صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/140

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وينفى على السواء ، فيجوز أن يأتى غداً من يثبتها ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ؛ ويجوز كذلك أن يأتى غدا من ينفيها نفيا قاطعاً لا شك فيه ، ولا يجوز – حتى ذلك اليوم – أن نقطع باستحالتها على وجه من الوجوه . وكل ما امتنع القول باستحالته فهو معلق بالممكنات ، ولا سيما إذا كثرت بيننا مشبهاته وشاع بيننا على درجات دون درجته القصوى ، باتفاق الشعور بين ألوف من الناس . يسألني الأستاذ شاهين : «كيف بلغ صوت عمر سارية وصحبه فاستجابوا له ؟ » فالجواب المأمون هنـا أننى لا أعلم ولا أجزم بأن الصوت وصل واستجيب ، ولا أجزم كذلك بأنه ممتنع الوصول والاستجابة . ولكننا إذا قلنا بوصوله واستجابته فإنما يتصور العقل وقوع ذلك على صورة - - ۱۳۲ – . من صور ثلاث : الأولى : أن الصوت الذي سمعه سارية كان صوتاً مادياً يبلغ الأسماع كما يبلغها اليوم صوت المتكلم في المذياع على مسافات بعيدة . والصورة الثانية : أن الصوت وصل بالإيحاء النفسي إلى الجيش كله فاتفقت نفوسهم جميعاً في لحظة واحدة على الاتجاه والاستيحاء والسماع . والصورة الثالثـة : أن الصوت وصل بالإيحاء النفسي إلى سارية وحده ا أو إلى سارية ومن شاركه في هموم القيادة ، فشعر به فرد واحد أو أفراد قليلون . وأسهل هذه الصور الثلاثة قبولا في العقل ، على ما نعتقد ، هي الصورة الثالثة ، وهى أن سارية توجه بنفسه إلى نفس عمر في مأزق شديد عليه وعلى عمر معاً فشعر به الخليفة وناداه ، وهما في لحظة التقابل بالوحي والاستيحاء . هذه الصورة أسهل قبولا من الصورتين الأخريين لأن الصورة الأولى وهى انتقال الصوت المادى مئات الأميال بغير الوسائل الصناعية التي نستخدمها في عصرنا يكلفنا أن نطبع العناصر المادية بطابع لم تعرف به قط فيما مضى وفيها حضر ، و يقتضى أن يكون صوت سارية قد سمع في الجيش الذي