعة الله تعالى، بل هم الذين يؤكدون ويقولون ועשו סייג לתורה. ومن جملة السياجات التي سيجوا أن حرموا الـהוצאה والـהכנסה מרשות יחיד לרשות רבים وبالعكس، ما لم تحرم ذلك الـתורה. ثم طرقوا في ذلك السياج طرقة الرخصة كي لا ينزل اجتهادهم بمنزلة شريعة وكي يكون مرفقًا للناس في التصرف، ولا ينالوا ذلك المرفق إلا بإذن. والإذن هو عمل الـערוב ليكون إمازة بين المباح جملة وبين السياج وبين المحظور.
<52> قال الخزري: لقد أقنعني هذا، لكني لم يقو عندي صناعة الـערוב حتى تكون تؤلف بين שתי רשויות.
<53> قال الحبر: إذًا فلم تقو عندك الشريعة كلها، أيقوي عندك استحلال المال والملك والأهل والعبيد بأخذ الـקנין، وبالـצואה، وتطليق المرأة وتحريمها بعد كونها حلالًا بقول כתבו וחתמו ותנו גט، وإباحتها بعد تحريمها بقول תהא לי מקודשת. وكل ما في תורת כהנים مما يتعلق تمامه بعمل ما أو كلام ما، وצרעת הבגד והבית المتعلقة بقول الـכהן טמא أو טהור. وجميع المشكنة إنما تعلقت الـקדושה فيها בהקמת משה الـמשכן، والـמשיחה בשמן המשחה. وكذلك الـכהנים إنما تعلقت الـקדושה بهم بالـמלואים والـתנופה. والـלוים بالـטהרה والـתנופה. وتطهير الـטמאים במי נדה التي هي אפר פרה ואזוב ושני תולעת، וחטוי הבית בשתי צפרים חיות. وتلك الصناعة وغفران الذنوب في יום הכיפורים. وتطهير القدس من الـטמאות בשעיר עזאזל مع الأعمال المقترنة به. وبركة בני ישראל برفع אהרן يديه، والتكلم بقول יברך ה'. وكان يحل مع كل فعل من هذه الأفعال الأمر الإلهي، لأن أعمال الشريعة كالأكوان الطبيعية جميعها مقدرة من عند الله تعالى، وليس تقديرها في قدرة بشري كما ترى الأكوان الطبيعية تقدر وتتزن وتتناسب في امتزاجها من الطبائع الأربع فبأيسر أمر تتم وتتهيء وتحلها الصورة التي تستحقها من حيوان ونبات، ويحصل لكل مزاج الصورة التي يستأهلها وبأيسر شيء يفسد. ألا ترى البيضة يفسدها أقل عرض من حر مفرط أو برد أو حركة فلا تقبل صورة الفروج ويتممها تسخين الدجاجة لها ثلاثة أسابيع، فتحله الصورة على الكمال، فمن ذا الذي يقدر أن يقدر الأعمال حتى يحلها الأمر الإلهي إلا أن يكون الله وحده. وفي مثل هذا ضل الكيماويون والروحانيون. أما الكيماويون فزعموا أنهم سيقدرون النار الطبيعية بأوزانهم حتى تكون لهم ما يردون، وتقلب لهم الأعيان، كما تفعل نار الحر الغريزي في الحيوان الذي يقلب الغذاء دمًا ولحمًا وعظمًا وسائر الأعضاء فيرومون إيجاد مثل هذه النار وغلطتهم تجارب وجودها بالاتفاق لا من تقديرهم، كما وجد الإنسان يتكون مع وضع المنى في الرحم والروحانيون لما سمعوا من لدن آدم إلى بني إسرائيل ما كان ينقضي لهم بالقرابين من ظهور الآثار الإلهية ظنوا أن الابتداء إنما هو من التحذق والبحث وأن الأنبياء إنما كانوا علماء متحكمين يدبرون تلك الغرائب بقياسهم، فطمعوا أن يقدروا هم أيضًا قرابين في أوقات معلومة وإرصاد نجومية بحسب ما أدى إليه قياسهم مع أعمال وبخورات حتى عملوا مصاحف للكواكب وغير هذا مما يحرم ذكره، ودون هؤلاء أصحاب الـשמות لما سمعوا عن نبي نبئ أنه نطق بكذا وكذا وانقضت له معجزة كذا ظنوا أن ذلك الكلام هو السبب في تلك المعجزة، فراموا تلك الهيئات ليس المستعمل كالمطبوع الأعمال الشريعية تشاكل الطبيعية لست تدري حركاتها وتحسبها عبثًا حتى ترى النتيجة فتفوض إلى مدبرها ومحركها وتسلم له كما لو أنك لم تسمع بجماع ولا عرفته ولا عرفت نتيجته ورأبت نفسك شرهة إلى أخس عضو في المرأة وأنت ترى ما في قربها من الخساسة وما في الانذعان إلى المرأة من الدناة لعجبت ولقلت ما هذه الحركات إلا عبثًا وجنونًا حتى إذا رأيت مثالك قد نشأ ما امرأة أعجبك الأمر وتخيلت أنك من أعوان الخلقة وأن الخالق قصد بك عمارة الدنيا. وهكذا أعمال الشريعة المقدرة من عند الله تعالى تذبح الكبش مثلًا، وتتلوث في دمه وفي سلخه وفي تنظيف أحشائه وغسله وتعضيته ورش دمه، وإصلاح حطبه وإيقاد ناره ونضده ولو لم يكن من أمر الله تعالى لاستخففت بهذه الأعمال ولرأيت أنها مبعدة من الله تعالى لا مقربة، حتى إذا تم على ما ينبغي ورأيت النار السماوية، أو وجدت في نفسك روحًا آخر لم تعهده، أو منامات صادقة أو كرامات عرفت أنها نتيجة ما قدمت والأمر العظيم الذي به اتصلت وعليه حصلت ولم تبال إن مت بعد اتصالك به إذ إنما موتك فناء جسدك فقط. وأما النقس التي حصلت في تلك الرتبة فلا انحطاط لها عنها، ولا بعد عن تلك الدرجة.
فتبين من هذا أن لا قرب إلى الله تعالى إلا بأوامر الله تعالى ولا سبيل إلى العلم بأوامر الله إلا من طريق النبوة لا بتقايس ولا بتعقل، ولا صلة بيننا وبين تلك الأوامر إلا بالنقل الصحيح. والذين نقلوا إلينا تلك الشرائع لم يكونوا أفرادًا، بل كثرة وعلماء وأجلاء ومتصلين بالأنبياء، ولو لم يكونوا غير الـכהנים والـלוים والـשבעים זקנים الذين كانوا حملة الـתורה ولم ينقطعوا من لدن משה.
<54> قال الخزري: لم أر أهل בית שני إلا قد نسوا الـתורה ولم يدروا شريعة الـסוכה حتى وجدوها مكتوبة وكذلك شريعة לא יבא עמוני ומואבי وقيل فيهما וימצאו כתוב בתורה وهذا دليل على تلام الـתורה.
<55> قال الحبر: فنحن اليوم إذًا أحذق منهم وأعرف إذ نحفظ الـתורה بزعمنا.
<56> قال الخزري: كذلك أقول.
<57> قال الحبر: فلو كلفنا تقريب قربان أكنا ندري كيف نذبحه ولأي جهة، وקיבול דמות והפשטו ונתוחו وكم عضوًا يعضي وكيف يرش الدم وמנחתו ונסכו والـשירות عليه، وما يلزم الـכהנים من קדושה וטהרה ומשיחה ولياس وهيات، وكيف يأكلون الـקדשים وأزمنتها وأمكنتها وغير ذلك مما يطول.
<58> قال الخزري: لسنا ندري هذا دون إمام أو نبي.
<59> قال الحبر: ألا ترى أهل בית שני كيف بنوا الـמזבח سنين حتى أعان الله تعالى في بنيان البيت ثم في بنيان السور، أتظن أنهم كانوا يقربون جزافًا كيف ما اتفق؟
<60> قال الخزري: ليس يمكن أن يكون עולה אשר ריח נחוח وهي شريعة ليست عقلية إلا وتتم جميع أجزائها بإذن الله تعالى وبأمره لا سيما وقد علموا شرائع יום הכפורים وما أعظم من الـסוכה، وكلها تحتاج إلى علم دقيق ومعلم حاضر.
<61> قال الحبر: فمن يدري هذه الدقائق من الـתורה يخفى عنه عمل الـסוכה وشريعة לא יבוא עמוני ומואבי.
<62> قال الخزري: فما عسى أن أقول وفي וימצאו כתוב؟
<63> قال الحبر: الحق الصحيح وهو أن مؤرخ الـמקרא لم يعن بالخفيات لكن المشهورات المعلنات فلم يذكر مع יהושע شيئا من علمه المنقول عن الله تعالى وعن משה ע"ה، بل إنما ذكر يوم وقوف الـירדן ويوم وقوف الشمس ويوم الـמילה لشهرتها عند الجمهور. وكذلم من أخبار שמשון وדבורה وגדעון وשמואל وדוד وשלמה. ولم يذكر من علومهم ولا مما كان لهم من الآثار في الشريعة شيئا لكن ذكر من أخبار שלמה طعامه العظيم وغناه الجسيم ولا يذكر من نوادر علمه غير אז תבאנה שתים נשים זונות. لما انقضى الأمر بحضرة الجمهور. وأما حكمه مع מלכת שבא وغيرهم فلم يذكرها، إذ لم يكن غرض المدون أن يذكر حاشى المشهور عند الجمهور الذي حملته الكافة. وأما الأخبار الخاصة التي كانت تحملها الخاصة فكلها تلفت عنا إلا القليل أو الخطب الفصيحة من النبوة التي استعذب الناس حفظهم لجلالة معناها وفصيح لفظها. فهكذا لم يؤرخ من أخبار עזרא وנחמיה ע"ה غير المشهور في الجمهور فكان يوم عمل الـסכות يومًا مشهورًا عن وעלי זית وעלי הדס وעלי תמרים. فكان וימצאו כתוב كناية عن سمع العامة والجمهور وتحركهم لعمل الـסוכות. وأما الخواص فلم يخفهم دقيق الشرع فضلًا عن جليله فقصد المؤرخ تشنيع ذلك اليوم كما قصد في يوم تطليق الـעמוניות والـמואביות فإنه يوم أثر عظيم في تطليق الناس أمهات أولادهم وهو أمر يشق ويصعب. وما أظن أمة تأتي لمثل هذا طاعة لربها غير هذه الصفوة، فلهذه الشهرة قيل וימצאו כתוב. يعني أنه لما وصل القارئ على العامة إلى לא יבא עמוני ומואבי تحرك الناس وكان سبب هول عظيم في ذلك اليوم.
<64> قال الخزري: أريد أن تجلب لي ذوقًا من كيفية النقل الدالة على صحته.
<65> قال الحبر: إن النبوة صحبت أهل בית שני طول أربعين عامًا من الشيوخ المؤيدين بقوة الـשכינה التي كانت في בית ראשון. إذ كانت النبوة المكتسبة ارتفعت بارتفاع الـשכינה، فصارت لا ترجي إلا في النادر وعن قوة عظيمة مثل אברהם وמשה ע"ה والـמשיח المنتظر وאליהו وأمثالهم الذين هم وذواتهم محل الـשכינה وبحضورهم يكتسب الحاضرون درجة النبوة فبقي للقوم في رجوعهم إلى البيت חגי وזכריה وעזרא وغيرهم. وبعد أربعين عاما كان جمهور الـחכמים المسمين אנשי כנסת הגדולה وعددهم لا ينحصر لكثرتهم، وهم الذين صعدوا مع זרובבל، أسندوا رؤياتهم إلى الأنبياء كما قيل ונביאים מסרוה לאנשי כניסת הגדולה، وبعده عصر שמעון הצדיק כהן גדול ومن تبعه التلاميذ والأصحاب. وبعده אנטגנס איש סוכו مشهور، ومن تلاميذه צדוק وביתוס الذين كانوا أصلًا للخوارج وبهم سموا الـצדוקין والـביתוסין. وبعده יוסף בן יועזר חסיד שבכהונה وיוסף בן יוחנן وأصحابهما. وفيه قيل משמת יוסף בן יועזר בטלו האשכולות שנאמר אין אשכול לאכול וגו'. لأنه لم يحفظ عليه ذنب منذ صباه إلى وفاته ז"ל. وبعده יהושע בן פרחיה وأمره شهير. وישו הנוצרי كان من تلاميذه. وנתאי הארבלי معاصر له. وبعده יהודה בן טבאי وשמעון בן שטח وأصحابهما. وفي زمانهما نشأ أصل مذهب القرائيين لما جرى للـחכמים مع ינאי. وكان כהן وكانت أمه متهمة بأنها חללה وعرض به أحد من الناس من جمهور الـחכמים بأن قال له: ינאי המלך، רב לך כתר מלכות הנח כתר כהונה לזרעו של אהרן. فأدخله أصحابه على الـחכמים ليستفه إليهم وينفيهم ويبددهم ويقتلهم. فقال: لأصحابه إذا أنا أتلقت الـחכמים من لنا بعلم الـתורה؟ فقالوا: הרי תורה שבכתב حاضرة كل من شاء أن يتعلم يأتي ويتعلم ولا تبال بـתורה שבעל פה، فقبل منهم ونفى الـחכמים وفي جملتهم שמעון בן שטח، وكان صهرة وأختل الـרבנות مدة قليلة وراموا التشرع بالقياس فعجزوا، حتى انصرف שמעון בן שטח وسائر تلاميذه من الاكسندرية وعاد النقل إلى أوله تأصل للقرائيين أصل بقوم يدافعون תורה שבעל פה ويتحيلون بالحجج كما تراهم اليوم. وأما الـצדוקין والـביתוסין وهم الـמינים المدعو عليهم في الصلاة. وأما أصحاب ישו فهم الـמשמעדים الداخلون في المعمودية المبطسون في الـירדן. وأما القرائيون فمجتهدون في الأصول متحكمون في الفراع، وربما تعدي الفساد إلى الأصول لكن جهلا منهم لا قصدا. ثم تلا هذا שמעיה وאבטליון ومن تلاميذهما הלל وשמאי. وكان من أمر הלל ما شهر من علمه وحلمه، وهو من זרע דוד وعاش مائة وعشرين عامًا. وكان له من التلاميذ آلاف وفي مختاريهم قيل שמונים תלמידים היו לו להלל הזקן، שלשים ראויים שתשרה עליהם שכינה، ושלשים ראויים לעבר את השנים، ועשרים בינונים. גדול שבהם יונתן בן עוזיאל، קטן שבהם יוחנן בן זכאי שלא הניח מקרא ומשנה ותלמוד להלכות והגדות וכל מדות חכמים וכל מדות סופרים וכל דבר ודבר שהוא מדברי תורה שלא למדו. ואמרו עליו שלא שח שיחת חולין מימיו، ולא הניח אדם בבית המדרש ויצא ולא קדמו אדם לבית המדרש ולא שין בבית המדרש לא שנת קבע ולא שנת עראי ולא הלך ארבע אמות בלא תורה ובלא תפלין ולא מצאו אדם יושב ודומם אלא יושב ודורש ולא פתח אדם לתלמידיו אלא הוא ולא אמר דבר שלא שמע מפי רבו ולא אמר הגיעה עת לעמוד מבית המדרש וכן היה ר' אליעזר תלמידו נוהג אחריו. وهذا רבן יוחנן בן זכאי عاش مثل استاذه مائة وعشرين عامًا. وحضر חרבן בית שני. من تلاميذه ר' אליעזר בן הורקנוס الذي له פרקי ר' אליעזר المشهورة في إلهية وفي مساحة الأفلاك والأرض وكل شيء غريب في علم النجوم. ومن تلاميذه ר' ישמעאל בן אלישע כהן גדול وهو ר' ישמעאל של היכלות והכרת פנים ומעשה מרכבה، لأنه علم أسرارها حتى استحق درجة قريبة من النبوة، وهو القائل פעם אחת נכנסתי להקטיר קטורת וראיתי את אכתריאל יה ה' צבאות وسائر الـהלכה. ومن تلاميذه أيضًا ר' יהושע المشهور الذي جرت له مع רבן גמליאל الأخبار المشهورة. وר' יוסי وר' אלעזר בן ערך المقول فيه אלו היו כל חכמי ישראל בכף מזנים ואלעזר בן ערך בכף שניה מכריע הוא את כלם. وفي هذه الأعصار حاشى هؤلاء المشاهير وحاشى جمهور الـחכמים وحاشى الـכהנים والـלוים الذي كانت תורתם אומנותם، لا يزال الـשבעים סנהדרין وعلمهم، وبإذنهم كان ولي الوالي ويعزل المعزول مثال ما قيل אמר ר' שמעון בן יוחאי: כך מקובל אני מפי שבעים זקנים ביום שהושיבו את ר' אלעזר בן עזריה בישיבה. وتوابع الـשבעין מיאין. وتوابع الميأين آلاف، إذ لا يمكن أن يصفوا سبعون كاملًا إلا عن מיאין دونهم. وبعد هؤلاء ר' עקיבה وר' טרפון وר' יוסי הגלילי وأصحابهم وجميعهم بعد الـחרבן. ووصل רבי עקיבה إلى حد قريب من النبوة حتى كان يتصرف في عالم الروحانيين كما قيل عنه ארבעה נכנסו לפרדס אחד הציץ ומת ואחד הציץ ונפגע אחד הציץ וקצץ בנטיעות ואחד בא בשלום ויצא בשלום. ומנו? ר' עקיבה. فكان الذي مات ممن لم يحتمل مشاهدة ذلك العالم إلا أنحل تركيبه والآخر جن وتوسوس الوسواس الإلهي فلم ينتفع الناس به. والثالث أفسد العمليات لما أشرف على العقليات قائلًا إن هذه الأعمال إنما هي آلات وأدوات موصلة إلى هذه الدرجة الروحانية وأنا قد وصلتها فلا أبالي بأعمال الشريعة، ففسد وأفسد، وضل وأضل، وكان ר' עקיבה هو الذي يتصرف في العالمين من غير أذاء يلحقه. وقد قيل عنه ראוי היה שתשרה עליו שכינה כמשה אלא שאין השעה ראויה לכך، وهو من جملة הרוגי מלכות وهو الذين حين قتل كان يسأل تلاميذه هل هو وقت קרית שמע ليقرأها، فقالوا له רבינו עד כאן، فقال لهم כל ימי הייתי מצטער על מקרא זה בכל לבבך ובכל נפשך ואפילו הוא נוטל את נפשך، עכשיו שבא לידי לא אקימנו؟ והיה מאריך באחד עד שיצאו נשמתו.
<66> قال الخزري: مثل هذا يعيش عيشًا لذيذًا ويموت موتًا لذيذًا ثم يحيى الحياة الأبدية في لذة متصلة.
<67> قال الحبر: ثم بعدهم في عصر واحد ר' מאיר وר' יהודה وר' יוסי وשמעון בן עזאי وר' חנניה בן תרדיון وأصحابهم. وبعد هؤلاء רבי وهو רבינו הקדוש وهو ר' יהודה הנשיא. ومعه ר' נתן وר' יהושע בן קרחה وغيرهم كثير وهم آخر روأة الـמשנה المسمين תנאים، وليس بعدهم إلا الـאמוראים وهم أهل التلمود. ودون الـמשנה في سنة תק"ל למנין שטרות، وهي سنة ק"נ לחרבן בית שני بعد תק"ל سنة لارتفاع النبوة، اندرج فيها كل ما ذكرنا. هذه نكت قليلة من كثيرة من أخبارهم وآثارهم. وقد عنوا بالـמשנה عنايتهم بالـתורה من نظمهم لها وترتيبها وعدد الـסדרים والـפרקים والـהלכות وحرز الروئيات ما يبعد عن الظن أن يكون أمرًا مصطلحًا عليه، وينطوي فيها من فصيح اللغة العبرانية ما لم يشتق من لغة الـמקרא كثير، وأما إيجاز كلامهم وحسن نظامها وجودة تصنيفها وحصر وجوه المعاني مع الجزم والقطع دون تشكك وظن ففي حد يرى متأملها بعين الحقيقة أن البشر يقصر عن تأليف مثلها إلا مع تأييد إلهي وما يعاديها إلا من يجهلها ولم يشتغل بقراءتها وتصفحها ويسمع من آثار الـחכמים الأخبار العامية الدرشية فيقضي لهم بالفتور والنقصان كمن يقضع بالنقصان على من لقيه دون خبرة وطول صحبه، ومن مثالات أسنادهم إلى النبوة قولهم אמר ר' נחום הלבלר מקובל אני מרבי מיאשא שקבל מאביו שקבל מן הזוגות שקבלו מן הנביאים הלכה למשה מסיני. ومن تحفظهم من نقل الأفراد قول بعضهم لولده موصي عند وفاته בני חזור לך בארבעה דברים שהייתי אומר، אמר לו: ואתה למה לא חזרתה בך? אמר לו: אני שמעתי מפי רבים והם שמעו מפי מרובין، אני עמדתי בשמועתי והם עמדו בשמועתם، אבל אתה שמעתה מפי יחיד، מוטב להניח את דברי יחיד ולאחוז את דברי מרובים. وهذه نكت قليلة ونقطة من بحر من دلائل فضل روأيات الـמשנה. وأما روايات التلمود ونقاليه فيطول الكلام فيهم وفي طرائقهم ونوادرهم وأمثالهم وإن فيها ما لا يستحسن اليوم، فقد كان في تلك الأعصار مستعملًا مستحسنًا.
<68> قال الخزري: كذلك أرى في جزئيات أخبارهم ما يخل بما تصف من كلياتها من تخريجهم آيات الـתורה إلى وجوه يبعدها القياس وتشهد النفوس بأنه لم يكن القصد من ذلك الـפסוק ما ذكروه مرة في الأحكام ومرة في الـדרשות. وكذلك ما لهم من הגדות وמעשיות تستبعدها العقول.
<69> قال الحبر: أرأيت ما لهم من التحرير والتحري في شرح الـמשנה والـבריתא، وما ينتهون فيها من التدقيق والتحقيق دون مسامحة في لفظه فكيف في معنى؟
<70> قال الخزري: رأيت ما يفوق كل جدل بل ذلك البرهان الذي لا تعقب وراءه.
<71> قال الحبر: أفيقاس على من يدقق هذا التدقيق أنه يجهل من الـפסוק ما ندريه نحن؟
<72> قال الخزري: ذلك محال بل الأمر على أحد وجهين إما أنا نحن لا ندري طرق تفسيرهم للـתורה، وإما الذين يفسرون الـהלכה ليسوا هم المفسرين للـתורה. وهذا الوجه الثاني محال وقليلًا ما نرى لهم تفسير פסוק يطابق القياس وظاهر اللفظ كما أنا لا نرى لهم تفسير הלכה إلا في غاية المطابقة للقياس.
<73> قال الحبر: لكن نقول أحد أمرين إما أن لهم أسرار خفيت عنا في طرق تفسير الـתורה كانت عندهم نقلًا في استعمال שלש עשרה מדות. وإما أن غلبهم للـפסוקים طريق الأسناد المسماة عندخم אסמכתא يجعلونها علامة لنقلهم كما جعلوا ויצו ה' אלהים על האדם לאמר מכל עץ הגן אכל תאכל علامة على שבע מצות שנצטוו בני נח – ויצו אלו הדינין، ה' זה ברכת השם، אלהים זו עבודה זרה، על האדם זו שפיכות דמים، לאמר זה גילוי עריות، מכל עץ הגן זה גזל، אכל תאכל זה אבר מן החי. ما أبعد ما بين هذه الغراض وهذا الـפסוק، لكن عند القوم نقل هذه الـשבע מצות وعلقوها بهذا الـפסוק كالـסימן تسهيلًا لحفظها. وعسى الوجهين عندهم في تفسير الـפסוקים أو ثم وجوه غابت وتقليدهم واجب مذ صح علمهم ودينهم واجتهادهم وجمهورهم العظيم الذي لا يجوز فيه التواطؤ فلا نرتاب بقولهم وإنما نرتاب بأفهامنا كما نفعل في الـתורה وما ينطوي فيها من كلام لا تحتمله نفوسنا ولا ريب عندنا في شيء منه، وننسب التقصير إلى أنفسنا.
وأما الـהגדות فمنها استعمال توطئة ومقدمة لغرض يريدون تأكيده وتأييده مثل אמרו כשירד רבון העולמים למצרים، لتأكيد الإيمان بأن יציאת מצרים إنما كانت قصدًا من الله، لا باتفاق ولا بوسائط من حيل الناس وروحانيات كواكب وملائكة وجن وكل ما يختلج بالبال المفكر، بل بأمره تعالى وحده. فقالوا على طريق ما يقولون כביכול. يعنون بعد أن يتفق كذا وكذا لكان كذا وكذا، وعلى أن هذا ليس في التلمود ولا يوجد إلا في بعض الـסדורין لكن مع هذا متى وجدت مثله فإلى هذا ينحو كما قال מיכיהו لـאחאב: ראיתי את ה' יושב על כסאו וגו' ויאמר ה' מי יפתה את אחאב וגו' ויצא רוח וגו'. وسائر القول ولم يكن في الحقيقة أكثر من قوله הנה נתן ה' רוח שקר בפי כל נביאיך אלה وغير ذلك مقدمة وتوطئة خطابية موثقة مؤكدة لهذا القول أنه حق. ومنها أوصاف من مشاهدات روحانيات رأوها ليس بمستغرب على أولئك الفضلاء أن يروا صورًا منها خيالية لعظيم تفردهم وأصفاء أذهانهم. ومنها صور لها حقيقة من خارج كما رآها الأنبياء. وكذلك בת קול التي صحبتهم في בית שני درجة دون الـחזון والـקול. فلا يستبعد قول ר' ישמעאל שמעתי בת קול שמנהמת כיונה وغير ذلك، إذ تبين من مشهد משה وאליהו ע"ה ما يجعل هذا من الممكن، فإذا جاء به الخبر الصادق وجب قبوله. فيأول في قوله אוי לי שחרבתי את ביתי ما يأول في וינחם ה' ויתעצב אל לבו. ومنها ما هي أمثال مضروبة على أسرار علوم منع كشفها إذ لا منفعة فيها للجمهور وهي معرضة للبحث والتفحيش للأفراد وظفر بها من استحقها واحد في عصر أو في أعصار. ومنها محالية الظاهر ويتبين غرضها بأيسر نظر مثل قولهم שבעה דברים נבראו קודם לעולם: גן עדן ותורה וצדיקים וישראל וכסא הכבוד וירושלים ומשיח בן דוד، نظيرًا لقول العلماء أول الفكرة آخر العمل. فلما كان قصد الحكمة في خلقة الدنيا الـתורה التي هي جسد الحكمة وحملتها هم الـצדיקים وبينهم يحل כסא הכבוד، والـצדיקים بالحقيقة لا يكونون إلا من صفوة وهم ישראל ولا يليق بهم إلا أخص المواضع وهي ירושלים، ولا ينظمهم إلا أشرف الناس وهو משיח בן דוד، ومالهم ومسيرهم إلى גן עדן، وجب أن توضع هذه مخلوقة بالقوة قبل العالم. ومن المحالية الظاهر أيضا ما ذكر من עשרה דברים נבראו בין השמשות פי הארץ ופי הבאר ופי האתון וגו' للتوفيق بين الشريعة والطبيعة إذ الطبيعة تقول بالعادة والشريعة تقول بخرق العادة. والتوفيق بينهما أن العادات التي انخرقت إنما هي بالطبيعة. لأنها في الإرادة القديمة مشروطة بها مبنية عليها מששת ימי בראשית، ولست أنكرك يا ملك الخزر أن يكون في التلمود أمور ليس أقدر على أقنعك فيها ولا على ضمها إلى مضمار. وهي التي ضمها التلمود اجتهاد التلامذة لما كان عندهم أن אפילו שיחת חכמים צריכה תלמוד. وما كان يتحرون ألا يقولوا إلا ما سمعوه من أستاذيهم مع اجتهادهم أن يرووا كل ما سمعوه من أستاذيهم ويتحرون في ذلك لفظهم بعينه وربما لم يفهموا معناها فقالوا أن هكذا روينا وسمعنا. وربما كان للأستاذ في ذلك أغراض خفيت عن تلاميذه فوصل الأمر إلينا فاستخففنا به لما لم ندر غرضه. ولكن جميع هذا في ما لا يحل ولا يحرم فلا نبالي به ولا يخل في التأليف مع الوجوه التي ذكرنا.
<74> قال الخزري: لقد طيبت نفسي ومكنت إيماني بالنقل وأريد الآن أن تعرض لي ذوقا من علومكم بعد أن تزيدني بيانًا في أسماء الله تعالى وتوسع لي في ذلك قليلًا بعون الله.