صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/98

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

19.1 ا ومن الواجب « ثانيا » أن نقلع عن تقويم المطالب القومية بمقدار الحاجة إليها والاستغناء عنها ، فإن ذلك تقويم غير صالح وغير صحيح . فنحن نستطيع أن نعيش بغير ملكة النظر وبغير ملكة السمع أو الكلام سبعين سنة دون أن نهلك من جراء ذلك . ولكننا لا نستطيع أن نعيش بغير الرغيف وما إليه سبعين سنة ولا سبعين شهراً ولا سبعين يوماً إلا هلكنا هلا كما لاريب فيه ؛ ولم يقل أحد من أجل ذلك إن الرغيف أغلى من البصر، وإن ملكات الحس لا تستحق المبالاة كما يستحقها الطعام والشراب . وندع تقويم الفكر إلى تقويم السوق ، فإنا واجـدون أن الرغيف أرخص من الكتاب ، وأن التمثال أغلى من الكساء ، وأن الحلية أقوم من الآنية الضرورية وأن قيمة الشيء لا تتعلق بمقدار الحاجة إليه والاستغناء عنه ، بل بمقدار ما نكون عليه إذا حصلناه ، فنحن إذا حصلنا الرغيف فأقصى ما نبلغه في تحصيله أن نتساوى وسائر الأحياء في إشباع الجسد وصيانة الوظائف الحيوانية . ونحن إذا حصلنا الفنون الجميلة فما نحن بأحياء وحسب ، ولا بأناسي وحسب ، ولا بأفراد وحسب ؛ بل نحن ، أناسي ممتازون نعيش في أمة ممتازة ، تحس ما حولهـا وتحسن التعبير عن إحساسها إن الضروريات توكلنا بالأدنى فالأدنى من مراتب الحياة ، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان فهو ما نسميه النوافل والكماليات ، أو هو ما نستغني عنه ونعيش ! . 2 ولكن كيف نعيش ؟ . هذا هو موضع السؤال الصحيح . فإن كنا لا نبغى إلا أن نعيش كما تعيش الأحياء كافة فحسبنا الضروريات المزعومة إلى حين : حسبنا الخبز حتى يجيئنا من ينزع منا الخبز أيضاً ونحن لا نقدر على دفاعه ، ولا نطيق غير الخضوع له والصبر على بلائه. وإن كنا نبغى أن نعيش « أكمل » العيش فلا غنى إذن عن الكماليات لبلوغ الكمال ، ولا معدى إذن عن اعتبار الكماليات من ألزم الضروريات ، تالالمان D