صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/139

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فإن العقل لا يمنعها ، والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها ونفى أمثالها » . ثم عقبنا على ذلك قائلين : « إن المهم من نقل هذه القصة في هذا الصدد أن عمر كان مشهوراً بين معاصريه بمكاشفة الأسرار الغيبية إما بالفراسة أو الظن الصادق أو الرؤية أو النظر البعيد ، وهي الهبات التي يلحقها بالعبقرية علماء العصر الذين درسوا هذه المزية الإنسانية النادرة وراقبوها » . فسواء صحت قصة سارية أو صح جزء منها أو لم يصح شيء منها على الإطلاق ، فيكفي أن تروى عن عمر بين معاصريه ، ليثبت لنا أمر محقق لا شك فيه ، وهو أن « الحساسية الخاصة » كانت ملحوظة فيه حتى نسب إليه الناس ما نسبوا من رؤيته جيش سارية على البعد وندائه عليـه . فهو قبل أن تقع هذه القصة كان من أصحاب « الحساسية الخاصة » التي يلحظها من حوله و ينسبون إليها الحوادث التي تناسبها . و . ( - ۱۳۱ - وهذه وحدها علامة كافية من علامات العبقرية ، ولا حاجة معها إلى تحقيق ندائه إلى سارية واستماع سارية له كما جاء في القصة المروية أو على نحو يقار بها . فهو فى رأى من حوله رجل يحس الأشياء التي لا يحسونها ويملك القوى النفسية • التي لا يملكونها ، وهذا كاف لاتصافه بعلامة بارزة من علامات العبقرية في رأى النفسانيين المحدثين . وهنا نحن على « بر الأمان » الذي لا مجازفة فيه ، ولا يكلفنا كثيراً ولا قليلا في التعرض للتلباني بالنفي والإثبات . ولكنا إذا تجاوزنا هذا وتعرضنا لتحقيق التلباني للحكم بإمكانها أو استحالتها ، ففي وسعنا أن ننتقل من بر أمان إلى بر أمان مثله لا مجازفة فيه ، وهو مطالبة الذين يجزمون باستحالتها بالدليل على ما يقولون . لأن الجزم باستحالة شيء بغير دليل كالجزم بوقوعه عياناً بغير دليمل ، كلاهما خرافة لا يقبلها العقل ، و إن جاء أحدها من ناحية الإثبات . و إنما الموقف السليم بين الإنكار والقبول أنك تترك الباب مفتوحاً لمن يثبت .