صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/203

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 195 – وما دام في الدنيا حرب بغى فالحرب الشريفة مفروضة على الناس لجزاء ذلك البغي ومنعه أن يبلغ مقصده من الغلبة على الآمنين والموادعين . فمن ينكر حرب الإغارة والسطوة لا ينكر حرب المقاومة والدفاع . والفرق عظيم بين من يقول بمنع الحروب وتغليب وسائل السلام ، و بين من يرى الحرب الباغية وينكص عن دفعها ، لأنه لا يميز بين الاعتداء ورد الاعتداء . بل الفرق عظيم بين أولئك « الضميريين » وبين من يحاربون العنف بالحسنى ، لعلهم يخجلون صاحبه ، و ينبهون فيه تبكيت الضمير ، ومن هؤلاء غاندي وتولستوى وطائفة من المصلحين الشرقيين والأوربين هنا وهناك . وإنهم ليقولون بالحسنى ، ولكنهم لا يتخذون الحسنى عدة في الحروب حين لا مناص من الحروب . ومهما يكن من رأى رومان رولان في ذلك ، فليس كاتب هذه السطور بالذي يحمد « الدروشة » الضميرية في هذا المقام ، وأقرب الشواهد على ذلك أننى كنت من دعاة المشاركة في الحرب و إن كانت لاتوجبها علينا معاهدة من المعاهدات ، لأن كفاح الطغيان واجب غنى عن الوثائق والعهود . لة إلا أن العجيب في كلام الأديب المعترض قوله : إن دعوة رومان رولان وأمثاله قد يحتاج إليها الأوربيون ولا نحتاج إليها نحن الشرقيين . لأن دعـوة رومان رولان قائمة على الشجاعة الأدبية وهي ألزم ما يحتاج إليـه الضعفاء بعد عصور الجهل والظلم والفساد وإن الضعفاء الذين طال عليهم مراس تلك العصور لأحوج إلى الشجاعة . الأدبية منهم إلى حمل السلاح . لأن الشجاعة الأدبية تشفى أمراض الفساد كلها . وتبدل بها الصحة والسلامة والقوة والكرامة ، وليس شيء من ذلك بمكفول من حمل السلاح في أمة تخاف الجهر بالحق ولا تجترىء على الباطل ، بل لعل السلاح يصيبها قبل أن يصيب أعداءها ، كما رأينا في كثير من الدويلات الأوربية والأمريكية والشرقية ، حيث يحمل السلاح ولا تعرف الآراء ولا الشجاعة في الآراء . (