صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/109

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

إذا جاز هذا جاز مثله أن تشبع من الحوادث والتجارب دون أن « نأكلها » كما أكلها الذين من قبلنا . ولكنهما خطتان بمنزلة واحدة من البعد والاستحالة : فألوف الألوف لا يشبعونك بما تناولوا من غذاء ، وألوف الألوف لا يعطونك التجربة التي تناولوها من حوادث الأيام ، وإنما الشبـع شيء لاتناله إلا بما تعمله وظائف جسمك ، وكذلك التجربة شيء لا تناله إلا بما تعمله وظائف نفسك ، ولو رأيت أمامك كل المجر بين وسمعت وصف التجارب من كل لسان مبين والرجل بمفرده قد يجرب الحالة الواحدة على أنماط وألوان لا يحيط بها الإحصاء ، فيخونه عشرة أصدقاء ولا تحذره إحدى هذه الخيانات أن يستهدف لغيرها ، لأنها مختلفة المنحى والنتيجة ويحب عشر نساء ولا تعطيه إحداهن ما تعطيه الأخريات . ويسافر إلى القطر الواحد مرات ثم يعود من كل مرة بتجربة جديدة لا تنسخ ماقبلها ولاتنسخها التي تليها . وهذا معنى التجربة ، وهذا معنى ا الحياة - والأصل في الحياة المبالاة بالحوادث والمؤثرات ، لأن الكائن الحي كجهاز التلقى والإرسال الذي لا ينعزل مما حوله ولا تنقطع الصلات بين العالم الخارجي وبينه ،• فإذا انتهى به الأمر إلى تجاهل الحوادث وقلة الأكتراث لهـا فتلك ضرورة طارئة تراض عليها النفس بعـد معالجتها وتكرير علاجها ، ثم يكون الاستقرار عليها بمثابة الصـدأ الذي يمنع الاتصال ، فلا تلق ولا إرسال ، أو يكون على أحسنه بمثابة وقع المفتاح وتعطيل الأداء والاستقبال . ور بما فهم ذلك في بعض مراحل الحياة التالية ؛ أما الإبتداء به في المراحل الأولى فغير مفهوم ولا معهود ، إلا أن يكون عن نقص في التكوين وعجز عن التجربة ما يراد منها ومالا يراد . قيل أن السعيد من وعظ بغيره ... ولكن أين هو السعيد ؟ وما جدواه من السعادة