- ۱۲۰ – وليس هذا بالحقيقـة فيها أعلم من شأن نفسى ، وفيما أعلم من شأن البواعث التي حفزتني إلى معالجة «الدروشة» والكرامات الدينية ، وحفزتني إلى قيادة الجيوش والغلبة في القتال ، وحفزتني حيث استقر بي المطاف إلى المضي في طريق الأدب والكتابة دون كل طريق . فلو كانت المسألة طموحاً وتطلعاً إلى الحفاوة لكان الأولى بي أن أطمح إلى جمع المال والتوسع في التجارة ، لأنها قبلة الأنظار في بلد له في التجارة تاريخ عريق حتى قيل إن اسم الإقليم مستمد من اسم السوق . بل لو كانت المسألة طموحاً إلى الحفاوة التي يلقاها رجال الدين لكان الأولى بي أن أطمح إلى مكانة القضاة الذين يخرجون بين الحراس والحجاب و يتقدمون على رجال الحكم ورجال الجيش حينا اجتمعوا معاً في مكان حافل أو مأدبة حكومية ، أو لكان الأولى بي أن أطمح إلى منزلة كمنزلة أستاذنا الفقيه الأديب الأستاذ أحمد الجداوي - رحمه الله - وكانت له حلقة دينية أدبية يتردد عليها أعاظم القوم ويجلسون بين يديه جلسة الخشوع والتوفير ، وكانت له إلى جانب ذلك مساجلات أدبية يحج إليها المعلمون والمتعلمون ، ويتندر بفكاهاتها وطرائفها من يدرسون ومن لا يدرســـــــــــون . أما حياة «الأسرار، الدينية فلم تكن محل ظهور ولا وجاهة بين الناس ، ولم يكن أحد ممن يقتدى بهم في هذا المجال على مظهر يشوق الطفل الناشيء أن يحكيه أو يعيش على غراره : مظهر مسكنة وحرمان وشظف وانقطاع . وأدل من هذا على خطأ التفسير بالطموح في هذا الصدد أن الظهور وطلب الكرامات والأسرار نقيضان كما تنبئنا أول صفحة من أول كتاب في مناقب الصالحين : فمن طلب الظهور فلا سبيل له إلى كرامة ، ولا نفاذ له إلى سر مكنون من أسرار القداسة والولاية
صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/128
المظهر