صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/51

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

43 - وأبو تمام ليس بالشاعر المغبون ولا بالمجهول القدر في زمانه و بعد زمانه . بل لعله أصاب من الرعاية والاعتراف بالفضـل فوق حقه ، أو فوق ما أصابه معاصروه على التحقيق كذلك ليس في أبي تمام ناحية غامضة أو ناحية تتنازعها الأفهام والبدائة الفنية ؛ و إن جرى النزاع في معنى من معانيه فهو نزاع لا يتسع حتى يتناول النفس الإنسانية في آفاقها الواسعة ، ولا يترتب على البت فيه بت في مشكلة عاطفية أو اجتماعية أو عقدة عقد الحياة . فهو صاحب إجادات وليس بصاحب عالم . يسأل سائل : وما « صاحب عالم » هذه التي تميز بها بعض الشعراء وتجعلها ذريعة إلى الكتابة عن فريق وترك الكتابة عن آخرين ؟ فأقول : إن التمثيل هنا لازم لتقريب المقصود بالشاعر الذي « له عالم » والشاعر الذي لا عالم له و إن كانت له إجادات . فالملكة الشاعرية – بل الملكة الفنية عامة – هي أشبه الأشياء بالزجاجة المصورة التي ترسم ما يقابلها . فالزجاجة الحساسة الواسعة لا تدع مما يقابلها شيئا إلا رسمته وجاءت والملكة الفنية زجاجة مصورة تقابل العالم بأسره ، فإن ن كانت جاءتنا بصورة من العالم كله ، وأمكننا أن نعرف ما هو العالم كله كما رآه الشـاعي بصورة منه . حساسة واسعة في قصيدته . وإن لم تكن كذلك جاءت بقطعة منه ، و بلغت ما يتاح لها أن تبلغ في تلك القطعة المحدودة ، ولكنك لا تبادل هذه الصورة بالصورة العالمية وإن كانت تفوقها في التظليل والتلوين . إن قطعة من مدينة القاهرة حسنة التصوير لتشترى وتقتنى ولامراء ، ولكنك