صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ـ 44 ـ إذا أردت صورة المدينة برمتها فهذه الصورة الشاملة أولى بالشراء والاقتناء من كل قطعة محدودة ، بالغة ما بلغت من إتقان التظليل والتلوين . وأبو تمام يجيد في هذا المعنى ويجيد في ذاك ، ولكنه لا يعرض لك العالم كله في حالة من حالاته ، ولا يخرج لك نسخة عالمية تقرنها إلى النسخ الأخرى التي تستمدها ج من أمثال : ابن الرومي والمتنبي والمعرى في الشعر العربي ؛ وأمثال : شكسبير وجيتي وليو باردى في الآداب الأوربية . ابن الرومي له عالم كامل من الحياة الفنية ، والمتنبى له عالم مل من الحياة العملية، والمعرى له عالم كامل من الحياة الفكرية والروحية . فالعالم بكل صورة فنية فيه ممثل في ملكة ابن الرومي ، أو في تلك الزجاجة الحساسة الشاملة التي لا تدع شيئا مما يقابلها إلا وعته على الطريقة الفنية . والعالم بكل صورة عملية فيه ممثل في ملكة المتنبي ، كما تمثل عالم الفكر والروح جميعا في ملكة أبي العلاء . حياة كاملة تعرضها من جانبها كل ملكة من هذه الملكات فنقول : إن نسخة من صور العالم قد زادت في مجموعتنا الأدبية . أما أبو تمام فلا يعطينا نسخة من صور العالم على نحو خاص به ، أيا كان هذا «النحو في قيمته ومرماه . عنده صورة حسنة جـداً لمسجد السلطان حسن ، وصورة حسنة جداً لقنطرة قصر النيل ، وصـورة حسنة جداً للهرم ؛ ولكن مدينة القاهرة كلها ليست هناك ، سواء « حسنة جداً » أو حسنة قليلا ، أو غير محسنة على الإطلاق . )

وهذا الذي نعنيه بالشاعر الذي له عالم ؛ وهـذا هو المقياس الإنساني الصحيح للشاعرية الممتازة في بابها ؛ لأن الشاعرية ملكة إنسانية قبل كل شيء ، وملكة لغوية أو بيانية بعد ذاك وما قاله الأديب عن ابن الرومي لا يدل على أن كتاباً ضخماً في شرح أدبه