صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/47

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

۳۹ - 1 فمن اللازم أولا أن نفرق بين اللغـة الفصحى واللغة الصعبة التي لا يفهمها إلا الأقلون ؛ إذ ليس كل فصيح صعباً ولا كل عامى ركيك سهلا على سامعيه . ومتى فرقنا بين الفصاحة والصعوبة أدركنا أن السهولة تتوافر للكلام الفصيح وتنفذ إلى أسماع الجهلاء غير حائل بينها و بين النفاذ إلى تلك الأسماع حركة الإعراب ولا صحة التركيب . هـذا أولا . أما « ثانيا ، فمن اللازم أن نذكر أن العظات إنما تتلقى بالخشوع والتوقير كلما اقترنت في ذهن السامع بملابسات الخشوع والتوقير . والعظات التي تقترن في ذهن السامع بالمسجد وحلقات العلم أحرى أن تقترن بالنفوس الخاشعة والأسماع المصغية من عظات تحمل طابع السوق ومجالس اللهو والمزاح . وهذه المقارنة النفسية أشبه بمقارنة الهيبة التي تسرى إلى قلوب السامعين وهم يصغون إلى الواعظ في المسوح ، ولا تسرى إليهم وهم يصغون إليه في مباذل البيت أو ملابس السهرة وكسوة « الردنجوت » أما شعور الجاهل الفقير وأنت تخاطبه بالفصحى فقد تختلف فيه الأقوال حسب اختلاف الأحوال ، ولكنه لو أنصف لامتعض ممن لا يخاطبه إلا وهو متنزل إلى لغة أوضع الطبقات ، كأنه يترفع عن مخاطبته باللغة التي يخاطب بها أقرانه وزملاءه . وما" أظن الجاهل الفقير يحب أن يترفع الأغنياء لقائه في حجرة الاستقبال التي يلقون فيها أقرانهم وزملاءهم ليخرجوا له إلى العراء حيث يجلس بغير مقعد و بغير مهاد .... فلماذا يحب الجاهل الفقير أن يتنزل مخاطبه من أسلوبه وأسلوب أقرانه وزملائه ليخاطبه بما هو دون ذلك الأسلوب ؟ إننا لم نسمع أن أحداً تواضع حبا للفقير مخلع حذاءه لمشي حافية أو يلبس أرخص النعال ؛ فما بال أناس يتواضعون فيخلعون لغة المعرفة والثقافة لأنها كما يزعمون لغة لا يفهمها الفقراء ؟