وقصارى القول فان النزاع بين الطوائف المسيحية والطوائف الإسلامية من جهة، وبين الطوائف المسيحية نفسها من جهة أخرى دام طيلة السنين التي كانت نيران الحروب الدينية فيها مشتعلة.
٢٥— ولما انقشع تأثير تلك الحروب الدينية خفت وطأة الخصام بين المسلمين والمسيحيين. وائتلف الفريقان ائتلافاً عجيباً. وها هم المسيحيون يعيشون وإخوانهم المسلمين جنباً إلى جنب. وأود أن أخص بالذكر مدينة غزة. فإنك لا تستطيع أن تميز بين الواحد منهم والآخر هنا: لا في أكله وشربه، ولا في لباسه١ ومأكله، ولا في منامه وعاداته. ولا فرق بين المسلم والمسيحي في هذا المضمار.
كان مجلس الإدارة في العهد التركي مؤلفاً من عضوين مسلمین وآخرین مسيحيين. وكان مفتي المسلمين والرئيس الروحي للمسيحيين يعتبران عضوين طبيعيين في المجلس المذكور. وكذلك كان الحال في (محكمة البداية) في العهد التركي. وفي أوائل الاحتلال تألفت في غزة جمعية إسلامية — مسيحية كان قوامها أعضاء من المسلمين والمسيحيين.
وكانت اللجنة القومية التي أشرفت على الإضراب في غزة عام ١٩٣٦م، مؤلفة من أعضاء مسلمين وآخرين مسيحيين. والمظاهرات التي قامت في بدء عهد الثورة الفلسطينية الأخيرة، اشترك فيها المسيحيون كما اشترك فيها المسلمون. وكانت كل مرة تبتدئ عند المسجد الكبير وتنتهي عند الكنيسة، أو العكس بالعكس.
وقد حضرت بنفسي استغاثة للمطر قام بها الغزيون عام ١٩٤٠ واشترك فيها المسلمون والمسيحيون معاً. حتى أن المسلمين لم يدخنوا أية سيجارة طيلة الطريق لأن المسيحيين كانوا معهم، ولا يجوز في عرف المسيحيين التدخين أثناء الاستغاثة، لأنها ضرب من ضروب العبادة. ولا يزال عدد كبير من سيدات غزة المسيحيات يعشن في منازلهن كالمسلمات، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ذوي القربى منهن، كما أن (الحجاب) سائد بينهن.
وكانت قضايا الإرث بين المسيحيين تحل وفقاً لقواعد الشرع الإسلامي. كما كان حصر الإرث عندهم ينظم في المحكمة الشرعية. وظل الحال كذلك حتى عام ١٩٢٥
- ↑ تستعمل المرأة المسيحية بغزة (الحجاب) و(الإزار) كما تستعمله المرأة المسلمة. ولم يشذ بعض المسيحيات عن هذه القاعدة إلا بعد الاحتلال.