أيام، فجمعوهم في كنيسهم، وحرقوهم، وامروا الذين بقوا احياء من العرب أن يجمعوا جثث موتاهم أكواماً ويحرقوها بالنار. وبعد ذلك قتلوا هؤلاء أيضاً. «وهي قسوة يتبرأ منها الدين المسيحي١ الذي يدعون انهم انما جاءوا لنصرته؛ فضلاً عن أنها جعلت روح العداوة والانتقام تتأصل في قلوب المسلمين ضد مسيحيي البلاد التعساء، فسببوا ضرراً عظيماً لهم لم يكن أخف وطأة من اضرار ملوك الروم. فلو سلم مسيحيو هذه البلاد من هجمات ملوك الروم المتواترة، وغزوات الصليبيين المتعددة، وفظائع أولئك وهؤلاء بمسلمي البلاد ؛ العاشوا إلى جانب اخوانهم المسلمين٢ عيشة راضية لا يتخللها نكد ولا كدر» .
٣— وقد حلت الكنيسة اللاتينية محل الكنيسة الارثوذكسية في فلسطين باستيلاء الأفرنج عليها، فنصبوا لهم بطاركة على اورشليم. وأما البطاركة الارثوذكسيون فكانوا في تلك المدة ينصبون في القسطنطينية، ويعيشون فيها. لأن أولئك احتلوا وظائفهم واحتلوا دار البطريركية الأرثوذكسية المعروفة الآن (بالخانكة). وأقام اللاتين لأنفسهم أساقفة في جميع المراكز الأسقفية. ولم يبق تحت سيادة البطاركة الأرثوذكسيين سوى أسقفيات اللد والرملة وحبرون.
وأما أسقفية غزة٣ فتركت لليونان؛ لأن الشطر الأكبر من مسيحيي غزة كانوا يونان وثنيين فتنصروا. والظاهر انهم ظلوا زمناً طويلا محافظين عملى لغتهم.
٤— لقد كانت الصدمة الاولى عنيفة. وما كان الصليبيون لينالوا هذا النصر عندها لو كانت في البلاد حكومة قوية وشعب رزين متحد، ولم يكن قد انقضى على الحكم السلجوقي في سوريا وفلسطين سوى عشر سنوات. ولم يكن السلجوقيون بقادرين على أن يتحدوا. إذ قد انقسمت مملكتهم بعد مقتل الوزير(نظام الملك) ۱۰۹۲ م، وكثر التنازع بين الرقباء الطامعين في العرش، ونشبت في سوريا وفلسطين حروب أهلية واضطرابات داخلية أهلكت الحرث والنسل. ولم تكن بقادرة على صد تيار الصليبيين. فتمكن هؤلاء عند أول حملة قاموا بها من