صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٥٧

وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعَنِيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت: أنا ابن عمته وقريبُه وسألته إياه قبله فتركني وأعطاه له، واللهِ لأنظُرن ما يصنع فاتَّبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه وخرج وهو يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي
ونحن بالسفح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكَيُّول
أضربُ بسيف الله والرسولِ

والكيول آخر الصفوف، فلما اقتتل الناس وحميت الحرب قاتل قتالًا شديدًا حتى أمعن في الناس فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحًا إلا ذَفَّفَ عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينها فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتّقاه بدَرقَته فمضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقلته، ثم رأيته قد حمل السيف على رأس هندٍ بنت عُتبة امرأةِ أبي سفيان ظانا أنها رجل؛ لأنها كانت تضرب المسلمين بعمود في يدها فولولت فعدّل عنها، قال الزبير: فقلت له: لِمَ لمْ تضربها؟ فقال: أكرمت سيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضربَ به رأس امرأة1 واستشهد يوم اليمامة بعد أن أبلى بلاءً عظيمًا، وكان بنو حنيفة لما انهزموا دخلوا حديقة لهم تعرف بحديقة الموت وقفلوا باب السور فلم يجد الصحابة منفذًا للدخول عليهم، فقال لهم أبو دجانة: أصعدوني على السور حتى أفتح لكم، فألقى نفسه ودخل السور وقاتلهم وحده حتى وصل الباب وفتحه فدخل الصحابة فوجوده مقتولًا وحوله جماعة من بني حنيفة مقتولين، وهو الذي شارك وحشِيًّا في قتل مسيلِمة الكذاب في قول.


  1. في مغازي الواقدي: أن المرأة هي عمرة بنت الحارث.