صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/186

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۷۸ – لأن الدعوة الاشتراكية تستكثر على الفقراء أن يستغرقوا حياتهم في طلب القوت والاشتغال بأعباء المعيشة ، وترى أن الحياة الصالحة هي الحياة التي يقل فيها جهد العمل ، وتكثر فيها فرص المتعة بالنعيم . ا فإذا كان هذا هو رجاءها الأعلى وغايتها القصوى ، فمن أعجب العجب أن تجعل الخبز وضرورات المعيشة شاغلا لكل عامل وقائل ، ومحوراً للأحـلام والآمال ، وفريضة لا يعني منها أحد من الناس حتى الذين وكالتهم المجتمعات الإنسانية منـذ كانت إلى التجميل والتزيين وتذكير أبناء آدم بأنهم نفوس وألبـاب لها مطالب في بعض ساعاتها غير مطالب المعـدات والجلود ! وأكبر من مطالب السوائم والحشرات . ماذا نقول ! أنقول السوائم والحشرات ؟ كلا معاذ الله أن نتهم السوائم والحشرات بالاستغراق في المطاعم والمعدات ، فإنها تعلمنا ما يجهله غلاة الاشتراكيين ، و يريدون منا أن نغفل عنه ونتعلم نقيضه : تعلمنا أن الجمال غاية الحياة ، وأن الطعام ضرورة مفروضـة وليس بالحياة كلها ولا بالشاغل الذي يستوعب كل حي في كل ساعة في كل عمل وكل مسـعاة : تعلمنا أنها تغنى وتمرح وتلعب وتحب الشمس والقمر ، وتلوذ بالأعشاب والأزهار ، ولا تدين نفسها بدين الخبز والمعدة . إلا ريثما تفرغ من هذه السخرة المفروضة عليها أو هذا العبء الذي يثقلها و يعطلها عن سرورها ونشوتها . . ونحن إذ نقول هذا لا نجهل ما يقوله الاشتراكيون ، إذ يستخفون بالفنون والآداب التي تناط بالجمال الخالد ولا تناط بالمنافع الموقوتة . فإنهم يزعمون أن الجوع ، أولى بالتفكير والتعبير من هذه المطالب التي يسمونها بالكماليات ، وهي هي كما أسلفنا طلبة الحياة وطلبة جميع الأحياء . وحسن ما يقولون أو فليكن حسنا كما يشاءون ، ولكن الأمة التي لا تستطيع أن تفرغ من حياة جميع أبنائها بضع ساعات لبعض هؤلاء الأبناء يشبعون فيها