صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/85

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۷۷ – أما البواعث فهي حق لا مهرب منه ، وهي شيء موجود لاخلاف في وجوده ، وهي مصدر التعبير ، والتعبير دليل الحياة . فإذا بحثنا عن الأدب فلنبحث عن شيئين لا يعنينا بعدها مزيد و إن وجد المزيد : أهناك باعث صحيح ؟ أهناك تعبير جميل ؟ فإن وجد الباعث والتعبير فقد أدى الأدب رسالته و بقى على الدنيا أن تستفيد منها إن شاءت . . . وهى تستفيد بمشيئتها و بغير مشيئتها من كل عمل يجرى على سنة الحياة

  • * *

ويقول أديب ببيت المقدس . . . « سؤال عنا نحن الشرقيين : ما بال رجالنا يتقاتلون ويخذل بعضهم بعضاً حين نرغب في عمل يفيد بلادنا ؟ أهو حب الظهور ؟ أهو الغرور ؟ أهو العناد والجمود ؟ » والسؤال جديد قديم منذ قال جمال الدين رحمه الله «انفق الشرقيون على ألا يتفقوا» أما السبب فقد تكتب فيه المطولات ، وقد يوجز في سطور ، ونحن في مقام الإيجاز فعسى أن نحصر السبب في كلمات قليلة تدل على مكان العلة وتترك المجال بعد ذلك مفتوحاً للطبيب المأمول : طبيب الزمان إن الخلاف يطول كلما قل الحكم المسموع . والحكم المسموع بين الرجال العاملين هو تمييز الأمة أو تمييز الرأى العـام• كما نسميه في الاصطلاح الحديث . فالأمم التي بلغ الرأى العام فيها مبلغ التمييز يخاف المخطىء أن يصر على خطئه فيها ، لأنها تقضى عليه والأمم التي لم تبلغ مبلغ التمييز يطمع المخطىء في تضليلهـا ولا يخشى المتنازعون فيها عاقبة نزاعهم على الحق أو على الباطل ، فيطول أجل النزاع و يصعب الفصل فيه . وسيظل الخلاف دأب الشرقيين ما دام مأمون العاقبة على المختلفين ؛ ويظل مأمون العاقبة عليهم ما دام الحكم المسموع قابلا للتضليل عاجزاً عن التمييز . .. ( .