وخذها قاعدة لا ريب فيها أن الشروط عندنا تزيد بمقدار ما يقل الجزاء، وأن الجزاء عندهم يزيد بمقدار ما تقل الشروط.
أليس هذا بعجيب؟
بلي، ولكنه عجب في الظاهر دون الحقيقة، وما من عجب صحيح في كثرة الطهاة حيث يكثر الآكلون، ولا من عجب صحيح في كثرة الافتنان والتسابق إلى الإتقان حيث يكثر الطهاة في مكان.
فالغربيون يفتنُّون في الطبع والنشر والتشويق والترغيب؛ لأن طهاة الأدب كثيرون، وآكلي الأدب كثيرون.
وكذلك تقل الشروط عندهم؛ لأن الطعام مطلوب هنا إن لم يطلب هناك، وسائغ في بعض الأذواق إن لم يسغ في غيرها من الأذواق.
أما الطفل الممعود فكيف يعيش الطاهي إلى جانبه؟ وكيف يقلع عن الاقتراح والاشتراط وهو لا يأكل ولا يشتهي؟
لو أنه أكل لما اشترط واقترح.
ثم إنه ليجد شروطه كاملة وافية دون أن يطلبها ويلح في تقاضيها؛ لأن الطهاة يكثرون حيث يكثر الآكلون، ثم يتنافس الطهاة فيجيدون ويبدعون.
•••
لقد أخذنا المفكرات السنوية من الطباعة الغربية، ولكننا لم نأخذ بعد افتنانهم في أوضاعها ولا في موضوعاتها، فقلما تختلف مفكراتنا السنوية بغير الحجم وصنف الورق ولون الغلاف، وقد يزيدون عليها بعض الحكم والأمثال على غير قصد مرسوم أو تفرقة منوعة.
وإني لأكتب هذا المقال، وأود أن يصل إلى طائفة من الناشرين والطابعين، فيتخذوا من المفكرات مروجًا للأدب ومن الأدب مروجًا للمفكرات، ويخرجوا لنا مفكرة للمتنبي ومفكرة للبحتري، ومفكرة لابن الرومي، ومفكرات للجاحظ وابن المقفع