ويلاحظ هنا أن الآباء الخلقيدونيين اعتبروا المجمع المسكوني الأداة الوحيدة للحل والربط حيث قالوا: «نحدد نحن أيضاً ذلك التحديد عينـه». ويلاحظ أيضاً أن هؤلاء الآباء لم يروا مبدأ التقدم بين الأساقفة ناشئاً عن رتبة رئيس في الرسل وإنما اعتبروه منحة، من الآباء والكنيسة وأنهم لم يروا سبب هذا التقدم خلافة عن رسول من الرسل وإنما اعتبروه نتيجة طبيعية لتقدم المدن بعضها على بعض. فإنهم قدموا القسطنطينية «لكونها المدينة المتملكة» ورأوا أيضاً أن «تملك» هذه المدينة جعلها مساوية لرومة.
ولم يرض لاوون عن القانون الثامن والعشرين وكتب في ذلك محتجاً معترضاً إلى المجمع وإلى الإمبراطور، ولكن الآباء لم يقبلوا اعتراضه بل ثبتـوا قرارهم السابق. فسكت لاوون ولم يثر ضجة ولم ينقطع عن الشركة معهم لأنه أحب المسيح وأحب كنيسته محبة مسيحية حقيقية لا غش فيهـا. فأكرمه الأباطرة والأساقفة ولقبوه بأول الأساقفة واعتبروه مفسراً أميناً للعقيدة المقدسة. ولا يزال يمجد «مقراً إلهياً لنعمة الله».
وتبنى الأباطرة المسيحيون أعمـال المجامع وأشرنا فاعتبروا قراراتها قانونية شرعية نافذة سارية المفعول. وجاء بوستنيانوس (٥٢٧ - ٥٦٥) يعيد النظر في النظم والقوانين (٥٢٨ - ٥٣٤) فأصدر النوفلتين المئة والثالثـة والعشرين والمئة والحادية والثلاثين فاعتبر فيها الكنيسة الجامعة مؤلفة من خمس بطريركيات لا سادسة لها: رومة القديمة ورومة الجديدة والإسكندرية وأنطاكية وأوروشليم. وشملت سلطة بطريرك رومة القديمة كل الغرب وذيقوسية اليرية الشرقية. وشملت بطريركية رومة الجديدة ذيقوسيات تراقية وآسية والبونط. وخضعت مصر وصعيدها وليبية والقيروان لبطريرك الإسكندرية. واعتبر بطريرك أنطاكية متسلطاً على ذيقوسية الشرق ما عدا فلسطين الأولى والثانية والثالثة. وتبعت هذه الفلسطينيات بطريرك أوروشليم. وهذه هي المرة الأولى التي ورد