ويلاحظ هنا أنه ليس في هذا كله أية قيصرية باباوية «Cesaropapisme» بالمعنى السائد في الأوساط اللاهوتية الكاثوليكية الغربية1. فهو ليس سوى أثر من آثار الوثنية الرومانية رضيت عنه كنائس الشرق والغرب في القرون الرابع والخامس والسادس ثم حاولت التحرر منه في الشرق والغرب أيضاً. هذا ما يراه أستاذ بلغراد جورج أوستروغورسكي 2. وهو ما يقول به أيضاً بعض علماء الكنيسة الغربية أمثال الأب فرنسيس دفورنيك3 والأستاذ لويس براهيه4. وبلغت حركة التحرر هـذه أشدها في الشرق في حروب الأيقونات في القرنين الثامن والتاسع. فالآباء القديسون العلماء آنئذ رأوا في هذه الحروب نهضة تحرر من تدخل السلطات الزمنية في شؤون العقيدة ومن ادعاء الإمبراطور لاوون الثالث في ساعة حماس شديد أنه «إمبراطور وكاهن أعظم»5. فقال الدمشقي دفاق الذهب: «نحن نطيع الإمبراطور في الأمور التي تتعلق بحياتنا اليومية في الخضوع له وفي دفع الضرائب وتسديد الحسابات المستحقـة أما في شؤون الكنيسة فلنا رعاتنا وشراح الكلمة ومن يفسر قوانيتنا الكنسية. عليه واجب النجاح في السياسة وعلى الرعاة والوعاظ تنظيم أمور الكنيسة وانتزاع هذه الصلاحية من أيديهم هو في حد ذاته سرقة». وقال ثيودوروس الأستودي: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما الله الله» وطالب باستقلال الكنيسة عن الدولة وحرية انتخاب الأساقفة وتطهير الكراسي من كل راشٍ أو مرتشٍ.
وفي السنة ٨٨٦ بانت الأباناغوغوة أو «المقدمـة» في أربعين فصلاً خلاصة وافية في أيدي القضاة وأساتذة القانون وطلابه. ولعل الفضل الأكبر في إعداد نصوصها يعود إلى البطريرك الفيلسوف فوطيوس، و كان الإمبراطور
باسيليوس يهدف من وراء هذا التشريع إلى «إسقاط الإكلوغـة الهدامة» التي