٨٣
فكيف كنتم أنتم وعدوكم؟ قال: كنا إذا أخذنا عَفَوْنا، وإذا أخذوا يئسنا منهم، وإذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فيهم، فقال: الحجاج: إن الْعاقبة للمتقين، قال: فكيف كان لكم المهلب وكنتم له؟ قال: كان لنا منه شفقةُ الوالد، وله منابِرُّ الولد، قال: فكيف اغتباط الناس؟ قال: قد فشا فيهم الأمن، وشملهم النَّفلَ، قال الحجاج: هكذا تكون والله الرجال، المهلب أعلم بك حيث وجهك، ثم كتب الحجاج إلى المهلب أن استعمل شهمًا من أولادك على كِرْمان، وأقدم علي، فاستعمل ابنه يزيد، وقدم العراق فأجلسه الحجاج إلى جانبه، وأظهر إكرامه وبره، وقال: يا أهل العراق، أنتم عبيد المهلب، ثم قال الحجاج للمهلب: أنت والله كما قال لقيطٌ الإيادي:
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ
رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مُضْطَلِعَا1
لاَ يَطْعَمُ النَّومَ إِلاَّ رَيْثَ يَبْعَثُهُ
هَمٌّ يَكَادُ حَشَاهُ يَقْصِمُ الضِّلعَا
لاَ مُتْرَفًا إِنْ رَخَاءُ الْعَيْشِ سَاعَدَهُ
وَلاَ إِذَا عَضَّ مَكُرُوهٌ بِهِ خَشَعَا
مَا زَالَ يَحْلُبُ هذا الدهْرِ أَشْطُرَهُ
يَكُونُ مُتَّبِعًا طَوْرًا وَمُتَّبَعَا
حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ
مُسْتَحْكِمَ الرأْيِ لاَ فَحمْا وَلاَ ضَرَعَا2
هذا آخر ما أردت جمعه من تاريخ بعض مشاهير الشجعان تذكرة لشباب العصر الرافلين في حلل المدنية والفخر.
والله أعلم