صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/116

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۰۸ – وهناك حقيقة من هذه الحقائق فحواها أن الغنى ليس بجريمة ، وأن الفقر ليس بفضيلة ، فلن يقول أحد به مسكة عقل أن الأغنياء يستحقون الفقر لأنهم أغنياء ، وأن الفقراء يستحقون الغنى لأنهم فقراء ، وإن جاز أن يقال إن الإفراط في الغنى والإفراط في الفقر ظلمان محققان . أما الحقيقة التي بإزائها فهي أن الأمر لا يرجع هنا إلى العدل والاستحقاق ، ولكنه يرجع إلى صلاح المجتمع ولو نال فيه فريق فوق مايكافىء عمله وجدواه . فكل عضو شاك يكلف الجسم بعض الأحيان فوق حقه وفوق نصيبه من العمل الجدوى ؛ وبغير هذا العلاج لاتستقيم صحة الأجسام . وصحيح أن العالم مدين للعصاميين ، وأن العصاميين لم يولدوا في الذروة العليـا من طبقات الأمة ، ولكن ليس بصحيح أن طبقة الحضيض هي صاحبة الحصة الكبرى في إنجاب العصاميين ؛ و إنما الصحيح أنهم ينشأون وسطاً بين الطبقة التي نهكتها رذائل الترف والغرور ، والطبقة التي نهكتها رذائل الهوان والمسكنة . ومعظم المصلحين الذين نفعوا الفقراء لم يكونوا من ضحايا الفقر المدقع والمنبت المنحدر البالغ في الانحدار ، مما يؤيد رأى القائلين إن الفقر المدقع الذي يلازم أصحابه عقباً بعد عقب إنما هو قصور في الذهن والخلق يحلهم حيث يحل القاصرون المتخلفون أيا كان المجتمع الذي يعيشون فيـه . وبعد هذه الحقائق جميعها تبقى لنـا حقيقة لا يطول فيها جدل المنصفين ، وهي أن الفقر آفة يجب أن تزول إذا استطعنا أن نزيلها ، ويجب ألا يمنعنا عن إزالتها إلامانع واحد لانحفل بغيره : وهو عدم الاستطاعة، ولو كان الفقراء مستحقين لما هم فيه . فلن يبحث منصف عن المريض هل جلب المرض لنفسه بيديه ، أوسيق إلى المرض مكرهاً عليه ، إذا كانت المسألة مسألة طب وشفاء مستطاع . 9