صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/191

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

المقترحون والمؤلفون

بين جمهرة القراء في اللغة العربية طائفة لا ترضى عن شيء، ولا تكف عن اقتراح ، ولا تزال تحسب أنها تفرض الواجبات على الكتاب والمؤلفين ، وليس عليها واجب تفرضه على نفسها . إن كتبت في السياسة قالوا : ولم لا تكتب في الأدب ؟ و إن كتبت في الأدب قالوا : ولم لا تكتب في القصة ؟ و إن كتبت في القصة قالوا : ولم لا تكتب للمسرح أو للصور المتحركة ؟ وإن كتبت للمسرح والصور المتحركة قالوا : ولم لا تحيي لنا تاريخنا القديم ، ونحن في حاجة إلى إحياء ذلك التراث ؟ و إن أحييت ذلك التراث قالوا : دعنا بالله من هذا وانظر إلى تاريخنا الحديث فنحن أحق الناس بالكتابة فيه . و إن جمعت هذه الأغراض كلها قالوا لك : والقطن ؟ وشؤون القرض الجديد ؟ و مسائل العمال ، ورؤوس الأموال ؟ وكل شيء إلا الذي تكتب لهم فيه . وقد شبهت هذه الطائفة مية بالطفل المدلل المعود : يطلب كل طعام إلا الذي على المائدة ، فهو وحده الطعام المرفوض . إن قدمت له اللحم طلب السمك ، وإن قدمت له الفاكهة طلب الحلوى ، و إن قدمت له صنفا من الحلوى رفضه وطلب الصنف الآخر، وإن جمعت له بين هذه الأصناف ترکها جميعا وتشوق إلى العدس والفول ، وكل مأكول غير الحاضر المبذول . سر هذا الاشتهاء المقيم في هذه الطائفة من القراء معروف . سره أن الجمهور في بلادنا العربية لم « يتشكل » بعد على النحو الذي تشكلت به الجماهير القارئة في