صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/136

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۲۸ – . أو هو مرقوب الوقوع ، فأبادر بالكتابة من طريق البرق أو البريد ، و يحدث في هذه الحالة أن يجيئنى خطاب قبل وصول سؤالي إلى وجهته يدعو إلى الطمأنينة ، أو يرد إلى الجواب بعد قليل وفيه إشارة إلى خطر زال وأحسب أن هذه العوارض أشيع من أن تحصى في عداد النوادر والفلتـات ، فقد سمعت ما يشبهها من بعض الأصدقاء المصدقين . وقد أخبرني بعضهم بقلقه على غائب يعزه وهو لا يعرف سبباً واضحاً للقلق الذي يساوره حتى فاتح فيه غيره . ثم تبين أنه لم يقلق يومئذ بغير داع معقول إلا أن النوادر والفلتات في التلباني هي العوارض التي تشبه قصة سارية فيا روى عن عمر بن الخطاب . فالذين يشعرون على البعد بمثل هذه القوة والوضوح قليلون ، ولكن المسألة - بعد - مسألة فرق في القوة والوضوح ، وليست بفرق في أساس الشعور يماثل الفرق بين من يبصر ومن لا يبصر ، وبين من يسمع ومن ليست له أذن للسمع ، و بين من يحس ومن ليست له قابلية للاحساس . فالشعور على البعد كالشعور على القرب جائزان ، ووسيلة الشعور على البعد ليست بأصعب من وسيلة الشعور على القرب بالعيون والآذان ، وإن كنا لا نستغرب هذه كما نستغرب تلك لطول الألفة وتكرار المشاهدة بين جميع الأحياء . اله الا وحد التصديق عندي لهذه العوارض هو وجود الأساس الذي تعتمد عليه . فإذا كان كل ما في الأمر أنه تكبير للحس الذي تعودناه أو مضاعفة له وتقريب لأبعاده ومسافاته فلا مانع من صـدقه ، وإذا كان في الدعوى ما يحوجنا إلى فروض لا أساس لها من المشاهدات والمعقولات فهنالك موضع للتردد والاشتباه . - وعلى هذا أقبل دعوى التنويم المغناطيسى – مثلا – إذا ادعى للنائم أنه يبصر شيئاً موجوداً على مسافات بعيدة ، ولكني لا أقبل منه هذه الدعوى إذا تعدى ذلك بما سيكون بعد عام أو بعد شهر أو بعد يوم ، وليس له وجود قائم الآن . -