-٨٤- الثالث . ولد هذا الأب (۱) بمدينة الرها في أوائل الجيل الثالث من أبوين شريفي النسب. ولما بلغ من العمر عشرين سنة قدمه أبوه إلى الملك ناودوسيوس ، ليكون بمعيته . وايله الفطري للنسك والعبادة ، ترك البلاط الملكي وترهب بأحد الأديار. ثم أقيم أسقفاً على غزة وما يليها من الضياع . ثم ذهب إلى مصر ، وأقام فيها مدة قصيرة. ثم عاد ورجع لغزة . وسمع به الملك زينون . وكان يتمنى أن يراه ، فلم يتمكن لأن هذا الأسقف كان لا يحب مجد العالم . ولذلك مضى إلى وادي الاردن ( بين بيت المقدس ودمشق ) بفلسطين ومات هناك .
٥ - وقد تولى الاسقفية بعد ذلك الأسقف ( اسكلبياس )، فحضر هذا المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقيا سنة ٣٢٥ م .
٦ - وأما سكان ( ميوما ) ، تلك الفرضة التي كانت قائمة على الشاطيء بالقرب من غزة ، فقد اعتننوا الدين المسيحي قبل غزة (٣٣١ م ) . ولذلك جعلت أسقفيتهم اسقفية مستقلة ، وسميت مدينتهم ( قسطنديا ) على إسم الملك قسطنطين . فنشأ بين المدينتين، على اثر ذلك ، تنافس شديد .
٧ - وفي عهد الإمبراطور جوليان (۲) زاد الخصام ( ٣٦١ م ) . فرفع أهل غزة قضية ضد سكان ميوما طالبين إرجاع المرفأ إلى المدينة . فنظر جوليان في هذه القضية، وأصدر حكمه في صالح الغزيين . ثم حكم بأن تكون للدينتان تابعتين الحكومة مدنية واحدة ، وان بقيتا من الوجهة الدينية منفصلتين . وعبثاً حاول أساقفة غزة أن يسيطروا على ميوما من هذه الوجهة .
لم يقف الخصام في عهد جوليان عند هذا الحد. بل جرى اصطدام شديد في النصف الثاني من القرن الرابع ، بين سكان غزة الاصليين والمسيحيين . ويظهر أن سكان البادية المجاورة اشتركوا في هذا العراك . فهاجموا المسيحيين وقتلوا منهم اوسابيوس ، ونستابوس، وزينون الاخوة الثلاثة ، بعد أن ابقوهم في السجن برهة من الزمن ؛ ثم جروهم في الاسواق ، وقطعوا رؤوسهم ، وحرقوا
(۱) راجع كتاب النكسار القبطي المطبوع بمصر سنة ١٩٣٥ (۲) المعروف عند العرب باسم ( يوليانوس الجاحد ) . .