الأدب والفنون كذا قررشاً هنا قالوا ان الموسيقى لغة الروح . ومن وهي بطبيعتها اقرب الى الشعر وامس به رحماً لان كليهما معولة على الاداة الصوتية وان اختلفت اللغتان وتباينت حدود قدرتهما. ونعود الآن بعد هذه التوطئة الوجيزة التي لا مندوحة عنها الى المثل الذي ضربناه فتقول ان الموسيقي اذا خطر له ان يؤلف قطعة موسيقية عن الفجر لا يسعه كما يسع الشاعر ان يصف لك « بطريقة مباشرة ( وقع هذا المنظر في النفس وما يثير من الاحساسات ويوقظ من الذكريات وينشي من الخواطر والآمال. ولا يدخل في طوقه ان يرسم المنظر على حقيقته كما يفعل المصور . ولكن له مع ذلك مضطرباً واسعاً يستطيع ان يصول فيه ويجول وان يكون له فيه عمل جليل . واذا كان يعييه ان ( يحدثك ) عن الخوالج المتنوعة التي يحركها منظر الفجر في النفس و يجيشها في الصدر أو ان يرسم لك المنظر بطائفة من الخطوط والالوان تريكه كما خلقه الله وابدعنه قدرته فليس يعجزه ( مثلا ) ان يسمعك من الاصوات ما يذكرك به ويخطره ببالك ويجريه في خيالك . كأن يحكي لك حفيف النسيم الواني البليل اذ يهب مع الفجر و يوسوس في اذان النبات والشجر، وتغاريد العصافير التي تنبه فيها ساعته هذه الغريزة المغردة ، واغاني الرعاة الذين يستيقظون مع العصافير و يستولي على نفوسهم مثلها جماله وروعته فيحيونه ويناجونه بالغناء و بالحان المؤامر - وبهذا و باشباه هذا يحضر اليك الموسيقي منظر الفجر بما ينتقيه من الاصوات المألوفة في ساعته والتي من شأنها ان تذكرك به ، و يعرب لك من ناحية اخرى عن الخوالج التي يبعثها ولكن بطريقة غير مباشرة يجمع فيها بين شيء من التصوير التخيلي وشيء من الشعر وذلك لانه لا يرسم لك المنظر ولكن يسمعك اصوات الحياة المميزة له في جميع مظاهرها الممكنة ، ولا يصف لك خوالجه هو بل يطلق عليك من الاصوات ما يحرك
صفحة:Al-Ḥurrīyah Journal, vol. 3-4, 15-9-1924.pdf/12
المظهر