صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/108

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۰۰ - والجواب أن صديقنا المازني نفسه لو عاد إلى الشباب لما اعتبر هذا الاعتبار ولا سلك في الحياة إلا المسلك الذي عدل عنه بعد حين ه ) وخيراً تصنع الحياة إذ تجعل كل حي مستقلا بحياته عن التجارب النفسية التي جر بها سابقوه . فليس من الحياة أن يعيش الإنسان عالة على شعور غيره ، وليس هذا بالمستطاع لو حسن أن يكون وفرق شاسع بين المعلومات والتجارب النفسية في هذا المجال ، فإننى لا أستطيع أن أعرف وحدى جميع المعارف الإنسانية التي عرفها السابقون وأضاف إليها اللاحقون ما أضافوه ، ولكنى أستطيع أن أجرب وحدى ماجر" به كل فرد وحده ، ولا خسارة على في ذاك ! لا بل الخسارة كل الخسارة في تركي إياه يشعر « بالنيابة » عنى و إلغائى لشعوری أنا معتمداً على ما جر به واهتدى إليه . أما المعلومات فيكفي أن تنتقل إلى ليصبح نصيبى منها و نصيب من عرفوها جميعاً على قدر سواء ، فلا خسارة في انتقالها من جيل إلى جيل . وينبغي أن نذكر هنا أن التجربة ليست مسألة فهم ولكنها مسألة رياضة . فالحصان الوحشي الذي تربطه بالقيود وتقيم من حوله العوائق لتمنع جماحه وتسلس قياده لا بثوب إلى السلاسة لأنه فهم أنها خير من الجماح ، أو وازن بينهما موازنة فكرية فاختار أفضلهما في الرأي والمنطق ، ولكنه « ريض » على حالة لا يستطيع غيرها ولو فهم أن غيرها هو الصواب ، , ولو كانت التجارب مسألة فهم لما استعصى خطبها على أحد ، فإن حكمة الحكماء الذين قالوا إن « الصبر مفتاح الفرج » تقهم لفظا ومعنى في لمحة عين ، ولكن النفس لاتراض عليها قبل سنين حافلة بالحوادث والدروس ، وقد تمضي السنون ولا تبلغ بها مبلغ الرياضة على تلك الكلمات الثلاث ! إن الأقدمين قد أكلوا فشبعوا . فهل تشبع نحن لأن الأقدمين قد عرفوا الشبع من قبلنا دون أن نأكل كما أكلوا ؟ )