صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/30

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٢٢–

ولا من يُغرَى، ولا يزالون على ما بهم من الجهل كأنهم أزهد الناس في الدرس والاطلاع.

وليس هذا وحده بمعرض العجب في شئون الكتابة والقراءة عندهم وعندنا.

ففي الغرب حيث يظفر الكاتب بأحسن الجزاء من قرائه يعطيهم ما يعطي من ثمراته، ولا ترهقه الشروط، ولا تثقل عليه القيود، ولا يتمحلون له أسباب العيب والتجني والانتقاص، فليس في إنجلترا من يشترط على برناردشو مثلًا أن يحلق لحيته، أو يقلع عن بدعة النباتية في طعامه، أو يدين في السياسة والاجتماع بمثل ما يدين به، أو ينهج في معيشته أو اعتقاده نهجًا غير الذي ارتضاه لنفسه.

وفي الشرق حيث لا يغني الجزاء، ولو وفر القراء، ترى العالم القارئ أو جمهرة القراء كأنهم الطفل الممعود، لا أكثر من شروطه ولا أقل من زاده، ولا أعجب من مطالبه ومقترحاته: تعطيه الحلوى فيطلب الفاكهة، وتعطيه الفاكهة فيطلب الخبز واللحم، وتعطيه الخبز واللحم فيطلب المطبوخ إذا أعطيته الشواء، ويطلب الشواء إذا أعطيته المطبوخ، ويتحكم وهو في مطعم الصدقة، أو شبيه بمطعم الصدقة! ثم لا هو بالآكل، ولا هو بالشاري، ولا هو بالملتمس العلاج لما عنده من ضعف القابلية قبل أن يلتمس العلاج للطاهي وأصناف الطعام.

واسمع غرائب ما يطرق الآذان ويصك الأذهان: فهذا الكاتب لماذا لا يكتب في القصة؟ ولماذا لا يكتب في الدين؟ ولماذا لا يكتب في الفكاهة؟ ولماذا لا يكتب في هذه الصحيفة أو تلك المجلة؟ وهذا الكاتب لماذا لا يطلق لحيته؟ أو لماذا لا يقصها؟ وهذا الكاتب لماذا لا يعجب بفلان ولا يقلع عن الإعجاب بفلان؟ وهذا الكاتب لماذا لا يتوجه إلى جمهرة القراء قارئًا قارئًا؛ ليعفر وجهه بتراب الاعتذار والاستغفار، ويعترف بما يسومونه من اعتراف أو ينكر ما يسومونه من إنكار؟