صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/83

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۷۵ – الطريق مقصوداً أو غير مقصود ، وتتبدل المذاهب وللناس أخلاق باقيـة لا تتبدل ، ويتبعهم المعري جيلا بعد جيل بقوله الخالد المتجدد : كم وعظ الواعظون منـا وقام في الأرض أنبياء وانصرفوا والبـلاء باق ولم يزل داؤنا العيـاء حكم جرى للمليك فينا ونحن في الأصل أغبياء ولكن الإصلاح بعد هذا كله مفيد ، والدعوة إليه واجبة ، والدنيا تتغير على وجه من الوجوه بعدكل دعوة من دعواته ، و إن لم يكن هو الوجه الذي تعمده الدعاه . فليس الأدب بدعاً في هذه الخصلة التي عمت جميع أعمال البشر، ولكنه عمل إنساني يصدق عليه في أمر الوصول إلى غاياته كل ما يصدق على سائر الأعمال . إلا أن الأدب ينفرد بخصلة أخرى تصرفنا بعض الشيء عن النظر إلى الغايات ، أو تمنعنا أن نقصر النظر عليها عند البحث في مزاياه . الأدب تعبير . والتعبير تلحظ فيه البواعث قبل أن تلحظ فيه الغايات . لماذا يصرخ المعذب المتألم ؟ إنه قد يصرخ فيدركه على الصراخ منقذ أو مساعد على التعذيب والإيلام"، ولكنه سواء ظفر بهذا أو ذاك إنما صرخ لباعث في نفسه أوجسد جسده ، ولم يصرخ لغاية. يتوخاها من إسماع صوته وقد يسمع صوته فيسعد أو يشقى بانتهائه إلى الآذان ، نيتحقق النفع كما يتحقق الضرر غير مقصود والتعبير وظيفة لا حيلة فيها ، لأنه أثر الحالة التي تقوم بالنفس فتدل عليها بما لديها من وسيلة ناطقة أو صامتة . ولكنه مع هـذا عمل مفيد لا شك في نفعه ، لأن الرجل بعد التعبير غيره قبل التعبير ، ومن استطاع أن يعبر استطاع أن يفهم نفسه ويفهم ما يريد ، .: